قال وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، الخميس، إن إنهاء حرب أوكرانيا يتطلب موافقة الجانبين على تنازلات صعبة، فيما كشفت مصادر مطلعة عن ملامح خطة جديدة يعتزم الرئيس الأميركي دونالد ترمب طرحها لتحقيق ذلك.
وكتب روبيو عبر منصة إكس: "إن إنهاء حرب معقدة ومميتة مثل تلك التي تشهدها أوكرانيا يتطلب تبادلاً مكثفاً للأفكار الجادة والواقعية، وتحقيق السلام الدائم يتطلب موافقة الجانبين على تنازلات صعبة، لكنها ضرورية".
وأضاف: "ولهذا السبب، سنواصل تطوير قائمة بالأفكار المحتملة لإنهاء هذه الحرب بناءً على مدخلات من طرفي هذا الصراع".
وجاءت تصريحات روبيو بعد أن كشفت مصادر مطلعة عن ملامح خطة جديدة يعتزم الرئيس الأميركي دونالد ترمب طرحها لإنهاء الحرب في أوكرانيا، تتضمن تنازل كييف عن أجزاء من أراضيها في شرق البلاد لا تخضع لسيطرتها حالياً، مقابل حصولها إلى جانب الدول الأوروبية على ضمانات أمنية أميركية ضد أي هجوم روسي محتمل في المستقبل، وفق ما أوردته صحيفة "فاينانشيال تايمز" وموقع "أكسيوس".
وبحسب "أكسيوس"، من المرجح أن تنظر أوكرانيا والعواصم الأوروبية الداعمة لها إلى الطرح الأميركي باعتباره "تنازلاً كبيراً لصالح موسكو"، فيما يرى البيت الأبيض، وفقاً لمسؤول أميركي مطلع، أن أوكرانيا ستخسر تلك المناطق إذا استمرت الحرب، "ولذلك، فمن مصلحتها التوصل إلى اتفاق الآن".
وتركز الخطة الأميركية، المكونة من 28 بنداً، على مسألتين رئيسيتين، هما: شكل السيطرة على الأراضي بعد انتهاء الحرب، وكيفية ضمان عدم استئناف روسيا للقتال مستقبلاً.
4 محاور رئيسية لخطة ترمب
تتضمن الخطة 4 محاور رئيسية، تتعلق بخريطة السيطرة على الأرض وترتيبات ما بعد وقف القتال، إذ تقضي بمنح روسيا السيطرة الكاملة على إقليمي لوجانسك ودونيتسك (دونباس)، رغم احتفاظ أوكرانيا بنحو 14.5% من مساحتهما، وفق "معهد دراسة الحرب".
كما تنص على تحويل المناطق، التي ستنسحب منها القوات الأوكرانية داخل دونباس، إلى منطقة منزوعة السلاح، يُحظر على الجيش الروسي نشر قواته فيها.
وتشمل أيضاً تجميد خطوط التماس الحالية في خيرسون وزابوروجيا مع احتمال إعادة موسكو أجزاء محدودة من الأراضي، عبر تفاوض لاحق، ويُضاف إلى ذلك اعتراف الولايات المتحدة، ودول أخرى، بشبه جزيرة القرم ودونباس كأراضٍ روسية، من دون إلزام كييف بتقديم اعتراف مماثل.
وقال مسؤول أوكراني إن الخطة تتضمن كذلك قيوداً على حجم الجيش الأوكراني، وقدراته في الأسلحة بعيدة المدى، مقابل ضمانات أمنية أميركية.
كما أكد المسؤول نفسه أن الخطة تشمل مطالب بتنازل أوكراني في دونباس، بينما لا تزال طبيعة الضمانات الأمنية غير واضحة، لكنها تتضمن التزاماً بالدفاع ضد أي هجوم روسي جديد.
وفي السياق ذاته، نقلت صحيفة "فاينانشيال تايمز" عن مصدر مطلع على المحادثات أن مجموعة من المسؤولين الروس والأميركيين شاركوا في إعداد الخطة، التي لا تزال في مرحلة "الإطار العام".
وأشار إلى أن أحد مهندسيها هو كيريل ديميترييف، رئيس صندوق الثروة السيادي الروسي، وأحد المقربين من الرئيس فلاديمير بوتين.
سيادة أوكرانيا
فيما قال أحد المصادر إن قبول الخطة "سيعني عملياً فقدان أوكرانيا سيادتها"، واصفاً المبادرة بأنها محاولة روسية لـ"استغلال" إدارة ترمب التي ترغب في "إظهار تقدم" نحو اتفاق.
ووفقاً لما نقلته الصحيفة عن 3 مصادر مطلعة على الوثيقة، تطالب المسودة كييف بالتخلي عن فئات رئيسية من الأسلحة، وتقليص المساعدات العسكرية الأميركية التي كانت ضرورية لدفاعها.
وتشمل البنود أيضاً حظر وجود قوات أجنبية على الأراضي الأوكرانية، ومنع كييف من الحصول على أسلحة غربية بعيدة المدى، قادرة على استهداف العمق الروسي.
وتضيف الخطة اشتراطاً بأن يٌعترف باللغة الروسية كلغة رسمية في أوكرانيا، ومنح الكنيسة الأرثوذكسية الروسية المحلية وضعاً رسمياً، وهي بنود تعكس أهدافاً سياسية روسية قديمة، وفق "فاينانشيال تايمز".
"خطة مريحة لبوتين"
ووصف مصدر مطلع الوثيقة بأنها "عامة جداً ومائلة بشدة لصالح روسيا"، بينما قال آخر إنها "مريحة جداً لبوتين".
وقال مصدر روسي مطلع على الوضع: "إنها ليست خطة بقدر ما هي مزيج من مقترحات عملية ونوايا حسنة"، مضيفاً أن "جزءاً منها غير مقبول تماماً بالنسبة للأوكرانيين".
كما نقلت "فاينانشيال تايمز" عن مسؤولين في كييف، اطلعوا على الخطة، قولهم إنها تتوافق مع المطالب القصوى للكرملين، ولن تكون قابلة للبحث بالنسبة لأوكرانيا دون تغييرات جوهرية.
ومع ذلك، قال مصدر آخر إن الصورة ليست قاتمة تماماً، موضحاً أن "الأميركيين يدفعون موسكو لتوضيح توقعاتها لبدء مفاوضات فعلية".
دور قطر وتركيا في الوساطة
ونقل موقع "أكسيوس" كذلك عن مصادر مطلعة أن قطر وتركيا تشاركان في صياغة الخطة، ودعم جهود الوساطة الأميركية. وقال أحد المصادر إن "الوساطة القطرية والتركية ساعدت في إنهاء الحرب في غزة (إلى جانب وسطاء آخرين)، ويمكن أن تساعد أيضاً في إنهاء الحرب في أوكرانيا".
وأشار إلى أن مسؤولاً قطرياً شارك في اجتماعات بين المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف، ومستشار الأمن القومي الأوكراني روستم أوميروف، الأسبوع الماضي.
وبحسب مصدر مطّلع، كان أوميروف مخولاً من الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بالتفاوض مع الجانب الأميركي، وتم إدراج العديد من ملاحظاته في مسودة الخطة.
ولفت المصدر إلى "تحقيق تفاهمات واسعة"، لكن مسؤولاً أوكرانياً أكد أن أوميروف تلقّى عرضاً شفهياً فقط، ولم يحصل على نسخة مكتوبة، نافياً أن يكون قد وافق على بنود الخطة، لافتاً إلى اعتراضات كييف على العديد منها.
كما أجرى ويتكوف في وقت سابق محادثات مطوّلة بشأن الخطة مع المبعوث الروسي كيريل ديمترييف.
تأجيل اجتماع أنقرة
وكان من المقرر أن يتوجه ويتكوف إلى أنقرة لعقد اجتماع ثلاثي يجمعه بالرئيس الأوكراني ووزير الخارجية التركي هاكان فيدان في إطار دعم أنقرة للمبادرة، غير أن مسؤولاً أميركياً أفاد بتأجيل اللقاء بعدما بدا أن زيلينسكي يتراجع عن التفاهمات التي توصّل إليها مستشاره أوميروف، ويميل إلى طرح خطة بديلة، صاغها مع شركاء أوروبيين، وهي خطة "ترفضها موسكو قطعاً"، بحسب المسؤول.
وذكر مسؤول أوكراني أن كييف طلبت توسيع دائرة النقاش لتشمل دولاً أوروبية، بينما ذكر مسؤول أميركي ثانٍ أن أزمة الفساد، التي شهدتها أوكرانيا مؤخراً، كانت سبباً إضافياً للتأجيل.
وأكد المسؤول أن ترمب فوّض ويتكوف لمحاولة التوصل إلى اتفاق مع زيلينسكي.
وأضاف المسؤول الأميركي: "الكرة الآن في ملعب زيلينسكي"، لافتاً إلى أن الرئيس الأوكراني يمكنه زيارة واشنطن إذا أراد مناقشة الخطة الأميركية الجديدة.
وذكرت "فاينانشيال تايمز" أن هذه التطورات تأتي في وقت تراجعت فيه مكانة زيلينسكي السياسية، إثر أزمة فساد متصاعدة تشمل عدداً من المقربين منه، وهو ما عزز موقف المعارضة، وأثار خلافات داخلية.
ودعا بعض النواب علناً إلى إقالة مدير مكتب الرئيس أندري يرماك، واقترحوا تشكيل حكومة وحدة وطنية تحد من سلطة زيلينسكي، لكن الوضع منح واشنطن أيضاً فرصة للضغط على كييف للتوصل إلى اتفاق بشروط أقل تفضيلاً.









