"رويترز": واشنطن تعرقل استيراد العراق للغاز من تركمانستان عبر إيران

حقل "نهر بن عمر" في البصرة. العراق، 30 يونيو 2024 - Reuters
حقل "نهر بن عمر" في البصرة. العراق، 30 يونيو 2024 - Reuters
دبي/بغداد-رويترز

لم تفلح مساعي العراق لتخفيف أزمة الكهرباء باستيراد الغاز من تركمانستان عبر إيران المجاورة تحت وطأة ضغوط من الولايات المتحدة، مما ترك بغداد تكافح جاهدة لإيجاد بدائل لضمان استمرار الكهرباء، وفق تقرير لوكالة "رويترز".

ويعاني العراق الغني بالنفط من صعوبة توفير الكهرباء لمواطنيه، منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003 والذي أطاح بالرئيس السابق صدام حسين، مما أجبر كثيرين على الاعتماد على مولدات خاصة باهظة الثمن.

وفي عام 2023، جرى اقتراح اتفاق لتصدير الغاز من تركمانستان إلى العراق عبر إيران. وينص الاتفاق المقترح على أن تتسلم إيران الغاز وتزود العراق به، لكن هذا من شأنه انتهاك العقوبات الأميركية المفروضة على طهران، وهو ما يتطلب موافقة واشنطن.

ولم توافق واشنطن على الاتفاق، وشددت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب سياسة "أقصى الضغوط" التي تمارسها على طهران.

وقالت "رويترز" إنها تحدثت إلى أربعة مسؤولين عراقيين، واطلعت على سبع وثائق رسمية، لمعرفة كيف سعت بغداد على مدى أشهر للحصول على موافقة واشنطن للسماح لها باستيراد ما يقرب من 5 مليارات متر مكعب من الغاز من تركمانستان عبر إيران.

وأظهرت مسودة عقد الاتفاق أن العراق سعى إلى استيراد 5.025 مليار متر مكعب من الغاز من تركمانستان سنوياً، بتسهيلات من "شركة الغاز الوطنية الإيرانية" المملوكة للدولة.

وأظهرت وثيقة أن إيران لن تتلقى أي أموال، لكنها ستحصل على قدر من الغاز لتلبية احتياجاتها بما لا يتجاوز 23% من إجمالي الكمية اليومية القادمة من تركمانستان.

وأظهرت الوثيقة نفسها أن بغداد عرضت أيضاً السماح لجهة رقابية دولية، بمثابة طرف ثالث، بمتابعة مدى امتثال الاتفاق للعقوبات الأميركية على إيران، وقواعد مكافحة غسل الأموال.

اعتراضات أميركية

ورغم أشهر من المساعي، أطاحت الاعتراضات الأميركية بالاتفاق في نهاية المطاف مع تصاعد ضغوط واشنطن على إيران بسبب مشروعها النووي.

وجعل هذا بغداد تواجه مأزقاً متزايداً لتحقيق التوازن في علاقتها مع حليفيها الرئيسيين، واشنطن وطهران، وفق "رويترز".

وقال عادل كريم، مستشار رئيس الوزراء العراقي لشؤون الكهرباء لـ"رويترز"، إنه "إذا مضينا به (الاتفاق مع تركمانستان) سوف تكون هناك نوع من العقوبات على البنوك والمؤسسات المالية العراقية.. فتم توقيف العقد في الوقت الحالي".

وذكر مصدر أميركي مطلع، أن إدارة ترمب "لن توافق على ترتيبات ربما تفيد إيران، لكنها تعمل مع العراق لتلبية احتياجاته من الطاقة".

واعتمد العراق على واردات الغاز والكهرباء من إيران على مدى السنوات العشر المنصرمة. وقال مسؤول في قطاع الطاقة العراقي لـ"رويترز"، إن "الغاز الإيراني يغطي ما يقرب من ثلث توليد الكهرباء في العراق"، مضيفاً أن "واردات الغاز وصلت في 2024 إلى 9.5 مليار متر مكعب".

وذكر عادل كريم، مستشار رئيس الوزراء، أن العراق سيواجه مشكلة كبيرة في توليد الكهرباء إذا خسر الغاز الإيراني.

والعراق هو ثاني أكبر منتج للنفط في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، لكنه يحرق معظم الغاز المصاحب للنفط بسبب نقص الاستثمار ونقص البنية التحتية اللازمة لاستخلاصه ومعالجته.

وتقول وكالة الطاقة الدولية إن العراق أنتج 11 مليار متر مكعب فقط من الغاز في 2023 لاستخدامها في توليد الكهرباء أو لتلبية الاحتياجات الصناعية.

وأوضح كريم أن احتياجات العراق من الغاز تختلف موسمياً، إذ يرتفع الطلب في أشهر الصيف إلى حوالي 45 مليون متر مكعب يومياً، وينخفض ​​إلى ما يتراوح من 10ملايين إلى 20 مليون متر مكعب في أشهر الربيع والخريف.

البحث عن مصادر إضافية

وأنهت إدارة ترمب في مارس إعفاء من العقوبات كان يسمح للعراق منذ 2018 بدفع ثمن الكهرباء الإيرانية، مما قلص الواردات.

وقال مستشار رئيس الوزراء العراقي، إن نقص إمدادات الغاز من إيران أدى إلى خسارة حوالي 3 آلاف ميجاوات من قدرة توليد الكهرباء منذ انتهاء الإعفاء ووصول الطلب إلى ذروته في الصيف، أي أكثر من 10% من إجمالي القدرة الإنتاجية للعراق البالغة حوالي 28 ألف ميجاوات، وهو ما يقول مسؤولون بقطاع الكهرباء العراقي إنه يؤثر على إمدادات الكهرباء لحوالي 2.5 مليون منزل.

وأفادت مصادر ووثائق بأن بغداد كانت تأمل في تنويع إمداداتها، وتجنب خطر انتهاك العقوبات من خلال الاتفاق مع تركمانستان.

وحذرت وزارة الكهرباء العراقية في رسالة إلى المصرف العراقي للتجارة المملوك للدولة في 27 مايو، من أن عدم إبرام هذا الاتفاق ربما يعرض للخطر قدرة بغداد على تشغيل المحطات التي تعمل بالغاز خلال ذروة الطلب في فصل الصيف.

ومع تعطل مسار تركمانستان، يستكشف العراق بدائل لسد فجوة احتياجاته من الكهرباء، بما في ذلك بناء بنية تحتية لاستيراد الغاز الطبيعي المسال من قطر.

منظر عام للمدينة خلال انقطاع التيار الكهربائي في بغداد، العراق
منظر عام ااعاصمة العراقية بغداد خلال انقطاع التيار الكهربائي- Reuters

وقال حمزة عبد الباقي، رئيس "شركة غاز الجنوب العراقية"، لـ"رويترز"، في مارس، إن العراق سيستأجر محطة عائمة للغاز الطبيعي المسال للتعامل مع الغاز القطري والعماني. وأضاف أن الحكومة كلفت وزارة النفط بإيجاد بدائل للغاز الإيراني في حال قررت الولايات المتحدة تقييده.

ووقع العراق خلال العامين الماضيين اتفاقات مع شركات نفط عالمية، مثل "توتال إنرجيز" و"بي.بي" و"شيفرون"، لتسريع مشاريع الغاز لديه.

وقالت "توتال إنرجيز" الفرنسية هذا الأسبوع إنها دشنت المرحلة الثانية من مشروع تطوير حقل أرطاوي النفطي في العراق، وهذه هي المراحل النهائية من مشروع بقيمة 27 مليار دولار، يهدف إلى تعزيز إنتاج العراق من النفط والغاز والكهرباء.

وقالت شركة "بي.بي" البريطانية في مارس، إنها تلقت الموافقة النهائية من الحكومة على إعادة تطوير حقول كركوك النفطية العملاقة، مع خطة أولية لإنتاج 3 مليارات برميل من النفط المكافئ.

وذكر مستشار رئيس الوزراء العراقي أن بغداد تعمل على توسيع محطات توليد الكهرباء العاملة بالغاز، مضيفاً أن البلاد ستحتاج إلى المزيد من الغاز والمزيد من المصادر.

تصنيفات

قصص قد تهمك