توجه قادة فرنسا وألمانيا وبولندا وبريطانيا إلى العاصمة الأوكرانية كييف، السبت، وسط دعوات دولية متجددة لروسيا للموافقة على وقف إطلاق نار دائم والانخراط في محادثات سلام، إذ تهدف الزيارة إلى إظهار التضامن الغربي مع الرئيس فولوديمير زيلينسكي، بعد استضافة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين زعيميْ الصين والبرازيل في "يوم النصر"، حسبما أفادت به صحيفة "فاينانشيال تايمز".
وانضم المستشار الألماني الجديد، فريدريش ميرتس، إلى نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيسيْ الوزراء البريطاني كير ستارمر، والبولندي دونالد توسك، في العاصمة الأوكرانية، وهي أول زيارة للرباعية الأوروبية، منذ تولي ميرتس منصب المستشارية في وقت سابق من الشهر الجاري.
وفي بيان مشترك صدر قبل الزيارة، دعا القادة إلى وقف إطلاق النار في أوكرانيا لمدة 30 يوماً، لتنشيط المفاوضات التي تقودها الولايات المتحدة بهدف إنهاء الحرب.
وجاء في البيان: "نحن، قادة فرنسا وألمانيا وبولندا وبريطانيا، سنقف في كييف تضامناً مع أوكرانيا ضد الغزو الروسي الهمجي وغير القانوني الشامل"، وأضافوا أنهم يدعمون تماماً دعوات الرئيس الأميركي دونالد ترمب للتوصل إلى اتفاق سلام، فيما حثوا روسيا على "التوقف عن عرقلة الجهود المبذولة لضمان سلام دائم".
وأضاف البيان: "نحن واضحون في ضرورة وقف إراقة الدماء، وعلى روسيا وقف غزوها غير القانوني، ويجب أن تتمكن أوكرانيا من الازدهار كدولة آمنة وذات سيادة داخل حدودها المعترف بها دولياً لأجيال قادمة".
وأكد القادة الأوروبيون استعدادهم لدعم المحادثات بين أوكرانيا وروسيا واستكشاف كيفية تطبيق وقف إطلاق النار "للتحضير لاتفاق سلام شامل".
وسافر وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي من حوالي 20 دولة، الجمعة، إلى مدينة لفيف غربي أوكرانيا، حيث أعلنوا دعمهم لإنشاء محكمة خاصة لمحاكمة كبار المسؤولين الروس على جرائم الحرب التي ارتكبتها قوات موسكو خلال الحرب.
وستُنشأ هذه المحكمة بموجب اتفاقية مشتركة بين أوكرانيا ومجلس أوروبا، أعلى هيئة لحقوق الإنسان في القارة.
وتأتي تلك التحركات، بعد أن دعا الرئيس الأميركي دونالد ترمب روسيا وأوكرانيا، الخميس، إلى وقف "غير مشروط" لإطلاق النار لمدة 30 يوماً، مهدداً بفرض عقوبات إضافية في حال لم تحترم هذه المدة.
خطة أميركية أوروبية
وأفادت مصادر مطلعة على جدول أعمال القادة، السبت، بأن الولايات المتحدة وأوروبا وأوكرانيا على وشك الانتهاء من خطة لوقف إطلاق نار أولي غير مشروط لمدة 30 يوماً، والذي سيسمح لهم بفرض عقوبات جديدة على روسيا، حال رفض الكرملين المضي قدماً ومواصلة الحرب.
وبحسب "بلومبرغ"، فإن الخطط لم تُحسَم بعد، وتعتمد في المقام الأول على الموقف الأميركي، حيث تدعو إدارة ترمب إلى هدنة غير مشروطة لمدة شهر، ومساءلة كل من روسيا وأوكرانيا بشأن احترام مبدأ المفاوضات المباشرة.
وأعدت الإدارة الأميركية، حزمة من الخيارات لزيادة الضغط الاقتصادي على روسيا، رغم أن الرئيس لم يتخذ قراراً نهائياً بعد، في ظل استمرار المساعي الدبلوماسية، وفق "بلومبرغ".
وكان ترمب قد صرّح عبر منصته Truth Social قائلاً: "إذا لم يُحترم وقف إطلاق النار، فستقوم الولايات المتحدة وشركاؤها بفرض مزيد من العقوبات".
وخلال زيارتهم، من المتوقع أن يُكرّم القادة الجنود الأوكرانيين الذين قُتلوا في الحرب ويُقدّموا تعازيهم في ساحة الاستقلال الرمزية في كييف.
وسينضمّ نظراء أوروبيون آخرون لاحقاً عبر الإنترنت، لمناقشة خطط تشكيل تحالف من شأنه دعم الدفاعات الجوية والبرية والبحرية لأوكرانيا، والمساعدة في إعادة بناء جيشها بعد أي اتفاق سلام، وضمان أمنها على المدى الطويل.
ودعا الاتحاد الأوروبي، الجمعة، إلى وقف إطلاق نار كامل وغير مشروط لمدة 30 يوماً على الأقل، مؤكداً أنه على روسيا "إظهار استعدادها لتحقيق السلام".
وصدر البيان عن كبيرة دبلوماسيي الاتحاد، كايا كالاس، وحظي بدعم جميع أعضائه الـ27، بما في ذلك المجر وسلوفاكيا، اللتين رفضتا سابقاً التوقيع على مثل هذه البيانات.
مواقف أوكرانيا وروسيا
في السياق ذاته، نقلت "بلومبرغ" عن مدير مكتب الرئيس الأوكراني، أندري يرماك، أن الولايات المتحدة وشركائها الاستراتيجيين مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا ودول الشمال الأوروبي يدعمون الهدنة المؤقتة، ويبحثون توقيت فرض "عقوبات شديدة للغاية"، في حال رفض موسكو الالتزام.
وأجرى زيلينسكي اتصالات "إيجابية وبنّاءة" مع واشنطن مؤخراً، مشيراً إلى توافق بين الجانبين على ضرورة وقف شامل لإطلاق النار، وتحذير من أن استمرار روسيا في إطالة أمد الحرب سيتطلب عقوبات أقسى، خصوصاً إذا تم خرق الهدنة لاحقاً.
كما أشار زيلينسكي إلى أن بلاده تسعى للحصول على ضمانات أمنية أميركية لمنع أي هجوم روسي مستقبلاً، مشيراً إلى نموذجين محتملين: قوة أجنبية كبيرة على الأرض، أو وجود محدود بمظلة حماية شبيهة بالمادة الخامسة من ميثاق حلف شمال الأطلسي "الناتو".
وأيدت كييف سابقاً وقف إطلاق النار الذي اقترحه ترمب لمدة 30 يوماً، لكن بوتين لم يوافق عليه أبداً، إذ تعهدت روسيا بوقف الهجمات على البنية التحتية للطاقة في أوكرانيا.
وكان الناطق باسم الكرملين ديميتري بيسكوف، قال الجمعة، إن روسيا تؤيد تنفيذ وقف لإطلاق النار لمدة 30 يوماً في الصراع مع أوكرانيا، لكنها اشترطت مراعاة "الأمور الدقيقة" في الحرب المستمرة منذ أكثر من 3 سنوات.
ونقلت وكالة "تاس" الروسية للأنباء عن بيسكوف قوله: "هذا الموضوع طرحه الجانب الأوكراني منذ فترة طويلة".
وأضاف: "بمجرد أن طرحت (إدارة دونالد ترمب هذه الفكرة)، أيدها الرئيس (فلاديمير) بوتين مع بعض التحفظات؛ لأنه من الصعب للغاية مناقشة هذا الأمر بالتفصيل، إذا لم يتم التوصل لإجابات على عدد كبير من الأمور الدقيقة المتعلقة بفكرة وقف إطلاق النار". وأكدت روسيا مراراً أن تطبيق وقف إطلاق نار طويل الأمد يعتمد على إنشاء آليات لمراقبة هذه الخطوة والالتزام بها.