أجرى المبعوث الرئاسي الأميركي ستيف ويتكوف، مكالمة هاتفية في أكتوبر الماضي، بعد التوصل إلى اتفاق وقف النار في غزة، مع يوري أوشاكوف مساعد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مقترحاً التعاون لوضع خطة مماثلة لإنهاء الحرب في أوكرانيا، مشيراً إلى أنه ينبغي على بوتين إثارة الموضوع مع نظيره الأميركي دونالد ترمب، وذلك وفق نص المكالمة الذي نشرته "بلومبرغ".
وفي اتصال هاتفي بتاريخ 14 أكتوبر، واستغرق أكثر من خمس دقائق بقليل، قدّم ويتكوف نصائح ليوري أوشاكوف، كبير مستشاري بوتين للسياسة الخارجية، بشأن كيفية طرح الرئيس الروسي هذا الملف على ترمب.
وتضمنت نصائحه، وفق "بلومبرغ"، الدفع نحو ترتيب اتصال بين ترمب وبوتين قبل زيارة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي للبيت الأبيض في وقت لاحق من الأسبوع نفسه، واقتراح استخدام اتفاق غزة بوصفه مدخلاً لفتح الحوار.
وقال ويتكوف لأوشاكوف، وفقاً لتسجيل للمحادثة اطلعت عليه ونقلت بلومبرغ مضمونه: "لقد وضعنا خطة ترمب المؤلفة من 20 نقطة للسلام، وأفكر في أننا ربما نفعل الشيء نفسه معكم".
وذكرت "بلومبرغ" أن هذه المحادثة، توفر لأول مرة، لمحة مباشرة عن التكتيكات التي اتبعها ويتكوف مؤخراً في التفاوض مع روسيا، وما يبدو أنها الشرارة الأولى لخطة النقاط الـ28 التي ظهرت مطلع هذا الشهر، ودفعت واشنطن أوكرانيا للقبول بها كأساس لاتفاق محتمل.
وكان بوتين قد قال هذا الشهر إنه يرى أن الخطة الأميركية يمكن أن تكون أساساً لتسوية سلمية، وأبلغ كبار المسؤولين في اجتماع لمجلس الأمن الروسي بأن خطة النقاط الـ28 لم تناقش بالتفصيل بعد مع الولايات المتحدة، لكن موسكو حصلت على نسخة منها.
وذكرت "بلومبرغ"، أنه في وقت مكالمة ويتكوف وأوشاكوف، كان ترمب يحصد ثمار نجاح مبادرته لإنهاء حرب غزة. ففي اليوم السابق (13 أكتوبر)، أصبح أول رئيس أميركي يخاطب الكنيست الإسرائيلي منذ 2008 بعد إتمامه صفقة إطلاق سراح آخر 20 محتجزاً إسرائيلياً على قيد الحياة لدى حركة حماس.
غير أن موقف ترمب تجاه بوتين كان يميل نحو التوتر. فمع اقتراب اجتماعه مع زيلينسكي في 17 أكتوبر، كان يبحث تزويد أوكرانيا بصواريخ "توماهوك" بعيدة المدى، ويفكر في فرض عقوبات جديدة على روسيا، ويعبر عن إحباطه من مواقف بوتين.
وقال ترمب في 14 أكتوبر، يوم مكالمة ويتكوف وأوشاكوف: "لا أعرف لماذا يواصل هذه الحرب. إنه ببساطة لا يريد إنهاءها، وأعتقد أن هذا يجعله يبدو سيئاً للغاية".
وخلال المكالمة، قال ويتكوف لنظيره الروسي إنه يكن احتراماً كبيراً لبوتين، وإنه أبلغ ترمب بأنه مقتنع بأن روسيا لطالما رغبت في اتفاق سلام. وأشار إلى الزيارة المرتقبة لزيلينسكي، واقترح أن يجري بوتين اتصالاً بترمب قبل ذلك الاجتماع.
وأضاف ويتكوف: "زيلينسكي سيأتي إلى البيت الأبيض يوم الجمعة. سأحضر لأنهم يريدون وجودي، لكن أعتقد أنه إن أمكن، نجري الاتصال مع رئيسكم قبل اجتماع الجمعة".
وسأل أوشاكوف ويتكوف عما إذا كان اتصال بوتين بترمب سيكون "مفيداً". ورد ويتكوف بالإيجاب.
كما أوصى بأن يهنّئ بوتين ترمب على اتفاق غزة، وأن يشير إلى دعم روسيا له، وأن يعبر عن تقديره لترمب باعتباره "رجل سلام". وقال: "من هناك، ستكون مكالمة جيدة للغاية".
ثم أضاف: "ما أراه رائعاً حقاً هو أن يقول للرئيس ترمب: كما تعلم، ناقش ستيف ويوري خطة سلام مشابهة من 20 نقطة، وقد يكون ذلك أمراً يساعد في تحريك الأمور، ونحن منفتحون على هذا النوع من المقترحات".
وبحسب "بلومبرغ"، يبدو أن أوشاكوف أخذ ببعض هذه النصائح، قائلاً إن بوتين "سيهنّئ" ترمب وسيقول إن "السيد ترمب رجل سلام حقيقي".
وبالفعل، أجرى ترمب وبوتين مكالمتهما بعد يومين، بطلب من موسكو، ووصفها ترمب بأنها كانت "مثمرة للغاية" واستمرت ساعتين ونصف. وبعدها أعلن نيته لقاء بوتين في بودابست، وهو اجتماع لم يُعقد بعد، وأشار إلى أن بوتين هنأه على اتفاق غزة.
وبعد تلك المكالمة، التقى ويتكوف مع كيريل ديميترييف، وهو مستشار رفيع آخر لبوتين، في ميامي، وفقاً لمقابلة أجراها ديميترييف مع موقع "أكسيوس". وقال إنه مكث ثلاثة أيام في ميامي بين 24 و26 أكتوبر. وامتنع متحدث باسم ديميترييف عن التعليق.
وفي 29 أكتوبر، تحدث ديميترييف وأوشاكوف هاتفياً بالروسية، وناقشا مدى تشدد موسكو في مطالبها ضمن أي مقترح سلام، وفق تسجيل آخر اطلعت عليه بلومبرغ.
"أقصى مطالب ممكنة"
وخلال تداول الخيارات، دعا أوشاكوف إلى تقديم "أقصى" ما يمكن من مطالب للبيت الأبيض، معبّراً عن قلقه من أن يساء تفسير أي مقترحات، وأن تحذف واشنطن بعض البنود، ثم تدّعي وجود اتفاق، ما قد يؤدي إلى انهيار المفاوضات.
أما ديميترييف، الذي يرأس أيضاً صندوق الاستثمار المباشر الروسي، فاقترح تبادل ورقة غير رسمية، مبدياً ثقته بأن الولايات المتحدة، حتى لو لم تتبنَّ النسخة الروسية كاملة، فستعتمد على الأقل صيغة قريبة جداً منها.
وأكد لاحقاً لأوشاكوف أنه سيلتزم بما طُلب منه قوله، وأن أوشاكوف سيتمكن لاحقاً من مناقشة الورقة مع "ستيف".
ولم تتمكن بلومبرغ من تأكيد تفاصيل المقترحات التي شاركتها روسيا مع الولايات المتحدة أو حجم تأثيرها على المسودة النهائية ذات النقاط الثماني والعشرين.
وأشارت "بلومبرغ" إلى أنه منذ ذلك الحين، تتعرض أوكرانيا لضغوط كبيرة لقبول المقترح الذي صاغه ويتكوف بمساعدة نظرائه في الكرملين.
وهدد مسؤولون أميركيون بوقف الدعم الاستخباراتي الحاسم للجيش الأوكراني إذا رفض زيلينسكي المقترح، رغم أن كييف نجحت لاحقاً في تحقيق بعض التعديلات وإقناع الولايات المتحدة بإبطاء الوتيرة بعد محادثات مع وزير الخارجية ماركو روبيو الأحد.
وبموجب الشروط التي طرحتها واشنطن مطلع الشهر، ستضطر أوكرانيا إلى سحب قواتها من أجزاء من إقليم دونباس الذي فشلت روسيا في السيطرة عليه بالقوة العسكرية. وستتحول المنطقة إلى شريط عازل محايد منزوع السلاح ويحظى باعتراف دولي بأنه أرض روسية.
كما ستحصل موسكو على اعتراف فعلي بمطالبها في مناطق القرم ولوغانسك ودونيتسك. أما بقية خطوط الجبهة، بما في ذلك في خيرسون وزابوريجيا، فستُجمد فعلياً. وأصرت أوكرانيا وحلفاؤها الأوروبيون على أن يقف القتال عند خطوط التماس الحالية.
وذكرت "بلومبرغ"، أن المكالمة بين ويتكوف وأوشاكوف تظهر أن بعض هذه الشروط كان مطروحاً بالفعل.
وقال ويتكوف: "أعرف، فيما بيننا، ما الذي سيجعل صفقة السلام ممكنة: دونيتسك وربما تبادل أراض في مكان ما. لكنني أقول إنه عوضاً عن الحديث بهذه الطريقة، فلنتحدث بنبرة أكثر تفاؤلاً، لأنني أعتقد أننا سنصل إلى اتفاق".
وأضاف: "الرئيس سيمنحني مساحة كبيرة وصلاحية واسعة للتوصل إلى اتفاق. فإذا تمكنا من خلق فرصة تقول إنه بعد هذا تحدثتُ مع يوري، وأجرينا حواراً، أعتقد أن ذلك قد يفتح الباب لأمور كبيرة".
فرد أوشاكوف: "حسناً، يبدو ذلك جيداً".
















