هولندا وفرنسا تقودان جهود مراجعة الاتفاق.. وألمانيا وإيطاليا في طليعة المعارضين

حرب غزة تضع الاتحاد الأوروبي أمام اختبار مراجعة "اتفاقية الشراكة" مع إسرائيل

من اليسار: كايا كالاس وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي، أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية ومته فريدريكسن، رئيسة وزراء الدنمارك، خلال اجتماع المجلس الأوروبي في بروكسل، بلجيكا، 26 يونيو 2025 - Bloomberg
من اليسار: كايا كالاس وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي، أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية ومته فريدريكسن، رئيسة وزراء الدنمارك، خلال اجتماع المجلس الأوروبي في بروكسل، بلجيكا، 26 يونيو 2025 - Bloomberg
بروكسل-حسين الوائلي

وضعت الأرقام الصادمة لضحايا الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، والتي فاقت 188 ألفاً بين قتيل وجريح، الاتحاد الأوروبي، في موقف حرج أمام مؤسسات حقوق الإنسان والمنظمات الإنسانية الدولية، ما دفعه إلى الإعلان عن المباشرة في مراجعة شاملة لاتفاقية الشراكة مع إسرائيل، نتيجة لـ"الوضع الكارثي" في القطاع، وفق ما أعلنت ممثلته العليا للسياسة الخارجية والأمن كايا كالاس.

كما نقلت مصادر أوروبية لـ"الشرق" عن رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا تشديده على وجود "حاجة ماسة إلى تحرك فعلي على الأرض" و"رفع الحصار" عن غزة. 

وعن المساعدات التي سمحت إسرائيل بدخولها إلى القطاع، قالت كالاس "إنها خطوة مرحب بها، لكنها لا تمثل إلا قطرة في بحر"، ونبهت إلى أن ممارسات تل أبيب تشكل خرقاً لبنود حقوق الإنسان المنصوص عليها في اتفاق الشراكة، في حين قالت باتريس نافارو، المتحدثة باسم رئيس المجلس الأوروبي، أنطونيو كوستا لـ"الشرق"، إن الأخير "شدد على أن الوضع الإنساني في غزة لم يعد يُحتمل، وهناك حاجة ماسة إلى تحرك فعلي على الأرض".

ونُقل عن كوستا تأكيده على وجوب أن ترفع "إسرائيل الحصار عن غزة، وأن يُسمح بدخول المساعدات الإنسانية فوراً إلى القطاع. كما أنه من الضروري التوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار، والإفراج عن جميع المحتجزين دون تأخير. لا بد من التحرك نحو تهدئة شاملة في المنطقة".

لكن المعروف أن هكذا قرارات لا تُتخذ في الاتحاد الأوروبي، من دون إجماع. وبالتالي قد يؤدي الانقسام بين الدول الداعمة لمراجعة الشراكة، وعلى رأسها فرنسا وإسبانيا؛ والرافضة لهذا الخطوة، وتتقدمها ألمانيا وإيطاليا، إلى فشل هذه المساعي.

إجراءات مراجعة اتفاق الشراكة انطلقت  

مع ذلك، يبدو أن الممثلة العليا للسياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس، ماضية في السير بالإجراءات المُفضية إلى مراجعة هذه الشراكة، إذ أعلنت الثلاثاء، أن اتفاقية التجارة بين الاتحاد وإسرائيل ستُخضع للمراجعة، على خلفية الوضع "الكارثي" في غزة، مشيرة إلى أن "أغلبية قوية" من وزراء خارجية الاتحاد، خلال اجتماعهم في بروكسل، أعربوا عن تأييدهم لإعادة النظر في اتفاقية الشراكة مع إسرائيل، في ضوء التطورات المأساوية في القطاع.

وفي تصريح سابق من بروكسل، وصفت كالاس الوضع الإنساني في غزة بأنه "بالغ السوء"، مشيرة إلى أن المساعدات التي دخلت بإذن من إسرائيل، رغم أهميتها، تبقى غير كافية إطلاقاً، وقالت: "يجب أن تصل المساعدات فوراً، بلا عوائق، وبشكل واسع، لأن هذا هو ما يتطلبه الوضع الحالي". كما سبق لها أن وصفت ممارسات إسرائيل بأنها "إبادة جماعية". 

وفي السياق ذاته، اعتبر توم فليتشر، كبير مسؤولي الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، أن حجم الإغاثة المسموح به لا يتجاوز "قطرة في محيط"، في إشارة إلى محدودية المساعدات مقارنة بحجم الكارثة.

وأشارت كالاس إلى أن عقوبات الاتحاد الأوروبي على المستوطنين الإسرائيليين الذين يمارسون العنف أُعدت بالفعل، لكن دولة عضواً تعرقلها حتى الآن، من دون أن تسمي هذه الدولة، لكن "الشرق"، علمت من أكثر من مصدر أن الدولة المقصودة هي التشيك.

ورحب وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو في وقت سابق، خلال حديثه في البرلمان، بقرار الاتحاد الأوروبي إجراء المراجعة للشراكة مع إسرائيل، وقال إن 17 دولة عضواً من أصل 27 أيدت هذه الخطوة. 

وقال مسؤول كبير في الاتحاد الأوروبي، طلب عدم الكشف عن اسمه لـ"الشرق"، إن رئيس المجلس الأوروبي، أنطونيو كوستا، طرح خلال قمة يونيو القضية الفلسطينية على طاولة النقاش بين قادة الدول الأعضاء، ونقل عنه قوله إن "القادة ناقشوا تطورات الأوضاع في غزة والشرق الأوسط، رغم تباين وجهات النظر، إلا أن الجميع أجمع على ضرورة تحسين الأوضاع على الأرض، وأكدوا أن الحل الدبلوماسي هو السبيل لتحقيق سلام دائم يستند إلى حل الدولتين". 

انتهاك إسرائيل للقوانين الدولية

وكشف المسؤول نفسه عن أن هناك عملية جارية على مستوى المجلس الأوروبي، ومن المتوقع أن تعرض الممثلة العليا للسياسة الخارجية والأمن على وزراء خارجية الدول الأعضاء السبع والعشرين، مجموعة من الخيارات، خلال اجتماع مجلس الشؤون الخارجية المقرر في 15 يوليو، وذلك استناداً إلى مستجدات الأوضاع الميدانية. 

ويُعتبر الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الأول لإسرائيل، حيث بلغت قيمة المبادلات التجارية بين الطرفين نحو 42.6 مليار يورو في عام 2024.

وفي ختام مناقشات المجلس الأوروبي لتقرير أعدّته هيئات الاتحاد بشأن الممارسات الإسرائيلية في قطاع غزة، أعلنت كالاس، أن التقرير أشار إلى وجود مؤشرات واضحة على عدم التزام إسرائيل ببنود حقوق الإنسان المنصوص عليها في المادة الثانية من اتفاق الشراكة بين الجانبين.

وأضافت كالاس: "إذا لم يشهد الوضع الميداني تحسناً بعد إجراء المحادثات الأوروبية-الإسرائيلية بشأن التقرير، فإن الوقت قد حان للنظر في اتخاذ تدابير من نوع مختلف".

وقالت مفوضة الشؤون الإنسانية في الاتحاد الأوروبي، حجة لحبيب، في تصريح خاص لـ"الشرق"، بأن على المجتمع الدولي أن يُعيد إحياء مبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، اللذين تأسسا عقب الحرب العالمية الثانية. وأضافت: "هناك مؤسسات دولية كثيرة تذكرنا بأن للحروب قواعد يجب احترامها، وأبرزها أن المدنيين لا يجوز استهدافهم تحت أي ظرف".

وأشارت لحبيب إلى أن الاتحاد الأوروبي أرسل أكثر من 15 طائرة مساعدات إنسانية إلى غزة، مؤكدة أن هذه الجهود ستستمر في ظل تدهور الوضع الإنساني في القطاع. 

5 خيارات أوروبية 

ويُجري الاتحاد الأوروبي حالياً مشاورات داخلية لمناقشة خمسة خيارات محتملة للرد على ما يعتبره انتهاكاً من جانب إسرائيل لبند حقوق الإنسان المنصوص عليه في اتفاقية الشراكة الموقعة بين الجانبين.

وبحسب مصادر دبلوماسية أوروبية، فإنه من المنتظر أن تطرح وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي الجديدة كايا كالاس، حزمة من المقترحات أمام وزراء الخارجية في الاجتماع المقبل، في خطوة تهدف إلى بلورة موقف أوروبي موحد إزاء الممارسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، خصوصاً في قطاع غزة. 

الخيارات الأوروبية:

تشمل الخيارات المطروحة: 

  • تعليق كلي أو جزئي لاتفاقية الشراكة المبرمة مع إسرائيل. 
  • فرض عقوبات تستهدف شخصيات إسرائيلية رسمية، من بينهم وزراء، ضباط عسكريون، ومستوطِنون. 
  • تقييد العلاقات التجارية القائمة بين الطرفين. 
  • فرض حظر على تصدير الأسلحة والمعدات العسكرية إلى إسرائيل. 
  • تعليق مشاركة إسرائيل في البرامج العلمية الأوروبية، وفي مقدمتها برنامج "هورايزن يوروب" للبحث والابتكار. 

وتأتي هذه التحركات في ظل تصاعد القلق داخل الاتحاد الأوروبي بشأن الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة، التي يقول مسؤولون أوروبيون إنها تتعارض مع المبادئ الأساسية للاتفاق، لا سيما ما يتعلق منها باحترام القانون الدولي وحقوق الإنسان.

تحول أوروبي.. لكن للضغط حدود

ويرى مراقبون أن طرح هذه الخيارات يعكس تحولاً تدريجياً في الموقف الأوروبي، وسط تنامي الضغوط من قبل منظمات المجتمع المدني والرأي العام الأوروبي المُطالب بمواقف أكثر حزماً تجاه السياسات الإسرائيلية، ولاسيما في ما يتعلق بالحرب الإسرائيلية على غزة، ومنع دخول المساعدات الإنسانية. 

ويقول الخبير في الشؤون الأوروبية محمد رجائي بركات، في تصريح لـ"الشرق" إنه على الرغم من التغيرات التي طرأت على مواقف الكثير من دول الأعضاء في الاتحاد الاوروبي إزاء إسرائيل والنزاع الإسرائيلي - الفلسطيني لكن يبقى من الصعب على الاتحاد الأوروبي أن يتبنى مواقف للضغط على إسرائيل كاستخدام الشراكة كوسيلة للضغط عليها، وتعليق اتفاقية الشراكة أو إلغائها وذلك لأسباب عديدة.

وأعطى رجائي ألمانيا كمثال على ذلك، كونها، كما يفسّر من الدول التي "لا يمكنها أن تتبنى حالياً مواقف مناهَضَة لإسرائيل على الرغم من الانتهاكات والإبادة الجماعية التي يتم ارتكابها، ورغم وجود تقرير أوروبي يدين انتهاكات إسرائيل، وهذا التقرير أكد وقوع مجازر في غزة"، مشيراً إلى أن هذا التقرير "لم يؤخذ بعين الاعتبار من قبل المفوضية الأوروبية والمجلس الأوروبي". 

اقرأ أيضاً

غزة تُحرك أوروبا.. تصعيد دبلوماسي ضد إسرائيل وتلويح بمراجعة الشراكة

تشهد المواقف الأوروبية تحوّلاً لافتاً تجاه إسرائيل بسبب الحرب على غزة، إذ تجاوز التعاطف الشعبي حدود الشارع ليبلغ دوائر القرار الرسمية والحكومية.

وأضاف أن ما تتم مناقشته حالياً هو "البحث في ما إذا انتهكت إسرائيل البند الثاني من اتفاقية الشراكة الأوروبية الإسرائيلية، المتعلقة باحترام إسرائيل فقرة حقوق الإنسان، والمسار الديمقراطي"، مشيراً إلى أنه لم يتم البت به نهائياً، وبالتالي فإن تحويل الملف الشراكة من القمة الأوروبية على مستوى الزعماء، إلى وزراء الخارجية، يدل على أنه لا يمكن أن تتخذ إجراءات ضد إسرائيل".

ولفت رجائي إلى وجوب عدم نسيان أن "هناك مصالح اقتصادية وأيضا المزاج الدولي خصوصاً بعد حرب الـ 12 يوماً بين إسرائيل وإيران وخطاب الرئيس الأميركي دونالد ترمب، هذه كلها تعطي انطباع انه لا يمكن أن يكون هناك ضغط على تل أبيب في ما يتعلق بانتهاكاتها غير الإنسانية في غزة"، فضلاً عن الدور الذي يلعبه اللوبي الصهيوني في المؤسسات الأوروبية وممارسته ضغوطاً كبيرة، وتأثيره على صنع القرار في ظل غياب عربي واضح عن التأثير على الدول الأعضاء في الاتحاد".  

انقسام تنفيذي  

مصدر مسؤول في الاتحاد الأوروبي، طلب عدم الكشف عن اسمه، اعتبر أن "الاستنتاج الصادر (في التقرير، الذي يشير إلى عدم التزام إسرائيل ببنود حقوق الإنسان المنصوص عليها في المادة الثانية من اتفاق الشراكة) يشكل خطوة قانونية أولى تمهّد لإمكانية مراجعة اتفاقية الشراكة مع إسرائيل"، مشيراً إلى أن تنفيذ هذه الخطوة يظل مشروطاً بإجماع الدول الأعضاء حول ضرورة المضيّ فيها.

ومع ذلك، عكست أجواء النقاش التي شهدها المجلس الأوروبي الاثنين الماضي، وجود تباين واضح في المواقف؛ إذ لم تُبدِ سوى دولتين، هما إسبانيا وإيرلندا، دعمهما الصريح لتعليق الاتفاق.

في المقابل، أعربت دول مثل هولندا وبلجيكا والسويد والنمسا عن موقف أكثر تحفظاً، معتبرة أن التقرير الأوروبي يجب أن يُستخدم كأداة ضغط على حكومة بنيامين نتنياهو للسماح بإدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة.

أما مجموعة أخرى من الدول، تتزعمها ألمانيا وإيطاليا، فقد أبدت رفضاً حتى لمجرد طرح فكرة مراجعة الاتفاقية أو مناقشتها حالياً، ما يُظهر عمق الانقسام داخل الاتحاد بشأن كيفية التعامل مع إسرائيل في ظل التطورات الميدانية.

ما هي اتفاقية الشراكة الأوروبية الإسرائيلية؟ 

وتُعد اتفاقية الشراكة، التي وُقعت عام 1995 ودخلت حيّز التنفيذ في عام 2000، الإطار القانوني والسياسي الأوسع للعلاقات بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل.

وتنص الاتفاقية على فتح الأسواق الأوروبية أمام المنتجات الإسرائيلية، وتعاون اقتصادي وتجاري وتكنولوجي وأمني في عشرات المجالات، وتنظيم حوار سياسي دوري بين الطرفين، وإشراك إسرائيل في برامج أوروبية استراتيجية للبحث والابتكار.

والأهم من ذلك، أن الاتفاقية تُلزم الطرفين باحترام مبادئ حقوق الإنسان والديمقراطية، وتُعد هذه المبادئ "عنصراً جوهرياً" لاستمرار الاتفاق. 

المؤيدون لمراجعة الشراكة

ويقود المبادرة لمراجعة الشراكة مع إسرائيل وزير الخارجية الهولندي كاسبار فيلد كامب، وتحظى مبادرته بدعم أكثر من عشر دول أوروبية، من بينها: فرنسا، إسبانيا، إيرلندا، هولندا، فنلندا، البرتغال، سلوفينيا، السويد.

وتوافق بريطانيا مع بعض الدول الأوروبية على تبني نهج ضاغط تجاه إسرائيل، حيث شدد وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي، الثلاثاء، على ضرورة التوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة، مؤكداً أن لندن ستتخذ إجراءات إضافية ضد إسرائيل إذا استمر الوضع الحالي.

وقال لامي خلال جلسة استماع أمام لجنة برلمانية: "يجب أن نتوصل إلى وقف لإطلاق النار".

ولدى سؤاله عمّا إذا كانت الحكومة البريطانية ستتخذ خطوات إضافية في حال استمرار التصعيد، أجاب بشكل قاطع: "نعم، نعم، سنفعل".

وتستند المبادرة إلى المادة الثانية من الاتفاق، التي تتيح تعليق الشراكة في حال حدوث انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. ويتطلب تفعيل هذه الخطوة موافقة بالإجماع من جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.

تصنيفات

قصص قد تهمك