يستعد قادة دول الاتحاد الأوروبي، إلى اختبار "تماسك التكتل"، في القمة المقررة، الخميس، في ظل الخلافات بشأن "مخاطر" استخدام الأصول الروسية المجمدة، في تمويل إعادة إعمار أوكرانيا، وسط ضغوط أميركية "غير مسبوقة".
وقال مسؤول أوروبي رفيع مطلع على تحضيرات القمة، لمجلة "بوليتيكو": "إنهم يريدون أن يجعلونا ضعفاء"، في إشارة إلى الولايات المتحدة، إذ اعتبرت المجلة أن الخلاف الأوروبي بشأن أصول روسيا المجمدة منذ اندلاع حرب أوكرانيا في عام 2022، "يكشف عن انقسام أعمق في القارة حول كيفية التعامل مع نظام عالمي جديد، وضغوط غير مسبوقة من الولايات المتحدة".
ويتعين على المجلس الأوروبي في اجتماع الخميس، إنجاز أمرين، إذ يحتاج القادة إلى تحقيق نتائج ملموسة، لا سيما في ما يتعلق بتمويل أوكرانيا. لكن الحكومات الرئيسية تقول أيضاً، إنها بحاجة إلى الدفاع عن الاتحاد الأوروبي فيما يحاول البيت الأبيض، التأثير في السياسات، بينما يرفض عدد غير مسبوق من القادة الأوروبيين، من رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان إلى السياسي التشيكي أندريه بابيش، ما يُعد "رأياً سائداً" في بروكسل.
وقال المستشار الألماني فريدريش ميرتس، في مقابلة مع التلفزيون الألماني، إن الاتحاد الأوروبي سيتعرض "لضرر بالغ لسنوات" إذا فشل في التوصل إلى اتفاق بشأن تمويل أوكرانيا. وأضاف: "وسنُظهر للعالم أننا، في لحظة حاسمة من تاريخنا، غير قادرين على الوقوف معاً والعمل للدفاع عن نظامنا السياسي على هذه القارة الأوروبية".
ضغوط أميركية
وقال أربعة مسؤولين في الاتحاد الأوروبي مشاركين في المناقشات لـ"بوليتيكو"، إن مسؤولين في إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب مارسوا ضغوطاً على حكومات أوروبية، ولا سيما تلك التي يعدونها الأقرب إليهم، لرفض خطة استخدام 210 مليارات يورو من الأصول الروسية المجمدة في تمويل أوكرانيا.
وعندما اجتمع قادة الاتحاد الأوروبي في بروكسل في أكتوبر الماضي، فشلوا في التوصل إلى اتفاق بشأن الأموال المجمدة بسبب معارضة بلجيكا. وبعد شهرين، بات واضحاً أن مشكلة الاتحاد الأوروبي ليست بلجيكا في الواقع، بل ترمب، بحسب "بوليتيكو".
وخلال تلك الفترة، تفاوضت المفوضية الأوروبية والعواصم الأكثر نفوذاً فيما بينها، في محاولة لكسب دعم رئيس الوزراء البلجيكي، بارت دي ويفر، الذي يُعد تأييده "حاسماً" لأن بلاده تحتضن معظم الأصول الروسية المجمدة في أوروبا. وقد اشتدت المناقشات خلال الأسبوع الماضي مع سعي الاتحاد الأوروبي إلى تقديم ضمانات إلى بلجيكا بشأن مساع روسية محتملة لمقاضاة بروكسل حال استخدام تلك الأصول المجمدة.
لكن فرص التوصل إلى اتفاق تراجعت بدلاً من التحسن، وفق مسؤول رفيع طلب من "بوليتيكو" عدم كشف هويته، إذ قال: "كنت أريد أن أبكي"، في وصفه أجواء اجتماع وزراء الشؤون الأوروبية في بروكسل، الذين كانوا يحضرون للقمة.
وتحتاج أوكرانيا بشدة إلى الأموال في ظل مواجهتها عجزاً في الميزانية قدره 71.7 مليار يورو العام المقبل. وإذا لم يبدأ تدفق الأموال بحلول أبريل 2026، فستضطر إلى خفض الإنفاق العام، ما قد يؤثر في المعنويات وقدرتها على مواصلة الدفاع عن نفسها، بعد نحو أربع سنوات من حرب روسيا.
وتقول الحكومة البلجيكية، إن معارضتها لاستخدام الأصول الروسية لتمويل القرض، تعود إلى ضرورة حماية دافعي الضرائب لديها، من تحمل أي أعباء في حال اضطرارها إلى سداد الأموال مستقبلاً.
أما بالنسبة لدول أوروبية أخرى، فالمسألة تتعلق بأمور جيوسياسية أوسع.
وأدت حملة التأثير الأميركية، التي شهدت تجاوز مسؤولي إدارة ترمب لبروكسل، وإجراء اتصالات غير مباشرة مع عواصم دول الاتحاد، إلى انضمام إيطاليا وبلغاريا ومالطا والتشيك إلى مجموعة الدول المعترضة على استخدام الأصول الروسية.
تحذيرات من "فشل كارثي"
وقال مسؤولون أوروبيون، إن الفشل سيكون "كارثياً" على مكانة الاتحاد الأوروبي في العالم، نظراً للرسالة التي سيوجهها، ليس فقط إلى إدارة ترمب "الصدامية"، التي قالت في استراتيجية الأمن القومي التي أُطلقت في وقت سابق من الشهر الجاري، إنها ستدعم القوى المتشككة في الاتحاد الأوروبي، بل أيضاً إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وقدم مانفريد ويبر، زعيم حزب الشعب الأوروبي، تقييماً لافتاً، الثلاثاء، بشأن تدهور العلاقات في أروقة هيئات الاتحاد الأوروبي التنفيذية. وقال للصحافيين في ستراسبورج، حيث يعقد البرلمان الأوروبي جلساته، هذا الأسبوع: "من الواضح أن الولايات المتحدة لم تعد قائد العالم الحر". وأضاف أن إدارة ترمب " تنأى بنفسها عن الاتحاد الأوروبي".
واعتبرت "بوليتيكو"، أن إفلاس أوكرانيا سيضعف موقفها على طاولة مفاوضات السلام، ما يقوض فرصها في الحصول على السلام الدائم الذي تحتاجه لإعادة الإعمار بعد أربع سنوات من حرب شاملة.
وقال رئيس وزراء إستونيا، كريستين ميخال، لـ"بوليتيكو"، عندما سُئل عما سيحدث إذا فشل الاتحاد الأوروبي في إبرام اتفاق القرض: "لا أملك حتى الكلمة المناسبة". وأضاف أن كييف تحتاج إلى أن تعرف أن "أوروبا تدعم أوكرانيا مهما كان الثمن". وأنها "ليست مضطرة لقبول صفقة سيئة".
وبحسب مسودة مسربة لخطة سلام تفاوض عليها البيت الأبيض والكرملين، تريد واشنطن استخدام جزء من الأصول الروسية المجمدة لتمويل جهود إعادة إعمار تقودها الولايات المتحدة.
ويسمح الإفراج عن الأصول المجمدة لصالح أوكرانيا في إطار قرض تعويضات لكييف، بتقرير كيفية توجيه الأموال، مع دفع فرنسا نحو نهج يعطي أولوية أوروبية للإنفاق على التسليح.
ويمارس الرئيس الأميركي ترمب أيضاً، ضغوطاً على الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي للتنازل عن مساحات واسعة من الأراضي في إقليم دونباس لصالح روسيا.
ورفض البيت الأبيض اتهامات بروكسل بالتدخل. وقالت نائبة المتحدثة باسم البيت الأبيض آنا كيلي: "لا ينبغي أخذ التخمينات الصادرة عن مصادر مجهولة لم تكن حاضرة هذه المناقشات على محمل الجد".
وأضافت: "الهدف الوحيد للولايات المتحدة هو إحلال السلام في هذا النزاع.. لقد أعلن كل من الأوكرانيين والروس بوضوح مواقفهم بشأن الأصول المجمدة، ومهمتنا الوحيدة هي تسهيل حوار متبادل يمكن أن يفضي في نهاية المطاف إلى اتفاق".
خيارات "أكثر تطرفاً"
وشهدت المفاوضات المتعثرة، الثلاثاء، تزايداً في لجوء مسؤولين وقادة أوروبيين إلى طرح تمرير قرض التعويضات عبر التصويت بالأغلبية المؤهلة، أي تجاهل اعتراضات بعض الدول والمضي قدماً على أي حال، وهو ما وصفته المجلة بـ"الخيار الأكثر تطرفاً".
لكن بعض المسؤولين قالوا، إن ذلك قد يمزق تكتلاً منقسماً بالفعل ويدفعه على الأرجح إلى أزمة حقيقية. ويتمثل بديل آخر في أن تقدم بعض الدول قروضاً ثنائية محدودة.
وقالت رئيسة وزراء لاتفيا، إيفيكا سيليينا، لـ"بوليتيكو"، الثلاثاء: "من المهم أن تكون بلجيكا ضمن الاتفاق، لكن دعونا نتابع ما سيحدث". وأضافت: "إذا كان هذا (التصويت بالأغلبية المؤهلة) هو الخيار الوحيد، فلم لا؟".
وتابعت: "من المهم أن يُظهر الاتحاد الأوروبي قوته وقدرته على اتخاذ قرار قوي، لأننا نعمل منذ فترة طويلة بالفعل، ووعدنا أوكرانيا بأن نساعدها بالموارد المالية، والأصول المجمدة تُعد بالفعل مصدراً جيداً".
وأضافت سيليينا: "بالنسبة إلى بلجيكا، لا أتمنى أن تصبح مثل المجر". وكان "بوليتيكو" قد أفاد الأسبوع الماضي بأن دبلوماسيين حذروا من أن بلجيكا تخاطر بالعزلة في عملية صنع القرار داخل الاتحاد الأوروبي بسبب تعنتها في ملف الأصول.
وبالنسبة لأوكرانيا، يُعد قرض التعويضات الممول من الأصول الروسية، "الحل الأفضل" لسد الفجوة المالية الهائلة، إذ يعتمد دعم صندوق النقد الدولي للبلاد على هذه الخطة، بحسب "بوليتيكو".
لكن زيلينسكي، في دردشة عبر تطبيق "واتساب" مع صحافيين، الاثنين الماضي، بدا عملياً. فهو لا يهتم بكيفية حصول أوكرانيا على الأموال، بقدر ما يهتم بالحصول عليها.
وقال: "بالطبع، نرغب حقاً في استخدام (الأصول الروسية) لإعادة بناء دولتنا، إذ من العدل أن يدفع الروس ثمن الدمار". لكنه أضاف أن "قرض التعويضات أو أي صيغة تستند إلى حجم الأصول الروسية المجمدة، التي يتراوح إجمالي قيمتها بين 150 و200–210 مليارات دولار، يُعد بالفعل عاملاً مُغيراً لقواعد اللعبة".
ومع فشل المحادثات بين المسؤولين الأوروبيين في التوصل إلى اتفاق، سيواجه القادة شخصياً مهمة "غير معتادة" خلال قمة الخميس، تتمثل في الاضطرار إلى إيجاد حل بأنفسهم.















