أعلنت وزارة الخارجية الأميركية موافقتها على صفقة بيع معدات عسكرية إلى بولندا، تتضمّن صواريخ مضادة للدروع وقاذفات صواريخ، بقيمة تقديرية تبلغ 100 مليون دولار.
وكانت الحكومة البولندية طلبت في سبتمبر الماضي 180 صاروخاً من طراز "جافلين" المضاد للدروع، و79 قاذفة صواريخ. لكن الصفقة عُطِّلت بسبب أزمة عزل الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
وأشارت "وكالة التعاون الأمني الدفاعي"، إلى أن الصفقة ستدعم السياسة الخارجية والأمن القومي للولايات المتحدة، من خلال تعزيز أمن بولندا، وهي حليف وشريك للحلف الأطلسي، وتُعدّ قوة مهمة للسلام والاستقرار السياسي والتقدّم الاقتصادي في أوروبا الشرقية.
وأضافت الوكالة، أن أنظمة "جافلين" الدفاعية ستساعد بولندا على بناء قدرتها الدفاعية بعيدة المدى، للدفاع عن سيادتها وسلامة أراضيها، من أجل تلبية متطلبات الدفاع الوطني.
التقارب العسكري الأميركي- البولندي بدأ قبل سنوات، واستمر في التطور؛ إذ وقّع وزير الدفاع البولندي ماريوش بلاشاك في مارس 2018، بعد سنوات من التفاوض، عقداً مع واشنطن للحصول على منظومة "باتريوت" الأميركية المضادة للصواريخ، في صفقة بقيمة 4.75 مليار دولار.
تُعدّ صفقة "باتريوت" الأضخم دفاعياً في تاريخ بولندا، ومن المقرر البدء بتسليمها خلال الربع الأول من العام 2022. واعتبر بلاشاك أن حصول "وارسو" هذا النظام الدفاعي الحديث الذي أثبت فاعليته، يضع بولندا ضمن مجموعة الدول التي تمتلك منظومات تسليح تضمن أمنها.
وبعد محادثات انطلقت في أغسطس العام الماضي، وقّعت وارسو وواشنطن في يناير 2020 اتفاقاً لشراء 32 مقاتلة من طراز "إف-35 "، في صفقة قُدرت بنحو 4.6 مليار دولار.
قلق أوروبي من روسيا
بدأت الحكومة البولندية بتكثيف علاقاتها مع واشنطن، لتعزيز قوتها العسكرية، بعد ضمّ موسكو شبه جزيرة القرم عام 2014، في خطوة وتّرت العلاقات بين روسيا ودول الغرب، خشية احتلالها دول البلطيق.
ويربط بولندا وليتوانيا ممرّ "سوفالكي" الذي يمتد بطول 65 كيلومتراً، ويشكّل مصدر قلق كبير في "الأطلسي"؛ إذ تعتبر هذه المنطقة خاصرة رخوة تمكّن الروس، إذا احتلوها، من قطع دول البلطيق عن أوروبا الشرقية، وفق تقرير لشبكة "فرانس 24".
وبعد تنفيذ موسكو تدريبات عسكرية متطورة في مدينة كالينينغراد الروسية، تفاقم القلق الأوروبي من اجتياح روسي لدول البلطيق الثلاث، ليتوانيا ولاتفيا وإستونيا، ناهيك عن ممارسات روسية، بينها اختراق المجال الدولي لتلك الدول، ما دفع الولايات المتحدة إلى نشر قوات هناك، بعد مطالبات من دول البلطيق وبولندا.
القوات الأميركية انتشرت للمرة الأولى في شمال شرقي بولندا عام 2017، وهي واحدة من 4 مجموعات على الجهة الشرقية للحلف الأطلسي، تستهدف حماية أوروبا من عدوان روسي محتمل.
وانتشرت المجموعات الثلاث الأخرى في دول البلطيق الثلاث، فعسكرت كتيبة بريطانية في إستوينا، وقوات كندية في لاتفيا وألمانية في ليتوانيا.
في 23 سبتمبر 2019، وقّع ترامب ونظيره البولندي أندري دودا اتفاقاً حول تعزيز التعاون الدفاعي، مهّد لزيادة الوجود العسكري الأميركي في بولندا.
وورد في الاتفاق، أن البلدين يواصلان "تطوير خطة لتعزيز علاقاتهما العسكرية، وقدرات الدفاع والردع الأميركية في بولندا". وتشمل هذه القدرات نشر نحو 4500 عسكري أميركي، ما يرفع حجم الوجود العسكري لواشنطن في تلك الدولة بنحو 1000 عسكري.
لماذا أميركا في بولندا؟
رداً على نشر قوات أميركية إضافية في بولندا، أعلنت روسيا تعزيز وجودها العسكري في بحر البلطيق، عبر ثلاثة فرق جديدة جنوب غربي روسيا، فضلاً عن نشر أسلحة جديدة قرب حدود البلاد.
وعلى الرغم من أن ألمانيا الغربية كانت محور الخطط الدفاعية "الأطلسية" المعادية لروسيا، واستضافت مئات الآلاف من القوات الأميركية والقوات المتحالفة معها، إلا أن بولندا باتت تتولى هذا الدور بشكل متزايد، بوصفها أحد أكثر أعضاء التحالف قوة.
وأفاد تقرير "غلوبال فاير باور" حول التصنيف العسكري للدول، بأن بولندا تحتل المرتبة 21 بين 138 دولة لعام 2020. كما تنفق بولندا نحو 2% من ناتجها المحلي الإجمالي على الإنفاق العسكري، وهذ ما يتفق مع هدف "الأطلسي" للتسليح العسكري.
في أغسطس 2019، قال السفير الأميركي في برلين، ريتشارد غرينيل، إنه "في ظل تقاعس ألمانيا عن زيادة الإنفاق العسكري إلى 2% من الناتج المحلي الإجمالي، قد لا يكون أمام واشنطن سوى نقل قواتها المتمركزة في ألمانيا، إلى بولندا".
وأفادت وكالة "رويترز" بأن ويس كريمر، رئيس شركة "رايثيون" لأنظمة الدفاع المتكاملة، رجّح أن تتحرّك بولندا بسرعة كبيرة لتطوير أنظمتها الدفاعية، بسبب تحركات روسيا.
تركيز بولندا على تحسين خططها الدفاعية وتطوير أسلحتها، يشكّل دافعاً لتعزيز الروابط العسكرية معها، ليس فقط من الولايات المتحدة، بل من دول أوروبية أيضاً.
"شريك استراتيجي" لأميركا وأوروبا
في تقرير نشرته مجلة "ديفينس نيوز" الأميركية المتخصصة في السياسة والأعمال وتكنولوجيا الدفاع، لم يقدم أي من حلفاء "الأطلسي" على تحسين وضعه الدفاعي ودعم عودة القوات الأميركية إلى أوروبا، بمقدار بولندا.
ووصفت المجلة بولندا بأنها "الحليف الرئيسي للولايات المتحدة في الأطلسي"، علماً بأن وارسو ستكون المضيف الرئيسي لأضخم تدريبات عسكرية تعدّ لها واشنطن في الحلف، والتي ستنفذ من أبريل إلى يونيو المقبلين في 10 بلدان أوروبية.
وفي بيان على الموقع الرسمي للقوات الأميركية في أوروبا، أُعلن عن وصول أولى المجموعات العسكرية والمعدات الثقيلة إلى بولندا نهاية فبراير الماضي، لبدء نشرها.
وأشار البيان إلى أن نحو 37 ألف جندي سيشاركون في المناورات، بينهم 20 ألف جندي سيُنقلون مباشرة من الولايات المتحدة. إضافة إلى 9 آلاف جندي موجودين في دول أوروبية، بينهم 3 آلاف في بولندا، و8 آلاف جندي أميركي منتشرين في دول أخرى وسيُنقلون للمشاركة في المناورات.
ووصف البيان المناورات بأنها أضخم نشر للقوات الأميركية في أوروبا منذ 25 عاماً، ويأتي في إطار التحقق من صحة استعداد القوات المسلحة الأميركية لنشر أفرادها ومعداتها في أوروبا، وإظهار قوتها العسكرية في مواجهة اضطرابات وخصوم محتملين.
وبعد أيام على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، زار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وارسو من أجل توثيق العلاقات معها في ملفات الأمن الأوروبي والعلاقات مع روسيا.
ودعا ماكرون إلى إحياء العلاقات الثلاثية الألمانية - الفرنسية - البولندية، بعد "بريكست"، معتبراً أن "الدول الثلاث تتحمّل مسؤولية مستقبل أوروبا".
التوترات بين روسيا وبولندا
على الرغم من أن بولندا كانت هي ذاتها مقراً لحلف وارسو الذي أعلن عام 1955، وهو حلف مناوئ لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، وعمل كمنظمة عسكرية سابقة لدول أوروبا الوسطى والشرقية الشيوعية، لمواجهة التهديدات الناشئة من أعضاء حلف شمال الأطلسي (الناتو)، إلا أنه بانتهاء الحرب الباردة عام 1991 وسقوط جدار برلين وانهيار الاتحاد السوفيتي، بدأت الدول بالانسحاب من حلف "وارسو"، لتنضم واحدة تلو الأخرى إلى حلف الناتو.
وخلال السنوات الأخيرة تصاعدت التوترات بين بولندا وروسيا على وجه التحديد، إلا أن حدتها زادت، خاصة حين كشفت روسيا عن وثائق سرية تقول إن جهاز استخباراتها حصل عليها، وتفيد بأن بولندا وقفت في صف النازية الألمانية قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية، فضلاً عن أنها كانت أحد أسباب اندلاع تلك الحرب التي راح ضحيتها في بولندا ملايين اليهود.
وبحسب تقرير لصحيفة "غارديان" نُشر في سبتمبر 2009، نشرت روسيا وثائق تتكون من 400 صفحة جمعها عملاء الاستخبارات السوفييت في الفترة بين العامين 1935 و1945، تتضمن خطابات وتقارير تم الحصول عليها من البعثة البولندية بالخارج، وتزامن نشر الوثائق مع الذكرى الـ70 لاندلاع الحرب العالمية الثانية.
وذكرت الوثائق أن بولندا تآمرت على الاتحاد السوفييتي الذي كانت جزءاً منه في سنوات ما قبل الحرب التي اندلعت في الأول من سبتمبر 1939. وأضافت الوثائق أن بولندا وقعت اتفاقية سرية مع ألمانيا عام 1934 تفيد بأن تلتزم بولندا الحياد حال هاجمت ألمانيا الاتحاد السوفيتي.
في ديسمبر الماضي، عاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إلى توجيه الاتهامات لبولندا، بالتآمر مع الزعيم النازي أدولف هتلر. من جانبه اتهم رئيس الوزراء البولندي ماتوش مورافيتسكي، بوتين بالكذب، موضحاً، "أن بوتين كذب عدة مرات بشأن بولندا عمداً".
وبحسب دراسة لمركز الدراسات السياسية والاجتماعية "سيتا"، فإن توتر العلاقات بين البلدين تفاقم بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وانضمام بولندا لحلف "الناتو"، تلتها تصريحات بولندا بإدانة التدخلات الروسية في الشيشان، ثم طردها دبلوماسيين روس على خلفية اتهامات بالتجسس.
ووجهت اتهامات غربية لروسيا بعد احتلال جزيرة القرم، وبرغبتها في اجتياح بولندا ودول البلطيق الثلاثة، فضلاً عن إثارة التدريبات العسكرية المشتركة في سبتمبر 2017 بين روسيا وبيلاروسيا "زاباد"، قلق "الناتو" من كونها تحضيراً لغزو روسي للعاصمة وارسو، إلا أن وزارة الدفاع الروسية أصدرت بياناً تنفي فيه أي رغبة لغزو بولندا، حسبما نقلت وكالة رويترز عن نائب وزير الدفاع الروسي.