مكافآت الجيش الروسي للمجندين: رواتب كبيرة وإعفاءً من الديون ورعاية مجانية للأطفال والعائلة

"قوة التجنيد".. سلاح روسيا الاستراتيجي في حرب أوكرانيا ومفاوضات السلام

مجندون روس يتلقون تدريباً على القتال تحت إشراف ضباط المنطقة العسكرية الجنوبية الروسية في ميدان رماية في منطقة روستوف بروسيا. 4 أكتوبر 2024 - Reuters
مجندون روس يتلقون تدريباً على القتال تحت إشراف ضباط المنطقة العسكرية الجنوبية الروسية في ميدان رماية في منطقة روستوف بروسيا. 4 أكتوبر 2024 - Reuters
دبي-الشرق

أصبحت قوة التجنيد سلاحاً فعالاً لصالح روسيا، يمكنها من مواصلة الحرب في أوكرانيا، الأمر الذي أثار اهتمام الغرب لمتابعته عن كثب وفهم أسباب الموقف القوي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

وترى مجلة "بوليتيكو" الأميركية أن الحرب الأوكرانية باتت بمثابة سوق لفرص العمل في روسيا، فالإعلانات المنتشرة على تطبيق "تليجرام" تعرض عقوداً للقتال تتضمن مكافآت توقيع قد تصل إلى 50 ألف دولار، وهو رقم ضخم مقارنة بمتوسط الرواتب الشهرية الذي لا يتجاوز ألف دولار.

وتتجاوز الحوافز المال، لتشمل إعفاءً من الديون ورعاية مجانية لأطفال وعائلات الجنود وضمان مقاعد جامعية للأبناء، فيما لم تعد السوابق الجنائية أو الأمراض أو حتى فيروس نقص المناعة البشرية حواجز تلقائية أمام التجنيد، بحسب "بوليتيكو"، التي تذكر أن الجبهة أصبحت خياراً أخيراً للعمل بالنسبة لمن لا يملكون الكثير ليخسروه.

ويتم تنظيم هذا التجنيد من خلال أكثر من 80 حكومة إقليمية، تعمل لتوفير القوى البشرية، وتتنافس فيما بينها كمراكز توظيف، إذ تعلن عن الوظائف، وتفحص المتقدمين وترافقهم خلال إجراءات التسجيل العسكري، ثم تحصل على عمولات مقابل ذلك.

وتحظى عملية التجنيد الروسية بمتابعة عن كثب في العواصم الغربية، التي صدمت من قدرة موسكو على زيادة جيشها، رغم فقدان نحو مليون جندي بين قتيل وجريح منذ 2022، حسب المجلة، بل أن الغرب بات يعتبر استمرار التجنيد عنصراً أساسياً لفهم موقف موسكو في المفاوضات السلمية وإمكانية التوسع في المستقبل. 

ويقول مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية السابق ديفيد بترايوس: "إذا استطاع بوتين الاستمرار في تمويل مكافآت التجنيد الضخمة وتعويضات الوفاة، وتأمين القوى البشرية اللازمة، سيكون بوسع روسيا مواصلة حملة مكلفة وشاقة، كما شهدنا منذ العام الثاني للحرب في أوكرانيا".

وتساعد قدرة روسيا على تعويض خسائرها البشرية على تفسير تمسك فلاديمير بوتين، بعد أربع سنوات من الحرب، بفرض شروطه على أوكرانيا، سواء عبر الدبلوماسية أو حرب استنزاف طويلة.

وقال بوتين لصحافيين روس، الأسبوع الماضي، إن الحرب لن تنتهي إلا إذا انسحبت القوات الأوكرانية من الأراضي التي تطالب بها روسيا، محذراً من أن موسكو ستفرض شروطها "بالقوة المسلحة" في حال عدم الالتزام. 

سوق التجنيد

وتورد "بوليتكيو" تفاصيل من حياة زوجين روسيين، قالت إنها حجبت اسميهما الكامل حماية لهما، لتستعرض كيف أثرت الحرب الأوكرانية على حياتهما، ومن ثم عملية التجنيد ذاتها.

وتقول المجلة الأميركية إن روسيا عندما بدأت الحرب في أوكرانيا في أوائل 2022، كانت أولجا وزوجها ألكسندر يديران عملية توظيف صغيرة في موسكو، توظف عمال البناء وحراس الأمن وعمال التوصيل في وظائف مدنية.

وقبل نحو 18 شهراً، حول الزوجان نشاطهما إلى شيء أكثر ربحية عبر أكبر منصة إعلانات مبوبة روسية تطلب تجنيد جنود ومشغلي طائرات مسيرة، وغيرهم للمشاركة في الحرب. 

وقالت أولجا في سلسلة رسائل صوتية لـ"بوليتيكو" عبر واتساب: "رأت ابنتنا إعلان وظيفة على موقع أفيتو للإعلانات المبوبة، يبحث عن مجندين، وهكذا بدأ كل شيء". وتُظهر صورة ملفها الشخصي شعار روسيا الرسمي.

عمل الزوجان لعدة أشهر لدى شركة وجدوها على "أفيتو" قبل أن يصبحا مستقلين ويطورا نشاطهما، وتقول أولجا: "الآن يعمل لدينا عشرة مجندين".

وتضيف: "نساعدهم في الأوراق ونربطهم بالمسؤولين الإقليميين.. ثم ندعو الله أن يعودوا سالمين". 

على الجانب الآخر، تتحدث المجلة عن "أنطون" الذي تقول إنه لم ينضم إلى الجيش إيماناً بالحرب، بل نتيجة أزمة مالية. وقبل دخوله مكتب التجنيد، كان من دون عمل وغارقاً في الديون، ومهدد بالسجن.

وبعد رؤية الإعلانات على تليجرام، قرر الانضمام للحصول على عقد براتب شهري يبلغ 2650 دولاراً، ومكافأة توقيع 2460 دولار، أي أكثر من عشرة أضعاف ما كان يحصل عليه في وظائف مؤقتة. 

ويقول أنطون: "لا يوجد خطاب وطني هنا.. لا من أجل النصر أو من أجل بوتين.. الجميع متعب.. الجميع يريد فقط العودة إلى المنزل". 

وفي يوليو 2025، حصل على وسام الدولة، مما قد يساعده على مسح سجله الجنائي، ويضيف: "كانت طريقة لتجنب العقوبة، إما أن تموت أو تكسب ميدالية". 

استراتيجية التجنيد الروسية

ومع تحول ما كان يٌفترض أن يكون غزواً سريعاً إلى حرب استنزاف طويلة، أعادت موسكو تصميم استراتيجيتها للتعبئة.

ففي سبتمبر 2022، أعلن بوتين ما أسماه "تعبئة جزئية" لـ 300 ألف من قوات الاحتياط، ما أثار غضباً شعبياً وهجرة جماعية للفرار من القتال. وفي الوقت نفسه، فتحت الدولة أبواب السجون أمام المعارك، وجذبت السجناء بوعود العفو والأجور. 

ونجحت الاستراتيجية، فوضعت نموذجاً جديداً يتمثل في "قليل من الإكراه، والكثير من المال"، وفقاً لـ"بوليتيكو". 

ولجذب متطوعين لا تنطبق عليهم شروط التجنيد بسبب العمر أو الصحة أو نقص الخبرة العسكرية، ركز الكرملين على أكثر الفئات هشاشة اجتماعياً، من السجناء إلى العمال المهاجرين والمثقلين بالديون، من خلال رفع الأجور، وتقديم مكافآت سخية وتسويق الخدمة العسكرية كطريق للكرامة والبقاء.

وفي سبتمبر 2024، صدّق بوتين رسمياً على رفع عدد أفراد القوات المسلحة إلى 1.5 مليون جندي في الخدمة الفعلية. وتبدّل أسلوب التجنيد بشكل لافت، إذ حَلّت الحوافز المالية والمزايا ودعوات لإثبات الرجولة والعزيمة محلّ الاستدعاءات القضائية والملفات الرسمية. 

وتقول الباحثة السياسية إيكاترينا شولمان التي تدرس صنع القرار الروسي في معهد شرق أوروبا في برلين: "تستهدف هذه الإجراءات فئة محددة: الرجال الأكثر هشاشة اجتماعياً.. المثقلين بالديون والسجناء والذين لا يتمتعون بالثقافة المالية، أو الذين وقعوا فريسة للقروض الصغيرة الجائرة.. هؤلاء الأشخاص على الهوامش، بلا آفاق". 

استقطاب المجندين

وتركز معظم عمليات الاستقطاب على تطبيق تليجرام، ضمن شبكة واسعة من القنوات المخصصة للتوظيف العسكري. في إحدى المجموعات التي تضم أكثر من 96 ألف مشترك وتحمل صورة تعريفية مكتوب عليها "WORKING"، يتم نشر نحو 40 إعلاناً يومياً لوظائف المشاة ومشغلي الطائرات المسيرة، إلى جانب عروض مكافآت مفصلة من مناطق مختلفة. 

ويعتبر كل إعلان بمثابة عرض للأجور. وبينما تظل الرواتب ثابتة نسبياً، تتنافس المناطق عادة عبر رفع قيمة المكافآت. وحدد الكرملين العام الماضي حداً أدنى للمكافآت بقيمة 400 ألف روبل (5170 دولار) بمرسوم رئاسي، لكن المبالغ الآن تتغير حسب العرض والطلب. ويوجه المجندون المتقدمين إلى المناطق التي تدفع أفضل المكافآت في الوقت الحالي. 

ويظهر أن أجور المجندين تختلف حسب المنطقة، فيما تراوحت عمولات من يقومون بتجنيدهم بين 1280 و3800 دولار لكل عقد، بحسب تقرير سابق. 

تكاليف ومكافآت التجنيد 

وتستفيد بعض المناطق من الاحتياطيات المالية للحفاظ على مستويات التجنيد. وفق مراجعة لموقع iStories المستقل، خصصت 11 منطقة على الأقل 25.5 مليون دولار لعمولات المجندين، وهو مبلغ يعادل تقريباً الإنفاق الإقليمي على الصحة والخدمات الاجتماعية. 

ويظهر تحليل الاقتصادي يانيس كلوج من معهد الشؤون الدولية والأمنية الألماني، استناداً إلى بيانات 37 منطقة، أن متوسط المكافآت وصل إلى نحو 25 ألفاً و850 دولار، شاملة المدفوعات الفيدرالية.

وفي صيف 2025، شهدت مناطق مثل سامرا مكافآت تجاوزت 50 ألف دولار، ما يكفي لشراء شقة بغرفتين. 

وتعتبر الخدمة العسكرية أحد الطرق القليلة للارتقاء الاجتماعي في المناطق الفقيرة اقتصادياً، حيث خيارات العمل محدودة. وكلما زادت صعوبة الظروف الاقتصادية، زادت قوة خط التجنيد.  

ويقول كلوج: "هذا المال يمكن أن يغير حياة أي أسرة روسية بالكامل.. البرنامج يعمل جيداً، لكنه أصبح أكثر كلفة للكرملين". 

عدد المتطوعين وتأثيرهم العسكري 

وتجلب آلة التجنيد هذه نحو 30 ألف متطوع شهرياً إلى الجيش الروسي، وهي كافية لتعويض الخسائر الثقيلة واستدامة العمليات طويلة الأمد.

ويقدر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن أن روسيا فقدت نحو مليون جندي بين قتيل وجريح، بما يتوافق مع تقديرات بريطانية وأوكرانية.

ولا تعتمد موسكو على المتطوعين فقط، فقد عدّل قانون جديد نظام التجنيد ليصبح على مدار السنة، بدل الدورات نصف السنوية، مما يخلق بنية دائمة لتجنيد مزيد من المجندين. 

ويقول رئيس مكتب الرئاسة الأوكراني السابق أندري يرماك: "إنهم يتقدمون إلى الأمام، لكنهم لا يهتمون بعدد الخسائر، ومن المهم أن نفهم أننا دولة ديمقراطية، ونقاتل دولة استبدادية حيث حياة الشخص في روسيا لا تساوي شيئاً". 

وبحسب "بوليتيكو"، تستفيد القوات الروسية من التفوق العددي هذا للسيطرة على أراض أوكرانية بمعدل يعادل حجم مدينة بمساحة 345 كيلومتراً مربعاً كل شهر، فيما تعمل كييف على تعويض النقص بمتطوعين أجانب. 

المجندون من الفقراء 

بينما التحق البعض من المدن الكبرى، يأتي معظم المجندين من المناطق الروسية الفقيرة، ويقول ألكساندر باونوف من مركز كارنيجي لروسيا وأوراسيا: "بالنسبة للعديد من الرجال، هذه آخر فرصة لبناء حياة ذات معنى، فبدلاً من أن يموتوا كفاشلين في أعين عائلاتهم، يموتون أبطالاً على الجبهة". 

وبالنسبة للمتطوعين، الذين يُعاملون غالباً على أنهم قابلون للاستبدال، أصبحت الحرب بمثابة "يانصيب" عالي المخاطر لحياة أفضل. وتوفر الإصابات تعويضات ثابتة: 12 ألف دولار للكسور في الأصابع، و36 ألف دولار للقدم المهشمة. 

ويختتم أنطون: "تحسنت وضعيتي المالية بشكل كبير.. قد يبدو ذلك مخيباً لآمال البعض، لكن توقيع العقد جعل حياتي أفضل.. أصعب شيء هو البعد عن أطفالي، لكن حتى مع ذلك، سأعيد كل شيء مرة أخرى". 

تصنيفات

قصص قد تهمك