بعد أن سيطرت حركة طالبان على معظم أراضي أفغانستان تزامناً مع انسحاب القوات الدولية، لا تزال الحركة تواجه مقاومة في آخر معقل رئيسي خارج عن سيطرتها، بمنطقة نائية تسيطر عليها جماعة مسلحة أخرى.
وذكرت تقرير لصحيفة "تليجراف" البريطانية الثلاثاء، أن حركة طالبان تواجه مقاومة من جانب "جبهة المقاومة الوطنية الأفغانية" التي تدافع عن وادي بنجشير، وتقول تلك الجماعة إن الاستسلام أمام طالبان ليس خياراً ممكناً.
لكن "جبهة المقاومة" باتت محاصرة حالياً من قبل قوات طالبان، فيما يسود الترقب رد فعل قائد المقاومة أحمد مسعود، نجل أحد قادة الحرب الأفغان المعروفين، وحليفه نائب الرئيس الأفغاني أمر الله صالح، الذي نصب نفسه رئيساً شرعياً لأفغانستان.
هل تستسلم المقاومة؟
علي نظاري، مسؤول العلاقات الخارجية بجبهة المقاومة الوطنية الأفغانية، شدد على أن"الاستسلام لم ولن يكون أبداً جزءاً من قاموسنا".
غير أن "تليجراف" تقول إنه في مواجهة التفوق العسكري الساحق لطالبان والافتقار إلى الدعم الدولي، قد يضطر مسعود إلى الاختيار بين الاستسلام، أو الإبقاء على وعده بالقتال حتى آخر نفس، إذا لم يتمكن من التوصل إلى تسوية تحفظ ماء الوجه.
وذكرت الصحيفة أن الموارد التي يمكن لمسعود الاستفادة منها قليلة، بخلاف كونه نجل قائد مشهور من المقاتلين الأفغان، فضلاً عن الدفاعات الطبيعية لوادي بنجشير.
وتتكون جبهة المقاومة من جنود وقادة وطيارين أفغان رفضوا الاستسلام، عندما اجتاحت طالبان كل الولايات الأخرى في أفغانستان، إذ تمكنوا من شق طريقهم إلى وادي بنجشير، وهي مقاطعة صغيرة تقع على بعد ساعة بالسيارة شمالي كابول، وكانت معقلاً للمقاومة المناهضة للسوفييت في الثمانينيات، والمقاومة المناهضة لطالبان في التسعينيات.
وهناك اكتسب أحمد شاه مسعود سمعته وكان يوصف بـ"أسد بنجشير"، إذ ظل صامداً أمام كثير من الصعاب حتى لقي حتفه في تفجير للقاعدة قبل يومين من هجمات 11 سبتمبر.
وكانت ذكرى مقاومة مسعود في التسعينيات هي ما جذب الكثيرين إلى الوادي، عندما استولت طالبان على كابول بعد هزيمة قوات الحكومة الأفغانية في 16 أغسطس.
ويوجد الآن في بنجشير بضعة آلاف من المدنيين الأفغان بمن فيهم موظفون حكوميون سابقون، والعديد من كبار أعضاء الحكومة الأفغانية السابقة، بما في ذلك وزير الدفاع الجنرال بسم الله خان محمدي الذي قاتل ضد طالبان في عهد مسعود.
وكتب محمدي على تويتر: "تحلم طالبان الإرهابية بالسيطرة على بنجشير، مسقط رأس البطل القومي"، مضيفاً أن "المقاومة ضد الإرهابيين واجب على كل واحد منا".
الحصار حتى المجاعة
بينما أقر مستشار لمسعود بأنه لا يستطيع الصمود إلى أجل غير مسمى ضد قوات طالبان الأقوى التي تحيط بهم الآن، فإن جبهة المقاومة يمكن أن تتسبب في خسائر فادحة إذا أُجبرت على الدفاع عن الوادي.
وأوضح المستشار أنه تم تعزيز الدفاعات الطبيعية للوادي المتمثلة في الجبال الشاهقة والمداخل الضيقة، على مدى عقود من خلال الأنفاق والمخابئ.
وأقام مقاتلو الجبهة مخابئ للمدافع الرشاشة وقذائف الهاون وأكياس الرمال، في نقاط استراتيجية تطل على الوادي تحسباً لهجوم طالبان.
وقال أحد المقاتلين لوكالة "فرانس برس"، من موقع في مرتفعات بنجشير: "سنقوم بسحق وجوههم على الأرض"، واستشهد بانتصارات سابقة ضد طالبان.
لكن الصحيفة البريطانية قالت إن الخطر الحقيقي على المقاتلين والمدنيين المحاصرين في الوادي هو احتمال الجوع، وكذلك برد الشتاء الذي يلوح في الأفق.
وقال نائب الرئيس الأفغاني السابق على تويتر، الاثنين، إن "طالبان لا تسمح بدخول الطعام والوقود إلى وادي أندراب" في إشارة إلى منطقة خاضعة لسيطرة طالبان وتتاخم بنجشير من الشمال الغربي. مضيفاً: "الوضع الإنساني مريع. الآلاف من النساء والأطفال فروا إلى الجبال".
وقال أحد مستشاري مسعود: "إحدى الأولويات الرئيسية لأحمد شاه مسعود هي رعاية كل شخص يأتي، لكن الإمدادات الغذائية ستبدأ في النفاد خلال مرحلة ما.. قدرة بنجشير على مواجهة الآلاف محدودة بالطبع".
حرب أهلية
وأفادت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية نقلاً عن مصدر مقرب من قيادة طالبان القول إن الحركة ترغب في ضم أحمد مسعود لحكومة ائتلافية تحكم البلاد خلال الفترة المقبلة، كما أكد المتحدث باسم حركة طالبان ذبيح الله مجاهد في مؤتمر صحافي الأربعاء بأن الحركة تريد حلاً سلمياً في بنجشير.
وأشارت المجلة إلى أن انضمام مسعود إلى طالبان يبدو غير مرجح، ونقلت عن مصادر مقربة من مسعود أنه مصمم على الإبقاء على بنجشير خارج سيطرة طالبان.
ونقلت المجلة عن مسؤول سابق بوزارة الدفاع الأفغانية، لم تكشف هويته، أن القتال الذي اندلع في نهاية الأسبوع حول وادي بنجشير، كان مؤشراً على أن المقاومة لديها على الأقل جيوب دعم في جميع أنحاء البلاد، مرجحاً إمكانية اتساع القتال إلى حرب أهلية شاملة، لا سيما مع أنباء عن قتال متقطع في المناطق الجبلية بولايات بغلان وتخار وكابيسا.
وقالت مصادر عدة متحالفة مع كل من الحكومة السابقة وطالبان، إنه على الرغم من سيطرة طالبان شبه الكاملة على البلاد، يتعين على المجتمع الدولي الانتظار 3 أشهر على الأقل، قبل تقديم الاعتراف الدبلوماسي بنظام طالبان الجديد.