يواجه مشروع القرار الأميركي بشأن مستقبل قطاع غزة، اعتراضات روسية صينية، داخل مجلس الأمن الدولي، رغم التعديلات التي قامت بها واشنطن على مشروع القرار، خاصة ما يتعلق بـ"مجلس السلام" المقترح لتولي إدارة القطاع خلال "فترة انتقالية"، إضافة إلى غموض المسار المؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية، رغم الإشارة إليه في الصيغة الأميركية المعدلة.
ووفقاً لما نقلت وكالة "أسوشيتد برس" عن دبلوماسي في الأمم المتحدة مطلع على مجريات النقاش، فإن روسيا والصين طالبتا بحذف ما يزيد على نصف بنود المسودة الأميركية.
ودعت الصين وروسيا، وهما دولتان دائمتا العضوية في مجلس الأمن، وتمتلكان حق النقض "الفيتو"، إلى إزالة كاملة للبنود الخاصة بـ"مجلس السلام" الوارد في خطة وقف إطلاق النار التي طرحها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وفق ما نقلته "أسوشيتد برس" عن أربعة دبلوماسيين مطلعين في الأمم المتحدة.
وأبقت الولايات المتحدة في التعديل الثاني على مشروع القرار الذي تقدمت به إلى مجلس الأمن، على معظم البنود المتعلقة بـ"مجلس السلام" مع إضافة كلمة "انتقالي". وقدمت التزاماً إضافياً بحق الفلسطينيين في تقرير المصير، رغم أن "الصياغة ما تزال ضعيفة".
ويظهر الاعتراض على "مجلس السلام" الانتقالي، وجود فجوات واسعة بين روسيا والصين من جانب، والولايات المتحدة على الجانب الآخر، بشأن مستقبل قطاع غزة.
وطلبت دول أخرى في مجلس الأمن توضيحات إضافية بشأن "مجلس السلام"، بما في ذلك آلية عمله، والأشخاص القائمين عليه. ولم تُدخل المسودة الجديدة أي تغييرات كبيرة على النصوص الخاصة بهذا المجلس في مشروع القرار.
وأعربت روسيا والصين والجزائر عن معارضتها للمسودة، وقدّم معظم أعضاء مجلس الأمن الآخرين، باستثناء اثنين، تعديلات عليها، وفق ما ذكره أحد الدبلوماسيين لـ"أسوشيتد برس".
واشنطن تحذر من "عواقب خطيرة"
البعثة الأميركية لدى الأمم المتحدة اعتبرت في بيان، مساء الخميس، أن أي "محاولات لزرع الخلاف"، بينما المفاوضات مستمرة بشأن هذه الخطة سيكون لها "عواقب خطيرة وملموسة" على الفلسطينيين في غزة، مشيرة إلى أنه "يمكن تجنبها تماماً".
ووصفت البعثة الأميركية، وقف إطلاق النار في غزة بـ"الهش"، وحثت المجلس على "التوحد من أجل السلام"، وتمرير القرار.
كما دعا وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، المجلس إلى تمرير القرار دون تأخير. وقال للصحافيين قبل مغادرته إلى كندا للمشاركة في اجتماع وزراء خارجية مجموعة السبع: "أعتقد أننا نحرز تقدماً جيداً بشأن لغة القرار، ونأمل أن نرى تحركاً قريباً جداً، لا نريد أن نفقد الزخم".
وقال أحد الدبلوماسيين لـ"أسوشيتد برس"، إن "التحرك السريع قد يمنع تقويض التقدم نحو السلام".
وبينما تعكس بعض الردود على المقترح الأميركي، نمط المفاوضات المعتاد بين الدول، بما في ذلك مناقشات لغوية تفصيلية وتعديلات متبادلة، فإن الاعتراض على "مجلس السلام الانتقالي"، يشير إلى وجود فجوات واسعة داخل مجلس الأمن، بعد أكثر من عامين من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
ووزعت الولايات المتحدة لأول مرة الأسبوع الماضي، مسودة القرار على أعضاء مجلس الأمن الـ15، والذي يشير إلى منح تفويض دولي واسع لقوة الاستقرار، لتوفير الأمن في غزة حتى نهاية عام 2027، بالتعاون مع "مجلس السلام" الذي لم يتم إنشاؤه بعد.
وأعربت العديد من الدول، بينها دول عربية، عن رغبتها في المشاركة بقوات، ولكن تفويض مجلس الأمن الدولي، ضروري لمساهمتها.
واطلعت "الشرق" على التعديلات التي أدخلتها الولايات المتحدة، للمرة الثانية، على مشروع القرار الأميركي بشأن غزة، والتي شملت تغييرات في عدد من البنود الأساسية.
التعديلات الأميركية على مشروع القرار بشأن غزة
أولاً – تثبيت وقف إطلاق النار
أضيف إلى البند الأول تشديد على ضرورة الحفاظ على اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة من قبل الدول الموقّعة عليه.
ثانياً – الإشارة للمرة الأولى إلى دولة فلسطينية
تضمّن البند الثاني تعديلاً لافتاً، إذ نصّ حرفياً على أنه بعد انتهاء عملية الإصلاح داخل السلطة الفلسطينية والتقدّم في إعادة تطوير غزة، قد تتوافر الشروط اللازمة لبلورة مسار موثوق نحو تقرير المصير الفلسطيني وقيام دولة فلسطينية.
كما أشار البند إلى أن واشنطن ستنشئ "مسار حوار" بين إسرائيل والفلسطينيين للاتفاق على أفق سياسي يضمن التعايش السلمي والمزدهر.
وشهد البند نفسه تعديلاً آخر، إذ جرى التأكيد على أن مجلس السلام سيكون إدارة انتقالية، وليس "حكومة انتقالية".
ثالثاً – إزالة الفقرة العقابية ضد المنظمات الإنسانية
حُذفت من البند الثالث الفقرة التي كانت تنص على أن أي منظمة يثبت إساءة استخدامها للمساعدات تعتبر غير مؤهلة لتقديم أي دعم مستقبلي أو مستمر.
ويُعدّ حذف هذا النص من أبرز التعديلات في النسخة الجديدة.
رابعاً – تعديل على البند الخامس
أضيفت كلمة "انتقالية" في وصف السلطة المشرفة، ليصبح النص:
"مجلس الأمن يفهم أن الكيانات التشغيلية المشار إليها في الفقرة 4 أعلاه ستعمل تحت سلطة وإشراف مجلس السلام الانتقالي، وأن تمويلها سيتم من خلال المساهمات الطوعية من المانحين وآليات التمويل التابعة لمجلس السلام والحكومات".
خامساً – توضيح مرحلة الانسحاب الإسرائيلي في البند السابع
تضمّن البند السابع تعديلاً يتعلق بالانسحاب الإسرائيلي من غزة، حيث أضيفت عبارة: "ومع تحقيق القوة الدولية السيطرة والاستقرار"،
قبل النص الذي يوضح أن القوات الإسرائيلية ستنسحب وفق معايير ومراحل وجداول زمنية مرتبطة بعملية نزع السلاح، يجري الاتفاق عليها بين الجيش الإسرائيلي والقوة الدولية والضامنين والولايات المتحدة، مع الإبقاء على وجود أمني محيط إلى حين التأكد من زوال أي تهديد إرهابي متجدد.
تمحورت النقاط الخلافية أيضاً، بين الولايات المتحدة وروسيا والصين، حول الطريق نحو إقامة دولة فلسطينية مستقلة والجدول الزمني لانسحاب القوات الإسرائيلية من قطاع غزة، وفق ما قاله دبلوماسيان لـ"أسوشيتد برس".
الطريق إلى الدولة الفلسطينية
وتستجيب المسودة الأميركية الجديدة، للاعتراضات التي رأت أن القرار الأول لا يتصور مستقبلاً لدولة فلسطينية مستقلة. ولكن التعديل الأميركي لا يقدم نقاطاً محددة واضحة.
وتنص المسودة الأميركية المعدلة، على أنه بعد تنفيذ إصلاحات السلطة الفلسطينية "بإخلاص"، وتقدم إعادة إعمار غزة "قد تكون الظروف مهيأة لمسار موثوق لتقرير المصير الفلسطيني وإقامة الدولة".
ويضيف النص: "ستقيم الولايات المتحدة حواراً بين إسرائيل والفلسطينيين للاتفاق على أفق سياسي للتعايش السلمي والمزدهر".
ويعارض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إقامة دولة فلسطينية أو إدارة قطاع غزة من قبل السلطة الفلسطينية، التي تدير أجزاءً من الضفة الغربية المحتلة. لكن لغة خطة ترمب تبدو مشجعة لدور يفضي إلى دولة فلسطينية.
وتشير المسودة الأميركية الجديدة، إلى أنه مع بدء قوة الاستقرار "فرض السيطرة والاستقرار"، ستنسحب القوات الإسرائيلية من قطاع غزة.
وتؤكد أن هذه الخطوة ستكون مبنية على "معايير ومعالم وأطر زمنية مرتبطة بعملية نزع السلاح المتفق عليها" من قبل إسرائيل وقوة الاستقرار والولايات المتحدة وآخرين.
خيارات واشنطن
قال دبلوماسي لـ"أسوشيتد برس"، إن الأميركيين قد يصابون بالإحباط من المفاوضات ويقررون المضي قدماً بشكل أحادي، وذلك من خلال التعاون الدول الراغبة بالانخراط في مسارها، دون تفويض أممي.
وذكر دبلوماسي آخر، أن أمام الولايات المتحدة 3 خيارات محتملة، الأول قبول بعض التعديلات الجوهرية، وثانياً طرح مسودتها للتصويت مباشرة، حيث يتطلب تمريرها الحصول على تسعة أصوات وعدم استخدام أي من الأعضاء الدائمين (روسيا، الصين، فرنسا، بريطانيا والولايات المتحدة) حق النقض، وثالثاً جمع دول في "تحالف الراغبين" خارج الأمم المتحدة لتتولى وتمول عملية استقرار غزة.
خيارات واشنطن المحتملة لإقرار خطتها بشأن غزة
- قبول بعض التعديلات التي تطالب بها روسيا والصين.
- طرح مسودتها للتصويت مباشرة، حيث يتطلب تمريرها الحصول على تسعة أصوات وعدم استخدام أي من الأعضاء الدائمين (روسيا، الصين، فرنسا، بريطانيا والولايات المتحدة) حق النقض.
- جمع دول في "تحالف للراغبين" خارج الأمم المتحدة لقيادة وتمول عملية استقرار غزة.
ولم يتضح ما إذا كانت روسيا أو الصين ستستخدمان الفيتو ضد المسودة الجديدة، إذا طرحتها الولايات المتحدة للتصويت دون تغييرات كبيرة.
وتنص المسودة الحالية على أن تتولى قوة الاستقرار ضمان "عملية نزع السلاح في قطاع غزة" و"التفكيك الدائم للأسلحة التابعة للمجموعات المسلحة غير الحكومية".
ولا يزال أحد الأسئلة الكبيرة في خطة ترمب المكونة من 20 بنداً حول وقف إطلاق النار وإعادة إعمار قطاع غزة، هو كيفية نزع سلاح حركة "حماس"، التي لم تقبل بالكامل بهذا البند.
ويقول النص إن "قوة الاستقرار" ستساعد في تأمين المناطق الحدودية، إلى جانب قوة شرطة فلسطينية جرى تدريبها وفحصها حديثاً، كما ستنسق مع دول أخرى لضمان تدفق المساعدات الإنسانية. ويدعو النص إلى التشاور والتعاون الوثيقين مع مصر وإسرائيل.
ويؤكد النص على "الاستئناف الكامل" للمساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة من قبل الأمم المتحدة والصليب الأحمر والهلال الأحمر، وضمان عدم سيطرة أي من المجموعات المسلحة على تلك الإمدادات.
مشروع قرار روسي
وأمام التحديات التي تواجه المشروع الأميركي، اقترحت روسيا، مساء الخميس، مسودتها الخاصة بشأن مستقبل غزة، واطّلعت "الشرق" على نسخة منه.
وجاء في مشروع القرار الروسي، الذي يدعو إلى تجديد الالتزام بحل الدولتين فيه: "إن مجلس الأمن يرحّب بالمبادرة التي أدّت إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وإطلاق سراح الرهائن والمحتجزين، واستئناف تدفق المساعدات الإنسانية، والتي تحققت نتيجة الخطة الشاملة لإنهاء الصراع في غزة الصادرة في 29 سبتمبر 2025، ويدعو أطراف الصراع، بالتنسيق مع الدول الأعضاء المعنية وبالتيسير من الأمم المتحدة، إلى تحديد خطوات عملية لضمان استمرار تنفيذها".
ويطالب مشروع القرار الروسي، في هذا السياق، الأمين العام للأمم المتحدة، بتحديد الخيارات الكفيلة بالتنفيذ الفعّال لأحكام الخطة الشاملة المذكورة، وتقديم تقرير مناسب إلى مجلس الأمن على وجه السرعة، بما في ذلك الخيارات المتعلقة بنشر قوة استقرار دولية في قطاع غزة.
كما يؤكد ضرورة الحفاظ على وقف إطلاق النار في قطاع غزة، بما يؤدي إلى وقف شامل ودائم للأعمال العدائية، مشدداً على أهمية امتثال جميع الأطراف لالتزاماتها، بما في ذلك ما يتعلق بحماية المدنيين.
أبرز أوجه الاختلاف بين المشروعين الأميركي والروسي بشأن غزة
- إدارة غزة: المشروع الأميركي يطرح "مجلس السلام" كهيئة انتقالية لإدارة القطاع مستقبلاً، وهو طرح يواجه رفضاً روسياً وصينياً. المشروع الروسي يدعو إلى تنسيق الجهود تحت مظلة الأمم المتحدة دون إنشاء كيانات جديدة خارج الإطار الأممي.
- دور السلطة الفلسطينية: المسودة الروسية تتبنى بالكامل دور السلطة الفلسطينية في إدارة غزة مستقبلاً، أما المسودة الأميركية تشترط تنفيذ إصلاحات داخل السلطة قبل تمكينها من تولي إدارة القطاع.
- التغيير الجغرافي: يؤكد المشروع الروسي رفض أي تغيير جغرافي أو ديموجرافي في غزة بشكل صريح، أما المشروع الأميركي فيتحدث عن انسحاب تدريجي للقوات الإسرائيلية وفق معايير ومراحل وجداول زمنية مرتبطة بعملية نزع السلاح، وهي عملية مرجّح أن تستغرق وقتاً طويلاً، ما يثير مخاوف من ترتيبات أمنية ممتدة.
ويطالب مشروع القرار الروسي كذلك، بضمان وصول إنساني كامل وسريع وآمن ودون عوائق، خاصة لوكالات الأمم المتحدة الإنسانية وشركائها المنفذين، لتمكين توفير السلع والخدمات بشكل مستمر وكافٍ ودون عرقلة في جميع أنحاء قطاع غزة، ولإتاحة الجهود الدولية الشاملة لإعادة الإعمار والتأهيل.
ويرفض أي محاولة لإحداث تغيير ديموجرافي أو جغرافي في قطاع غزة، بما في ذلك أي إجراءات تؤدي إلى تقليص مساحة قطاع غزة؛ ويجدد التزامه الثابت برؤية حل الدولتين، حيث تعيش دولتان ديمقراطيتان، إسرائيل وفلسطين، جنباً إلى جنب في سلام ضمن حدود آمنة ومعترف بها، بما يتوافق مع القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.
ويؤكد، في هذا الصدد، أهمية وحدة وترابط أراضي قطاع غزة والضفة الغربية تحت سلطة السلطة الفلسطينية.
أبرز أوجه الاتفاق بين المشروعين الأميركي والروسي بشأن غزة
- الترحيب بالخطة الشاملة لوقف إطلاق النار وإنهاء الصراع في غزة باعتبارها إطاراً للحل.
- التأكيد على ضرورة الحفاظ على وقف إطلاق النار القائم والعمل على تثبيته.
- إبراز أهمية إيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة بشكل كامل وسريع وآمن ودون عوائق.
- الإشارة إلى إمكانية نشر قوة دولية في القطاع لضمان الاستقرار وتنفيذ بنود الخطة.
- التطرق إلى مسار نحو حل الدولتين (فلسطينية وإسرائيلية)، رغم أن الصياغة الأميركية في هذا الجانب أقل وضوحاً مقارنة بالمشروع الروسي.









