برز اسم يوري أوشاكوف، مساعد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في السياسة الخارجية، ضمن قائمة الوفد الروسي في ألاسكا، والذي حضر القمة مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب.
وكان لافتاً حضوره وجلوسه بالقرب من بوتين طيلة القمة، إلى جانب المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف ووزير الخارجية سيرجي لافروف، فمن هو يوري أوشاكوف؟
وفقاً لتقارير، لعب أوشاكوف دوراً حيوياً في دعم موقف بوتين وتنسيق المواقف الروسية خلال المحادثات، مستفيداً من خبرته الطويلة في واشنطن ومعرفته العميقة بالسياسة الأميركية، إذ قضى نحو عشر سنوات كسفير لروسيا في واشنطن، ويُعد خبيراً استراتيجياً في فهم السياسات الأميركية، وتوجيه الرئيس الروسي بناءً عليها،.
وتشير توبي جاتي، التي شغلت منصب المدير الأول لشؤون روسيا وأوكرانيا ودول أوراسيا في مجلس الأمن القومي في إدارة كلينتون، في مقال نشرته مجلة "بوليتيكو" إلى أن "أوشاكوف القديم" لم يكن يكره الغرب؛ بل أرسل حفيده إلى مدرسة في أوروبا، ثم عاد إلى موسكو عام 2008 لينضم إلى الإدارة الرئاسية لبوتين كمستشاره للسياسة الخارجية.
لكنها، أشارت من واقع حواراتها معه، إلى أن نظرته إلى الغرب تبدلت بعد عودته إلى موسكو، وخاصة عقب التظاهرات الضخمة التي شهدتها روسيا في عام 2011، والتي ألقى فيها باللائمة على "دعم الغرب".
أوشاكوف.. صانع رئيسي للسياسة الخارجية بالكرملين
وتشير السيرة الذاتية لأوشاكوف إلى أنه كان مشاركاً رئيسياً في صناعة السياسة الخارجية الروسية حول العالم، إذ شارك وحضر اجتماعات تتعلق بمجموعة البريكس، وأوكرانيا، وشرق آسيا، والقوقاز، والشرق الأوسط، وإفريقيا، وأوروبا.
وتخرج أوشاكوف من معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية (MGIMO) التابع لوزارة خارجية الاتحاد السوفيتي. وهو حاصل على درجة دكتوراه في التاريخ.
وخلال الفترة بين 1992 و1996، شغل أوشاكوف منصب مدير إدارة التعاون الأوروبي في وزارة الخارجية الروسية، وكان مسؤولاً عن التعاون مع منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، والاتحاد الأوروبي، وحلف شمال الأطلسي، ومجلس تعاون شمال الأطلسي، ومجلس أوروبا، والمنظمات الأوروبية الإقليمية.
كما شغل أوشاكوف خلال الفترة بين 1996 و1998 منصب السفير الروسي لدى منظمة الأمن والتعاون في أوروبا في فيينا، النمسا. ومن عام 1998 إلى عام 1999، شغل أوشاكوف منصب نائب وزير خارجية الاتحاد الروسي.
ومن عام 1999 إلى عام 2008، شغل أوشاكوف منصب سفير الاتحاد الروسي لدى الولايات المتحدة. ومن عام 2008 إلى عام 2012، شغل منصب نائب رئيس ديوان حكومة الاتحاد الروسي.
ويشغل منذ مايو 2012، منصب مساعد الرئيس الروسي المسؤول عن السياسة الخارجية.
وبعد اندلاع حرب أوكرانيا، تفاوض أوشاكوف، إلى جانب الأمين العام لمجلس الأمن الروسي، نيكولاي باتروشيف، على صفقة مع مستشار الأمن القومي في إدارة بايدن، جيك سوليفان، للسماح للقوات الروسية بالانسحاب من الضفة الغربية لدلتا دنيبر دون التعرض لإطلاق النار.
كما ترأس أوشاكوف ورئيس جهاز الأمن الفيدرالي، سيرجي ناريشكين، إلى جانب المبعوث الخاص كيريل دميترييف، الوفد الروسي في الجولة الأولى من محادثات السلام في السعودية في فبراير 2025.
العلاقة مع واشنطن
وبشأن العلاقة مع واشنطن، تشير جاتي في شهادتها: "في رحلاتي التالية إلى موسكو، كان أوشاكوف يواصل لقائي، لكن هذه المرة في مكتبه الفسيح والأنيق قرب الكرملين. ومع مرور الوقت الذي قضاه هناك، كنت ألاحظ كيف تطورت نظرته للولايات المتحدة، متأثرة أكثر فأكثر برؤية قاتمة لأميركا، وأيضاً بالهواجس الداخلية، خصوصاً عندما دخلت روسيا في فترة اضطرابات حول الانتخابات البرلمانية عام 2011. إذ بدا أن الكرملين فوجئ بشعبية المرشحين المعارضين، وأرجع ذلك إلى "التدخل الغربي" والدعم المالي لمنظمات المجتمع المدني التي وقفت إلى جانب المعارضة.
وفقاً لملاحظات دونتها جاتي في أبريل 2013، بات أوشاكوف كغيره من البيروقراطيين الروس (والسوفييت) يميل إلى إلقاء اللوم على الولايات المتحدة في كل مشاكل العالم، ويرفض أي انتقاد لسياسات روسيا، سواءً في الشرق الأوسط أو أفغانستان أو، بشكل متزايد آنذاك، بشأن التدخل الغربي في أوكرانيا.
وبعد بضعة أشهر، في عام 2014، تضيف جاتي: "فوجئت حين سألني أوشاكوف: لماذا يكره الأميركيون الروس؟، وهو سؤال لم يكن ليفكر في طرحه عليّ حين كان في واشنطن قبل بضع سنوات. وكان جوابي (على ما أظن بالروسية): "أنا لا أكره الروس. أحب اللغة. أغني الأغاني الشعبية الروسية. أقرأ الأدب الروسي… أعجبت ببعض ما حاول (الرئيس الروسي السابق بوريس) يلتسين القيام به، وحثثت حكومتي على أخذ مخاوف روسيا على محمل الجد. لم أفقد الأمل في رؤية روسيا أكثر انفتاحاً وأكثر تسامحاً".
ثم أضفت: "بصراحة، لم أصدق عندما وصف الرئيس بوتين في 2005 انهيار الاتحاد السوفييتي بأنه كارثة، فأنت تعرف أفضل مني كم عانى الشعب الروسي تحت ذلك النظام. دافع أوشاكوف عن رئيسه، وتوقف حديثنا عند هذا الحد".
وذكرت المحللة الاستخباراتية في سردها لعلاقتها مع أوشاكوف، والتي تعود لسنوات: "رغم التوترات المتزايدة بين الولايات المتحدة وروسيا، خصوصاً بعد غزو روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014، التقيت أوشاكوف. وكان أحد محاور حديثنا الرئيسية الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2016. كان فضولياً تجاه جميع المرشحين الجمهوريين، لكن ما أتذكره أكثر هو تعليقاته الإيجابية بشأن دونالد ترمب، خاصة مقارنة بهيلاري كلينتون. قال الولايات المتحدة تحتاج إلى (مقاربة جديدة) تجاه العالم".
حرب أوكرانيا وإضعاف الغرب
وبشأن حرب أوكرانيا، قالت جاتي إن أوشاكوف "مثل بقية فريق بوتين، يرى أن أوكرانيا القوية والمستقلة تمثل تهديداً لروسيا، وأنه لا يمكن السماح مطلقاً بوجود قوات لحلف الناتو على الأراضي الأوكرانية.
وأشارت إلى أن "بوتين قد يوافق على الكثير مما يفعله ترمب لتحسين العلاقات الأميركية–الروسية ولإضعاف الديمقراطية في الولايات المتحدة وحول العالم؛ فسياسات ترمب على الأرجح ستعزز نفوذ روسيا عبر إبعاد أميركا عن حلفائها التقليديين واتباع سياسات تجارية وجمركية متقلبة"، وفق قولها.
ورأت أن "ترمب هو أفضل ما يمكن أن تحصل عليه روسيا، في الوقت الراهن، وهو بالتأكيد أفضل من أي رئيس ديمقراطي"، على حد قولها.
اهتمام روسي بنائب ترمب
واعتبرت أن بعضاً من مستشاري بوتين الأكثر حنكة وبعض المحللين الروس بدأوا يولون اهتماماً متزايداً الآن إلى نائب الرئيس جي دي فانس، الانعزالي الحقيقي باعتباره "رجل المستقبل"، مشيرة إلى أن الروس دائماً ما يلعبون لعبة طويلة المدى؛ حتى لو قرر ترمب إبقاء الولايات المتحدة في الناتو، فمن المرجح أنهم يسألون أنفسهم: أليس من الممكن أن رئيساً مستقبلياً مثل فانس قد يكون مستعداً لإنهاء ذلك التحالف؟ وفق قولها.
ورأت جاتي في تحليلها أن "الهدف النهائي لبوتين وفريقه هو الدفع نحو تحقيق غاياتهم الأساسية: تقليص النفوذ الغربي في أوكرانيا بشكل حاد، وتفكيك التحالف الغربي، وتحقيق رؤية بوتين لإعادة بناء الإمبراطورية الروسية. وهذا الهدف الأخير، كما أشار مستشار مجلس الأمن القومي الأميركي السابق زبيجنيو بريجنسكي بوضوح، لا يمكن بلوغه ما دامت أوكرانيا تحتفظ بوجودها كدولة مستقلة".
وأضافت أن "بوتين محاط بخبراء مثل أوشاكوف يعرفون جيداً ما يريده رئيسهم وقد عملوا معاً كفريق لسنوات طويلة. كما أنهم يعرفون الولايات المتحدة جيداً؛ إذ يملك الفريق الدبلوماسي الروسي ما يقرب من 100 عام من الخبرة التراكمية في التعامل مع أميركا.
أما فريق ترمب، بحسبها، فيفتقر إلى الخبرة المماثلة، فلا أحد منهم قضى أي وقت في روسيا، فضلاً عن عقود في بناء العلاقات داخل الحكومة الروسية.
وأضافت: "الفريق الأميركي يركز على قضايا تبادل الأراضي في أوكرانيا، كما لو أن تسوية الصراع تعتمد على تبادل الأراضي، وليس على كسر الأيديولوجيات والعداوات الصلبة التي أدت إلى الغزو في المقام الأول".