10 محاولات فاشلة للعبور بمساعدة مهربين.. والوقود ينفد قبل نهاية الرحلة

من غزة إلى إيطاليا عبر مصر وليبيا.. قصة مخاطرة للخروج بدراجة مائية وGPS

الفلسطيني محمد أبو دقة (31 عاماً) يلتقط صورة ذاتية داخل محطة قطار في بروكسل، بلجيكا. 25 أغسطس 2025 - Reuters
الفلسطيني محمد أبو دقة (31 عاماً) يلتقط صورة ذاتية داخل محطة قطار في بروكسل، بلجيكا. 25 أغسطس 2025 - Reuters
لامبيدوزا (إيطاليا) -رويترز

في رحلة استغرقت أكثر من عام، وكلَّفت آلاف الدولارات، ولم تخلُ من اللجوء إلى حيل مبتكرة ومواجهة انتكاسات، تمكن الفلسطيني محمد أبو دقة (31 عاماً) من الفرار من غزة، والوصول إلى أوروبا.

وثّق أبو دقة قصته بمقاطع فيديو، وصور، وتسجيلات صوتية، شاركها مع "رويترز" التي أجرت مقابلة معه، ومع رفيقيه في الرحلة عند وصولهم إلى إيطاليا، ومع أقارب لهم في قطاع غزة.

خرج أبو دقة من معبر رفح الحدودي إلى مصر في أبريل 2024، للهروب من الدمار الذي خلفته الحرب الإسرائيلية المدمرة على قطاع غزة، والتي أودت بحياة أكثر من 64 ألف فلسطيني.

صورة تجمع الفلسطيني محمد أبو دقة (31 عاماً) مع فلسطينيين آخرين بالقرب من الخمس في ليبيا، 17 أغسطس 2025
الفلسطيني محمد أبو دقة، 31 عاماً، (وسط) مع فلسطينيين آخرين بالقرب من مدينة الخمس في ليبيا. 17 أغسطس 2025 - Reuters

إلى الصين ثم العودة إلى مصر

قال أبو دقة إنه ذهب في البداية إلى الصين، حيث كان يأمل في الحصول على اللجوء، لكنه عاد إلى مصر عبر ماليزيا وإندونيسيا بعد أن فشل في ذلك.

وأطلع أبو دقة "رويترز" على مراسلات عبر البريد الإلكتروني مع ممثلي مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في الصين خلال الفترة من أغسطس إلى سبتمبر 2024.

وبعد ذلك توجه أبو دقة إلى ليبيا، حيث تشير تقارير متعددة صادرة عن منظمات حقوق الإنسان، والأمم المتحدة، إلى أن عشرات الآلاف من المهاجرين يتعرضون، بشكل متكرر، للإساءة والاستغلال من قبل تجار البشر والمليشيات أثناء محاولتهم تأمين مكان على متن قارب إلى أوروبا.

ووفقاً لبيانات وزارة الداخلية الإيطالية، وصل أكثر من 47 ألف مهاجر بالقوارب إلى البلاد خلال العام الجاري، معظمهم من ليبيا وتونس.

ظروف استثنائية

لكن أبو دقة نجح في العبور في ظروف استثنائية للغاية، وقال إنه بعد 10 محاولات فاشلة للعبور بمساعدة مهربين، اشترى دراجة نارية مائية مستعملة، من نوع "ياماها"، بنحو 5 آلاف دولار، من خلال موقع تسوق ليبي على الإنترنت، وأنفق 1500 دولار أخرى على معدات، بينها جهاز لتحديد المواقع (جي.بي.إس)، وهاتف يعمل عبر الأقمار الاصطناعية، وسترات نجاة، وكان يسحب خلف الدراجة النارية زورقاً صغيراً محمَّلاً بإمدادات إضافية.

وأضاف أنه، برفقة فلسطينيين اثنين آخرين، هما ضياء (27 عاماً) وباسم (23 عاماً)، قاد الدراجة النارية المائية لمدة 12 ساعة تقريباً، تعرضوا خلالها لمطاردة من زورق دورية تونسي.

واستخدم الثلاثة تطبيق ChatGPT لحساب كمية الوقود التي يحتاجونها، لكن الوقود نفد منهم على بُعد نحو 20 كيلومتراً من جزيرة لامبيدوزا، وتمكنوا من إطلاق استغاثة، وجرى إنقاذهم عند أقصى جزيرة جنوبية في إيطاليا في 18 أغسطس.

دراجة نارية مائية ترسو على الشاطئ قبل أن يستخدمها الفلسطيني محمد أبو دقة (31 عاماً) مع اثنين آخرين بالقرب من الخمس في ليبيا، 17 أغسطس 2025
دراجة نارية مائية ترسو على الشاطئ قبل أن يستخدمها الفلسطيني محمد أبو دقة (31 عاماً) مع اثنين آخرين بالقرب من مدينة الخمس في ليبيا. 17 أغسطس 2025 - Reuters

"حدث غير عادي"

وقال متحدث باسم وكالة مراقبة الحدود التابعة للاتحاد الأوروبي (فرونتكس) إن زورق دورية رومانياً مشاركاً في مهمة للوكالة أنقذهم، واصفاً ظروف إنقاذهم بأنها "حدث غير عادي".

وقال الفلسطيني باسم، الذي لم يذكر اسم عائلته: "هي كانت مغامرة حياة، أو موت، ولكن الموفق الله... نحمد الله على كل شيء حدث معنا، نحن لم نتوقع ما سيكون أمامنا.. ونتمنى من الله بداية جديدة".

وقال فيليبو أونجارو، المتحدث باسم مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في إيطاليا: "كانت طريقة وصولهم فريدة من نوعها"، مؤكداً أن السلطات سجَّلت وصولهم إلى إيطاليا بعد رحلة على متن دراجة مائية من ميناء الخمس الليبي وإنقاذهم قبالة لامبيدوزا.

وتبعد مدينة الخمس نحو 350 كيلومتراً عن لامبيدوزا.

وتواصل أبو دقة مع "رويترز" أثناء إقامته في مركز للمهاجرين في لامبيدوزا، بعد أن أخبره أحد الموظفين هناك أن وسائل إعلام محلية نقلت قصة وصوله على متن دراجة مائية.

من لامبيدوزا إلى ألمانيا

من لامبيدوزا، استمرت الرحلة الشاقة، نُقل الثلاثة على متن عبّارة إلى البر الرئيسي لصقلية، ثم إلى جنوة في شمال غرب إيطاليا، لكنهم هربوا من الحافلة التي كانت تقلهم قبل وصولهم إلى وجهتهم.

وقال متحدث باسم وزارة الداخلية الإيطالية إنه لا توجد معلومات محددة عن تحركات الثلاثة.

وبعد اختبائهم وسط الأشجار لبضع ساعات، استقل أبو دقة طائرة من جنوة إلى بروكسل، وأطلع "رويترز" على بطاقة صعود باسمه لرحلة منخفضة التكلفة من جنوة إلى شارلروا في بروكسل بتاريخ 23 أغسطس.

ومن بروكسل، قال إنه سافر إلى ألمانيا، حيث استقل قطاراً إلى كولونيا أولاً، ثم إلى أوسنابروك في ساكسونيا السفلى، حيث استقبله أحد أقاربه بالسيارة، واصطحبه إلى برامشه وهي بلدة قريبة.

طلب لجوء

ويقول إنه قدم طلب لجوء، وينتظر من المحكمة النظر فيه، دون أن يتم تحديد موعد لنظر الطلب بعد، موضحاً أنه ليس لديه عمل أو دخل، ويقيم في مركز محلي لطالبي اللجوء.

ورفض المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين في ألمانيا التعليق على قضيته، وأرجع هذا إلى أسباب تتعلق بالخصوصية.

ولا تزال عائلة أبو دقة تعيش في منطقة خيام بخان يونس جنوب غزة، بعد أن دمَّر الاحتلال الإسرائيلي منزلهم.

وقال والده، انتصار خضير أبو دقة، متحدثاً من غزة: "كان عنده شركة، وعنده إنترنت، وكان فاتح شغل، وكل شيء الحمد لله كان مرتاح مادياً، وكل شيء، كان باني.. كل هذا البناء هدمته إسرائيل بعدما هدموا البيت والسور تبعه وكل شي".

ويأمل أبو دقة في الحصول على الإقامة في ألمانيا، وإحضار زوجته وطفليه، اللذين يبلغان من العمر 4 و6 سنوات، وقال إن أحدهما يعاني من حالة عصبية تتطلب رعاية طبية.

وأوضح أنه خاطر بحياته على متن الدراجة المائية؛ لأنه دون عائلته لا يرى معنى للحياة.

تصنيفات

قصص قد تهمك