ضاعف قرار إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب المفاجئ بشأن تعليق إرسال بعض أنظمة الاعتراض الجوي وأسلحة حيوية أخرى إلى أوكرانيا، بسبب ما وصفته بـ"انخفاض مخزوناتها"، من التحديات التي تواجهها كييف، في لحظة حرجة من الحرب، تواجه فيها هجمات روسية متصاعدة.
ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز"، عن أوله فوروشيلوفسكي، قائد الوحدة الأوكرانية المسؤولة عن إسقاط الطائرات الروسية بدون طيار التي تهاجم كييف، قوله إن القرار "سيكون له تأثير خطير على الكفاءة القتالية".
وبحسب الصحيفة، فإن جميع الشحنات التي باتت مُعلّقة الآن، كانت قد أُقرَّت خلال ولاية إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، وأن ترمب لم يوافق حتى الآن على حزم جديدة من الدعم العسكري لأوكرانيا، إذ كانت واشنطن قد تعهدت بتسليم أسلحة ومعدات تصل قيمتها إلى 11 مليار دولار إلى كييف هذا العام.
وتشمل الشحنات الموقوفة صواريخ لأنظمة الدفاع الجوي "باتريوت" الأميركية، وقذائف مدفعية دقيقة، وصواريخ أخرى تطلقها أسراب كييف من مقاتلات F‑16 الأميركية.
وقالت الصحيفة، إنه على الرغم من عدم تحديد الكميات المشمولة في القرار، فإن رسالة واشنطن تبدو واضحة، وهي أنها "تنسحب من الحرب".
النائبة سولوميا بوبروفسكا، عضوة لجنة الدفاع والاستخبارات في البرلمان الأوكراني، قالت لـ"نيوروك تايمز"، إن "أوكرانيا لم تعد أولوية في السياسة الخارجية الأميركية الآن". وأضافت أن ترمب، على الأقل، "صريح للغاية مع الأوكرانيين بشأن هذا الأمر".
وذكرت الصحيفة، أن المسؤولين الأوكرانيين بدوا متفاجئين بالإعلان الأميركي، إذ صرَّحت وزارة الدفاع الأوكرانية بأنها لم تتلقَّ أي إخطار رسمي بشأن التعليق، وأنها "طلبت إجراء مكالمة هاتفية مع نظرائها الأميركيين لتوضيح التفاصيل".
وأشارت إلى أن مدى تأثير هذا القرار على أوكرانيا يبقى غير واضح، في ظل حصول كييف على أسلحة من أوروبا في الوقت الحالي وزيادة إنتاجها المحلي.
توقيت حرج
واعتبرت "نيويورك تايمز"، أن توقيت القرار "حرج للغاية بالنسبة لأوكرانيا"، حيث تشن موسكو هجمات جوية واسعة النطاق كل بضعة أيام تهدف إلى تدمير دفاعاتها الجوية، وتشمل عمليات القصف مئات الطائرات بدون طيار في ليلة واحدة تليها صواريخ باليستية قوية لا يمكن اعتراضها إلا بصواريخ (باتريوت) الأميركية.
وأعرب العديد من المشرعين الأوكرانيين عن استيائهم من قرار البيت الأبيض، محذرين من أنه سيمكّن الكرملين من إلحاق مزيد من الأضرار بكييف، وكتبت النائبة المعارضة، إينا سوفسون، على منصة "إكس": "مئات القتلى بسبب استهداف المدنيين ستُثقل ضمير ليس (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين فقط، بل أيضاً ترمب".
ويعد هذا هو الإيقاف الثاني للأسلحة منذ عودة ترمب إلى البيت الأبيض، ففي مارس الماضي، أوقفت الإدارة بشكل مؤقت كل المساعدات العسكرية لأوكرانيا بعد اجتماع متوتر بين الرئيس الأميركي ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، قبل التراجع عن القرار بعد نحو أسبوع واستئناف عمليات الشحن.
وتمتلك أوكرانيا 8 أنظمة "باتريوت"، 6 منها عاملة وتركز بشكل أساسي على حماية العاصمة كييف، وهي هدف رئيسي للهجمات الروسية. لكن بوبروفسكا قالت إن وقف الشحنات يمثل "مشكلة كبيرة"، مشيرة إلى أن النقص في الذخائر سيجعل من الصعب للغاية الدفاع عن العاصمة.
ومع ذلك، لفتت إلى أن توقف شحنات أسلحة أخرى، مثل قذائف المدفعية، "سيكون أسهل في التعامل معه"، نظراً لزيادة أوكرانيا إنتاجها المحلي، وتلقيها المزيد من الإمدادات من شركائها الأوروبيين.
وبعد توقف جميع شحنات الأسلحة الأميركية في مارس الماضي، توقّع المحللون أن تكون أوكرانيا قادرة على الصمود وتواصل القتال لمدة تتراوح بين أربعة وستة أشهر.
ولمواجهة انخفاض شحنات الأسلحة الأميركية، أطلقت أوكرانيا مؤخراً برامج إنتاج مشترك مع حلفائها في أوروبا، مثل بريطانيا والدنمارك والنرويج. وبموجب هذه المبادرة، سيتم تصنيع الأسلحة في تلك الدول أو داخل الأراضي الأوكرانية، على أن يوفر الحلفاء التمويل، بينما تساهم كييف بالخبرة الفنية.
وقال فوروشيلوفسكي، إن بلاده قادرة على تحمّل التوقف الأخير، "ولكن بثمن باهظ". وأضاف: "سنجد أسلحة، ولكن سيكون الأمر أصعب، وسيموت المزيد من الناس".
ضربة موجعة
من جانبها، قالت صحيفة "وول ستريت جورنال"، إن القرار الأميركي يمثل "ضربةً موجعة" لجهود أوكرانيا في مواجهة الهجمات الجوية الروسية المُتصاعدة والمُميتة على نحوٍ متزايد.
وأشارت الصحيفة، إلى أنه حتى قبل القرار، كانت كييف تُكافح لمواجهة التكنولوجيا والتكتيكات وأعداد القوات الروسية، إذ تنشر موسكو بالفعل صواريخ باليستية قابلة للمناورة، وقادرة على تجنب رادار نظام "باتريوت"، وتُطلق أعداداً قياسية من الطائرات بدون طيار لقصف كييف، ولذا فإن توقف إمداد الصواريخ الاعتراضية من الولايات المتحدة سيزيد الضغط عليها بشكل كبير.
وصرَّح المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية "البنتاجون"، شون بارنيل، الأربعاء، بأن مسؤولي الدفاع "يجرون مراجعة للقدرات" لضمان توافق الدعم العسكري مع أولويات إدارة ترمب، مضيفاً: "لن نكشف عن كميات أو أنواع الذخائر المقدمة لأوكرانيا أو جدولها الزمني".
ووفق الصحيفة، فإن أوكرانيا أمامها "خيارات محدودة"، في وقتٍ يواجه فيه الحلفاء الأوروبيون صعوبات متزايدة في تسريع إنتاج الصواريخ، وسط سعي صناعة الدفاع الغربية لاستعادة وتيرة إنتاج تتماشى مع متطلبات "حرب استنزاف عالية الكثافة".
وأوضحت الصحيفة، أن الشحنات الأميركية الموقوفة، والتي كانت موجودة في بولندا بالفعل، تضمنت أكثر من عشرين صاروخ باتريوت من طراز PAC‑3، وأكثر من عشرين نظام دفاع جوي من طراز Stinger، وصواريخ Hellfire جو–أرض، وأكثر من 90 صاروخ جو-جو من طراز AIM، ضمن أنظمة أخرى، بحسب ما نقلته عن مسؤولين في الإدارة والكونجرس.
وأفادت الصحيفة، بأن نقص الذخائر سيُثقل كاهل الدفاعات الأوكرانية، مشيرة إلى أن نظام "باتريوت" الحالي لا يوفر تغطية كاملة بزاوية 360 درجة، مما يترك "نقطة عمياء" قد تستغلها القوات الروسية في شن ضربات دقيقة، ورغم أن النسخة الأحدث من رادار باتريوت قادرة على توفير تغطية شاملة، فإن متحدثاً باسم الجيش الأميركي أكد أن النظام لا يزال "قيد الاختبار"، ولن يدخل الخدمة قبل مطلع العقد المقبل.
من جانبها، رفضت شركة RTX، المُصنّعة لمعظم أجزاء منظومة باتريوت، التعليق على الوضع في أوكرانيا، لكنها قالت إنها تُحدّث النظام باستمرار استناداً إلى "تجارب القتال الواقعية".
ووفق البيانات التي حللتها "وول ستريت جورنال"، لا يبدو، حتى الآن، أن عمليات الاعتراض الأوكرانية للصواريخ الباليستية الروسية قد انخفضت بشكل ملحوظ، إذ تتراوح معدلات الاعتراض هذا العام من 48% في يونيو إلى 3.4% في مارس.
لكن نقص الصواريخ الاعتراضية يعد المشكلة الأكثر إلحاحاً الآن، وسبق أن أعرب مسؤولون أميركيون عن مخاوفهم بشأن توافر صواريخ باتريوت الاعتراضية، نظراً للطلب الهائل عليها، إذ قال دوج بوش، مساعد وزير الجيش الأميركي لشؤون الاستحواذ واللوجستيات والتكنولوجيا في إدارة بايدن، في تصريحات العام الماضي: "يبقيني هذا مستيقظاً ليلاً".
وذكرت الصحيفة، أن القوات الأميركية استخدمت نظام باتريوت للدفاع عن قاعدتها في قطر ضد الهجوم الإيراني الشهر الماضي، فيما وصفه البنتاجون بأنه "أكبر استخدام لصواريخ باتريوت في تاريخ الولايات المتحدة".
وأشار تيم كاهيل، مدير قسم الصواريخ في شركة "لوكهيد مارتن" الأميركية، إلى أن الشركة ستتمكن قريباً من إنتاج 600 صاروخ اعتراضي سنوياً، كما تتطلع إلى إنشاء مصانع في أوروبا، غير أن إنتاج هذه الأسلحة عادةً ما يستغرق أكثر من عام، وأضاف: "أوقات الانتظار أطول مما نود أن تكون عليه".