قدمت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب خطة جديدة لإحلال السلام في أوكرانيا، تتضمن استثمار نحو 200 مليار دولار من الأصول الروسية المجمّدة عبر شركات أميركية، وتنفيذ مشروعات ضخمة في أوكرانيا، إلى جانب خطة لإعادة دمج روسيا في الاقتصاد العالمي، واستئناف تدفقات الطاقة نحو أوروبا.
وذكرت "وول ستريت جورنال"، أن الخطة الأميركية، أثارت صداماً حاداً مع القادة الأوروبيين الذين يفضلون استخدام الأموال المجمدة لدعم كييف وإبقاء موسكو معزولة اقتصادياً، مما فجّر خلافاً عميقاً يهدد بتغيير ملامح التحالف الغربي في لحظة حساسة من الحرب.
وجاءت الخطة الأميركية، في ملاحق لمقترحات السلام الحالية، وتتضمن خططاً لإتاحة نحو 200 مليار دولار من الأصول الروسية المجمّدة أمام الشركات المالية الأميركية وغيرها من الشركات لاستخدامها في مشروعات داخل أوكرانيا، بما في ذلك بناء مركز بيانات ضخم يعمل بالطاقة من محطة نووية تحتلها القوات الروسية حالياً، وفقاً لما ذكره مسؤولون أميركيون وأوروبيون للصحيفة.
وتتضمن وثيقة أخرى، ملامح الرؤية الأميركية لإعادة دمج الاقتصاد الروسي، حيث تستثمر الشركات الأميركية في قطاعات استراتيجية مثل استخراج المعادن النادرة والتنقيب عن النفط في القطب الشمالي، والمساعدة في استعادة تدفقات الطاقة الروسية إلى أوروبا الغربية وبقية العالم.
وقال بعض المسؤولين الأوروبيين، الذين اطّلعوا على الوثائق، إنهم غير متأكدين من مدى جدية بعض المقترحات الأميركية. وشبّه أحدهم هذه الأفكار برؤية الرئيس ترمب لإقامة مشروع على طراز "ريفييرا غزة".
نسخة من "مؤتمر يالطا"
قال مسؤول آخر، في إشارة إلى مقترحات الطاقة الأميركية-الروسية، إنها تشبه النسخة الاقتصادية من "مؤتمر يالطا" في عام 1945، الذي قسّم فيه المنتصرون أوروبا: "إنه يشبه يالطا".
وناقش ترمب، الأربعاء، مسار السلام المنتظر في أوكرانيا، مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشار الألماني فريدريش ميرتس، ورئيس الوزراء لبريطاني كير ستارمر.
وقال ترمب للصحافيين، الأربعاء إنه يفكر في حضور اجتماع في أوروبا، نهاية الأسبوع. وأضاف: "أعتقد أن لدينا بعض الخلافات بشأن الأشخاص، وسنرى كيف ستتطور الأمور… لا نريد إضاعة الوقت".
وتعارض أوروبا، التي سعت منذ هجوم روسيا على أوكرانيا في عام 2022، إلى الاستغناء عن الغاز الروسي لتجفيف خزينة الحرب في الكرملين، استئناف شراء الطاقة من دولة تعتبرها أكبر "تهديد أمني"، في إشارة إلى روسيا.
ويريد المسؤولون الأوروبيون، استخدام الأموال الروسية المجمّدة، الموجودة في المؤسسات المالية الأوروبية، لتمويل قرض للحكومة الأوكرانية التي تعاني من ضائقة مالية، لتتمكن من شراء الأسلحة التي تحتاج إليها للدفاع عن نفسها والبقاء قادرة على العمل مع نفاد خزائنها.
ولم تعد المواجهة على طاولة المفاوضات تدور حول الحدود فحسب، بل أصبحت بشكل متزايد بشأن الأعمال التجارية، وفي مفارقة، لم تعد المعركة بين روسيا وأوكرانيا فقط، بل أيضاً بين الولايات المتحدة وحلفائها التقليديين في أوروبا.
وكانت الصحيفة قد كشفت سابقاً أن شركات أميركية على صلة وثيقة بإدارة ترمب تستعد لجني الأرباح من خطة السلام الأميركية.
وحاولت الحكومة الألمانية تفسير أن العقوبات الأوروبية تحظر أي عمل أو معاملات مالية تتعلق بإصلاح أو إعادة استخدام خط أنابيب "نورد ستريم"، الذي دمره عناصر أوكرانيون في عام 2022.
سباق محموم
ويقول مسؤولون أوروبيون إنهم يخشون أن يمنح النهج الأميركي روسيا فرصة لالتقاط أنفاسها وإنعاش اقتصادها وتعزيز قوتها العسكرية.
وأشار تقييم استخباراتي غربي جديد، إلى أن روسيا تشهد ركوداً اقتصادياً منذ ستة أشهر، وأن التحديات المرتبطة بإدارة اقتصاد الحرب ومحاولات ضبط الأسعار تخلق خطراً نظامياً على قطاعها المصرفي.
وإذا انتصرت الرؤية الأميركية، فسوف تتجاوز خطط أوروبا لتعزيز الحكومة الأوكرانية في زمن الحرب وترسيخ العزلة الاقتصادية على روسيا. ووصف العديد من المسؤولين الوضع بأنه "سباق محموم" للاندفاع نحو التنفيذ قبل أن تفرض واشنطن ترتيباتها الخاصة.
ويقول مسؤولون أميركيون، إن النهج الأوروبي سيستنزف الأموال المجمدة بسرعة، بينما تعتزم واشنطن الاستعانة بمديري وول ستريت وأصحاب رؤوس الأموال للاستثمار ونمو الأموال.
وقال أحد المشاركين في المحادثات، إن حجم الصندوق قد يصل إلى 800 مليار دولار تحت الإدارة الأميركية. وأضاف: "وجهة نظرنا أننا نفهم جيداً كيف نحقق النمو المالي".
وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الأربعاء، إنه أجرى محادثات مثمرة مع الرئيس التنفيذي لشركة "بلاك روك"، لاري فينك.
ويعتبر فريق التفاوض الأميركي، أن الأنشطة الاقتصادية المشتركة والترابط الطاقوي أساساً لسياسة "السلام من خلال الأعمال التجارية"؛ فعلى سبيل المثال، ستستمد مراكز البيانات الأوكرانية الطاقة من محطة زابوروجيا النووية، وهي الأكبر في أوروبا، وتخضع حالياً لسيطرة القوات الروسية.
وقال المستشار الألماني ميرتس، الاثنين، في اجتماع في داونينج ستريت مع زيلينسكي وقادة فرنسا وبريطانيا، إنه "متشكك بشأن المقترحات الأميركية".
وفي الأسبوع الماضي، أقرّ البرلمان الأوروبي وحكومات الدول الأعضاء تشريعاً يقضي بالتخلص بالكامل من الغاز الروسي عبر الأنابيب خلال عامين. وقد توقفت تقريباً جميع خطوط الأنابيب الضخمة التي تعود إلى الحقبة السوفيتية، أو فجّرها غواصون أوكرانيون.
انقلاب في النهج الأميركي
وذكرت "وول ستريت جورنال" أن هذه النقاشات عبر الأطلسي تقلب نهجاً دام نصف قرن من السياسة الأميركية والأوروبية تجاه موسكو. فقد ضغط الرؤساء الأميركيون من رونالد ريجان إلى ترمب (في ولايته الأولى) على الأوروبيين لإعادة التفكير في اعتمادهم على روسيا في السلع الأساسية، وعلى رأسها الغاز.
أما أوروبا، فقد تمسكت بسياسة "التغيير عبر التجارة"، أي الاعتقاد بأن الروابط الاقتصادية مع الغرب ستردع الكرملين عن شنّ الحرب، وربما تساعد في نشر الديمقراطية في روسيا. ويبدو أن ترمب، في ولايته الثانية، يراهن على فكرة مشابهة، مع فارق أن إدارته لا تتوقع أن تتحول روسيا إلى ديمقراطية.
وتُظهر وتيرة الدبلوماسية المكوكية والقِمم المتسارعة في الأسابيع الأخيرة أن النقاش يتجه نحو خاتمة متسارعة.
وأمضى ستيف ويتكوف، مبعوث ترمب إلى روسيا، وجاريد كوشنر، صهره، أسابيع في التشاور مع كبار التنفيذيين في وول ستريت لمعرفة كيفية إنعاش الاقتصاد الأوكراني المدمّر.
وتشمل خططهما، التي عُرضت على الأوكرانيين، اقتراح أن يضع المحاربون القدامى السلاح مقابل رواتب على مستوى وادي السيليكون لإدارة بعض أكثر مراكز البيانات تقدماً في العالم، التي ستبنيها الشركات الأميركية.
وعقد القادة الأوروبيون اتصالاً مع ويتكوف، الخميس، وسيجتمعون في باريس نهاية الأسبوع، على أن يعاودوا الاجتماع في برلين الاثنين. وسيشارك ويتكوف وكوشنر في هذه الاجتماعات عبر الاتصال المرئي.
وأمضى المبعوثان الأميركيان ساعات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأسبوع الماضي، في محاولة لإقناعه بأن روسيا تحتاج إلى إظهار استعدادها لإنهاء الحرب دبلوماسياً قبل أن تستفيد من تخفيف العقوبات والاستثمارات التي قد يجلبها اتفاق السلام.














