أبدى الرئيس الأميركي دونالد ترمب "تحفظات" لكبار مساعديه، إزاء شن عمل عسكري للإطاحة بنظيره الفنزويلي، نيكولاس مادورو، إذ يخشى ألا تدفعه الهجمات إلى التنحي، حسبما ذكر مسؤولون أميركيون مطلعون على المناقشات لصحيفة "وول ستريت جورنال".
وقالت الصحيفة الأميركية، الخميس، إن المناقشات تؤكد أن استراتيجية الإدارة الأميركية تجاه فنزويلا لا تزال "غير مستقرة"، على الرغم من الحشد العسكري المتزايد في المنطقة، وتهديدات ترمب العلنية بشن هجمات.
وذكرت أن ما بدأ كحملة لمكافحة المخدرات عبر ضربات جوية استهدفت سفناً يُشتبه في مشاركتها بعمليات تهريب، تحول إلى أكبر حشد عسكري أميركي في الكاريبي منذ عقود، بهدف ممارسة الضغط على مادورو، وربما الإطاحة به.
لكن حتى التساؤلات الأساسية، بشأن ما إذا كان الهدف هو إقصاء مادورو، أو دفعه إلى تقديم تنازلات، لا تزال غير محسومة، بحسب المسؤولين.
وقال المسؤولون للصحيفة، إن ترمب يواصل الاستفسار من مساعديه عن الخيارات العسكرية، ما دفع بعضهم للاعتقاد بأنه قد يأمر في نهاية المطاف بشن هجوم. وتشمل الخيارات المطروحة عليه زيادة الضغوط الاقتصادية وصولاً إلى القيام بعملية عسكرية داخل فنزويلا، بما في ذلك استهداف منشآت عسكرية وحكومية.
وفي الوقت الراهن، يقول مسؤولون، إن ترمب راضٍ عن التدرج في تعزيز الوجود العسكري الأميركي في المنطقة، ومواصلة ضرب القوارب التي يشتبه أنها تهرّب المخدرات في الكاريبي والمحيط الهادئ.
وكانت أحدث هذه الضربات، الثلاثاء، حين دمرت القوات الأميركية سفينة في شرقي المحيط الهادئ، وقتلت اثنين من المشتبه في تهريبهم للمخدرات.
وقال ترمب في خطاب له في ميامي، الأربعاء: "نحن نفجرهم، وهم مرتبطون بنظام مادورو في فنزويلا وأطراف أخرى".
3 مسارات للضغط على مادورو
مع ذلك، أشار المسؤولون إلى عدم وجود جدول زمني لاتخاذ قرار بشأن توسيع الحملة.
ولا يزال ترمب حذراً حيال التورط المباشر في فنزويلا، بعد فشل محاولته خلال ولايته الأولى للإطاحة بمادورو عبر دعم المعارضة، بحسب مسؤولين سابقين شاركوا في تلك الجهود. ولدى ترمب أيضاً مخاوف راسخة بشأن استخدام القوة العسكرية في عمليات تغيير أنظمة.
من جانبها، قالت كارولين ليفيت، المتحدثة باسم البيت الأبيض، إن "الرئيس قال إنه سيواصل ضرب إرهابيي المخدرات الذين يتاجرون بالمخدرات غير المشروعة، وأي شيء آخر هو مجرد تكهنات، ويجب التعامل معه كذلك".
ووفق المسؤولين، طُرحت أمام الرئيس ترمب، ثلاثة مسارات رئيسية، لزيادة الضغط على مادورو.
وتشمل هذه المسارات تشديد الضغوط الاقتصادية على فنزويلا عبر العقوبات وفرض رسوم أعلى على الدول التي تشتري نفطها، ودعم المعارضة الفنزويلية مع تعزيز الوجود العسكري الأميركي في المنطقة لزيادة الضغوط على مادورو، وأخيراً شن حملة ضربات جوية أو عمليات سرية تستهدف منشآت وقوات حكومية وعسكرية. وكانت صحيفة "نيويورك تايمز" نشرت هذه الخيارات في تقرير سابق.
سيناريوهات الضغط الأميركي على الرئيس الفنزويلي مادورو
- ضغوط اقتصادية على فنزويلا عبر العقوبات وفرض رسوم أعلى على الدول التي تشتري نفطها.
- دعم المعارضة الفنزويلية مع تعزيز الوجود العسكري الأميركي في المنطقة.
- شن حملة ضربات جوية أو عمليات سرية تستهدف منشآت وقوات حكومية وعسكرية.
وتعمل وزارة العدل الأميركية على صياغة مبرر قانوني يسمح لترمب باستهداف الرئيس الفنزويلي في سياق عملية عسكرية، وفق المسؤولين. وقالت "وول ستريت جورنال"، إن مسؤولي الوزارة لم يردوا على طلب للتعليق.
اتهامات أميركية
وتصف إدارة ترمب مادورو، بـ"إرهابي مخدرات"، متهمة إياه بقيادة شبكة تهريب تهدف إلى "إغراق الولايات المتحدة بالكوكايين".
وفي أغسطس الماضي، أعلنت واشنطن مكافأة بقيمة 50 مليون دولار مقابل معلومات تؤدي إلى اعتقال مادورو، أو إدانته في قضايا تهريب مخدرات.
ويقول مسؤولون أميركيون، إن ما اتخذته الولايات المتحدة بالفعل من خطوات لإقناعه بأنه لا يمكنه البقاء في السلطة، ربما يدفع بعض أفراد النخبة الأمنية الفنزويلية إلى الانقلاب عليه والإطاحة به أولاً.
وتواصلت الإدارة الأميركية مع المعارضة الفنزويلية، وفق مسؤولين حاليين وسابقين. وقالت زعيمة المعارضة الفنزويلية ماريا كورينا ماتشادو، الأربعاء، خلال كلمة عن بُعد أمام منتدى أعمال في ميامي حضره ترمب أيضاً: "على مادورو أن يدرك أن الوقت ينفد". وأضافت: "إذا قبل بعملية انتقالية، فستجري بشكل منظم وسريع، لكنها ستحدث بغض النظر عما يفعله مادورو".
ويقول بعض المسؤولين الأميركيين، إنه ليس من الضروري إجبار مادورو على الرحيل ما دام مستعداً للحد من تهريب المخدرات، ومنح الولايات المتحدة وصولاً أكبر إلى احتياطات النفط الفنزويلية، والتعهد بإجراء انتخابات نزيهة.
وقال السيناتور الجمهوري، جيم ريش، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، للصحيفة، إن مادورو تآمر مع عصابات مخدرات صنفتها الولايات المتحدة "جماعات إرهابية"، وإنه "سيواجه المصير نفسه".
لكن ريش، وهو أيضاً عضو في لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ الأميركي، أضاف أنه لم ير أي مؤشر على استعداد الولايات المتحدة لتنفيذ عمل عسكري ضد فنزويلا. وقال: "بإمكان الرئيس أن يغير رأيه بالطبع، فهو أصبح شديد الضيق والانزعاج من مادورو".
في المقابل، استبعد بعض كبار الديمقراطيين، إمكانية أن يُقدم ترمب على عمل عسكري. وقال النائب الديمقراطي جيم هايمز، كبير أعضاء الحزب في لجنة الاستخبارات بمجلس النواب، خلال مشاركته الثلاثاء في فعالية بمجلس العلاقات الخارجية: "الصحافة مقتنعة أكثر بكثير من الإدارة بأن الولايات المتحدة ستهاجم فنزويلا بطريقة ما". وأضاف هايمز: "ما زلت أرى أن احتمال تورطنا عسكرياً في أميركا اللاتينية ضعيف للغاية".
لعب وزير الخارجية ماركو روبيو، الذي يشغل أيضاً منصب مستشار الأمن القومي لترمب، دوراً رئيسياً في صياغة استراتيجية الرئيس، وحملته العسكرية ضد قوارب المخدرات، وفق مسؤولين ودبلوماسيين. وقدم إحاطة للمشرعين بشأن الخطة، الأربعاء.
تصريحات ترمب المتناقضة
والأسبوع الماضي، حذر ترمب علناً من احتمال شن هجمات داخل فنزويلا، قائلاً للصحافيين: "الخطوة المقبلة ستكون على الأرض"، في إشارة إلى ضربات داخل البلاد.
لكن نبرته تراجعت منذ ذلك الحين. فعند سؤاله، الجمعة، عما إذا كان يفكر في قصف أهداف عسكرية داخل فنزويلا، قال ترمب بشكل قاطع: "لا". ثم قال في مقابلة مع برنامج "60 دقيقة" على شبكة CBS، الأحد، إنه يشك في أن الولايات المتحدة ستدخل في حرب مع فنزويلا.
غير أنه عند سؤاله بشأن ما إذا كانت أيام مادورو في الرئاسة معدودة، أجاب: "أود أن أقول نعم. أعتقد ذلك، نعم".
في المقابل، يتهم مادورو واشنطن بمحاولة إسقاطه، واصفاً الحملة العسكرية بأنها "تغيير نظام عبر التهديد العسكري". لكنه قال في رسالة لترمب بعد الضربات الأولية في سبتمبر إنه سيقدم بيانات تثبت أن بلاده لا تتاجر بالمخدرات.
والشهر الماضي، قال ترمب إن مادورو أبدى استعداداً لتقديم "كل شيء" لتخفيف التوترات، مضيفاً: "هو لا يريد العبث مع الولايات المتحدة".
وسبق لترمب أن غير نهجه بشأن التدخل العسكري. ففي البداية سعى إلى إبرام صفقة لتفكيك البرنامج النووي الإيراني، ومنح طهران مهلة أسبوعين قبل أن يوافق على شن ضربات؛ لكن خلال ساعات، دمرت قاذفات B-2 منشآت نووية إيرانية، وهي عملية يعتبرها ترمب "نجاحاً كبيراً".
وفي 24 أكتوبر، أعلنت وزارة الحرب الأميركية، أن ترمب أمر بنشر حاملة الطائرات USS Gerald R. Ford، ومجموعتها القتالية في الكاريبي، حيث ستنضم إلى 8 قطع بحرية أخرى موجودة في المنطقة.
ويوفر وصول "فورد" والسفن المرافقة للولايات المتحدة، قوة نارية إضافية في حال قرر ترمب إصدار أمر بشن ضربات جوية، باستخدام مقاتلات وصواريخ "توماهوك" (Tomahawk) بعيدة المدى.
كانت حاملة الطائرات أمضت الأيام الـ12 الماضية في عبور البحر المتوسط بوتيرة أبطأ من المتوقع. ويرى خبراء أنها تسير ببطء لإجراء تدريبات إضافية، تشمل عمليات إقلاع وهبوط، استعداداً لانتشارها في الكاريبي، كما تحتاج إلى صيانة دورية قبل دخولها منطقة قد تشهد نزاعاً، وفق مسؤولين أميركيين.













