اتهم الرئيس الكوبي ميغيل دياز كانيل، الولايات المتحدة، بمحاولة "تغيير النظام" في بلاده، فيما حضّه نظيره الأميركي جو بايدن على "الإصغاء إلى شعبه، بعدما شهدت الجزيرة تظاهرات نادرة مناهضة للحكومة، في الوقت الذي عبرت فيه تقارير عن مخاوف من "تأثير الدومينو" للاحتجاجات التي ربما تستمر في التصاعد نحو الإطاحة بالنظام الحاكم.
تصريحات دياز كانيل وردت في كلمة بُثّت تلفزيونياً وإذاعياً، برفقة عدد كبير من الوزراء، دافع خلالها عن تعامل بلاده مع أزمة فيروس كورونا المستجد، معتبراً أن معدل الوفيات لا يزال منخفضاً، رغم نقص الأدوية.
وبرّر الرئيس الكوبي، انقطاع الكهرباء بالعقوبات التي تفرضها واشنطن على هافانا، متحدثاً عن تكثيف حملة على مواقع التواصل الاجتماعي، لإثارة اضطرابات في كوبا. وعزا النقص في السلع والأدوية في الجزيرة، إلى "الحصار" الأميركي، مشدداً على أن حكومته تحاول "التصدي" للصعوبات "والانتصار عليها". واتهم الولايات المتحدة باتباع "سياسة خنق اقتصادي لإثارة اضطرابات اجتماعية" في كوبا، و"تغيير النظام" فيها.
في المقابل، دعا بايدن النظام الكوبي، إلى "الإصغاء إلى شعبه وتلبية احتياجاته في هذه اللحظة الحيوية، بدلاً من إثراء أفراده"، مضيفاً: "نقف إلى جانب الشعب الكوبي وندائه المدوّي من أجل الحرية، والتخفيف من القبضة المأساوية لجائحة (كورونا)، ومن عقود من القمع والمعاناة الاقتصادية، اللذين تعرّض لهما من النظام الاستبدادي الكوبي".
وأضاف: "يؤكد الشعب الكوبي بشجاعة، الحقوق الأساسية والعالمية. يجب احترام هذه الحقوق، بما في ذلك الحق في الاحتجاج السلمي وتقرير مستقبله بحرية".
روسيا تدعم الحكومة وترفض "التدخل الخارجي"
من جانبها، عبرت الناطقة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، عن رفض بلادها "أي تدخل خارجي" في كوبا، يستهدف "تشجيع زعزعة وضعها". وأضافت: "نحن على قناعة بأن السلطات الكوبية بصدد اتخاذ كل التدابير الضرورية لاستعادة النظام العام، بما يصبّ في مصلحة جميع مواطني البلد وفي إطار الدستور".
وتثير التظاهرات التي تشهدها كوبا، احتجاجاً على الوضع المعيشي الصعب في الجزيرة، تساؤلات بشأن مداها وإمكان أن تهدد النظام، لا سيّما أنها الأضخم منذ عقود وتخلّلتها شعارات لم تألفها البلاد.
واعتبر نورخيس رودريغيز، وهو مؤسّس شريك لموقع YucaByte، المتابع للشؤون الكوبية، أن الاحتجاجات كانت نتيجة "تأثير دومينو" عفوي، بعد اندلاعها من بلدة سان أنطونيو دي لوس بانيوس، التي تبعد 25 كيلومتراً من هافانا.
وأوردت صحيفة "واشنطن بوست" أن الاحتجاجات "تجاوزت الإحباط من طوابير الغذاء وندرة الكهرباء"، وتحوّلت إلى "تحدٍ للدولة البوليسية". وأشارت إلى أن متظاهرين يهتفون "الوطن والحياة"، وهو شعار مستوحى من الشعار الشيوعي "الوطن أو الموت"، وبات ظاهرة على مواقع التواصل الاجتماعي، لدى فنانين وموسيقيين ومعارضين كوبيين.
وأغضب 5 فنانين كوبيين النظام، بعد أدائهم أغنية بعنوان "الوطن والحياة"، منتقدين ما يعتبرونه قمعاً في البلاد. ووَرَدَ في الأغنية: "لا نريد مزيداً من الأكاذيب، شعبي يطالب بالحرية، لا نريد مزيداً من التلقين العقائدي. لن نصرخ بعد الآن: الوطن أو الموت، بل الوطن والحياة. انتهى الأمر.. كوبا ملك للجميع. لم يعد ممكناً إسكات الناس. ننتظر فجراً جديداً".
"ثوار مشوّشون"
المتظاهرون هتفوا أيضاً "لتسقط الدكتاتورية" و"نريد الحرية"، داعين الرئيس الكوبي ميغيل دياز كانيل إلى التنحّي. وقالت ميراندا لازارا (53 عاماً)، وهي مدرّسة رقص، انضمّت إلى آلاف المتظاهرين في هافانا: "نمرّ بأوقات صعبة حقاً. نحتاج تغييراً في النظام".
في المقابل، نزل مؤيّدون للنظام إلى الشوارع، ملوّحين بأعلام كوبية، وهاتفين "فيدل"، في إشارة إلى الزعيم الراحل فيدل كاسترو. وأقرّ دياز كانيل بأن "الناس جاءوا للتعبير عن استيائهم"، متحدثاً عن "ثوار مشوّشين". واستدرك: "سندافع عن الثورة الكوبية بأي ثمن". كذلك اتهم الولايات المتحدة و"مرتزقة" بتدبير التظاهرات، متحدثاً عن "مافيا كوبية – أميركية"، وداعياً مؤيّديه إلى مواجهة "الاستفزازات".
تأتي الاحتجاجات بعد أيام على تسجيل الإصابات بفيروس كورونا المستجد أرقاماً قياسية في الجزيرة، وتفاقم أزمة معيشية فيها. وأفادت وكالة رويترز بأن كوبا تشهد أسوأ أزمة اقتصادية منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، مشيرة إلى غضبهم المواطنين من نقص في السلع الأساسية، وقيود على الحريات المدنية، وتعامل السلطات مع الفيروس.
وأضافت أن كوبا تشهد أزمة اقتصادية متفاقمة منذ سنتين، تبرّرها الحكومة بالعقوبات التي تفرضها واشنطن على هافانا، وكورونا، فيما يشير منتقدوها إلى عدم الكفاءة ونظام الحزب الواحد على النمط السوفياتي.
وتابعت الوكالة أن مزيجاً من العقوبات، والتقصير، والفيروس، أدى إلى توقف السياحة وتباطؤ إيرادات أجنبية أخرى، في بلد يعتمد عليها لاستيراد الجزء الأكبر من سلع حيوية. وذكرت أن الاقتصاد تقلّص بنسبة 10.9٪ العام الماضي، و2٪ خلال يونيو الماضي. وأدت الأزمة النقدية الناتجة عن ذلك، إلى نقصٍ أرغم الكوبيين على الوقوف في طوابير لساعات، للحصول على السلع الأساسية، خلال الجائحة.
"لسنا خائفين"
وأوردت مجلة "ذي إيكونوميست" أن الحكومة الكوبية تبرّر نقص الغذاء بالعقوبات الأميركية، مستدركة أن هذه العقوبات استثنت الغذاء، منذ عام 2001، وأن الولايات المتحدة تُعدّ أبرز مصدّر للغذاء إلى كوبا، على رغم أن هذه الواردات سجّلت في العام الماضي أدنى مستوى لها منذ عام 2002.
وأضافت المجلة أن ارتفاع أسعار الغذاء في العالم، بنسبة 40% حتى مايو الماضي، وهي أكبر زيادة خلال عقد، جعلت الواردات أكثر تكلفة. واستدركت أن المشكلة الرئيسة تكمن في افتقار الحكومة إلى العملة الصعبة، لا سيّما بعد تقلّص السياحة، التي تشكّل عادة 10٪ من إجمالي الناتج المحلي، بسبب كورونا. وأشارت إلى تراجع التحويلات المالية من الخارج، كما أن حصاد السكر هذا العام، الذي يُعدّ من الصادرات الأساسية لكوبا، هو الأسوأ منذ أكثر من قرن، نتيجة للجفاف.
وأظهر تسجيل مصوّر، بُثّ على "تويتر"، متظاهرين يهتفون "لسنا خائفين". وقال مايكل بوستامانتي، أستاذ تاريخ أميركا اللاتينية في جامعة فلوريدا الدولية، إن الاحتجاجات هي الأضخم منذ صيف 1994، مضيفاً: "لم تقتصر على العاصمة، لم تبدأ حتى هناك، كما يبدو".
ويشير بوستامانتي إلى احتجاجات سُمّيت "ماليكونازو"، في أغسطس 1994، اعتُبرت الأضخم المناهضة للسلطات في الجزيرة، حين خرج مئات الأشخاص إلى شوارع هافانا، ولم يعودوا إلى منازلهم قبل أن يلتقوا فيدل كاسترو، الذي سمح آنذاك لآلاف من الكوبيين، بالفرار من بلادهم، مستخدمين قوارب وعوّامات.
حفيد فيدل كاسترو
وكتب الصحافي الكوبي أبراهام خيمينيز إينوا على تويتر من هافانا: "كوبا جزيرة يحكمها الجيش لمدة 62 سنة. اليوم لا طعام ولا دواء والناس يموتون مثل ذباب من كوفيد. الناس تعبوا. هذا البلد يتحرّر من خوفه".
وثمة ممارسات تثير استياءً لدى المواطنين، مثل نشر تسجيل مصوّر لساندرو كاسترو، حفيد فيدل كاسترو، وهو يقود سيارة فخمة من طراز "مرسيدس"، على الطريق السريع الوحيد في كوبا، بسرعة 140 كيلومتراً في الساعة، معلّقاً: "نحن أناس بسطاء، ولكن بين الحين والآخر عليك أن تُخرِج قليلاً الألعاب التي تحتفظ بها في المنزل".
صحيح أن ساندرو كاسترو أُرغم على تقديم اعتذار علني، لكن موقع "كوبا نت" المستقل، الذي بثّ التسجيل المصوّر، ذكّر بأن الزعيم السابق راوول كاسترو، الذي تنحّى لمصلحة دياز كانيل، كان مسؤولاً عن الجيش الكوبي، منذ الثورة في عام 1959. وأشار إلى سيطرة الجيش، من خلال شركات، على قطاع السياحة، أبرز مورد اقتصادي للجزيرة.
"محاولات تحرير الاقتصاد"
أشارت "ذي إيكونوميست" إلى "محاولات لتحرير الاقتصاد" في كوبا، مستدركة أن الحكومة لم تنجح في "تعزيز الإنتاج الزراعي، أو جذب المستثمرين الأجانب". وأضافت: "الشركات المنتجة للأغذية في كوبا لا تكسب سوى البيزو، الذي لا قيمة له دولياً، وعليها شراء كل المواد الأولية تقريباً من الخارج، بعملة أجنبية. وتلزم الحكومة المزارعين ببيع محصولهم للدولة بأسعار غير تنافسية، وتفرض قواعد صارمة على إدارة الثروة الحيوانية".
بعد أكثر من 6 عقود على الإطاحة بالحاكم العسكري فولخنسيو باتيستا، وفترة مشابهة للحصار الأميركي المفروض على الجزيرة، استبعد المخرج الكوبي ريكاردو باكاياو، المقيم في برلين، أن تؤدي أغنية "الوطن والحياة" إلى "ربيع عربي في كوبا". لكن الاحتجاجات في الجزيرة، التي تعكس تأزماً، قد تكسر حاجز الخوف، وتثير احتمالات كثيرة.