نشرت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA) مقطعي فيديو جديدين يهدفان إلى جذب مسؤولين صينيين للتجسس لصالح الولايات المتحدة، من خلال استغلال مشاعر "الإحباط والخوف" في الجهاز البيروقراطي الصيني الهائل من حملة متواصلة لمكافحة الفساد، يقودها الرئيس شي جين بينج، وفق شبكة CNN.
وبثت CIA مقطعي الفيديو على موقع يوتيوب ومنصات تواصل اجتماعي أخرى بينها إنستجرام وفيسبوك، الخميس، ويحملان عنواني "لماذا تواصلت مع CIA: لأتحكم بمصيري" و"لماذا تواصلت مع CIA: من أجل حياة أفضل".
تُعدّ هذه المقاطع المُعدّة بدقة، والمُصوّرة بلغة الماندرين مع ترجمة صينية، أحدث جهود وكالة الاستخبارات الأميركية لتكثيف جمع المعلومات الاستخبارية عن الصين، التي اعتبرتها إدارات متعاقبة المنافس الاستراتيجي الأكبر، والتهديد العسكري لأميركا.
وذكرت CNN أن وكالة الاستخبارات الصينية أطلقت حملة علنية على منصات التواصل الاجتماعي خلال العامين الماضيين، تُحذّر فيها مواطنيها من التجسس لصالح دول أجنبية، وتحضّهم على توخي الحذر من محاولات تجسس.
فيما تعهد مدير وكالة الاستخبارات المركزية جون راتكليف، بجعل التهديد الذي تُشكّله الصين أولوية قصوى، وتوسيع نطاق تركيز الوكالة على بكين.
في أكتوبر الماضي، نشرت CIA رسالة مصورة تتضمن تعليمات خطوة بخطوة باللغة الصينية حول كيفية التواصل الآمن مع الوكالة عبر الإنترنت. وكان الرسالة جزءاً من حملة أوسع نطاقاً، لتجنيد عملاء جدد في الصين وإيران وكوريا الشمالية.
وأشارت CNN إلى أن أحدث مقاطع الفيديو، المنشورة على حسابات وكالة المخابرات المركزية على منصات التواصل الاجتماعي، أكثر أناقة من إنتاج العام الماضي، ومدة كل منها أكثر من دقيقتين، وهي على غرار الأفلام القصيرة، مزودة بالخطوط الدرامية والسرد وموسيقى خلفية مشوقة.
استهداف مسؤولين صينيين
يهدف أحد مقاطع الفيديو إلى جذب كبار مسؤولي الحزب الشيوعي الذين يعيشون في خوف دائم من ملاحقتهم في إطار حملة على الفساد والخيانة لا نهاية لها على ما يبدو؛ عاقبت ملايين المسؤولين رفيعي المستوى والكوادر الأقل مكانة على حد سواء، مما هزّ الوكالات الحكومية والجيش، والشركات المملوكة للدولة.
يقول الراوي، بينما يصل مسؤول صيني وزوجته لحضور عشاء فاخر، يلاحقه عملاء الحكومة الصينية: "بينما أرتقي في الحزب، أشاهد من هم أعلى مني يجري التخلص منهم كالأحذية البالية، واحداً تلو الآخر. لكنني الآن، أُدرك أن مصيري لا يقل خطورة عن مصيرهم"
وأضاف الراوي، بينما تركز الكاميرا على مقعدين شاغرين على طاولة العشاء: "من الشائع جداً أن يختفي شخص فجأة دون أن يترك أثراً. أكثر ما أخشاه هو أن يكون مصير عائلتي مرتبطاً بمصيري. يجب أن أُجهّز طريقاً للهروب".
يُجسّد الفيديو الثاني شعوراً متزايداً بخيبة الأمل بين الشباب في الصين. فمع تباطؤ الاقتصاد، أدرك البعض أنه مهما تعبوا أو طالت فترة عملهم، فإن حياة أصحاب الامتيازات والأثرياء والنفوذ لا تزال بعيدة المنال.
يظهر في الفيديو موظف حكومي شاب يشعر بالإحباط من حياته المهنية والشخصية، بينما يُعنى برئيسه الذي يعيش حياةً مترفةً، ويرتدي بدلاتٍ وساعاتٍ فاخرة.
ثم يحضر الشاب جلساتٍ مُرهقةً للنقد الذاتي السياسي، ويتناول غداءً بسيطاً من الوجبات الجاهزة، ويسهر حتى وقتٍ متأخرٍ للعمل على تقارير الحكومة، ثم يعود إلى شقةٍ صغيرةٍ يعيش فيها مع والديه.
يقول: "منذ صغرنا، علّمنا الحزب (الشيوعي) أنه طالما اتبعنا درب قادتنا بجدٍّ، فسيكون لنا مستقبلٌ مشرق. السماء التي كان من المفترض أن يتشاركها الجميع، لا يستمتع بها الآن إلا قلةٌ، مما لم يترك لي خياراً سوى شقّ طريقي الخاص.. رفضتُ الانبطاح!".
ينتهي مقطعا الفيديو بمشاهد للبطلين وهما يتواصلان مع وكالة الاستخبارات المركزية عبر موقعها الإلكتروني؛ يشعر مسؤول الحزب الكبير بالارتياح لأنه مهما كان المستقبل، لا يزال بإمكان عائلته التمتع بحياةٍ جيدة؛ أما الموظف الحكومي الشاب، فيتحمس لاتخاذ الخطوة الأولى نحو بناء حلمه. وفي المشهد الأخير من الفيديو، يتصل موظف حكومي صيني بوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية.
اختراق "جدار الحماية"
ولم تعلّق السلطات في الصين، التي تمر بعطلة رسمية لمدة خمسة أيام، كما لم ترد وزارة الخارجية الصينية على طلب شبكة CNN للتعليق على مقاطع الفيديو التي نشرتها الوكالة.
وأفادت وكالة "رويترز" بأن وكالة الاستخبارات المركزية واثقة من أن الفيديوهات تخترق "جدار الحماية العظيم" الصيني للرقابة على الإنترنت وتصل إلى الجمهور المستهدف.
وقال مسؤول في وكالة الاستخبارات المركزية لـ"رويترز": "لو لم تكن تعمل، لما كنا ننتج المزيد من الفيديوهات"، مضيفاً أن الصين تُمثل الأولوية الاستخباراتية الأهم للوكالة في "منافسة حقيقية بين الأجيال" بين الولايات المتحدة والصين.
وتُعد هذه المنشورات جزءاً من جهود وكالة المخابرات المركزية الأميركية لإعادة بناء شبكة تجسسها في الصين، بعد أن قامت وزارة أمن الدولة الصينية قبل أكثر من عقد بسجن أو إعدام عشرات الصينيين المشتبه في تجسسهم لصالح الولايات المتحدة.
تأتي الحملة الدعائية لـCIA ضد الصين في الوقت الذي عززت فيه وكالة التجسس الصينية مكانتها العامة بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة.
تحظى وزارة أمن الدولة، التي كانت تُعرف بسرّيتها في السابق، بمتابعة واسعة على منصات التواصل الاجتماعي الصينية، حيث تُنشر تعليقات شبه يومية ومقاطع فيديو قصيرة وحتى رسوم هزلية تحذر من التهديدات المُفترضة التي تواجهها البلاد.