تعذر الوصول إلى أرشيف شامل عن العنف في كشمير يثير المخاوف

time reading iconدقائق القراءة - 8
قوات الأمن الهندي تفرض حظراً على أحد شوارع سريناجار بعد أسابيع من العنف في كشمير- 18 أغسطس 2016 - REUTERS
قوات الأمن الهندي تفرض حظراً على أحد شوارع سريناجار بعد أسابيع من العنف في كشمير- 18 أغسطس 2016 - REUTERS
سريناغار، الهند-أ ف ب

تعذر فتح رابط على شبكة الإنترنت يحتوي على أرشيف شامل يوثق انتهاكات العنف في الجزء الخاضع لسيطرة الهند من منطقة كشمير ما زاد المخاوف من فقدان ملفات الذاكرة، ومزيد من السيطرة على رواية الحوادث كما وقعت.

ويوثق تقرير لمنظمة غير حكومية أعمال عنف وتصفيات تمت على مدى عشرات السنين معتمداً على ما نشر في الصحافة المحلية عما أرتكب في كشمير الخاضعة للسلطات الهندية. إذ بالضغط على الرابط "كشمير الكبرى" المنشور في إحدى الصحف المحلية، والوارد فيه خبر مقتل الفتى اشتياق أحمد خنداي (16 عاماً) وشخصين آخرين، يتعذر فتح الرابط وتظهر عبارة تشير إلى عدم توافر الصفحة على الإنترنت.

وفي ما يتعلق بقضية سجاد أحمد دار الذي توفي في المستشفى بعدما اعتقلته الشرطة في 2012، فيتعذر فتح الرابط بعنوان "كشمير ريدر".

أما بالنسبة لقضية غلام محي الدين مالك الذي تلقى 19 رصاصة خلال تفتيش قوات غير نظامية منزله، فإن الرابط لصفحة "ماي كشمير" محظور أيضاً مع عبارة "لا تملكون حق الوصول إلى هذا المصدر". ويتكرر الأمر مراراً.

الاختفاء الغامض للأرشيف

في الأشهر الماضية اختفت مئات التقارير التي تؤرخ لعقود من العنف في المنطقة ذات الغالبية المسلمة، من أرشيف وسائل الإعلام المحلية أو بات من غير الممكن تصفحها بوسائل عدة.

يتحدث منتقدون عن جهود لمحو التاريخ والتحكم بالروايات، ويتهم كثيرون في ذلك الحكومة الهندية. وغالباً ما تعد التقارير الصحافية مصدراً رئيسياً لوصول الناس إلى سجلات الأحداث في كشمير.

وقالت أنورادا بهاسين رئيسة تحرير صحيفة كشمير تايمز لوكالة "فرانس برس": "الغموض لا يزال يكتنف كيفية اختفاء الأرشيف والسبب وراء ذلك".

وأضافت: "ثمة أسباب تدفع للظن وإن كانت مجرد شبهات، بأن أحداً ما من الدولة قد يكون متواطئاً في الأمر".

تتنازع الهند وباكستان السيطرة على كشمير منذ الاستقلال عام 1947، والجارتان المسلحتان نووياً خاضتا اثنين من حروبهما الثلاث بسبب منطقة كشمير نفسها.

نصف مليون عسكري هندي

تنشر الهند نصف مليون عسكري على الأقل عند جانبها من الحدود، لمكافحة تمرد أودى بعشرات آلاف الأشخاص منذ 1989. وتتهم نيودلهي باكستان بدعم المتمردين وهو ما تنفيه اسلام اباد.

تفاقم التوتر في 2019 بعد إلغاء نيودلهي الحكم الذاتي المحدود الذي يضمنه الدستور الهندي لكشمير، وفرضها الحكم المباشر.

واعتقلت آلاف الأشخاص من بينهم قادة سياسيون ونشطاء في حملة أمنية واسعة. كذلك قطعت خطوط الهاتف والانترنت في ما أصبح أكبر حجب للاتصالات في العالم وأطوله مدة. ولاحظ صحافيون بعد استعادة الاتصالات اختفاء الكثير من التقارير عن مواقع مطبوعاتهم.

وقال مدير تحرير طالباً عدم الكشف عن هويته خوفاً على سلامته، في مدينة سريناجار لوكالة "فرانس برس"، إنهم ظنوا في البدء أن المشكلة تقنية.

كأن شيئاً لم يحدث

وأوضح "بعد إلقاء نظرة على أرشيفنا الالكتروني، لاحظنا اختفاء معظم التقارير المتعلقة بانتفاضات شعبية وعمليات قتل" في نمط بدا معه "وكأن شيئاً لم يحدث في كشمير قبل 2019".

وتغطي الكثير من التقارير التي اختفت احتجاجات كبيرة على الحكم الهندي في 2008 و2010 و2016، عندما لقي نحو 300 متظاهر حتفهم في المجموع، على أيدي القوات الحكومية، فيما أصيب الآلاف بجروح من بينهم نساء وأطفال.

وصف المؤرخ صديق وحيد، مؤسس "الجامعة الإسلامية للعلوم والتكنولوجيا" في بولواما اختفاء التقارير بأنها محاولة "شيطانية" لضمان أن يكون هناك "تفسير واحد فقط" ممكن للأحداث.

وقال لوكالة "فرانس برس": "إنه مسعى استثنائي للتحكم برواية الأحداث، بمعنى أن يكون هناك سرد واحد للأحداث وتاريخ رسمي واحد". وأضاف أن رواية جورج "أورويل بعنوان 1984 تبدو بدائية مقارنة بما يحدث اليوم".

البحث المستحيل

امتنع المتحدث باسم الحكومة الهندية في سريناجار عن الرد على طلبات متكررة من وكالة "فرانس برس"، للتعليق على التقرير.

كثيراً ما رفضت السلطات الهندية اتهامات مجموعات حقوقية بارتكاب انتهاكات، وتقارير أممية معتبرة أنها حملة للتشهير بالقوات الحكومية المنتشرة في المنطقة.

وقال الكثير من موظفي وسائل إعلام طلبوا عدم نشر هوياتهم لحساسية الموضوع، إن السلطات مارست الضغوط على مطبوعاتهم لإخفاء تقارير سابقة حول عمليات قتل واغتصاب وتعذيب منسوبة لقوات الأمن الهندية.

وقال مدير موقع إلكتروني يعمل مع الكثير من الصحف إن شرطة مكافحة التمرد طلبت مراراً تفاصيل تقنية بشأن مواقع إلكترونية يعنى بها.

وقال رئيس تحرير صحيفة أخرى في سريناجار إن السلطات أجبرت ناشرين على حجب تقارير بشأن مواضيع حساسة من خلال إزالة بيانات وصفية (metadata) من أخبار الكترونية.

توقف أنشطة المنظمة

وتسهل هذه البيانات عمليات البحث على الإنترنت والعثور على نتائج ذات صلة. وإزالتها من محتوى الأرشيف جعلت من شبه المستحيل على القراء العثور على نتائج لدى البحث عن أحداث سابقة معينة، حسبما أعلن مدير الموقع لوكالة "فرانس برس".

وزاد: "حتى إن كانت جميع الأنباء القديمة موجودة، أصبح من المستحيل الآن البحث عنها باستخدام كلمات مفتاح إلا مع تذكر فقرة كاملة بحذافيرها واستخدامها في محرك بحث". ومن شأن ذلك أن يشل عمل الذين يعتمدون على تقارير صحافية في عملهم.

رفضت منظمة "تحالف جامو كشمير للمجتمع المدني" ناشرة التقرير الشامل حول أعمال العنف "الجناة المزعومون" (Alleged Perpetrators) الرد على طلب من وكالة "فرانس برس" للتعليق.

وتوقفت أنشطتها بشكل كبير منذ اعتقال أحد منسقي برنامجها في نوفمبر كما ضُبطت سجلاتها الإلكترونية وسواها في مداهمات لوكالة الاستخبارت الوطنية الهندية.

هجمات قرصنة

يقول صحافيون محليون إنها ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها وسائل إعلام محلية لتخريب. وقالت بهاسين رئيسة تحرير كشمير تايمز لوكالة "فرانس برس"، إن موقع الصحيفة تعرض للقرصنة عدة مرات وفقد مئات التقارير الحساسة حول أنشطة قوات الأمن.

وقال رئيس تحرير صحيفة "كشمير أوبزرفر" سجاد حيدر، إن موقع الصحيفة تعرض لهجمات الكترونية غامضة خلال احتجاجات واسعة عندما ارتفعت نسبة القراء الدوليين.

فقدت الصحيفة في 2008 بيانات تغطي 3 أو4 سنوات، وانتقلت بالتالي إلى خادم أكثر أمناً واستعانت ببرمجيات حماية. واعتبر حيدر أن "هناك محاولات لتقييد الوصول إلينا وتقليل عدد القراء".

ويقوم فريق بنسخ مقالات من النسخ المطبوعة لملء النواقص في أرشيف الإنترنت، لكنه يواجه قيوداً لا يمكن تفسيرها على منصات وسائل التواصل الاجتماعي، فيما أُبلغ بأن موقعهم الالكتروني لا يمكن الوصول إليه من بعض الأماكن.

التحكم برواية الأحداث

شهدت كشمير الخاضعة للإدارة الهندية في ما مضى صحافة نابضة، مع أكثر من 250 صحيفة في أنحاء الإقليم، رغم تعرض صحافيين ورؤساء تحرير لضغوط من متمردين ووكالات حكومية على مدى عقود من السنوات.

لكن رؤساء تحرير يقولون إنهم تعرضوا لضغط منهجي للتخفيف من حدة الانتقادات الموجهة لحكم نيودلهي منذ أن ألغت الحكومة القومية الهندوسية برئاسة ناريندرا مودي الحكم الذاتي المحدود في 2019.

وأُوقفت الإعلانات الحكومية المربحة بشكل تام في الكثير من الصحف البارزة، في تكتيك كان يستخدم في السابق للتعبير عن الاستياء والضغط عليها للالتزام بالخط الحكومي.

اعتقال صحافيين واغلاق نادٍ للصحافة

اعتُقل صحافيون بموجب قوانين مكافحة الإرهاب أو استجوبتهم الشرطة على خلفية تقاريرهم. وفي ديسمبر أغلقت السلطات "نادي الصحافة في كشمير" المستقل بعد انتقاده الشرطة لمضايقاتها. والعديد من الصحف الآن مليئة بمقالات مصادرها حكومية، ما يضر بمصداقيتها وانتشارها.

وقال مايكل كوغلمان من مركز ويلسون بواشنطن، إن الأرشيف المختفي يبدو "جزءاً من مساع مستمرة من جانب نيودلهي للتحكم برواية الأحداث المتعلقة بكشمير".

وأضاف أن الهند "أرادت أن تبث شعوراً بعودة الحياة إلى طبيعتها، لا يتوافق في كثير من الأحيان مع الواقع على الأرض في كشمير" مشدداً في تصريحات لوكالة "فرانس برس"، على أن السجلات الصحافية المختفية يجب أن ينظر إليها على أنها جزء من "قمع مكثف" لحرية الصحافة في كشمير. وتابع: "لا أخبار سارة في ذلك".