تحول جذري في موقف واشنطن بعد أكثر من عقد من الرفض

الاعتراف الأميركي بسيادة روسيا على القرم يؤطر خطة ترمب للسلام في أوكرانيا

أشخاص يمرون أمام جدارية بألوان العلم الروسي في يفباتوريا في شبه جزيرة القرم. 24 أبريل 2025 - reuters
أشخاص يمرون أمام جدارية بألوان العلم الروسي في يفباتوريا في شبه جزيرة القرم. 24 أبريل 2025 - reuters
دبي/ لندن -الشرقرويترز

اقترح الرئيس الأميركي دونالد ترمب خطة سلام جديدة من أجل وقف الحرب المتواصلة منذ أكثر من 3 سنوات بين روسيا وأوكرانيا، إذ تقترح اعترافاً أميركياً بسيادة موسكو على شبه جزيرة القرم التي استولت عليها في عام 2014، لتنهي عقداً من الرفض الأميركي، بحسب صحيفة "نيويورك تايمز". 

وقالت الصحيفة الأميركية، إن مقترح السلام الجديد الذي قدمته إدارة ترمب في لندن، الأربعاء الماضي، تضمن اعترافاً من الولايات المتحدة بأن شبه جزيرة القرم جزء من روسيا وهو ما كانت تخشاه أوكرانيا خلال فترة ولاية ترمب الأولى بالسيطرة الروسية على القرم.

وفي حملته الانتخابية، صرَّح ترمب بأنه "سينظر في الأمر"، رغم أن إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما وحلفاء الولايات المتحدة الغربيين كانوا قد رفضوا ضم موسكو لهذه المنطقة الاستراتيجية، كما أشار ترمب في ذلك الوقت إلى أن "شعب القرم، بناءً على ما سمعته، يُفضّل أن يكون مع روسيا". 

وتعد المساعي الدبلوماسية الحالية، الجهود الأكثر تضافراً لوقف القتال منذ أشهر الغزو الروسي لأوكرانيا الأولى في فبراير 2022، إذ تسيطر روسيا حالياً على ما يقرب من خمس مساحة أوكرانيا.

ما موقف الإدارة لأميركية؟

ولم يطرأ أي تغيير في موقف ترمب منذ ذلك الحين، بل اتخذ ترمب موقفاً مضاداً لموسكو. وفي يوليو 2018، أصدر وزير الخارجية الأميركي آنذاك مايك بومبيو "إعلان القرم"، الذي تعهد فيه باستمرار سياسة عدم الاعتراف بسيطرة روسيا على القرم حتى تتم استعادة وحدة الأراضي الأوكرانية. 

وفي تعليق على خطة السلام الجديدة، وصف دانيال فريد، الدبلوماسي الأميركي السابق والمتخصص في الشؤون الأوكرانية والروسية، الجزء الخاص بالاعتراف بالسيادة الروسية على القرم بأنه "الأسوأ" في اقتراح ترمب، الذي يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه يميل بشدة لصالح موقف موسكو في عدة جوانب. 

وأضاف في تصريحاته لـ"نيويورك تايمز": "من الممكن وقف القتال على طول خطوط المواجهة الحالية دون مطالبة روسيا بالانسحاب من المساحة الشاسعة التي تحتلها في شرق أوكرانيا، لكن الاعتراف الرسمي بسيادة روسيا على شبه جزيرة القرم سيكون أسوأ بكثير". 

وتابع: "من الممكن قبول حقيقة أن هناك أجزاء من أوكرانيا ستظل تحت الاحتلال الروسي غير القانوني لفترة غير محدودة، أما الاعتراف رسمياً بتغيير الحدود بالقوة فهو أمر مختلف تماماً". 

ويتفق هذا الرأي مع تأكيد بومبيو، الذي شدد على "مبدأ دولي أساسي تتشاركه الدول الديمقراطية، مفاده أنه لا يمكن لأي دولة تغيير حدود دولة أخرى بالقوة". 

ووفقاً للصحيفة، فإنه من غير الواضح مدى تمسك ترمب بإعلان بومبيو، الذي كان معروفاً بموقفه الأكثر تشدداً تجاه روسيا مقارنةً بالرئيس الأميركي نفسه، لكن هذا الرفض كان شائعاً على نطاق واسع في واشنطن، بما في ذلك من قبل خليفة بومبيو، ماركو روبيو. 

كعضو في مجلس الشيوخ الأميركي، شارك روبيو في رعاية مشروع قانون في أكتوبر 2022، يمنع الولايات المتحدة من الاعتراف بمطالبات روسيا بأي جزء من أراضي أوكرانيا، محذراً من أن القيام بذلك "يُخاطر بخلق سابقة خطيرة يمكن لأنظمة استبدادية أخرى، مثل الحزب الشيوعي الصيني، تقليدها".  

هل تقبل أوكرانيا الخطة؟

أشارت الصحيفة إلى أن فكرة الاعتراف بشبه جزيرة القرم كأرضٍ روسية تعد أمراً غير مقبول إطلاقاً بالنسبة لأوكرانيا أو المدافعين عنها، حيث استبعد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي هذا الاحتمال، الأربعاء، قائلاً إن ذلك سيشكل "انتهاكاً للدستور الأوكراني"، وأضاف: "لا مجال للحديث عن هذا الموضوع. هذه أرضنا، أرض الشعب الأوكراني". 

لكن ترمب بدا لاحقاً وكأنه يميّز بين الاعتراف الأوكراني بالقرم كأرض روسية، وهي الخطوة التي تعد شبه مستحيلة بالنظر إلى رفض الرأي العام في كييف لها، وبين اعتراف الولايات المتحدة بذلك، موضحاً أن "لا أحد يطلب من زيلينسكي الاعتراف بأن القرم أرض روسية". 

ويعتقد بعض المحللين أن زيلينسكي والمسؤولين الأوروبيين قد يقبلون مثل هذا الموقف الأميركي، بغض النظر عن مدى اختلافهم معه، إذا لم يتم الضغط عليهم لتأييده. 

فيما يرى البعض الآخر أن موقف ترمب، الذي لا يزال جزءاً من مقترح قابل للتغيير، قد يكون ببساطة اعترافاً بالحقائق على الأرض، إذ يعتبرون أن استعادة شبه الجزيرة سيكون أمراً بالغ الصعوبة بالنسبة لأوكرانيا، لا سيما بالنظر إلى أنها لم تتمكن من طرد روسيا من أراضيها الشرقية بعد أكثر من عامين من القتال.

ما قيمة شبه جزيرة القرم؟ 

وتحظى شبه جزيرة القرم بقيمة استراتيجية خاصة بالنسبة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بالنظر إلى الأهمية العسكرية للمدينة الساحلية سيفاستوبول، حيث يتمركز أسطول البحر الأسود الروسي، والتي شهدت معارك ملحمية خلال الحرب العالمية الثانية وحرب القرم في منتصف القرن الـ19. 

ونقلت الصحيفة عن صامويل شاراب، المحلل المتخصص في الشؤون الأوكرانية، قوله إن ترمب "لديه سجل حافل في منح الاعترافات بالمطالبات الإقليمية التي لطالما كانت محل نزاع".

واستشهد شاراب باعتراف ترمب في عام 2019، بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان السورية، وكذلك دعمه في عام 2020 لمطالبة المغرب التي استمرت 45 عاماً بالسيادة على الصحراء الغربية مقابل اعتراف الرباط الدبلوماسي بإسرائيل. 

ومع ذلك، تساءل شاراب عن جدوى تقديم مثل هذا التنازل لروسيا في حالة القرم، مستشهداً بـ "إعلان ويلز" الصادر في يوليو 1940، والذي قال فيه القائم بأعمال وزير الخارجية الأميركي آنذاك، سامنر ويلز، إن الولايات المتحدة لن تعترف أبداً باحتلال الاتحاد السوفيتي لدول البلطيق (لاتفيا وليتوانيا وإستونيا) في ذلك الصيف. وقال: "لم يمنع ذلك من حدوث انفراجة، أو حتى إنهاء الحرب الباردة من خلال التفاوض". 

هل يوجد مقترحات بديلة؟

كشفت نصوص كاملة لمقترحات اطلعت عليها "رويترز"، أن مسؤولين أوكرانيين وأوروبيين عارضوا هذا الأسبوع بعض المقترحات الأميركية بشأن كيفية إنهاء الحرب في أوكرانيا وقدموا مقترحات بديلة تتعلق بقضايا تتراوح من الأرض إلى العقوبات.

وكشفت المقترحات التي طرحت خلال محادثات بين مسؤولين أميركيين وأوروبيين وأوكرانيين عقدت في باريس ولندن يومي 17 و24 أبريل عن كواليس الجهود الدبلوماسية المكوكية الجارية في وقت يسعى فيه ترمب إلى إنهاء الحرب سريعاً.

وتتمحور نقاط الاختلاف الرئيسية في النصين، حول ترتيب حل القضايا المتعلقة بالأرض ورفع العقوبات عن روسيا والضمانات الأمنية وحجم الجيش الأوكراني، إذ سلطت مصادر مطلعة على المحادثات الضوء على بعض الاختلافات.

وقالت المصادر المطلعة على المحادثات، إن النص الأول يعكس المقترحات التي قدمها مبعوث ترمب، ستيف ويتكوف، إلى المسؤولين الأوروبيين في باريس، والتي نُقلت إلى الأوكرانيين، أما النص الثاني طُرح بعد ذلك بأسبوع ونتج عن محادثات بين مسؤولين أوكرانيين وأوروبيين في لندن وتم تسليمه إلى
الجانب الأميركي.

اقرأ أيضاً

مبعوث ترمب يصل موسكو.. وروسيا تبدي استعدادها لإنهاء حرب أوكرانيا

أكدت روسيا مجدداً استعدادها للتوصل إلى اتفاق من أجل إنهاء الحرب في أوكرانيا، وذلك بعد سلسلة ضربات جوية شنتها على كييف، قوبلت بانتقادات نادرة من دونالد ترمب.

وفيما يتعلق بالأرض، دعت المقترحات الأميركية إلى الاعتراف بأن شبه جزيرة القرم الأوكرانية التي استولت عليها موسكو وضمتها في عام 2014 أراض روسية، والاعتراف أيضاً بسيطرة روسيا على مناطق في جنوب وشرق أوكرانيا بحكم الأمر الواقع.

وعلى الجانب الآخر، تؤجل الوثيقة الأوروبية والأوكرانية مناقشة قضية الأرض بالتفصيل إلى ما بعد التوصل إلى وقف لإطلاق النار، ولم تأت على ذكر الاعتراف بسيطرة روسيا على أي أراض أوكرانية.

وفيما يتعلق بأمن أوكرانيا على المدى الطويل، تنص وثيقة ويتكوف على أن أوكرانيا ستحصل على "ضمانات أمنية قوية" من الدول الأوروبية وغيرها من الدول الصديقة التي ستضطلع بدور الضامن. ولم تقدم الوثيقة أي تفاصيل أخرى عن هذا الموضوع، لكنها أشارت إلى أن كييف لن تسعى إلى الانضمام لحلف شمال الأطلسي "الناتو".

وجاءت الوثيقة المقابلة أكثر تحديداً ونصت على أنه لن تكون هناك حدود للقوات الأوكرانية ولا قيود على نشر حلفاء أوكرانيا قوات عسكرية على أراضيها، ما سيثير غضب روسيا على الأرجح.

واقترحت الوثيقة أيضاً منح دول، بينها الولايات المتحدة، ضمانات أمنية قوية لأوكرانيا من خلال "اتفاقية تشبه المادة الخامسة"، في إشارة إلى بند الدفاع المشترك في حلف الناتو.

وفيما يتعلق بالتدابير الاقتصادية، تقول مقترحات ويتكوف، إنه سيتم رفع العقوبات المفروضة على روسيا منذ ضمها شبه جزيرة القرم في عام 2014، وذلك ضمن الاتفاق الذي لا يزال قيد المناقشة، كما سيكون هناك "تخفيف تدريجي للعقوبات بعد إحلال سلام دائم" وإنه من الممكن إعادة فرض العقوبات إذا انتهكت روسيا بنود اتفاق السلام.

وتقترح الوثيقة الأوروبية الأوكرانية، حصول كييف على تعويضات مالية عن الأضرار التي لحقت بها في الحرب من الأصول الروسية المجمدة في الخارج، فيما لم تنص وثيقة ويتكوف إلا على أن أوكرانيا ستحصل على تعويضات مالية لكنها لم تكشف عن مصدر الأموال.

تصنيفات

قصص قد تهمك