قال الرئيس السوري أحمد الشرع، الثلاثاء، إنه يسعى لبناء علاقة بين سوريا والولايات المتحدة، مشيراً إلى أن البلدين لديهما مصالح مشتركة يمكن البناء عليها، فيما أضاف أن دمشق قطعت شوطاً في المفاوضات مع إسرائيل للتوصل إلى اتفاق، ولكنه قال إنه لإبرام اتفاق نهائي، فإن على إسرائيل سحب قواتها إلى حدود ما قبل 8 ديسمبر.
وأضاف الشرع في مقابلة مع صحيفة "واشنطن بوست" خلال زيارته إلى الولايات المتحدة والتي التقى خلالها الرئيس الأميركي دونالد ترمب في البيت الأبيض الاثنين، أنه يريد بناء هذه العلاقة مع واشنطن، لأن العلاقات بين البلدين "لم تكن على ما يُرام خلال الـ100 عام الماضية".
وتابع:" كنا نبحث عن مصالح مشتركة بين الولايات المتحدة وسوريا، ووجدنا أن لدينا العديد من المصالح المشتركة التي يمكننا البناء عليها، مثل المصالح الأمنية والاقتصادية". وتابع: "استقرار سوريا سيؤثر على المنطقة بأسرها، وعدم استقرارها سيؤثر عليها أيضاً".
وأشار إلى أن "الاستقرار مرتبط بالاقتصاد، والتنمية الاقتصادية مرتبطة برفع العقوبات"، مبيناً أن "هذا النقاش (بشأن العقوبات) مستمر منذ أشهر، وأعتقد أننا توصلنا إلى نتائج جيدة. لكننا ما زلنا ننتظر القرار النهائي".
المفاوضات مع إسرائيل
وبشأن المفاوضات مع إسرائيل، أكد الشرع أن دمشق منخرطة في مفاوضات مباشرة مع تل أبيب، وقطعت شوطاً طويلاً نحو التوصل إلى اتفاق، ولكنه قال إن "التوصل إلى اتفاق نهائي، يستلزم انسحاب إسرائيل إلى حدود ما قبل 8 ديسمبر"، وهو تاريخ سقوط نظام الأسد، والذي توغلت إسرائيل عقبه، إلى ما بعد المنطقة العازلة.
وأوضح الشرع أن الولايات المتحدة شريك في هذه المفاوضات، بالإضافة إلى أن العديد من الأطراف الدولية تدعم وجهة نظر النظر السورية، مبيناً "وجدنا أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب يدعم وجهة نظرنا أيضاً، وسيدفع بأسرع ما يمكن للتوصل إلى حل لهذه المسألة".
وتابع: "دخلت سوريا في حرب مع إسرائيل قبل 50 عاماً. ثم، في عام 1974، تم التوصل إلى اتفاق لفض الاشتباك. استمر هذا الاتفاق لمدة 50 عاماً. ولكن عندما سقط نظام (الأسد)، ألغت إسرائيل هذا الاتفاق. ووسّعت وجودها في سوريا، وطردت بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام، واحتلت أراضٍ جديدة".
وأشار إلى أن إسرائيل نفذت أكثر من ألف غارة جوية في سوريا منذ 8 ديسمبر، وشملت تلك الغارات قصف القصر الرئاسي ووزارة الدفاع.
وقال: "لم نرد على هذه الاعتداءات، لأننا نريد بناء سوريا".
ورداً على سؤال بشأن ما إذا كانت سوريا ستقبل بجعل منطقة جنوب دمشق منزوعة السلاح، قال الشرع إن "الحديث عن جعل المنطقة بأكملها منزوعة السلاح، سيكون صعباً، لأنه إذا ما حدثت أي فوضى، فمن سيحميها؟"
وتابع: "إذا استخدمت بعض الأطراف هذه المنطقة منزوعة السلاح كنقطة انطلاق لمهاجمة إسرائيل، فمن سيكون مسؤولاً عن ذلك؟ مشدداً على أنه "في النهاية، هذه أرض سورية، ويجب أن تكون لسوريا حرية التعامل مع أراضيها".
وقال الشرع "إسرائيل احتلت الجولان لحماية نفسها، والآن تفرض شروطاً في جنوب سوريا لحماية الجولان، وبعد بضع سنوات ربما تحتل وسط سوريا لحماية الجنوب، ثم تصل إلى ميونيخ على هذا المسار".
وأكد الشرع أن التوسع الذي قامت به إسرائيل في سوريا منذ 8 ديسمبر، "لم يكن نابعاً من مخاوفها الأمنية، بل كان نابعاً من طموحاتها التوسعية".
واعتبر الشرع أن إسرائيل تعبر دائماً عن قلقها من سوريا، خوفاً من التهديدات التي تُمثلها جماعة "حزب الله" اللبنانية التي تدعمها إيران، واستدرك: "نحن من طردنا تلك القوات من سوريا".
"المرحلة الانتقالية"
وفي إطار انخراطه ضمن الجماعات المسلحة ومحاربته ضد الجيش الأميركي وعلاقة ذلك برفع العقوبات، قال الشرع: "القتال ليس أمراً مخجلاً إذا كان لأهداف نبيلة، خاصة إذا كنت تدافع عن أرضك وعن شعب يعاني من الظلم. أعتقد أن هذا أمر جيد يستحق الإشادة، لقد خضت حروباً كثيرة، لكنني لم أتسبب قط في موت شخص بريء".
وأضاف: "عندما ينخرط شخص ما في القتال، ينبغي أن تكون لديه خلفية أخلاقية راسخة"، مبيناً" لقد تأثرت المنطقة بالسياسات الغربية والأميركية واليوم، لدينا الكثير من الأميركيين الذين يتفقون معنا على أن بعض هذه السياسات كان خاطئاً، وأنها تسببت في حروب كثيرة من دون جدوى".
وبشأن التوترات بين بعض الطوائف والأقليات في سوريا، قال الشرع: "خرجت سوريا لتوها من حرب ضروس، وكانت تعيش في ظل ديكتاتورية، ونظام قاسٍ سيطر على البلاد لمدة 60 عاماً".
وأضاف: "نمر الآن بمرحلة انتقالية، وفي هذه المرحلة الانتقالية، تختلف الأوضاع والظروف والقوانين عن تلك السائدة في الدول المستقرة".
وتابع: "على سبيل المثال، الحرب الأهلية في الولايات المتحدة بعد انتهائها، هل استقرت الأمور بعد عام؟ أم استغرقت كل هذه المدة الطويلة بعد الحرب؟ نحن في مرحلة إعادة بناء الدولة، واستعادة القانون. لكنني لا أقول إنه لا توجد مشكلات في سوريا. هذه ليست نهاية القصة".
ولفت الشرع إلى أن هناك "مصالح فردية لمجموعات معينة تسعى للاستقلال أو الحكم الذاتي"، مضيفاً أن بعض هذه الأطراف "يسعى لإيجاد مبرر لمصالحه، فيستخدم طائفته أو عقيدته كغطاء".
التعاون مع "قسد"
وعن التعاون مع قوات سوريا الديمقراطية، وضرورة وجودها كقوة قال: "لقد كنا في حرب مع تنظيم داعش لمدة عشر سنوات، وفعلنا ذلك دون تنسيق مع قوة غربية أو أي دولة أخرى".
وأضاف: "سوريا اليوم قادرة على تحمّل هذه المسؤولية. إبقاء سوريا مقسمة، أو وجود أي قوة عسكرية خارج سيطرة الحكومة، يُمثّل البيئة الأمثل لازدهار داعش".
وقال الشرع إن "الحل الأمثل هو أن تشرف القوات الأميركية الموجودة في سوريا على دمج قوات سوريا الديمقراطية في قوات الأمن التابعة للحكومة المركزية، مبيناً أن مهمة حماية الأراضي السورية ستكون من مسؤولية الدولة".
العلاقات مع روسيا
وبشأن العلاقات مع روسيا ووجود الرئيس السابق بشار الأسد في موسكو، قال الشرع: "كنا في حرب ضد روسيا لمدة 10 سنوات، وكانت حرباً صعبة وقاسية، أعلنوا خلالها أنهم قتلوني عدة مرات".
وأضاف: "نحن بحاجة إلى روسيا؛ لأنها عضو دائم في مجلس الأمن، ونحتاج إلى تصويتها إلى جانبنا في بعض القضايا، ولدينا مصالح استراتيجية معها. لا نريد دفع روسيا إلى اتخاذ خيارات بديلة في التعامل مع سوريا".
واعتبر الشرع أن قضية بشار الأسد تشكل "عبئاً على روسيا"، مشيراً إلى أن "علاقتنا معها لا تزال في بدايتها، سنحافظ على حقوقنا كسوريين في المطالبة بتقديم الأسد إلى العدالة".
مصير أوستن تايس
وعن مصير الصحافي الأميركي أوستن تايس في سوريا، الذي وثّق الحرب في سوريا، واختفى لأكثر من 12 عاماً، قال الشرع: "لدينا حوالي 250 ألف شخص مفقود خلال الحرب التي شنّها النظام السابق على الشعب السوري. هذا العدد يشمل بعض الأشخاص الذين يحملون جنسيات أخرى، مثل أوستن تايس".
وأضاف: "تمكنّا من إطلاق سراح مواطن أميركي من السجون عند وصولنا إلى دمشق، وسلّماه فوراً إلى السلطات الأميركية".
وتابع: "شكّلنا لجنةً للمفقودين، تُركّز على الأشخاص الذين يحملون الجنسية الأميركية والمفقودين في سوريا، ونُنسّق مع السلطات الأميركية".
وأشار الشرع إلى أنه التقى ببعض عائلات المفقودين، ومنهم والدة أوستن تايس، إنها امرأة رائعة، ورتبت لقاءً بينها وبين والدتي؛ لأن والدتي كانت لها قصة مشابهة، لقد فُقدتُ لسبع سنوات، وكان الجميع يظن أنني قُتلت باستثناء والدتي. كانت لديها ثقة راسخة بأنني سأعود يوماً ما".














