يرى عدد من القادة الأوروبيين، المشاركين في محادثات برلين بشأن الخطة الأميركية لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، أن أي اتفاق يصب في مصلحة روسيا قد ينطوي على خطر اندلاع حرب أوسع نطاقاً قد "تلتهم" القارة بأكملها، فموسكو، وفق هذا التصور، قد تخرج من مفاوضات السلام التي تقودها الولايات المتحدة بقدرات عسكرية وصناعية موسعة إلى حد كبير، وثقة في قدرتها على إعادة رسم حدود القارة العجوز بالقوة.
المخاوف الأوروبية تتزامن مع جهود أميركية مكثفة للتوصل إلى "تسوية نهائية سريعة" للصراع الذي يقترب من دخول عامه الرابع، غير أن أوروبا، كما هو الحال بالنسبة لأوكرانيا، ترى أن "اتفاق سلام سيئ يترك كييف ضعيفة وعُرضة للخطر أسوأ، في المرحلة الراهنة، من عدم التوصل إلى أي اتفاق"، الأمر الذي يدفع باتجاه استمرار القضايا العالقة في الخطة الأميركية..
وقدمت الولايات المتحدة التزاماً أكثر صرامة بدعم الضمانات الأمنية الأوروبية لأوكرانيا، وتعهد الرئيس الأميركي دونالد ترمب بالسعي إلى حشد الكونجرس الأميركي لإقرار دور واشنطن في هذه الضمانات. ومع ذلك فإن العقبة الأكبر أمام قبول أوكرانيا بمقترح السلام الأميركي، تظل "مسألة التنازل عن أراضٍ لصالح روسيا"، والتي لا تزال دون حل.
على الجانب الأخر، ترى روسيا، أن مشاركة الدول الأوروبية في مناقشة تسوية الحرب في أوكرانيا "لا تبشر بخير"، فيما لم تتلق موسكو بعد أي إشارات بشأن نتائج محادثات برلين.
وأعلنت روسيا، في وقت سابق، الثلاثاء، رفض المقترح الأوكراني، بشأن "هدنة عيد الميلاد"، مؤكدة أنها تسعى إلى تحقيق "سلام طويل الأمد"، وهي غير مستعدة لاستبداله بحلول قصيرة الأجل.
مسودة جديدة لخطة إنهاء حرب أوكرانيا
وكشف مسؤولون تفاصيل مسودة جديدة لخطة إنهاء حرب أوكرانيا، والتي أسفرت عنها محادثات برلين، هذا الأسبوع، بين وفود من واشنطن وكييف وعدد من المسؤولين الأوروبيين.
وقال المسؤولون، لصحيفة "نيويورك تايمز"، إن المسودة الجديدة سيتم عرضها على موسكو، مشيرين إلى أن الخطة "الأميركية الأوروبية"، تقضي بردع أي هجمات روسية مستقبلية على أوكرانيا، عبر بناء جيش أكثر قوة، ونشر قوات أوروبية في أوكرانيا، وتوسيع نطاق عمل الاستخبارات الأميركية.
أبرز بنود مسودة أوروبية أميركية جديدة لإنهاء حرب أوكرانيا
بناء جيش أوكراني قوي قادر على ردع أي هجمات روسية مستقبلية.
نشر قوات أوروبية في أوكرانيا.
توسيع نطاق عمل الاستخبارات الأميركية في أوكرانيا.
ويجري الحديث عن وثيقتين تحددان الضمانات الأمنية المقترحة، والتي تم التوافق بشأنها خلال اجتماعات برلين، بين دبلوماسيين أميركيين وأوروبيين وقادة أوكرانيين.
وتهدف الوثائق الأمنية، إلى أن تكون حجر الأساس لاتفاق أوسع بشأن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، كما تهدف إلى إقناع أوكرانيا بتقديم تنازلات إقليمية في إطار اتفاق السلام، والتخلي عن مساعي الانضمام للناتو.
نائب وزير الخارجية الروسي سيرجي ريابكوف، شدد بدوره، على أن موسكو "لن توافق تحت أي ظرف من الظروف على نشر قوات الناتو في أوكرانيا".
وأضاف ريابكوف في تصريحات لشبكة ABC News الأميركية، أن "روسيا تريد إنهاء الصراع في أوكرانيا وترحب بجهود الإدارة الأميركية"، معرباً عن استعداد موسكو لبذل "الجهود لتجاوز الخلافات في مناهج حل النزاع في أوكرانيا".
وأشار إلى أن روسيا "لا تزال تجهل ما اتفقت عليه وفود أوكرانيا وأوروبا والولايات المتحدة في برلين بشأن تسوية النزاع الأوكراني"، لكنه أضاف: "نحن على وشك تسوية الأزمة الأوكرانية".
وفيما يتعلق بملف الأراضي، أكد ريابكوف أن روسيا "لا تنوي تقديم تنازلات بشأن دونباس وخيرسون وزابوروجيا، وشبه جزيرة القرم".
في المقابل، أشارت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، الثلاثاء، إلى أن المحادثات "تشهد تقدماً حقيقياً وملموساً"، مضيفة: "هذا التقدم أصبح ممكناً بفضل التوافق بين أوكرانيا وأوروبا والولايات المتحدة".
ومع ذلك، لا يزال التوصل إلى وقف شامل لإطلاق النار بعيد المنال في الوقت الراهن، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن روسيا ليست طرفاً في هذه المفاوضات. وأي اتفاق لإنهاء القتال سيتطلب تنازلات كبيرة من الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، أو نظيره الروسي فلاديمير بوتين.
مقاربة أميركية لـ"الاستقرار الاستراتيجي"
وتسعى إدارة ترمب إلى تحقيق تقارب بين الولايات المتحدة وأوروبا من جهة، وموسكو من جهة أخرى، في إطار ما تصفه بمقاربة "الاستقرار الاستراتيجي مع روسيا"، حسبما نقلت "وول ستريت جورنال"، معتبرة أن ذلك من شأنه تقليص مخاطر اندلاع حرب أوسع نطاقاً. كما يرى مسؤولون في الإدارة الأميركية فرصاً تجارية محتملة مع روسيا.
في المقابل، تتبنى أوروبا وأوكرانيا رؤية معاكسة، إذ تعتبران روسيا تهديداً طويل الأمد، وتعتقدان أن أي ثقة يجب أن تُكتسب ويتم التحقق منها، وإلى أن يحدث ذلك ينبغي ردع موسكو.
وكانت روسيا قد اتهمت الأوروبيين، والولايات المتحدة في ولاية الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، بشن "حرب بالوكالة" ضدها عبر دعم أوكرانيا. وحذّر الرئيس الروسي مؤخراً، من أنه إذا سعت أوروبا إلى الحرب، فإن روسيا مستعدة لذلك.
وقد بدت تباينات المواقف الغربية واضحة خلال الأشهر الأخيرة، في سياق محادثات السلام التي تقودها الولايات المتحدة وما يحيط بها، وقد أدت الخلافات مراراً وتكراراً إلى توتر العلاقات المتقلبة بالفعل بين أوروبا وواشنطن.
واتهمت استراتيجية الأمن القومي الأميركي، الصادرة في وقت سابق من الشهر الجاري، الأوروبيين بأن لديهم "توقعات غير واقعية". وقبل أيام من صدورها، كان قادة أوروبيون قد حذّروا الرئيس الأوكراني من الموافقة على تنازلات كبيرة في المحادثات مع الولايات المتحدة قبل تحديد تفاصيل ما ستقدمه واشنطن إذا انتهكت روسيا اتفاق السلام وهاجمت أوكرانيا مرة أخرى.











