خبراء يتحدثون لـ"الشرق" عن مخاوف الحرب العالمية الثالثة والليثيوم في دونباس ومصير الحرب الأوكرانية

التصعيد المفاجئ بين ترمب وبوتين.. الأسباب والخيارات بعد مهلة 50 يوماً

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأميركي دونالد ترمب في اجتماع على هامش قمة مجموعة العشرين في أوساكا باليابان. 28 يونيو 2019 - REUTERS
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأميركي دونالد ترمب في اجتماع على هامش قمة مجموعة العشرين في أوساكا باليابان. 28 يونيو 2019 - REUTERS
واشنطن/ موسكو-رشا جدةأديب السيد

في خطوة اعتبرها مراقبون ومحللون سياسيون ودبلوماسيون "تحولاً مفاجئاً"، صعّد الرئيس الأميركي دونالد ترمب لهجته ضد روسيا، محدداً مهلة مدتها 50 يوماً للتوصل إلى اتفاق سلام مع أوكرانيا، وذلك بعد فترة من التواصل مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين.

وأثار هذا التصعيد المفاجئ العديد من الأسئلة، لعل من بينها: ما السبب؟ لماذا تحولت نبرة ترمب ضد روسيا الآن؟ وكيف تتعامل موسكو مع تهديدات ترمب؟ وهل تأخذها بجدية؟ وهل يمكن لموسكو تغيير مسارها خلال 50 يوماً؟ وما التداعيات المحتملة في حال نفذ ترمب وعيده؟

في موسكو، جاء الرد سريعاً، إذ قالت إنها "لا تقبل التهديدات" التي وصفتها بـ"الاستعراضية" و"لا تكترث بها"، على الرغم من أن الكرملين قال إنه بحاجة إلى تفسير المهلة التي منحها ترمب لإنهاء حرب أوكرانيا واصفاً إياها بـ"الخطرة جداً".

جذور التصعيد بين ترمب وبوتين

وتباينت آراء خبراء ومحللين أميركيين وروس، تحدثوا لـ"الشرق"، بشأن الدوافع الحقيقية وراء التصعيد الأميركي تحاه روسيا وتوقيته، ففريق يرى أن خلفها أسباب شخصية، بينما يرى فريق آخر أن وراءها ضغوط سياسية ورغبة من ترمب في الاستحواذ على موارد أوكرانيا.

ويرجع الدبلوماسي الأميركي السابق دانيال فريد، الذي كان مسؤولاً عن ملف العقوبات على روسيا في العام 2014، تغيير نبرة ترمب تجاه موسكو، إلى ما وصفه بـ"غرور بوتين"، معتبراً أن الرئيس الروسي "عامل ترمب كالأحمق أو الساذج، رغم محاولات الأخير التقرّب من بوتين وعرض شراكة اقتصادية وسياسية، وفعل كل ما يمكن لإقناعه بوقف الحرب والذهاب نحو هدنة، لكن سيد الكرملين تجاهله تماماً، ليشعر ترمب بالإهانة".

ويرى فريد أن ثمّة عوامل أخرى لعبت دوراً في تغيير نبرة حديث ترمب عن بوتين، من بينها الضغوط التي مارسها عليه قادة أوروبيون، من بينهم رؤساء فرنسا وبولندا وفنلندا ورئيس الوزراء البريطاني، بالإضافة إلى حلف الناتو وأمينه العام مارك روته.

نظرة ترمب إلى الحرب الأوكرانية

بينما اعتبر الدبلوماسي الأميركي السابق ومستشار السياسة الخارجية السابق في قيادة الحزب الجمهوري بمجلس الشيوخ جيمس جاتراس أن السبب الأساسي في تصعيد ترمب هو سوء تقديره لطبيعة هذه الحرب.

ويفسر جاتراس موقفه قائلاً إن "ترمب أراد التعامل مع الحرب باعتبارها مجرد حرب بين روسيا وأوكرانيا، بينما هي ليست كذلك، فهي حرب تشنها الولايات المتحدة على روسيا باستخدام أوكرانيا كأداة، حتى أن وزير الخارجية ماركو روبيو صرّح بأن ما يجري هو حرب بالوكالة، تشنها الولايات المتحدة ضد روسيا".

ويرى أنه كان بإمكان ترمب ببساطة إعلان انسحاب بلاده من النزاع، لكنه اختار الظهور بمظهر "صانع السلام"، وهو أمر "كان محكوماً عليه بالفشل منذ البداية"، بحسب جاتراس.

أما مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق توماس كنتريمان فيرى أن ترمب دخل الرئاسة معتقداً أن علاقته الشخصية مع بوتين ستسهل التوصل إلى وقف إطلاق نار ثم اتفاق سلام، بينما اعتقد بوتين أن هذه العلاقة ستمنع أي ضغط أميركي حقيقي ليكثف جهوده العسكرية بدلاً من التراجع، وهو ما أثار استياء ترمب.

وينفي كنتريمان أن تكون قمة الناتو الأخيرة قد شكلت ضغطاً مباشراً على ترمب، موضحاً أن المشاركين " كانوا حريصين على مجاملة الرئيس الأميركي والانسجام مع أولوياته"، لكنه مع ذلك يرى أن الحلفاء أظهروا دعماً موحداً لأوكرانيا.

ويختلف مع الرأي السابق، المستشار السابق في وزارة الخارجية الأميركية دانيال سيروير، إذ يرى أن نبرة ترمب تجاه روسيا تغيرت بعد قمة الناتو في لاهاي، والتي حض خلالها حلفاء الناتو الرئيس الأميركي على الالتزام بشكل أكبر نحو أوكرانيا.

ويرى سيروير أن ترمب يحاول ببساطة صد الضغوط الدولية والمحلية، و"التظاهر بالصرامة في مواجهة بوتين، لكنه لا يفعل شيئاً جوهرياً".

بينما يرجع المتخصص في العلاقات الأميركية الروسية البروفيسور ستيفن س. سميث تغيّر موقف ترمب تجاه بوتين إلى "مزيج من الضغوط السياسية الداخلية وتغيّر المزاج السياسي العام، وليس إلى عامل محدد بذاته".

موارد أوكرانيا تغري ترمب

في المقابل، يرى النائب في مجلس الدوما الروسي ميخائيل دلياجين أن انقلاب موقف ترمب حيال روسيا يعود إلى رغبته في انتزاع أوكرانيا كمصدر للموارد الطبيعية من بريطانيا وإعطائها لرجال الأعمال الأميركيين، معتبراً أن تصريحات ترمب المناهضة لروسيا "تكتيكية" وتغطي على هذه الغاية الأساسية.

وشكك ديلياجين في أن يتمكن ترمب من الاستثمار في أوكرانيا بسبب النفوذ البريطاني، لافتاً إلى أن روسيا سبق أن أعلنت عن استعدادها للتعاون مع الولايات المتحدة في مجال المعادن والثروات الطبيعية.

تهديدات ترمب.. حقيقة أم مناورة؟

ومنذ إعلان مهلة الـ50 يوماً، تتوالى تهديدات ترمب ضد روسيا، إذ أعلن الرئيس الأميركي خطة لتزويد أوكرانيا بأسلحة تشمل أنظمة صواريخ من طراز "باتريوت"، كما هدد بفرض عقوبات على من يشترون صادرات النفط الروسية إضافة إلى التلويح بفرض رسوم جمركية تتجاوز 100%.

وفي ما يتعلق بتأثير تلك العقوبات على موسكو، يرى دانيال فريد أن فرض رسوم جمركية بنسبة 100%، على الواردات الروسية "ليس مؤثراً بحد ذاته"، نظراً لانخفاض حجم التجارة بين البلدين، موضحاً أن "ترمب يلمّح إلى شيء أوسع، وهو فرض رسوم ثانوية على الدول التي تشتري النفط الروسي، مثل الصين والهند".

ويشير فريد إلى أن الرئيس الأميركي استخدم مصطلح "الرسوم الثانوية"، ولم يوضح بالضبط المقصود "وربما لا يعرف هو نفسه"، لكن المعنى العملي، وفق فريد، هو فرض رسوم على دول ثالثة.

ولكنه قال إن هذه الخطوة ربما تشكل تهديداً حقيقياً لموسكو، رغم أنها لا تزال غير واضحة المعالم "وتحتاج إلى تطوير"، لافتاً إلى أن الرسوم ليست الأداة الأفضل دوماً "لأننا نستخدمها (يقصد واشنطن) بشكل مفرط، ولا أعلم كيف سينسجم هذا مع مفاوضاتنا التجارية مع الصين".

ماذا يفعل سلاح الرسوم الجمركية؟

ويتفق ستيفن س. سميث مع رأي دانيال فريد، موضحاً أن التهديد بفرض رسوم جمركية على روسيا "يفتقر إلى الأثر العملي"، وأرجع ذلك إلى أن "الصادرات الروسية للولايات المتحدة محدودة للغاية، ولا تمثل أهمية تُذكر لأحد البلدين"، مشيراً إلى أن تهديد ترمب قد يوحي بأن الرسوم الجمركية، أداة ضغط قوية، "لكنها في هذه الحالة عديمة الجدوى".

وحسبما يرى سميث، يبدو هذا التهديد أقرب إلى "رسالة رمزية" أكثر من كونه استراتيجية ضغط حقيقية على موسكو، معتبراً أن "التهديد لا يعكس فهماً دقيقاً لطبيعة الصراع"، فهي "حرب مسلحة وليست حرباً تجارية".

وأوضح: "يبدو أن ترمب غير مستعد لإنفاق أموال حقيقية أو فرض عقوبات أقسى، لذا يلوّح بالرسوم الجمركية كأداة توحي بالحزم بينما لا يفعل الكثير فعلياً".

وأشار الدبلوماسي الأميركي السابق إلى أن "العقوبات الثانوية ربما تكون أكثر فاعلية"، مضيفاً: "لكن في كل الأحوال، فإن مهلة الـ50 يوماً تمنح الإدارة الأميركية فرصة للتحضير الفعلي، وهو أمر ضروري".

تسليح أوكرانيا

وعن الإجراءات الأكثر تأثيراً التي يمكن أن تتخذها إدارة ترمب خلال هذه المهلة إذا كانت جادة في تهديداتها، اعتبر فريد أن أقوى وسيلة للضغط على بوتين هي تسليح أوكرانيا بشكل مكثف، قائلاً: "ترمب أشار إلى آلية عامة تقوم على أن الولايات المتحدة ترسل السلاح، بينما يدفع الأوروبيون التكلفة، ويمكن للدول الأوروبية أن تستخدم الأصول الروسية المجمدة لتمويل ذلك".

ورجّح أن يغير تدفق الأسلحة إلى أوكرانيا حسابات بوتين، "لأنه حتى الآن لم يكن واثقاً من استمرار دعم ترمب لأوكرانيا عسكرياً، ويمكن للرئيس الأميركي الآن تغيير تلك المعادلة، وهذا سيكون قراراً جيداً"، على حد تعبيره.

وفي ما يتعلق بالضغط الأميركي على الاقتصاد الروسي، يرى فريد أن ذلك يتم عبر التركيز على النفط، موضحاً أنه "المصدر الأهم للعملة الصعبة بالنسبة لروسيا".

وتابع: "يمكننا استهداف مبيعات النفط الروسي، خصوصاً ما يُعرف بالأسطول الخفي الذي ينقل النفط متجاوزاً سقف الأسعار المفروض من مجموعة الـ7"، مضيفاً: "يمكننا خفض سقف السعر، وفرض عقوبات ثانوية على الدول التي تشتري النفط الروسي، مع إعفاءات إذا خفضت تلك الدول مشترياتها، لقد فعلنا ذلك مع إيران، ونجح بشكل معقول".

ترمب يعود إلى سياسة بايدن

من جانبه، يرى جيمس جاتراس صعوبة في تحديد مدى جدية تهديد ترمب بفرض رسوم جمركية على روسيا، معتبراً أنه "يريد تأجيل أي إجراء، ويأمل أن يؤدي مجرد التهديد إلى دفع روسيا لتغيير سياساتها"، لكنه يستبعد هذا السيناريو.

ويلفت إلى أن "الرئيس الأميركي سيصبح في مأزق، إمّا أن ينفذ تهديده أو يتراجع عنه"، متابعاً: "وبالنظر إلى نمط ترمب المعتاد، فعلى الأرجح سيتراجع".

ويقول جاتراس إن "كثيرين كانوا يتوقعون من ترمب إبرام صفقة مبكرة مع الروس، لكنه يبدو غير قادر على ذلك، ما يجعله عملياً يعود إلى سياسة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن"، في إشارة إلى استخدام الضغط الاقتصادي وفرض العقوبات وعدم إيقاف الدعم العسكري لأوكرانيا.

مناورة لتأخير ضغط الكونجرس

أما توماس كنتريمان فيرى أن تهديد ترمب قد يبدو في ظاهره خطوة تصعيدية للضغط على بوتين للموافقة على وقف إطلاق النار خلال 50 يوماً، لكنه في حقيقته، بحسب وصفه، "أداة لتأجيل فرض عقوبات أقوى على روسيا".

ويوضح أن "الكونجرس مستعد لفرض عقوبات أشد على موسكو، لكن ترمب بتحديده مهلة 50 يوماً يؤخّر هذا التحرك"، مشيراً إلى أن ترمب "يستخدم لهجة قوية تجاه بوتين، لكنه في الوقت ذاته لا يريد قطع العلاقة معه تماماً".

وعن جدية ترمب بشأن التهديدات، يرى كنتريمان أن الرئيس الأميركي "جاد"، لكن هذا ليس أكثر الأمور جدية التي يمكن أن تقوم بها الولايات المتحدة، لافتاً إلى أن "هذا جزء من نمط معروف لدى ترمب، فقد سبق أن حدد مهلات زمنية لفرض رسوم جمركية لمدة 30 يوماً، و90 يوماً ثم تراجع عنها"، وعلّق قائلاً: "لدينا نكتة هنا في أميركا تقول: ترمب دائماً يتراجع".

وتأييداً لموقف كنتريمان، يرى دانيال سيروير أن مهلة الـ50 يوماً مجرد "تكتيك لتأجيل التحرك"، لافتاً إلى أن "ترمب يستغل هذه المهلة لعرقلة جهود الكونجرس لفرض عقوبات فعلية على روسيا، ويعرف أنه ينسى معظم وعوده بعد أسبوعين، بوتين فهم هذه اللعبة، ولهذا صعّد هجماته على أوكرانيا".

هل يتهرب ترمب من التزامات أميركية؟

واعتبر سيروير أن "ترمب يقول الكثير، لكن دلالات أقواله غالباً ما تكون عكس ما تبدو عليه، والمعنى الحقيقي لتصريحاته لا يعكس تغييراً حقيقياً في موقفه، بل يكشف عن محاولة للتهرب من التزامات جدية"، على حد وصفه.

وأوضح سيروير أن "ترمب يُظهر مقاومة لمحاولات تشديد السياسة الأميركية تجاه موسكو، ويواصل في الواقع التساهل مع الهجمات الروسية على أوكرانيا".

وفي ما يتعلق بتهديدات الرسوم الجمركية، كتب سيروير، على موقع peacefare.net، أن التأثير المتوقع منها ضئيل جداً، موضحاً أن "روسيا تصدر فقط ما قيمته 3 مليارات دولار إلى الولايات المتحدة، حتى إذا فرض ترمب رسوماً بنسبة 100%، فلن يُحدث ذلك فرقاً كبيراً".

وفي تقليل من تهديدات ترمب، يرى سيروير أن الأهم من وجهة نظره أن ترمب ألمح إلى أنه قد يفرض زيادى بالرسوم الجمركية على الدول التي تتاجر مع روسيا، أي الصين والهند بشكل رئيسي، لكنه أضاف: "نعرف أنه لن يفعل ذلك، لقد خفف بالفعل الرسوم الجمركية على الصين، ولن يخاطر بعلاقته مع الهند التي تحاول واشنطن إبعادها عن موسكو".

ويشير إلى أن إعلان ترمب تزويد أوكرانيا بالأسلحة عبر الناتو، بدلاً من تزويد أوكرانيا بها مباشرة، ليس كما يبدو، إذ "يبدو كأنه موقف معادٍ لروسيا، لكنه فعلياً سيُقلل من تدفق الأسلحة إلى أوكرانيا والتي سيشتريها الأوروبيون"، لافتاً إلى أن بوتين يدرك ذلك جيداً.

ويرى البروفيسور دي. رودريك كيويت، المختص في السياسات الأميركية والروسية، أن تهديد ترمب بفرض رسوم جمركية بنسبة 100% على روسيا "لا يمكن اعتباره مجرد تهديد فارغ"، معتبراً أن ترمب يفعل عادة ما يقوله، "لذا فالتهديد حقيقي"، لكنه يضيف في الوقت نفسه: "ترمب معروف باستعداده الدائم للتفاوض، لذلك يمكن أن تكون هذه الخطوة مدخلاً لمساومات سياسية لاحقة".

نائب روسي: تهديدات استعراضية

من الجانب الروسي، يقلل ميخائيل ديلياجين من أهمية تهديد ترمب بفرض عقوبات على الهند والصين، معتبراً أن ذلك سيؤدي إلى "زيادة الانشغال الصيني بالنزاع الروسي- الأوكراني ومضاعفة المساعدات التي تقدمها بكين لموسكو"، وقد يدفع الهند للابتعاد عن واشنطن.

ويصف ديلياجين تهديدات ترمب بأنها "استعراضية"، لكنه يشير إلى أهمية انتظار ما ستقوم به الإدارة الأميركية بعد انتهاء المهلة.

وعزا ديلياجين تحديد الرئيس ترمب مهلة الـ50 يوماً لإنهاء النزاع بين روسيا وأوكرانيا، إلى "ضرورة إجراء مراجعة دقيقة لعواقب وارتداد العقوبات، التي تهدد واشنطن بفرضها ضد روسيا، على الاقتصاد الأميركي والعالمي"، داعياً إلى وجوب "إجراء حساب دقيق لتداعيات هذه العقوبات في كافة قطاعات الاقتصاد المُعلن والخفي"، وأن مثل هذا العمل يتطلب وقتاً طويلاً".

وأشار إلى أن العقوبات التي قد تطال العلاقات التجارية مع الهند والصين لن يكون لها مفعول كبير، لأن الغرب لا يستطيع أن يجد بديلاً عن الصادرات الروسية إلى كلٍ من بكين ودلهي، واعتبر أن "تجربة أوروبا أظهرت حجم الخسائر التي مُنيت بها دولها التي تخلت عن استيراد موارد الطاقة الروسية".

وأقر ديلياجين بأن العقوبات المالية الارتدادية ضد شركاء روسيا "تشكل خطراً عملياً"، مشيراً إلى إمكانية فرض حصار مالي ضد شركاء روسيا التجاريين.

كما تحدث عن مخاطر فرض حظر على صادرات النفط الروسية التي يجري الحديث عنها في الغرب منذ مدة طويلة، لكنه أشار، في الوقت نفسه، إلى صعوبة تنفيذ مثل هذه التهديدات.

تصريحات ترمب تتناقض

وقلل الاقتصادي الروسي ميخائيل خازين من أهمية تهديدات الرئيس الأميركي ضد روسيا، مشيراً إلى وجود تضارب وتناقض في تصريحات ترمب، معرباً عن قناعته أن ترمب لم يعلن عن "إجراءات حاسمة"، لأنه قرر أن ينتظر نتائج الزيارة التي سيقوم بها بوتين إلى بكين نهاية أغسطس، وما ستسفر عنه من التفاهمات الروسية الصينية.

ولفت خازين إلى ما وصفه بـ"مخاوف لدى ترمب" من أن "يتوصل بوتين وشي جين بينج إلى تفاهمات جوهرية.

وبشأن احتمال تجاوب الصين والهند مع الولايات المتحدة، خشية التهديدات بفرض عقوبات اقتصادية لشراكتهما مع روسيا، أعرب خازين عن ثقته بأنهما "لن ترضخا" للتهديدات الأميركية، لأن بكين "تدرك حتمية دخولها في مجابهة مع الولايات المتحدة، فيما تنظر الهند إلى نفسها كمركز من مراكز القوى في العالم".

واعتبر خازين أن الإدارة الأميركية "تقوم حالياً بهدم النظام التجاري العالمي"، محذراً من أن العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة "تؤدي عملياً إلى تدمير اقتصاديّ كوريا الجنوبية واليابان، وتضر دول الاتحاد الأوروبي".

ودلل خازين على قناعته بالإشارة إلى أن ترمب أعلن أنه "لن يقدم أسلحة إلى أوكرانيا مجاناً، وأن على الاتحاد الأوروبي أن يدفع ثمن هذه الأسلحة الأميركية إذا أراد أن يقدمها إلى أوكرانيا".

ولفت إلى أن واشنطن ألقت على كاهل الاتحاد الأوروبي "مهمة تمويل الحرب في أوكرانيا"، مشككاً في قدرات الاتحاد الأوروبي على تحمل التبعات المالية والاقتصادية للحرب ضد روسيا.

خبير عسكري روسي: ترمب لم يقرر بعد

ويقول الخبير العسكري الروسي قسطنطين سيفكوف إن تحديد مهلة الـ50 يوماً لتحقيق التسوية، يدل على أن ترمب لم يقرر بعد خططه للتعامل مع الوضع القائم بين روسيا وأوكرانيا، متوقعاً أن "يحدث الكثير من التغييرات في جبهة القتال خلال هذه المدة، خاصة أن التهديدات الأميركية يمكن أن تدفع روسيا لاتخاذ إجراءات والقيام بعمليات عسكرية حاسمة في ميادين القتال".

ويشير سيفكوف، وهو رئيس اتحاد الجيوساسيين الروس، إلى أن إمداد القوات الأوكرانية بمنظومات صاروخية للدفاع الجوي من طراز "باتريوت"، والتي أعلن عنها ترمب، "لن يكون له تأثير كبير في مسرح العمليات القتالية، وإنما سيكون له بعض التأثير في مجال التصدي للهجمات الجوية الصاروخية الروسية".

وأوضح أن منظومات باتريوت الصاروخية قادرة على التصدي لهجمات جوية تضم من 10 إلى 20 صاروخاً أو طائرة مسيرة، بينما تشن القوات الروسية هجمات واسعة النطاق، تشارك فيها مئات المسيرات والصواريخ الباليستية يومياً.

خيارات الرد الروسي.. تصعيد أم تهدئة؟

وتتأرجح خيارات الرد الروسي على تهديدات ترمب بين مسارات متعددة، منها أن موسكو لن تستجيب للمهلة المحددة ولن تمتثل إلا بوجود ضغط حقيقي، ومسار آخر يراهن على حل تفاوضي بدلاً من الإنهاء الحاسم للحرب.

ويشكك الدبلوماسي الأميركي السابق دانيال فريد في استجابة موسكو للمهلة التي حددها ترمب، ما لم تواجه ضغوطاً فعلية، موضحاً أن الأمر يرتبط بمدى جدية الإدارة الأميركية في تنفيذ تهديداتها، وتابع: "إذا كان ترمب يريد إثبات جديته، فعليه ضمان استمرار تدفق الأسلحة إلى أوكرانيا بالتعاون مع أوروبا وحلف الناتو".

غضب ترمب واقتصاد روسيا

وأضاف فريد: "يبدو أن ترمب جاد بالفعل، فالمقربون منه يؤكدون أنه غاضب من بوتين، ليس بدافع الإيمان بقضية أوكرانيا، بل لأنه لا يحتمل أن يُعامل كالأحمق، ويريد أن يظهر بمظهر المنتصر".

أما العامل الثاني، الذي سيحدد مدى استجابة موسكو للتهديدات الأميركية، بحسب فريد، فهو البدء بشكل عاجل في إعداد خطة عملية لممارسة مزيد من الضغط الاقتصادي على روسيا، موضحاً: "لو كنت في الإدارة الأميركية، لبدأت بتسريب تقارير تفيد بأن هذه الخطة جاهزة، وأن ترمب جاد بالفعل".

وأضاف فريد أن "استمرار بوتين في موقفه المتغطرس سيجعل من الضروري فرض هذا الضغط الاقتصادي"، معتبراً أن "الاقتصاد الروسي هش وضعيف نسبياً".

هل تراهن روسيا على الحل التفاوضي؟

ويتفق جاتراس مع الرأي السابق، إذ يرى أن روسيا "لن تمتثل بسهولة لتهديدات ترمب"، وأنها تتردد في إنهاء الحرب عسكرياً بشكل حاسم، وقد تراهن على حل تفاوضي، مضيفاً أن الروس "ربما يخشون إغضاب شركائهم مثل الصين والهند والبرازيل، ولا أعتقد أنهم سيتراجعون".

فيما استبعد كنتريمان إمكانية توقع ما سيفعله بوتين، قائلاً إن "أي شخص يدّعي أنه يعرف ما سيفعله بوتين يخدع نفسه، فالتنبؤ بذلك بالغ الصعوبة".

ويرى أن بوتين لا يزال يعتقد بإمكانية تحقيق نصر عسكري شامل، ويعطي أولويّة لأهدافه في أوكرانيا على حساب علاقته الشخصية مع ترمب، ويضيف: "من الصعب التنبؤ برد بوتين، لكن المؤشرات تُظهر أنه يظن أن الوقت في صالحه".

واتساقاً مع الآراء السابقة، يستبعد سميث حدوث تغيير حقيقي، قائلاً: "لا أعتقد أن روسيا ستستجيب للتهديدات، الحرب ستستمر كما هي، ولا معنى حقيقي لهذه المهلة، وهي مجرد أداة استعراضية سياسية من قبل ترمب، تعكس فهماً سطحياً للصراع"، مشيراً إلى أن ترمب يحاول أن يبدو كمن يتخذ إجراءات حاسمة، "لكنه في الواقع لا يريد التورط في خطوات مكلفة أو معقدة".

كما يستبعد سيروير أن تستجيب موسكو بالشكل الذي يريده ترمب، قائلاً: "ستسعى روسيا لتحقيق أكبر مكاسب ممكنة، وستبذل قصارى جهدها للسيطرة على الأراضي خلال مهلة الـ50 يوماً، وقد توافق حينها على وقف إطلاق نار، لكن ليس على إنهاء الحرب، إلّا إذا استعادت جميع المناطق التي ضمتها نظرياً"، ولفت إلى أن ترمب سبق أن وعد بوتين بعدم انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو.

حدود التصعيد العسكري الروسي

ولا يعتقد كيويت أن روسيا تمتلك القدرة على تصعيد هجماتها أكثر مما هي عليه الآن، مشيراً إلى أن "الكرملين وصل بالفعل إلى حدود إمكانياته الميدانية"، موضحاً أن روسيا يمكن أن تواصل حربها بالشكل الحالي نفسه، دون أن تغير استراتيجيتها أو تنهي الحرب، ودون أن تستجيب فعلياً للمهلة التي حددها ترمب "لأنها بلغت الحد الأقصى من قدراتها العسكرية، ولا أتوقع أن تُصّعد عملياتها أو تفتح جبهات جديدة رداً على تهديدات ترمب".

ولكن إذا مرّت المهلة دون استجابة روسية، يتوقع كيويت أن يلجأ ترمب إلى فرض عقوبات، قائلًا: "إذا استمرت روسيا في الهجوم، ستكون هناك عقوبات اقتصادية". 

لكنه أشار أيضاً إلى أن الرد الأميركي لن يقتصر على العقوبات الاقتصادية، بل قد يشمل دعماً عسكرياً غير مباشر، حيث من المرجح أن "تتمكن أوكرانيا من الرد بقوة عسكرية أكبر من خلال معدات توفرها الدول الأوروبية، وبعضها سيتم شراؤه من الولايات المتحدة".

الليثيوم في دونباس.. هل هو سبب التصعيد؟

وفي ما يتعلق بالسيطرة الروسية على منجم ليثيوم في دونباس، والمُدرج ضمن اتفاقية استراتيجية مع واشنطن، يرفض جيمس جاتراس الربط بين سيطرة موسكو على المنجم وتهديدات ترمب، لافتاً إلى أن "الاتفاقات المتعلقة بالمعادن كانت مجرد حيلة سياسية من ترمب، ومن الطبيعي أن يواصل الروس التقدم نحو مناطق استراتيجية، لكن لا علاقة لذلك بمهلة الـ50 يوماً"، مرجحاً أن التوقيت ربما يكون مرتبطاً أكثر بتطورات الملف الإيراني الإسرائيلي.

ويرى سميث أن هذا العامل ليس حاسماً، متابعاً: "نعم، للولايات المتحدة والغرب مصالح حقيقية في الموارد الطبيعية الأوكرانية، لكن لا يمكن القول إن هذه الخطوة الروسية كانت السبب المباشر في تشدد موقف ترمب، خصوصاً أنه معروف بعدم اهتمامه الكبير بالإحاطات الأمنية والاستخباراتية".

بينما يوضح كيويت أن هذا العامل لم يكن له تأثير كبير، معتبراً أن "ما كان مهماً فعلاً هو تصعيد بوتين الكبير في الهجمات على أوكرانيا، خاصة بعد محاولات ترمب للتوصل إلى نهاية للصراع بشكل دبلوماسي".

كما قلل ديلياجين من أهمية سيطرة القوات الروسية على مناجم معادن الليثيوم في بلدة " شيفشينكو"، في إقليم دونيتسك، كسبب لتراجع الرئيس ترمب عن دعم المواقف الروسية، موضحاً أن موسكو عرضت على الجانب الأميركي استثمار مناجم المعادن الثمينة في سيبيريا، مُذكّراً بأن بوتين أكد انفتاح بلاده على التعاون مع المستثمرين الأميركيين سواء في الأقاليم الأوكرانية، التي أعلنت روسيا ضمها، أو في سيبيريا.

ما التداعيات المحتملة إذا نفذ ترمب تهديده لروسيا؟

وتتعدد السيناريوهات المحتملة لتداعيات انتهاء المهلة التي حددها ترمب لروسيا، وتتباين آراء الخبراء والمحللين حول طبيعة الإجراءات المتوقعة ومدى فعاليتها، فلا يتوقع دانيال فريد تصعيداً عسكرياً مباشراً من الجانب الأميركي، ويرى أن المسار الأكثر ترجيحاً سيكون عبر فرض عقوبات اقتصادية إضافية.

وأشار إلى أن "هذا المسار مناسب في هذه المرحلة، عبر زيادة الضغط الاقتصادي مع ترك الباب مفتوحاً أمام المفاوضات، لكن بشرط وقف إطلاق النار أولاً".

سيناريوهات ما بعد المهلة

من جانبه، استبعد جاتراس الخيار الدبلوماسي، قائلاً إن روسيا أوضحت أنها لن تقبل بأي اتفاق لا يعالج جذور النزاع كما ورد في مسودات معاهداتها في ديسمبر2021. وأضاف جاتراس أن ترمب أظهر في البداية اهتماماً بذلك، لكنه تراجع نحو التركيز على "وقف إطلاق النار"، في محاولة أخرى لخداع روسيا بنوع من اتفاقية صغيرة لن يلتزم بها شركاؤها الغربيون، "لكن حتى الروس، باتوا يعرفون اللعبة".

ويتوقع جاتراس أنه إذا انتهت المهلة سيلجأ ترمب إلى العقوبات، لكنها ستكون رمزية وغير موجعة، مثل "الضربة العبثية التي وجهها سابقاً لإيران"، وفقاً لقوله، مضيفًا أن "ترمب لا يريد التسبب بأضرار كبيرة لأنه يعرف أن أوراقه محدودة".

عقوبات على دول ثالثة

ويرى جاتراس أن ترمب قد يفرض عقوبات على دول ثالثة شريكة لروسيا مثل الهند أو البرازيل، لكنه يحذّر: "هذه الخطوة ستكون ذات نتائج عكسية تماماً، لكنها تتماشى مع نهج ترمب الذي يعتمد على الرمزية أكثر من الفعالية"، قائلاً إن ترمب لا يريد التسبب في ضرر كبير لأنه يعلم أنه لا يملك نفوذاً كبيراً.

فيما يتوقع كنتريمان استمرار تسليح أوكرانيا من الولايات المتحدة وحلف الناتو، وربما تخفيف بعض القيود المفروضة على نوعية الأسلحة، ما سيعزز قدرة أوكرانيا العسكرية، موضحاً أنه لا يرى احتمالاً لتورط مباشر من الولايات المتحدة أو حلفائها في الصراع، على غرار ما فعلته أميركا مع إيران.

استمرار الحرب الأوكرانية

بينما اعتبر سميث أن تحديد مهلة الـ50 يوماً "أمر غريب لأن العديد من الأوكرانيين سيقتلون خلال هذه المهلة"، مضيفاً أن الموعد النهائي سيمر على الأرجح دون أن تنفذ روسيا ما يريده ترمب، والحرب ستستمر.

فيما يستبعد سيروير أن يتخذ ترمب خطوات جادة، ويرى أن العقوبات الحقيقية التي يراها أكثر فعالية تتطلب ضرب قدرات روسيا التصديرية، مثل إنهاء استخدام "الأسطول الخفي" ووقف نقل البضائع إلى روسيا عبر جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابقة.

ولا يتوقع سيروير أن تستجيب موسكو لتهديدات ترمب، مفسراً ذلك بأن روسيا ستسعى لتحقيق أكبر مكاسب ممكنة خلال المهلة، وستبذل قصارى جهدها للسيطرة على الأراضي، وقد توافق على وقف إطلاق نار، لكن ليس على إنهاء الحرب إلّا إذا استعادت جميع المناطق التي ضمتها نظرياً، خاصة أن ترمب سبق أن وعد بوتين بعدم انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو.

دعم عسكري لأوكرانيا

ومن الجانب الروسي، يتوقع البروفيسور دي. رودريك كيويت فرض عقوبات اقتصادية أميركية إذا استمرت روسيا في الحرب، بالإضافة إلى دعم عسكري أميركي غير مباشر لأوكرانيا من خلال معدات توفرها الدول الأوروبية.

فيما يرى رئيس صندوق الدراسات الاقتصادية ميخائيل خازين أن العالم بالنسبة إلى ترمب "ينقسم إلى قسمين، الأول مكوّن من أصدقاء واشنطن، والثاني من أصدقاء بكين"، مشيراً، في المقابل، إلى أن "بوتين يؤمن بأن العالم متعدد الأقطاب وأن روسيا تُشكل أحد مراكز القوى، ولذلك فإن الرئيس بوتين "لن يخضع لواشنطن أو بكين وسيواصل التمسك بنهج متزن ومستقل".

وأضاف أن ترمب "لا يريد أن ترتمي روسيا في أحضان الصين"، ولهذا سينتظر النتائج التي ستتمخض عنها زيارة بوتين إلى بكين. كما لفت إلى أن واشنطن ألقت على كاهل الاتحاد الأوروبي مهمة تمويل الحرب في أوكرانيا، مشككاً في قدرات الاتحاد الاوروبي على تحمل التبعات المالية والاقتصادية للحرب ضد روسيا.

مخاوف الحرب العالمية الثالثة

ويحذر الخبير العسكري قسطنطين سيفكوف من احتمال تزويد الولايات المتحدة أوكرانيا بمنظومات صاروخية بعيدة المدى، معتبراً أن ذلك "سيعني تورط واشنطن بشكل مباشر في الحرب ضد روسيا"، وأن العسكريين الأميركيين هم من سيقومون بتوجيه الضربات.

كما حذر من "خطط غربية لفتح جبهة قتال جديدة ضد روسيا انطلاقاً من إقليم بريدنستروفية" (ترانسنيستريا)، مما قد يدفع روسيا لبسط سيطرتها على أقاليم أوكرانية جديدة. ويقارن سيفكوف الوضع الجيوعسكري الحالي بالوضع قبل الحرب العالمية الثانية، ويصل إلى نتيجة مفادها أن "العالم يسير بشكل واقعي نحو حرب عالمية ثالثة".

تصنيفات

قصص قد تهمك