برنامج إيران النووي.. عقوبات متباينة واسعة وخيارات سياسية معقدة

شعار الوكالة الدولية للطاقة الذرية أمام العلم الإيراني. 16 يونيو 2025 - Reuters
شعار الوكالة الدولية للطاقة الذرية أمام العلم الإيراني. 16 يونيو 2025 - Reuters
دبي -الشرق

أعادت الأمم المتحدة، الأحد، فرض العقوبات على إيران بسبب برنامجها النووي، الأحد، ما وضع طهران تحت ضغوط جديدة وسط تصاعد التوترات في الشرق الأوسط على خلفية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.

وحاول الرئيس الإيراني مسعود بيزشكيان ووزير الخارجية عباس عراقجي، خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الأسبوع في نيويورك، القيام بمسعى دبلوماسي أخير لوقف العقوبات. غير أن المرشد الإيراني علي خامنئي قيد تحركاتهما بوصفه الدبلوماسية مع الولايات المتحدة بأنها "طريق مسدود تماماً". وفي الأثناء، فشلت كذلك محاولات الصين وروسيا في وقف العقوبات. 

وبدأ العد التنازلي لمدة 30 يوماً لفرض العقوبات في 28 أغسطس الماضي، عندما اعتبرت فرنسا وألمانيا وبريطانيا المعروفة باسم "الترويكا الأوروبية"، أن إيران لا تلتزم بالاتفاق النووي المُبرم في عام 2015 مع القوى العالمية. 

وردت طهران، بأن الاتفاق أصبح لاغياً بعد انسحاب الولايات المتحدة منه من جانب واحد في عام 2018 خلال الولاية الأولى للرئيس الأميركي دونالد ترمب.

ومنذ ذلك الحين، قلصت إيران بشكل كبير عمليات التفتيش المطلوبة من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لا سيما بعد الحرب التي شنتها إسرائيل عليها في يونيو الماضي واستمرت 12 يوماً، والتي شهدت قصفاً أميركياً وإسرائيلياً لمواقع نووية إيرانية رئيسية.

وقال عراقجي، الجمعة، في نيويورك، تعليقاً على العقوبات: "لا نعتقد أنها ستؤثر على الشعب الإيراني، وخصوصاً على عزيمته في الدفاع عن حقوقه"، رغم الضغوط التي تواجهها اقتصاد البلاد بالفعل. وأضاف أن ما تؤثر عليه العقوبات هو "الدبلوماسية". وتابع: "إنها تغلق طريق الدبلوماسية".

ما هي آلية "سناب باك" وكيف تعمل؟

صُممت آلية "سناب باك"، كما يسميها الدبلوماسيون الذين تفاوضوا لإدراجها في الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 مع القوى العالمية، بحيث تكون محصنة من حق النقض "الفيتو" في مجلس الأمن الدولي، وتدخل حيز التنفيذ بعد 30 يوماً من إبلاغ أطراف الاتفاق، المجلس، بأن إيران لا تلتزم ببنود الاتفاق.

وتعيد الآلية تجميد الأصول الإيرانية في الخارج وتوقف صفقات الأسلحة مع طهران وتفرض عقوبات على أي تطوير لبرنامج الصواريخ الباليستية الإيراني، إلى جانب إجراءات أخرى. وكان من المقرر أن تنقضي صلاحية فرض "سناب باك" في 18 أكتوبر المقبل، وهو ما يرجح أن يكون قد دفع الدول الأوروبية إلى تفعيلها قبل فقدان هذه الأداة.

اقرأ أيضاً

عقوبات الأمم المتحدة على إيران تدخل حيز التنفيذ عبر "سناب باك"

دخلت عقوبات الأمم المتحدة على إيران حيز التنفيذ مجدداً، بعد اتهام دول الترويكا الأوروبية بانتهاك الاتفاق النووي لعام 2015 مع القوى العالمية.

وبعد ذلك، كانت أي محاولة لإعادة فرض العقوبات، ستواجه حق النقض من الصين وروسيا، العضوين الدائمين في مجلس الأمن، اللذين قدما دعماً لإيران في السابق.

ولا تزال الصين مستورداً رئيسياً للنفط الخام الإيراني، وهو أمر قد يتأثر بتفعيل آلية "سناب باك"، بينما تعتمد روسيا على الطائرات المُسيرة الإيرانية في حرب أوكرانيا.

لماذا يقلق الغرب من برنامج إيران النووي؟

أكدت إيران على مدى عقود، سلمية برنامجها النووي، غير أن مسؤوليها يهددون بشكل متزايد بالسعي لامتلاك سلاح نووي. وتُعد إيران الدولة الوحيدة في العالم التي لا تمتلك برنامجاً للأسلحة النووية، ومع ذلك تخصب اليورانيوم إلى مستويات تقترب من درجة تصنيع السلاح.

وبموجب الاتفاق النووي الأصلي المُوقع في عام 2015، سُمح لإيران بتخصيب اليورانيوم حتى نسبة نقاء تبلغ 3.67% وبالاحتفاظ بمخزون لا يتجاوز 300 كيلوجرام (661 رطلاً).

اقرأ أيضاً

البرنامج النووي الإيراني.. أبرز المحطات بين التفاوض والقصف والعقوبات

أبرز محطات البرنامج النووي الإيراني تكشف مساراً معقداً بين التصعيد الأميركي، ورفض إيراني متكرر، وجهود أوروبية لإبقاء باب الدبلوماسية مفتوحاً.

لكن الوكالة الدولية للطاقة الذرية قدرت مخزون إيران من اليورانيوم قبيل اندلاع الحرب في يونيو الماضي، بنحو 9.874.9 كيلوجرام (21.770.4 رطلاً)، منها 440.9 كيلوجرام (972 رطلاً) مُخصبة حتى نسبة 60%، وهي كمية تمكن طهران من إنتاج عدة أسلحة نووية إذا قررت المضي في هذا المسار، إذ أن نسبة نقاء التخصيب اللازمة لتصنيع سلاح نووي هي 90%.

وتقدر وكالات استخبارات أميركية، أن إيران لم تبدأ بعد برنامجاً لتصنيع السلاح، لكنها "نفذت أنشطة تضعها في موقع أفضل لإنتاج سلاح نووي إذا قررت ذلك".

الاستهداف الأميركي الإسرائيلي للمنشآت النووية

تُعد منشأة "نطنز" النووية، الواقعة على بُعد نحو 220 كيلومتراً جنوب شرقي طهران، الموقع الرئيسي لتخصيب اليورانيوم في إيران، وقد كانت هدفاً سابقاً لغارات إسرائيلية قبل أن تهاجمها الولايات المتحدة في يونيو الماضي.

وجرى تخصيب اليورانيوم في الموقع حتى نسبة نقاء 60%، أي خطوة قصيرة نحو مستوى تصنيع السلاح، قبل أن تدمر إسرائيل الجزء العلوي من المنشأة، بحسب الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

ويقع جزء آخر من المنشأة في الهضبة الوسطى الإيرانية تحت الأرض لحمايتها من الغارات الجوية، ويضم عدة "سلاسل" من أجهزة الطرد المركزي التي تعمل معاً لتسريع عملية التخصيب.

اقرأ أيضاً

ترمب يلمّح لضرب منشآت إيران النووية إن اقتضى الأمر

قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب إن منشآت إيران النووية تعرضت للدمار، ملمحاً لإمكانية تكرار الضربات. وأكد وزير الخارجية الإيراني أن طهران لن تتخلى عن برنامجها.

وأفادت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بأنها تعتقد أن معظم هذه الأجهزة، إن لم تكن جميعها، دُمرت بفعل ضربة إسرائيلية قطعت التيار الكهربائي عن الموقع. كما أسقطت الولايات المتحدة قنابل خارقة للتحصينات على المنشأة، يُرجح أنها تسببت في أضرار جسيمة لها.

وتعرّضت منشأة "فوردو" لتخصيب اليورانيوم، الواقعة على بُعد نحو 100 كيلومتر جنوب غربي طهران، لقصف أميركي مماثل باستخدام قنابل خارقة للتحصينات. كما استهدفت الولايات المتحدة منشأة "أصفهان" للتكنولوجيا النووية بذخائر أصغر.

واستهدفت إسرائيل، بشكل منفصل، مواقع أخرى مرتبطة بالبرنامج النووي الإيراني، من بينها مفاعل آراك للمياه الثقيلة.

لماذا توترت العلاقات مع الولايات المتحدة؟

كانت إيران قبل عقود من أبرز حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط تحت حكم الشاه محمد رضا بهلوي، الذي اشترى أسلحة عسكرية أميركية، وسمح لفنيي وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية CIA، بإدارة محطات تنصت سرية لمراقبة الاتحاد السوفيتي المجاور. وقد دعمت الوكالة "انقلاباً" في عام 1953 رسخ حكم الشاه.

لكن في يناير 1979، فر الشاه، الذي كان يعاني مرض السرطان، من البلاد مع تصاعد التظاهرات الشعبية ضد نظامه. وأعقبت ذلك "الثورة الإسلامية" بقيادة الخميني.

وفي وقت لاحق من العام نفسه، اقتحم طلاب جامعيون السفارة الأميركية في طهران مطالبين بتسليم الشاه، ما فجر أزمة الرهائن التي استمرت 444 يوماً وأدت إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بين طهران وواشنطن.

وخلال الحرب الإيرانية-العراقية في ثمانينيات القرن الماضي، دعمت الولايات المتحدة الرئيس العراقي صدام حسين. وخلال تلك الحرب، شنت القوات الأميركية هجوماً بحرياً ليوم واحد ألحق أضراراً جسيمة بالقوات الإيرانية في إطار ما عُرف بـ"حرب الناقلات"، كما أسقطت لاحقاً طائرة ركاب إيرانية مدنية بعدما زعمت أنها أخطأت في التعرف عليها وظنتها طائرة حربية.

وتأرجحت العلاقات بين إيران والولايات المتحدة منذ ذلك الحين بين العداء الحاد والدبلوماسية الحذرة، وبلغت ذروتها مع توقيع الاتفاق النووي في عام 2015، غير أن ترمب انسحب من الاتفاق من جانب واحد في عام 2018.

تصنيفات

قصص قد تهمك