اعتبر جون سوبكو، المفتش العام الخاص الأميركي لإعادة إعمار أفغانستان (سيغار)، أن الانسحاب الفوضوي للقوات الأميركية من ذاك البلد وانهيار حكومته أمام حركة "طالبان"، هما نتيجة لأخطاء ارتكبتها الولايات المتحدة طيلة عقدين، كما أفادت وكالة "بلومبرغ".
ووَرَدَ في تقرير أصدره سوبكو الثلاثاء، أن نحو تريليون دولار أنفقتها الولايات المتحدة في أفغانستان، منذ غزوها في عام 2001، تعثرت نتيجة استراتيجية أميركية متبدّلة، وفساد أفغاني، ومشاريع غير مستدامة، وفشل في "فهم السياق الأفغاني" بعد الحرب.
وكتب سوبكو في التقرير الذي أُعدّ قبل استيلاء "طالبان" على السلطة في الأسبوع الماضي: "إذا كان الهدف هو إعادة البناء وترك بلد يمكنه الحفاظ على نفسه وتشكيل تهديد ضئيل على مصالح الأمن القومي للولايات المتحدة، فإن الصورة العامة قاتمة".
وأشارت "بلومبرغ" إلى أن التقارير التي أعدّها "سيغار" منذ 13 سنة، تضمّنت تحذيرات بشأن أرقام غير دقيقة ضخّمت حجم القوات الأفغانية. وذكر أحدها أن 70% من قوات الأمن في ولاية، كانوا "جنوداً أشباحاً" أو وهميين.
وفي تقريره الأخير، أبرز سوء فهم الولايات المتحدة لأفغانستان منذ البداية، إذ فشلت مرات في الاعتراف بأهمية الديناميات العرقية داخل قوات الأمن، على سبيل المثال. وأضاف أنه "من خلال تأمين دعم مادي ومعدات لوحدات معيّنة" داخل قوات الأمن، "من دون مراعاة الديناميات العرقية بين الوحدات، يمكن تصوّر الولايات المتحدة بأنها متحيّزة لمصلحة مجموعة عرقية أو فصيل، على حساب مجموعة أخرى".
صعوبات إعادة الإعمار
إنفاق مليارات الدولارات على جهود إعادة الإعمار واجه عثرات، نتيجة معدل تبديل مرتفع في الموظفين الأميركيين الذين أداروا المشاريع، ولكنهم عادة ما يقضون سنة أو أقلّ في البلاد، قبل مغادرتها.
وكتب سوبكو أنه منذ عام 2002 "كافحت الحكومة الأميركية باستمرار لتحديد الموظفين المناسبين، وتدريبهم بشكل صائب، وإبقائهم في البلد لفترة كافية كي يصبحوا فعالين، وتمكينهم من قضاء وقت كافٍ مع من يحلّ مكانهم، لتسليم عملهم قبل مغادرتهم".
وأشار التقرير إلى "ضغط هائل لإظهار تقدّم للكونجرس"، متحدثاً عن تشويه "أنظمة المساءلة"، ومضيفاً أن النتيجة كانت أن "هناك القليل من الرغبة في إجراء تقييمات صادقة لما نجح وما لم ينجح".
وتابع أنه من خلال إنفاق الأموال "بشكل أسرع ممّا يمكن احتسابه، حققت الحكومة الأميركية في النهاية عكس هدفها: غذّت الفساد، ونزعت الشرعية عن الحكومة الأفغانية، وفاقمت انعدام الأمن. بشكل معاكس، إذ أنه أسهل شيء يمكن مراقبته، بات غالباً مقدار الأموال التي يُنفقها برنامج، أهم مقياس للنجاح"، بصرف النظر عمّا إذا كان أُنفق بشكل جيد".
وفي خطاب موجّه إلى الأمّة الاثنين، قال الرئيس الأميركي جو بايدن إنه متمسّك بقراره الانسحاب من أفغانستان، وانتقد قواتها، التي درّبتها الولايات المتحدة طيلة عقدين، لامتناعها عن القتال، ولكنه أكد أن بلاده لم تدخل أفغانستان لإعادة بناء البلد. ويرى منتقدون لبايدن أن الانسحاب كان يجب أن يُؤجل، وأنه كان على الولايات المتحدة أن تخطّط له بشكل أفضل.
لكن التقرير الأخير لسوبكو رأى وجوب تحميل المسؤولية لكل إدارة أميركية، منذ عهد جورج بوش الابن، علماً أن أفغانستان شهدت عقوداً من الصراع، لدى وصول القوات الخاصة الأميركية، في أواخر عام 2001، لإطاحة نظام "طالبان" الذي كان يؤوي زعيم تنظيم "القاعدة" أسامة بن لادن، الذي دبّر هجمات 11 سبتمبر.
أسوأ المؤشرات الاجتماعية
واستشهد "سيغار" بتقرير أعدّه البنك الدولي، في مارس 2002، مشيراً إلى اقتصاد محطّم وبنية تحتية "مدمّرة" وأسوأ المؤشرات الاجتماعية في العالم، ومضيفاً: "لم يكن لدى الأفغان أي خبرة في المشاركة في الانتخابات، ناهيك عن إدارتها".
وتابع التقرير: "لم يكن هناك إعلام مستقلّ، وكان المجتمع المدني يعاني. كان متوسّط العمر المتوقّع 56 عاماً، أي أقلّ من 83% من البلدان آنذاك. وكان معدل وفيات الأطفال دون سنّ الخامسة، في أدنى 15% من البلدان بالعالم. مُنعت النساء والفتيات رسمياً من دخول المدارس وسوق العمل. وسُجّل 21% فقط من الأطفال المؤهلين، في المدارس الابتدائية".
وذكرت "بلومبرغ" أن المشهد الذي قدّمه سوبكو، بعد إعداده تقارير طيلة 13 سنة بشأن نجاحات الجهود الأميركية في أفغانستان وإخفاقاتها، استندت إلى 760 مقابلة مع صنّاع سياسات، حاليين وسابقين، وسفراء، وجنرالات، وضباط عسكريين، وخبراء في التنمية وآخرين.
التقرير نسب إلى بايدن الفضل في إدراكه أن 20 سنة من التغيير أو الاستراتيجية غير المتماسكة والإنفاق اللامحدود تقريباً "فشلت في إحداث التغيير المطلوب ولم تكن لديها فرصة كبيرة لتحقيق ذلك". واستدرك أن قرار الرئيس الأميركي "بصرف النظر عن تقدّم طالبان أو آفاق السلام" أثار غموضاً بشأن "استدامة حتى المكاسب المتواضعة التي تحققت في العقدين الماضيين".
اتفاق "معيب"
واعتبر التقرير أن اتفاق السلام الذي أبرمته إدارة الرئيس السابق، دونالد ترمب، مع "طالبان" كان "معيباً منذ البداية، إذ أن "تفوّقها في ساحة المعركة لأكثر من عقد، أضعف دافعها للانخراط في محادثات السلام (في الدوحة)، بخلاف ما كان ضرورياً لتأمين الإفراج عن أكثر من 5000 سجين، وضمان رفع العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والأمم المتحدة، واكتساب شرعية دولية، وتبنّي الفضل في التفاوض على رحيل القوات الأميركية"، مضيفاً: "إن أياً من هذه الأهداف لم يتطلّب تسوية مع الحكومة الأفغانية".
واستدرك سوبكو: "لا شك في تحسّن حياة ملايين الأفغان بفضل تدخلات الحكومة الأميركية"، إذ ارتفع متوسّط العمر المتوقّع، في عام 2018، "من 56 إلى 65، بزيادة تبلغ 16%" منذ عام 2001.
وبين عامَي 2000 و2019، انخفض معدل وفيات الأطفال دون سن الخامسة "بأكثر من 50%"، كما ارتفع مؤشر التنمية البشرية في أفغانستان بنسبة 45%، بين عامَي 2001 و2019. وبين عامَي 2002 و2019، تضاعف تقريباً نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في أفغانستان، كما أن إجمالي الناتج المحلي زاد 3 مرات تقريباً، حتى مع مراعاة التضخم، رغم ارتباط النموّ الاقتصادي بشكل وثيق بالمساعدات الدولية.
وأفاد تقرير سوبكو بأن النزاع أسفر عن مقتل 2443 جندياً أميركياً و1144 جندياً من قوات التحالف الدولي، مشيراً إلى مصرع 66 ألف جندي أفغاني وأكثر من 48 ألف مدني أفغاني وجرح 75 ألفاً على الأقلّ، منذ عام 2001، مرجّحاً أن تكون هذه الأرقام أقلّ من الواقع.
اقرأ أيضاً: