ميّز حلفاء الولايات المتحدة في آسيا بين "الانسحاب الفوضوي" لإدارة الرئيس جو بايدن من أفغانستان، والتزامها إزاء شركائها في المنطقة، ورفضوا مزاعم بأن الانسحاب قوّض ثقتهم باستعداد واشنطن لـ"الدفاع عن أصدقائها"، كما أوردت صحيفة "فاينانشال تايمز".
ورجّح معلّقون انهيار صدقية الولايات المتحدة بعد "الخروج الفوضوي" من أفغانستان، فيما سارعت الصين إلى محاولة استغلال تلك الاضطرابات، بوصفها دليلاً على تراجع أميركي. لكن مسؤولين حكوميين وخبراء دفاعيين في المنطقة قالوا للصحيفة إن المقارنة بين أفغانستان وعلاقة واشنطن مع الدول الأخرى في آسيا، ليست في محلّها.
وتعتقد اليابان، التي تستضيف أضخم قوات عسكرية أميركية في المنطقة، بأن رغبة إدارة بايدن في التعاون لتأمين منطقة المحيطين، الهندي والهادئ، وتوسيع دور مجموعة "الرباعية" (كواد)، التي تضمّ طوكيو وواشنطن وكانبرا ونيودلهي، تُظهر صلابة التحالف.
وتطرّق مسؤول ياباني بارز إلى جزر في بحر الصين الشرقي، تديرها طوكيو وتطالب بها بكين، قائلاً إن "إدارة بايدن أعادت التأكيد على أن (التزام الدفاع المتبادل) ينطبق على جزر سينكاكو، وفي الهجمات الإلكترونية التي ترقى إلى هجوم مسلح".
"مركزية التحالف"
وفي أستراليا، شددت الحكومة والمعارضة على التزامهما بالتحالف مع واشنطن. وقال سام روغيفين، مدير برنامج الأمن الدولي في "معهد لوي" (مقره سيدني)، "لا أعتقد بأن نهاية الحملة العسكرية الأميركية في أفغانستان ستتغيّر بطريقة أو بأخرى، أو سيكون لها أي تأثير مهم في مركزية التحالف".
واعتبر أن الولايات المتحدة غزت أفغانستان جزئياً كردّ فعل على الصور الدراماتيكية لانهيار برجَي مركز التجارة العالمي في نيويورك، نتيجة هجمات 11 سبتمبر 2001. وأضاف: "الصور (التي نراها في) كابول الآن صارخة بشكل مشابه، وثمة نوع من المبالغة مرة أخرى في التعليق".
ورأى خبراء أمنيون أن التحالفات الأميركية ستصبح أكثر أهمية، في مواجهة التهديد من الصين التي تنتهج سياسة أكثر صرامة، وهذا هدف معلن لقرار بايدن بسحب قواته من أفغانستان. وانتهزت نائبة الرئيس الأميركي، كامالا هاريس، زيارة مخططاً لها منذ فترة طويلة إلى سنغافورة وفيتنام الأسبوع الماضي، لطمأنة شركاء واشنطن إزاء تهديدات بكين.
وقال كازوهيرو مايشيما، وهو خبير في السياسة الأميركية بجامعة صوفيا في طوكيو، "إذا كان الانسحاب من أفغانستان يعني أن الولايات المتحدة ستحوّل مواردها من الشرق الأوسط إلى شرق آسيا، فهذا ليس سلبياً بالضرورة بالنسبة إلى اليابان".
أما الجنرال تشون إن بوم، وهو قائد متقاعد للقوات الخاصة الكورية الجنوبية، فاعتبر أن مواطنيه الذين لديهم علاقات وثيقة مع القوات المسلحة الأميركية يحتفظون بـ "ثقة كبرى" بالجيش الأميركي.
استعداد اليابان وتايوان القتالي
ومع ذلك، أجّج "الخروج الفوضوي" من أفغانستان نقاشاً بشأن حاجة حلفاء الولايات المتحدة إلى بذل المزيد في إطار شراكاتهم الأمنية. وشددت الحكومة التايوانية على ضرورة الاستعداد للقتال، إذا نفذت الصين تهديدها بشنّ هجوم على الجزيرة. وأكد رئيس الوزراء التايواني، سو تسينغ تشانغ، وجوب استخلاص درس مهم من أفغانستان، مفاده أن "أحداً لن يساعدك إن لم تساعد نفسك"، بحسب "فايننشال تايمز".
وبالنسبة إلى المحافظين في اليابان، الذين ضغطوا من أجل مراجعة الدستور السلمي لبلادهم، فإن التطوّرات في أفغانستان ستعزّز حجتهم بوجوب فعل المزيد كي تحمي اليابان نفسها. وقال النائب ماساهيسا ساتو، المسؤول عن الشؤون الخارجية في الحزب الديمقراطي الليبرالي الحاكم، "الأشخاص الذين قد يكونون معتمدين بشكل مفرط على الولايات المتحدة، قد يكونون فوجئوا، ولكن ما أفهمه هو أن الرئيس بايدن تحدث عن أمر واضح. من الطبيعي أن علينا حماية بلدنا".
أما توشيهيرو ناكاياما، وهو خبير في السياسة الخارجية بجامعة كيو، فاعتبر أن ما حدث في أفغانستان أشاع "شعوراً بأن التحالف بين الولايات المتحدة واليابان لن يكون مستداماً، إن لم تعزّز اليابان بشكل استباقي قدراتها الدفاعية، كي تتمكّن من ضمان الأمن الإقليمي مع الولايات المتحدة".
شكوك بتحالف للراغبين
وذكرت "فاينانشال تايمز" أن مراقبين يعتبرون أن فشل واشنطن في تحقيق نصر بأفغانستان قد يدفع حلفاء لها إلى التفكير مرتين قبل الانضمام إلى حملات عسكرية أميركية مستقبلاً. ونقلت عن مسؤول بارز من دولة حليفة لواشنطن، قوله، "قد تواجه الولايات المتحدة صعوبة أكبر في تنظيم تحالف للراغبين، في عمليات عسكرية خارج أوروبا وشرق آسيا مستقبلاً".
وفي بعض البلدان، أدى الانسحاب الأميركي من أفغانستان إلى تأجيج انقسامات سياسية. ففي تايوان، التي تعتبرها الصين جزءاً لا يتجزأ من أراضيها وتهدد باستعادتها، ولو بالقوة إذا لزم الأمر، وصف ساسة معارضون الولايات المتحدة بأنها حليف غير موثوق، إذ قال جو شاو كونغ، وهو شخصية معارضة هامشية، "يُحتمل أن تشهد تايوان أحداثاً (مشابهة لتلك في) أفغانستان".
وأثارت تصريحاته غضب الحزب الحاكم، الذي أشرف على أوثق علاقات مع الولايات المتحدة، منذ نقلت الأخيرة اعترافها الدبلوماسي، من تايبه إلى بكين في عام 1979.
خلاف في سيول
وفي كوريا الجنوبية، أثارت الأحداث في أفغانستان خلافاً بشأن حوالى 28500 ألف جندي أميركي يتمركزون على أراضيها، للدفاع عنها ضد هجمات محتملة من كوريا الشمالية، وعزّزت دعوات من ساسة بارزين في الحزب الحاكم، إلى تعزيز الاستقلال العسكري للبلاد.
لكن المعارضة اعتبرت أن انهيار الحكومة في كابول أمام حركة "طالبان" يبرز الحاجة إلى الاستقرار في التحالف مع الأميركيين، ووجوب ألا تتسرّع سيول في اتخاذ خطوات للسيطرة على العمليات التي تنفذها القوات الأميركية والكورية الجنوبية المشتركة.
لكن خبراء ينفون وجود صلة بين تحالفات الولايات المتحدة وسياستها في أفغانستان. وقال المسؤول الياباني البارز إن الأمر "قد يكون مثيراً للاهتمام فكرياً، ولكنه لا يشكّل مقارنة حقيقية".
اقرأ أيضاً: