أشادت وزيرتا الخارجية الأميركيتان السابقتان، هيلاري كلينتون وكونداليزا رايس، الجمعة، بنجاح إدارة الرئيس دونالد ترمب في التوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب الإسرائيلية على غزة بموجب خطة من 20 نقطة، ووصفتا الخطوة بأنها تطور مهم، مع التحفّظ على انتظار ما ستسفر عنه المراحل الأولى من تنفيذه، لكنهما أعربتا عن تفاؤل حذر إزاء آفاقه المستقبلية.
وجاءت تصريحات كلينتون ورايس خلال مقابلة مباشرة عبر شبكة CBS News 24/7، لمناقشة الاتفاق بين إسرائيل وحركة "حماس" الذي توسط فيه ترمب، مع بدء تنفيذ المرحلة الأولى منه.
وجرت المقابلة بعد يومين من توقيع اتفاق تاريخي تعهّدت فيه حركة "حماس" بالإفراج عن جميع الرهائن المتبقّين الذين احتجزتهم في هجوم 7 أكتوبر 2023، مقابل انسحاب الجيش الإسرائيلي من أجزاء من قطاع غزة.
وقالت كلينتون في المقابلة: "أحيي الرئيس ترمب وإدارته، وكذلك القادة العرب في المنطقة، على التزامهم بخطة النقاط العشرين ورؤيتهم لطريق نحو ما يسمى بيوم ما بعد الحرب".
وسألت كبيرة المراسلين في الشبكة، نورا أودونيل، رايس عما إذا كانت واثقة من أن هذه بالفعل نهاية الحرب، فأجابت: "لا يمكن لأحد أن يكون واثقاً تماماً، نظراً لتاريخ الشرق الأوسط، لكن هناك أسباب وجيهة تدعو إلى التفاؤل".
وقالت رايس إن أحد أكبر التحديات في تحقيق سلام دائم هو جمع مختلف الأطراف على طاولة واحدة، لكنها رأت أن مشاركة تحالف أوسع من دول الشرق الأوسط في هذا الاتفاق يُعدّ "مؤشراً إيجابياً".
وأضافت: "ما يقلقني أكثر هو كيفية الانتقال من سلطة انتقالية مؤقتة إلى سلطة فلسطينية تمثل فعلاً شعبها. السلطة الفلسطينية التي تدير الضفة الغربية فقدت السيطرة على غزة منذ عام 2006، ولم تخضع لأي إصلاحات حقيقية منذ ذلك الحين. إنها بحاجة إلى إصلاحات، وإلى دماء جديدة".
وأشارت رايس إلى أن الحديث عن حل الدولتين "غير واقعي في الوقت الحالي"، لكنها قالت إن على الفلسطينيين أن يبدأوا في تهيئة أنفسهم لذلك المستقبل، موضحة: "يجب عليهم أن يدركوا أن إسرائيل موجودة وستبقى جزءاً من الشرق الأوسط. وهذا يعني ضرورة تغيير المناهج التعليمية التي تُدرّس للأطفال عن إسرائيل، والتوقف عن عرض خرائط تنكر وجود الدولة الإسرائيلية، وعدم تربية جيل جديد يؤمن بأن المقاومة المسلحة هي الطريق إلى السلام والأمن".
المرحلة الأولى.. "نجاح غير مضمون"
أما كلينتون، فوصفت الهجوم الإسرائيلي على قادة "حماس" بالعاصمة القطرية الدوحة في سبتمبر الماضي، بأنه "تصرف غير حكيم وخطأ استراتيجي"، معتبرة أنه فتح الباب أمام مفاوضي ترمب لاستثمار الفرصة.
وقالت في هذا الإطار: "لقد وفر ذلك نافذة للرئيس ترمب وممثليه لتوحيد القوى الإقليمية، بما في ذلك قطر، ولإيصال رسالة واضحة إلى إسرائيل مفادها: كفى، لا يمكن استمرار هذا الوضع، يجب أن يتوقف الصراع، وأن ننتقل إلى مرحلة جديدة".
وأضافت: "لقد استغل المفاوضون الأميركيون الفرصة المتاحة وتمكّنوا من تحقيق نجاح".
في المقابل، شددت كلينتون على أن النشاط الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية الذي شجعته الحكومة الإسرائيلية "يجب أن يتوقف"، مؤكدة أن عملية إعادة إعمار غزة ستكون "شاقة ومضنية وطويلة الأمد"، ودعت الولايات المتحدة والمجتمع الدولي إلى "التكاتف لدعم هذه العملية وإحياء الأمل في السلام".
وقالت: "يجب أن ندعم هذه العملية ونجعلها التزاماً عالمياً حقيقياً، ليس فقط بشكل غير حزبي داخل بلدنا، بل كالتزام دولي كبير لإحلال السلام والأمن والاستقرار ومستقبل أفضل للشرق الأوسط".
واتفقت كلينتون ورايس على أن نجاح هذه المرحلة الأولى ليس مضموناً بعد، إذ قالت كلينتون: "هذا ليس بديهياً، فالأمر يتطلب الكثير من العمل والتنسيق".
الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.. تحدياً لإدارات أميركية
وبحسب CBS News، فإن الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، شكل تحدياً مستعصياً أمام جميع الإدارات الأميركية الحديثة، بما في ذلك الإدارتان اللتان خدمَت فيهما كلينتون ورايس.
فكلينتون سعت في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما لتحقيق حل الدولتين، لكن علاقات الإدارة آنذاك كانت متوترة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وشهدت تلك الفترة حربين في غزة.
أما رايس، فقد دفعت أيضاً باتجاه حل الدولتين وبذلت جهوداً مكثفة في أواخر عهد إدارة الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش للتوصل إلى اتفاق سلام، غير أن ضعف الدعم السياسي لكل من رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إيهود أولمرت ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، حال دون تحقيق اختراق دائم.
ويقول مراقبون إن الإدارات السابقة لم تستخدم نفوذ الولايات المتحدة بالشكل الكافي للضغط على إسرائيل من أجل تقديم تنازلات، فيما يبدو أن الضغوط التي مارسها الرئيس ترمب على حكومة نتنياهو كانت عاملاً حاسماً في التوصل إلى هذا الاتفاق الحالي للسلام.
ووصف ترمب الاتفاق بأنه "المرحلة الأولى" من خطة شاملة من 20 نقطة تهدف لإنهاء الحرب التي استمرت لعامين بين إسرائيل و"حماس"، مشيراً إلى أنه يعتزم السفر إلى الشرق الأوسط في أقرب وقت، وربما خلال عطلة نهاية الأسبوع، ليكون حاضراً عند عودة الرهائن إلى ذويهم.
وبموجب الاتفاق، من المقرر أن يعود عشرات المحتجزين الإسرائيليين إلى عائلاتهم يومي الاثنين أو الثلاثاء، كما سيمنح الاتفاق متنفساً للملايين من سكان غزة الذين عانوا من قصف متواصل وغزو بري إسرائيلي خلال العامين الماضيين.
غير أن بعض التساؤلات لا تزال قائمة، إذ تنص خطة ترمب ذات النقاط العشرين على انسحاب إسرائيل من معظم قطاع غزة على مراحل، من دون أن يتضح بعد جدول تلك الانسحابات.
كما تنص على تسليم إدارة غزة إلى "لجنة تكنوقراطية" لم تتشكل بعد، ولا تضم "حماس"، ولا تشمل في الوقت الراهن السلطة الفلسطينية، ويعترف الاتفاق بأن "إقامة دولة فلسطينية مستقلة" هي "تطلّع الشعب الفلسطيني"، من دون تحديد موعد أو إطار زمني لمناقشة هذه المسألة.