بريطانيا خلَّفت "فوضى التقسيم".. والنتيجة حروب وهجمات مسلحة بحثاً عن "فرض السيطرة"

كشمير.. إقليم عالق في دوامة العنف بين 3 دول منذ 8 عقود

عناصر من الجيش الهندي في الشطر الخاضع لسيطرة نيودلهي من إقليم كشمير المتنازع عليه مع باكستان. 7 مايو 2025 - REUTERS
عناصر من الجيش الهندي في الشطر الخاضع لسيطرة نيودلهي من إقليم كشمير المتنازع عليه مع باكستان. 7 مايو 2025 - REUTERS
دبي -مروان ماهر سعد

لم يعرف إقليم كشمير الاستقرار منذ حوالي 8 عقود، بعدما تحول إلى ساحة نزاع بين الهند وباكستان، وذلك قبل أن يعيد اشتعال الصراع بين القوتين النوويتين مؤخراً إحياء الحديث عن تاريخ الخلاف الممتد منذ استقلالهما عن بريطانيا في عام 1947.

وهاجمت الهند باكستان، والشطر الذي تديره إسلام أباد في كشمير، الأربعاء الماضي، قائلة إن ذلك يأتي رداً على هجوم شنه متشددون على سياح هندوس، الشهر الماضي. ونفت باكستان أي علاقة لها باستهداف السياح ودعت إلى إجراء تحقيق مستقل.

وشملت الضربات الهندية، استهداف إقليم البنجاب الأكثر كثافة سكانية في باكستان لأول مرة منذ الحرب الشاملة الأخيرة بين البلدين قبل أكثر من 50 عاماً.

ويتبادل الجانبان التهديدات بالرد مما أجج مخاوف من تصاعد الأعمال القتالية في واحدة من أخطر المناطق المضطربة وأكثرها كثافة سكانية في العالم.

وخاضت الهند وباكستان، 3 حروب منذ عام 1947 على منطقة كشمير ذات الأغلبية المسلمة، والتي يطالب بها الجانبان، حيث يسيطر كل منهما على جزء منها.

ولم يقتصر التنافس على كشمير بين بين الدولتين النوويتين فقط، بل دخلت الصين أيضاً على خط الأزمة، إذ أخضعت منطقتي شمال وشرق الإقليم لها. ومثَّل كل ذلك جزءاً من "الفوضى التي خلفها استعمار بريطاني دام 3 عقود"، بحسب وصف المؤرخ البريطاني الراحل  بيتر بيرستون، في صحيفة "الجارديان" البريطانية.

إقليم قابل للاشتعال

تركت بريطانيا خلفها، وادياً خلاباً في جبال الهيمالايا، دون تقرير مصيره، وجعلته فريسة للحروب، مما جعله واحداً من أكثر المناطق قابلية للاشتعال في العالم.

الكاتبة البريطانية ( الباكستانية الأصل) ياسمين خان تطرقت، في كتابها The Great Partition: The Making of India and Pakistan، إلى استقلال الهند وباكستان عن بريطانيا، قائلة إن "هذا التقسيم من أوائل أحداث إنهاء الاستعمار في القرن العشرين، ولكنه كان أيضاً من أكثرها دموية لاحقاً بسبب كشمير".

اللورد لويس مونتباتن (يسار)، آخر حاكم بريطاني للهند، يتحدث إلى جنود هنود، ١٩٤٥
اللورد لويس مونتباتن (يسار) آخر حاكم بريطاني للهند يتحدث إلى جنود هنود في عام 1945 - أرشيف متحف الجيش الوطني في بريطانيا

كانت منطقة كشمير عبارة عن "وادٍ فقط في مملكة جبال الهيملايا الخلابة"، بحسب مؤرخين متخصصين في شؤون جنوب شرق آسيا، أبرزهم الأميركي بيرتون شتاين الذي تحدث عن تأسيس كشمير في كتابه History Of India، واتفق معه أيضاً المؤرخ البريطاني ديفيد أرنولد في سلسلته Blackwell History of the World، التي قدم فيها لمحات موجزة حول التاريخ القديم بطريقة معاصرة.

وبعد انتهاء حرب السيخ الأولى في عام 1846، أعطى البريطانيون الإقليم للمهراجا، جولاب سينج، كمكافأة بعد انحيازه لهم في مواجهة "السيخ" ليصبح حاكماً لمنطقة غير محددة المعالم الحدودية، بحسب موسوعة Britannica البريطانية.

وذكرت الموسوعة أن الإقليم شكّل جزءاً من منطقة عازلة سياسية معقدة وضعها البريطانيون بين إمبراطوريتهم الهندية وإمبراطوريتي روسيا والصين في الشمال لتحمي إمبراطوريتها من أي غزو.

من يسيطر على كشمير؟

يعتقد كثيرون أن الصراع يدور بين نيودلهي وإسلام أباد فقط، لكن بكين حاضرة أيضاً، فإقليم كشمير يقع في شمال غرب الهند، وشمال شرق باكستان، وجنوب غرب الصين، وتسيطر كل دولة منهم على جزء منه.

ويحد كشمير من الشمال الشرقي منطقة شينجيانج الأويجورية ذاتية الحكم، ومن الشرق منطقة، أكساي تشين، ذاتية الحكم (كلاهما جزء من الصين)، ومن الجنوب ولايتا هيماشال براديش والبنجاب الهنديتان، ومن الغرب باكستان، ومن الشمال الغربي أفغانستان.

وتبلغ مساحة الإقليم الإجمالية حوالي 222 ألفاً و200 كيلومتر مربع، ويخضع الجزءان الشمالي والغربي لإدارة باكستان، ويضمان 3 مناطق: آزاد كشمير، وجيلجيت، وبالتستان، والأخيرتان جزء من وحدة إدارية واحدة تُسمى "جيلجيت-بالتستان"، فيما تُدير الهند الجزأين الجنوبي والجنوبي الشرقي "جامو وكشمير ولاداخ" واللذين أُعيد تنظيمهما كأقاليم اتحادية عام 2019.

ويفصل بين الجزئين الخاضعين للإدارة الهندية والباكستانية "خط سيطرة" مُتفق عليه في عام 1972، على الرغم من عدم اعتراف أي من البلدين به كحدود دولية.

جنود من السيخ في وحدات الجيش الهندي المنتقلين من باكستان بعد التقسيم عام 1947
جنود من السيخ في وحدات الجيش الهندي المنتقلين من باكستان بعد التقسيم في عام 1947 - أرشيف متحف الجيش الوطني في بريطانيا

إضافة إلى ذلك نشطت الصين في المنطقة الشرقية من كشمير في خمسينيات القرن الماضي، وتسيطر على الجزء الجنوبي الشرقي من "لاداخ"، وتسمى "أكساي تشين"، والتي كانت محل نزاع بين الهند والصين منذ العام 1959، وانتهت بانتصار الصين على الهند عام 1962.

فوضى التقسيم

في يونيو 1947، تولّى لويس مونتباتن، آخر حاكم بريطاني للهند، تنفيذ خطة الانسحاب وتقسيم شبه القارة إلى دولتين مستقلتين: الهند وباكستان. وجاء ذلك في أعقاب تصاعد التوتر الطائفي بين الهندوس والمسلمين، وبعد أكثر من عام على تمرد البحرية الملكية الهندية، الذي عكس تراجع الولاء للحكم البريطاني. كما ساهمت عقود من الاحتجاجات والمقاومة، بدأت بثورة في عام 1857، في تآكل شرعية الاستعمار البريطاني.

وتشير موسوعة Britannica، إلى أن السياسات البريطانية التي أشرف عليها مونتباتن أسهمت في تفاقم الانقسامات الطائفية لضمان السيطرة على الأوضاع.

وفي يوليو 1947، أقرّ البرلمان البريطاني، قانون استقلال الهند، الذي مهّد لترسيم حدود الدولتين الجديدتين. وفي 14 أغسطس من العام نفسه، أُعلنت باكستان، ذات الأغلبية المسلمة، دولة مستقلة، تلتها الهند، ذات الأغلبية الهندوسية، في اليوم التالي.

وأسفر التقسيم عن واحدة من أكبر وأقسى موجات الهجرة القسرية في التاريخ. فقد نزح أكثر من 10 ملايين شخص بين البلدين، واندلعت أعمال عنف طائفية مروعة أودت بحياة ما يُقدّر بمليون إلى مليونَين من البشر، حيث تمزقت العائلات، وتفككت المجتمعات، وترك الحدث جروحاً عميقة لا تزال آثارها قائمة.

وأفادت صحيفة "الجارديان" البريطانية، بأن ولاية كشمير تُركت أمام خيار الانضمام إلى الهند أو باكستان، مشيرة إلى أن المهراجا الهندوسي، هاري سينج، الذي كان يحكم الولاية، تردد في حسم قراره، رغم أن نحو 77% من سكانها كانوا من المسلمين.

جنود قبليون غير نظاميين من الحدود الشمالية الغربية متجهين إلى كشمير، ١٩٤٧
جنود غير نظاميين يمرون من الحدود الشمالية الغربية متجهين إلى كشمير في عام 1947 - أرشيف متحف الجيش الوطني في بريطانيا

وأضافت الصحيفة البريطانية، أن "الفوضى التي صاحبت عملية التقسيم ساهمت في تردد سينج، إذ كان يأمل في الحفاظ على استقلال الإقليم، ما أخر انضمام كشمير إلى أي من الدولتين في المرحلة الأولى".

بداية الصراع

ويليام وارد، الخبير البريطاني في الشؤون الجيوستراتيجية والعلاقات الدولية، قال في تصريحات لـ"الشرق"، إنه "من الصعب اليوم تخيّل المشاعر الجياشة التي سادت شبه القارة الهندية في السنوات التي سبقت الانسحاب البريطاني (...) كان كل من المهاتما غاندي وجواهر لال نهرو مُصرين بشدة على الوحدة دون تقسيم، بما في ذلك ما يُعرف الآن بباكستان وبنجلاديش، لكن محمد علي جناح (مؤسس باكستان لاحقاً) نجح في إقناع رئيس الوزراء البريطاني آنذاك ونستون تشرشل بأن التقسيم أكثر منطقية على المدى الطويل".

وأضاف: "جرى اعتبار مسألة كشمير في لندن أكثر تعقيداً من مجرد التقسيم، وفي خضمّ فوضى وجهات النظر المختلفة، قررت حكومة لندن إبقاء نهرو راضياً بالسماح للحاكم الهندوسي لكشمير بتحديد الدولة التي يريد انضمام مملكته إليها، ورغم أن غالبية رعاياه كانوا مسلمين-الذين أرادوا بوضوح التحالف مع دولة باكستان الجديدة- سمحت لندن له بالبقاء جزءاً من الاتحاد الهندي الجديد، وهو ما تسبب في بدء الصراع الطويل".

وتابع وارد: "ننسى اليوم أن عملية التفاوض بين الأطراف الرئيسية الثلاثة (لندن، ونيودلهي، والمنطقة الغربية، التي أصبحت فيما بعد باكستان) كانت متسرعة وفوضوية للغاية (...) وكانت لندن حريصة على ترك كامل المسؤولية للدول المستقلة حديثاً لتقرر مصيرها بنفسها".

رئيس الوزراء البريطاني كليمنت أتلي يلتقي بممثلي الفرقة الهندية العاشرة، ١٩٤٥
رئيس الوزراء البريطاني كليمنت أتلي يلتقي بممثلي الفرقة الهندية العاشرة 1945 - أرشيف متحف الجيش الوطني في بريطانيا

وتساءل الخبير البريطاني: "هل كان هذا خطأً من جانب لندن؟ نعم، من منظور اليوم، يبدو السماح للحاكم التقليدي لكشمير بتحديد مستقبل رعيته ذات الأغلبية المسلمة خطأً فادحاً، ولكنه بدا ممكناً وقتها"، على حد تعبيره.

الحرب الأولى 1947 (الهند– باكستان)

بعد استقلال الهند وباكستان في أغسطس 1974، لم يمر أكثر  من شهرين وتحديداً في شهر أكتوبر من نفس العام، نشرت صحيفة "الجارديان" البريطانية، أول خبر بعد الانسحاب البريطاني، عن تمرد عسكري في كشمير نظمه رجال قبائل البشتون (مسلمون) من أجل الانضمام إلى باكستان، لتوثق بذلك بداية النزاع "الهندي- الباكستاني".

صورة أرشيفية من صحيفة الجارديان البريطانية لأول خبر عن بداية النزاع الهندي - الباكستاني في كشمير 25 أكتوبر 1947
صورة أرشيفية من صحيفة الجارديان البريطانية لأول خبر عن بداية النزاع الهندي - الباكستاني في كشمير. 25 أكتوبر 1947

وحينها طلب سينج تدخل الهند لحمايته، قبل أن توافق بشرط توقيع كشمير على وثيقة انضمام إلى الهند، وهو ما حدث. وأصبح الإقليم رسمياً جزءاً من الهند لكن باكستان لم تعترف بذلك.

وبعد مماطلات تنازل سينج عن الحكم لابنه كاران سينج، الذي شغل منصب ولي العهد الشرفي للعرش، واستمرت الحرب خلال عام 1948، وانتهت بوساطة الأمم المتحدة بوقف إطلاق النار، دخل حيز التنفيذ في يناير 1949.

جنود قبليون غير نظاميين من الحدود الشمالية الغربية متجهين إلى كشمير، ١٩٤٧
جنود قبليون غير نظاميين من الحدود الشمالية الغربية متجهين إلى كشمير. 1947 - أرشيف متحف الجيش الوطني في بريطانيا

نزاع 1952 (الهند- باكستان)

شكّلت ولاية جامو وكشمير جمعية تأسيسية محلية في عام 1951، برئاسة الشيخ محمد عبد الله، وقد أقرّت هذه الجمعية في عام 1954 دعم انضمام الإقليم رسمياً إلى الهند، بناءً على وثيقة الانضمام التي وقّعها المهراجا هاري سينج عام 1947. واعتبرت الحكومة الهندية، هذا القرار، تعبيراً نهائياً عن إرادة شعب كشمير، بينما رفضت باكستان الاعتراف به، مطالبة بإجراء استفتاء عام.

وعلى الرغم من أن الهند لجأت إلى الأمم المتحدة في بداية النزاع، فإن رئيس الوزراء الهندي، جواهر لال نهرو، رفض لاحقاً الوساطات الدولية ومقترحات التفاوض، معتبراً أن قضية كشمير شأن داخلي. وقد استمرت التوترات الحدودية، والاشتباكات المسلحة المتقطعة، خاصة من قِبل مقاتلين تدعمهم باكستان، ما أدى إلى حالة من الاستنزاف في الإقليم استمرت نحو 13 عاماً.

وذكرت هيئة الإذاعة البريطانية BBC، أن جواهر لال نهرو، رئيس الوزراء الهند آنذاك، ضاق ذرعاً بمطالب باكستان المستمرة بشأن كشمير، واعتبرها محاولة لفرض إرادة خارجية على قضية داخلية.

وأشارت الهيئة إلى أنه خلال مرحلة ما قبل الاستقلال، كان الزعيم الهندي المهاتما غاندي الوحيد بين قادة حزب المؤتمر الذي عارض فكرة التقسيم الديني، واقترح على اللورد ماونتباتن تقديم رئاسة وزراء الهند الموحدة لمحمد علي جناح كبديل عن إنشاء دولة مسلمة منفصلة. غير أن هذا الاقتراح قوبل بالرفض من جواهر لال نهرو، وكذلك من الزعيم البارز ساردار باتيل، ما أدى إلى المضي قدماً في تنفيذ خطة التقسيم التي رعتها بريطانيا.

الحرب الثانية 1962 (الهند– الصين)

شن الصينيون هجمات متزامنة في لاداخ شرق كشمير في 20 أكتوبر 1962، لعدم قدرتهم على الوصول إلى تسوية سياسية على الأراضي المتنازع عليها على طول حدود جبال الهيمالايا، وانتصر الصينيون بعد شهر وسيطروا على منطقة " أكساي تشين" حتى الآن.

صورة تظهر جندي صيني أثنار الحرب الصينية - الهندية ف أكساي بمنطقة كشمير
صورة تظهر جندي صيني أثنار الحرب الصينية- الهندية ف أكساي تشين بإقليم كشمير - أرشيف متحف الجيش الوطني في بريطانيا

نزاع 1963 (باكستان– الصين)

في عام 1963، تنازلت باكستان عن وادي شاكسجام الذي يقع في شمال شرق كشمير، للصين، عندما وقعت اتفاقية حدودية مع بكين لتسوية نزاعاتهما الحدودية.

الحرب الثالثة 1965 (الهند– باكستان)

بعد أن رفضت الهند أي مفاوضات مع باكستان بين عامي 1952 و1964، استمرت التوترات وأعمال العنف بين الجانبين، إلى أن اندلعت حرب شاملة في أغسطس 1965، حين توغلت القوات الباكستانية في إقليم كشمير، واستمرت المعارك حتى سبتمبر من العام نفسه.

وفي يناير 1966، وقع الطرفان اتفاق طشقند في العاصمة الأوزبكية (التي كانت آنذاك جزءاً من الاتحاد السوفيتي)، وأعلنا التزامهما بحل النزاع عبر الوسائل السلمية.

حرب تأسيس بنجلاديش 1971

في عام 1971، اندلعت حرب جديدة بين الهند وباكستان، لكن هذه المرة، لم تكن كشمير محور الصراع، بل تركز القتال في باكستان الشرقية (بنجلاديش حالياً). وقد كانت الحرب متجذرة في حركة تحرير بنجلاديش، التي سعت للانفصال عن باكستان، بهدف إنشاء دولة مستقلة، مرجعة السبب إلى "التفرقة في الحقوق الاجتماعية".

ودعمت الهند في البداية، حركة تحرير بنجلاديش الانفصالية من خلال توفير التدريب سراً، ثم تدخلت عسكرياً في شرق باكستان، حيث دارت معظم المعارك براً وجواً وبحراً حتى انتهت الحرب باستسلام القوات الباكستانية في الشرق، بعد 13 يوماً في 16 ديسمبر 1971.

وقد كانت الحرب قصيرة، لكنها مدمرة، أسفرت عن مقتل مئات الآلاف من الأشخاص من الأطراف الثلاثة، وأسست لقيام دولة بنجلاديش.

تصاعد التمرد 1987 (جبهة تحرير كشمير- جامو)

في ورقة بحثية بعنوان  The Kashmir Dispute، نشرها الباحث في الشؤون الآسيوية فيليب كونستابل ضمن منشورات جامعة سنترال لانكشاير البريطانية، أوضح أن أحد العوامل الجوهرية في استمرار النزاع يتمثل في تعقّد السياسة الداخلية في جامو وكشمير، ما أدى إلى تصاعد التوترات بين السكان المحليين والحكومة الهندية.

وواصلت "جبهة الاستفتاء"، بقيادة الشيخ محمد عبد الله، المطالبة بإجراء استفتاء لتقرير مستقبل الإقليم، إلى أن توصّل الشيخ عبد الله عام 1975 إلى اتفاق مع رئيسة الوزراء الهندية إنديرا غاندي، يقضي بالاعتراف بانضمام كشمير إلى الهند في إطار من الحكم الذاتي.

في هذا السياق، تحولت جماعات مؤيدة لباكستان، إضافة إلى انفصاليين مثل "جبهة تحرير جامو وكشمير" التي أسسها مقبول بهات وأمان الله خان في برمنجهام بالمملكة المتحدة، إلى التمرد المسلح عقب الانتخابات المحلية المثيرة للجدل عام 1987، والتي يُعتقد على نطاق واسع أنها زُوّرت. وقد تفاقم العنف بشكل كبير مع حادثة مقتل جنود هنود على جسر جواكادال في عام 1990.

وذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، أن تلك الفترة شهدت اضطرابات سياسية غير مسبوقة، أدت إلى ظهور حركات متشددة داخل كشمير، ساعدت باكستان في دعمها لاحقاً.

واستمرت الاضطرابات لعقد من الزمن، حيث وثّقت شرطة ولاية كشمير عشرات الآلاف من حالات التفجير، وعمليات إطلاق النار، والاختطاف، والهجمات الصاروخية.

حرب الارتفاعات الشاهقة 1999 (الهند– باكستان) 

في عام 1999، اندلعت حرب كارجيل في إقليم لاداخ شرقي كشمير، ودارت على ارتفاعات التلال والجبال الشاهقة والتي بلغت تضاريس بعضها حوالي 5 آلاف متر وفي ظل ظروف مناخية قاسية.

بدأ الصراع في أوائل مايو عام 1999، عندما علم الجيش الهندي بتسلل مقاتلين باكستانيين إلى الأراضي الخاضعة للإدارة الهندية، بعد 3 أشهر من بدء التوغل الذي كان يستهدف الاستيلاء على منطقة كارجيل وإجبار الهند على التفاوض وتسوية نزاع كشمير.

بعد اكتشاف التسلل، شنت الهند عملية عسكرية مضادة، واستمرت الحرب شهرين، حتى ضغطت الولايات المتحدة دبلوماسياً على إسلام أباد، مما دفع باكستان إلى الانسحاب بعد واحدة من أعنف المواجهات.

ولطالما كانت كارجيل مسرحاً لمناوشات حدودية بين البلدين، لما تتمتع به من تضاريس تجعل المسيطر يتفوق استراتيجياً وجغرافياً على الآخر، وكانت حرب كارجيل أكبر هذه الاشتباكات وأكثرها دموية، وفق موسوعة Britannica.

أعمال عنف مستمرة

وشهد إقليم كشمير بعد ذلك أعمال عنف متفرقة، ففي عام 2016 شنت جماعات مسلحة متسللة، هجمات على جنود هنود في الشطر الخاضع للسيطرة الهندية من الإقليم. واتهمت نيودلهي، جارتها إسلام أباد بالتورط، وهو ما نفته الأخيرة.

وفي فبراير 2019، أودى تفجير انتحاري بحياة العشرات من الجنود الهنود. وردت الهند بعدها بغارات جوية داخل الأراضي الباكستانية، تبعتها اشتباكات جوية أسقطت خلالها إسلام أباد طائرة هندية وأسرت طياراً هندياً. وقالت الهند أيضاً إنها أسقطت طائرة باكستانية لكن ذلك لم يتأكد. وهدأت المواجهة بعد ضغوط دولية.

وفي أغسطس 2019، ألغت الهند الوضع الخاص بكشمير، لتنهي بذلك بنداً دستورياً كان يسمح لولاية جامو وكشمير بسن قوانينها الخاصة، وهو ما اعتبرته إسلام أباد "ضماً كاملاً" للإقليم ما دفعها إلى خفض مستوى العلاقات الدبلوماسية وتعليق التجارة.

وفي شهر أبريل الماضي، وقع هجوم مسلح دموي في بلدة باهالجام السياحية، الواقعة في الجزء الذي تديره الهند من إقليم كشمير، وأسفر الهجوم عن مصرع ما لا يقل عن 26 شخصاً، معظمهم من السيّاح، ووجهت نيودلهي اتهامات لإسلام أباد، وهو ما نفته الأخيرة.

وتبادلت الهند وباكستان خلال مايو الجاري، القصف عبر الحدود، في تصعيد جديد للتوتر بين الجارتين النوويتين. ورأى سوران سينج، أستاذ الدبلوماسية الهندية ونزع السلاح بجامعة جواهر لال نهرو، في تصريحات لـ"الشرق"، أن ما حدث لن يذهب إلى حرب شاملة.

من جانبه قال الدبلوماسي الباكستاني السابق، جاويد حفيظ لـ"الشرق"، إن باكستان سترد لتردع أي محاولة عدوانية من قبل الهند، مشيراً إلى أن إسلام أباد تريد الذهاب للدبلوماسية لكن التصعيد جاء من الهند، بحسب قوله. وأضاف: "الرد الباكستاني سيكون حاسماً وجاهزاً لكل الخيارات".

تصنيفات

قصص قد تهمك