تصاعدت حدة الانتقادات التي وجهتها العديد من المنظمات الدولية والدول الحليفة لإسرائيل، بشأن الحرب على غزة ومسؤولية تل أبيب في "حصار وتجويع الفلسطينيين" في القطاع، وقطع الإمدادات الغذائية والطبية عنهم، وذلك بعد أيام من انتقادات دول غربية لإسرائيل بسبب "قتل الفلسطينيين بوحشية"، خصوصاً في مواقع توزيع المساعدات الإنسانية.
وقالت منظمات إنسانية ومؤسسات إغاثية، إن مناشدات الاتحاد الأوروبي من أجل السماح بدخول المساعدات إلى قطاع غزة في الوقت الذي يعاني فيه الفلسطينيون من الجوع تحت الحصار الإسرائيلي لا قيمة لها في "غياب العقوبات".
ووصفت مديرة السياسات في منظمة "أوكسفام" بالأراضي الفلسطينية، بشرى الخالدي، تصريحات ومناشدات أوروبا بأنها "جوفاء"، معتبرةً أن "التغريدات لا تغذي الناس، والتصريحات لا تفتح معابر المساعدات"، حسبما ذكرت مجلة "بوليتيكو".
كما وصفت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، قبل أيام، الصور في غزة بأنها "لا تطاق"، مؤكدة دعوات الاتحاد الأوروبي لإسرائيل للسماح بدخول المزيد من المساعدات.
وأكد الاتحاد الأوروبي، أن "كل الخيارات مطروحة" إذا لم تلتزم إسرائيل بزيادة مساعدات غزة في إطار الاتفاق الذي جرى التوصل إليه مع التكتل في وقت سابق من الشهر الجاري، مشيراً إلى أنه بصدد تقييم الوضع حالياً.
ويشمل هذا الاتفاق، زيادة كبيرة في عدد شاحنات المساعدات اليومية المحملة بالمواد الغذائية وغير الغذائية التي يسمح بدخولها إلى قطاع غزة يومياً، وفتح عدة معابر أخرى في كل من شمال القطاع وجنوبه، وإعادة فتح طرق المساعدات الأردنية والمصرية.
وقالت الأمم المتحدة ووكالات إنسانية إن الأغذية العلاجية المتخصصة في علاج الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية الحاد واللازمة لإنقاذ حياتهم على وشك النفاد في غزة.
وقال سليم عويس، المتحدث باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) في عمان بالأردن، لوكالة "رويترز"، الخميس: "نواجه الآن وضعاً حرجاً تنفد فيه الإمدادات العلاجية".
وأضاف أن إمدادات الأغذية العلاجية جاهزة الاستخدام، وهي علاج أساسي للأطفال، ستنفد بحلول منتصف أغسطس إذا لم يتغير شيء.
وأدانت 25 دولة غربية، من بينها بريطانيا وفرنسا وكندا، الأسبوع الجاري، ما وصفته بـ"تقطير" المساعدات على الفلسطينيين، وقالت إنه "أمر مروع" أن يسقط أكثر من 800 مدني أثناء سعيهم للحصول على المساعدات.
وسجلت معظم الحالات في محيط مواقع تابعة لـ"مؤسسة غزة الإنسانية" التي تدعمها الولايات المتحدة وإسرائيل لتوزيع المساعدات في غزة، والتي اعتمدت كبديل لمؤسسات الأمم المتحدة.
وأفادت وسائل إعلام فلسطينية، الخميس، بأن إسرائيل قتلت 14 من منتظري المساعدات في خان يونس بجنوب غزة، وذلك فيما ارتفعت حصيلة ضحايا الحرب الإسرائيلية على القطاع إلى 59 ألفاً و587 فلسطينياً منذ أكتوبر 2023.
اتهامات وانتقادات دولية واسعة لإسرائيل
واعتبر رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيز، الجمعة، أن الوضع في غزة تجاوز "أسوأ مخاوف العالم"، ودعا إسرائيل إلى "الامتثال فوراً"، لالتزاماتها بموجب القانون الدولي.
وشدد ألبانيز على ضرورة "بذل كل جهد ممكن الآن لحماية حياة الأبرياء وإنهاء معاناة وتجويع سكان غزة".
كما ندد رئيس الوزراء الكندي مارك كارني، بتقاعس الحكومة الإسرائيلية عن منع "كارثة إنسانية في غزة". واتهمها بانتهاك القانون الدولي عبر منع وصول المساعدات الممولة من كندا إلى المدنيين في القطاع الفلسطيني الذي دمرته تل أبيب.
وكتب كارني عبر "إكس": "تدعو كندا جميع الأطراف إلى التفاوض على وقف فوري لإطلاق النار بحسن نية.. ونكرر دعواتنا لحماس بالإفراج الفوري عن جميع المحتجزين، وللحكومة الإسرائيلية باحترام سيادة أراضي الضفة الغربية وغزة".
من جهته، قال رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، الخميس، إن "المعاناة والمجاعة في غزة أمر لا يوصل ولا يمكن الدفاع عنه".
وأضاف، في بيان، أنه سيجري مكالمة طارئة مع نظرائه في فرنسا وألمانيا، الجمعة، لمناقشة "كيفية وقف القتل"، وتابع: "جميعنا متفقون على الحاجة الملحة لأن تغير إسرائيل نهجها وتسمح بدخول المساعدات إلى غزة".
نموذج خطير
وأفادت الدول الغربية الـ 25 في بيانها، بأن إسرائيل تمنع المساعدات الإنسانية الأساسية، ودعتها إلى الامتثال لالتزاماتها بموجب القانون الإنساني الدولي.
وحثت أيضاً إسرائيل على رفع القيود فوراً للسماح بتدفق المساعدات وتمكين المنظمات الإنسانية والأمم المتحدة من العمل بـ"أمان وفعالية".
وقال وزراء خارجية الدول في البيان المشترك، إن "نموذج الحكومة الإسرائيلية في تقديم المساعدات خطير، ويؤجج عدم الاستقرار، ويحرم سكان غزة من كرامتهم الإنسانية. لقد وصلت معاناة المدنيين في غزة إلى مستويات غير مسبوقة".
ومن بين الدول التي دعت إلى إنهاء الحرب، 4 من أصل 5 دول في ما يسمى بتحالف "العيون الخمس" لتبادل المعلومات الاستخباراتية، والذي يضم الولايات المتحدة.
وتستخدم "مؤسسة غزة الإنسانية"، شركات أمنية ولوجستية أميركية خاصة، لإيصال الإمدادات إلى غزة، متجاوزةً بذلك إلى حد كبير النظام الذي تقوده الأمم المتحدة.
ووصفت المنظمة الأممية، نموذج "مؤسسة غزة الإنسانية" بأنه غير آمن ويمثل خرقاً لمعايير الحياد الإنساني.
وجاءت دعوة نحو 20 دولة أوروبية، بالإضافة إلى كندا وأستراليا ونيوزيلندا، لإنهاء الحرب الإسرائيلية على غزة وإيصال المساعدات، من العديد من الدول المتحالفة مع إسرائيل وأهم داعميها، الولايات المتحدة.
111 منظمة دولية تدعو لإنهاء الجوع في غزة
ودعت أكثر من 100 منظمة، معظمها منظمات إغاثة وحقوقية، الأربعاء، الحكومات إلى اتخاذ إجراءات لمواجهة انتشار الجوع في غزة، بما في ذلك المطالبة بوقف فوري ودائم لإطلاق النار ورفع جميع القيود المفروضة على تدفق المساعدات الإنسانية.
وفي بيان وقّعته 111 منظمة، من بينها "ميرسي كوربس" والمجلس النرويجي للاجئين NRC ومنظمة اللاجئين الدولية، حذّرت من انتشار واسع للمجاعة في أنحاء القطاع، إذ تمنع إسرائيل المنظمات الإنسانية من الوصول إليها أو تسليمها.
وقالت المنظمات: "بينما يُفاقم حصار الحكومة الإسرائيلية تجويع سكان غزة، ينضمّ عمال الإغاثة الآن إلى طوابير الطعام نفسها، مُعرّضين أنفسهم لخطر إطلاق النار لمجرد إطعام عائلاتهم".
وأضافت: "لقد أدّت قيود الحكومة الإسرائيلية وتأخيراتها في ظلّ الحصار الشامل الذي تفرضه إلى الفوضى والجوع والموت".
ودعت المنظمات الحكومات، إلى "تدابير ملموسة لإنهاء الحصار، مثل وقف نقل الأسلحة والذخيرة إلى إسرائيل".
وأبلغ المجلس النرويجي للاجئين "رويترز"، الثلاثاء، بنفاد مخزونه من المساعدات في غزة، وأن بعض موظفيه يتضورون جوعاً الآن، واتهمت المنظمة إسرائيل بشل عملها.
تفاقم سوء التغذية
وقالت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، إن طفلاً من كل 5 أطفال في غزة يعاني سوء التغذية، مع تزايد الحالات يوماً بعد يوم.
وأفاد المفوض العام لوكالة "الأونروا"، فيليب لازاريني، الخميس، بأن معظم الأطفال الذين تستقبلهم فرق الوكالة الأممية يعانون الهزال والضعف، وهم معرضون بشدة لخطر الموت إذا لم يحصلوا على العلاج الذي يحتاجون إليه بشكل عاجل، مشيراً إلى وفاة أكثر من 100 شخص جوعاً، غالبيتهم العظمى من الأطفال.
وأوضح أن الآباء والأمهات يعانون الجوع الشديد لدرجة أنهم لا يستطيعون رعاية أطفالهم، وأولئك الذين يصلون إلى عيادات "الأونروا" ليس لديهم الطاقة أو الطعام أو الوسائل لاتباع النصائح الطبية، وأن الأزمة المتفاقمة في غزة تؤثر في الجميع، بمن فيهم العاملون الصحيون في القطاع الذي مزقته الحرب.
ودعا لازاريني إلى السماح للعاملين في المجال الإنساني، بتقديم المساعدات بشكل غير مقيد ودون انقطاع إلى غزة وشعبها، مشيراً أنه لدى "الأونروا" ما يعادل 6 آلاف شاحنة محملة بالمواد الغذائية والإمدادات الطبية في الأردن ومصر، تنتظر السماح لها بالدخول إلى القطاع.
وأشار المكتب الإعلامي لحكومة غزة، إلى أن القطاع يحتاج إلى 500 ألف كيس طحين أسبوعياً على الأقل لـ"تجنب الإنهيار الإنساني الشامل".
وحذر البيان، من "روايات زائفة" تتحدث عن دخول المساعدات، منبهاً إلى أن "حدة المجاعة وانتشارها في محافظات قطاع غزة تتزايد بالتزامن مع إغلاق الاحتلال لجميع المعابر بشكل كامل منذ 145 يوماً، ومنع إدخال حليب الأطفال والمساعدات الإنسانية".
ولفت إلى أن مستشفيات قطاع غزة سجلت أكثر من 115 حالة وفاة بسبب المجاعة وسوء التغذية، قائلاً إن ذلك يأتي في ظل انعدام شبه كامل للغذاء والماء والدواء.
وتابع المكتب: "نتابع بأسف ما يروّجه بعض النشطاء خارج قطاع غزة حول انكسار المجاعة ودخول مئات الشاحنات، وننفي نفياً قاطعاً هذه الادعاءات، فهي لا تمت للواقع بصلة".
