وصف مبعوث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المحادثات الجارية مع الولايات المتحدة، في مدينة ميامي، بأنها "بنّاءة"، فيما أكدت الاستخبارات الأميركية أن تقديراتها لا تشير إلى سعي موسكو لخوض حرب أوسع مع حلف شمال الأطلسي (الناتو).
والتقى مفاوضون أميركيون بمسؤولين روس في ولاية فلوريدا، السبت، لإجراء أحدث مناقشات تهدف إلى التوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب الروسية في أوكرانيا، بوساطة مباشرة من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب.
وقال كيريل دميترييف المبعوث الخاص لبوتين إن "روسيا والولايات المتحدة تجريان مناقشات بناءة ستستمر في ميامي الأحد"، مضيفاً: "تسير المناقشات على نحو بناء. بدأت في وقت سابق وستستمر اليوم، وستستمر غداً أيضاً".
تقديرات أميركية
ويأتي الإعلان عن نتائج اليوم الأول من الاجتماع مع تأكيد مديرة الاستخبارات الوطنية الأميركية تولسي جابارد أن تقديرات الاستخبارات الأميركية لا تشير إلى سعي روسيا لخوض حرب أوسع مع حلف "الناتو"، في نفي مباشر لتقارير أميركية تحدثت عن تهديد روسي وشيك بتصعيد المواجهة مع "الناتو".
واتهمت جابارد، على منصة "إكس"، وكالة "رويترز" بنشر "أكاذيب ودعاية"، قائلة إن الوكالة "تدفع عمداً رواية تخدم دعاة الحرب الذين يسعون إلى تقويض جهود الرئيس الأميركي دونالد ترمب لإنهاء الحرب"، التي قالت إنها أسفرت عن سقوط أكثر من مليون ضحية من الجانبين.
وذكرت جابارد أن "رويترز" تروّج "بشكل خطير لرواية كاذبة تهدف إلى عرقلة مساعي الرئيس ترمب للسلام، وإثارة الهستيريا والخوف بين الناس لدفعهم إلى دعم تصعيد الحرب"، معتبرة أن "هذا هو ما تريده في الواقع دول حلف الناتو والاتحاد الأوروبي، من أجل جرّ الجيش الأميركي مباشرة إلى حرب مع روسيا".
وأضافت أن "الحقيقة هي أن مجتمع الاستخبارات الأميركي أطلع صانعي القرار، بمن فيهم عضو ديمقراطي في لجنة الاستخبارات الدائمة بمجلس النواب ورد ذكره في تقرير (رويترز)، على أن التقييمات الاستخباراتية الأميركية ترى أن روسيا تسعى إلى تجنب حرب أوسع مع حلف الناتو".
وأشارت جابارد إلى أن "التقييمات نفسها ترى، كما أظهرت السنوات الأخيرة، أن أداء روسيا في ساحة المعركة يدل على أنها لا تمتلك حالياً القدرة على غزو واحتلال كامل أوكرانيا، فما بالكم بأوروبا".
وعلق كيريل دميترييف، المبعوث الخاص لبوتين، على ذلك قائلاً إن مديرة الاستخبارات الأميركية "رائعة" ليس فقط لتوثيقها ما وصفه بـ"أصول خدعة روسيا في عهدي (الرئيسين السابقين) باراك أوباما وجو بايدن"، بل أيضاً لكشفها ما سماه "آلة دعاة الحرب التابعة للدولة العميقة التي تحاول التحريض على حرب عالمية ثالثة".
وأضاف دميترييف أن هذه الجهات تسعى إلى "إذكاء" ما وصفه بـ"الهوس المعادي لروسيا في أنحاء بريطانيا والاتحاد الأوروبي"، داعياً إلى "استعادة العقلانية والسلام والأمن".
"الاستيلاء" على كامل أوكرانيا
وكانت وكالة "رويترز" نقلت عن 6 مصادر مطلعة على تقارير للمخابرات الأميركية ما زالت تحذر من أن بوتين يعتزم "الاستيلاء" على أوكرانيا بالكامل واستعادة أجزاء من أوروبا كانت تابعة للإمبراطورية السوفيتية السابقة، حتى في الوقت الذي يسعى فيه المفاوضون إلى وضع نهاية للحرب من شأنها أن تترك لروسيا مساحة أقل بكثير من الأراضي.
وذكر أحد هذه المصادر أن "تاريخ أحدث التقارير يعود إلى أواخر سبتمبر".
وأشارت المصادر إلى أن هذه النتائج التي توصلت إليها الولايات المتحدة كانت متسقة ومتجانسة منذ أن أطلق الرئيس الروسي غزوه الشامل في عام 2022، وتتفق إلى حد كبير مع وجهات نظر القادة الأوروبيين وأجهزة المخابرات الأوروبية بأن الرئيس الروسي يطمع في كل أوكرانيا وأراضي دول الكتلة السوفيتية السابقة، بما في ذلك أعضاء بحلف حلف الناتو.
وقال مايك كويجلي، العضو الديمقراطي في لجنة المخابرات بمجلس النواب، لـ"رويترز"، إن "المعلومات المخابراتية تشير على الدوام إلى أن بوتين يريد المزيد.. الأوروبيون مقتنعون بذلك.. والبولنديون مقتنعون تماماً بذلك.. ودول البلطيق يعتقدون أنهم (المستهدفون) أولاً".
وتسيطر روسيا حالياً على نحو 20% من أراضي أوكرانيا، بما في ذلك الجزء الأكبر من لوجانسك ودونيتسك، اللتين تشكلان معاً قلب إقليم دونباس، وأجزاء من زابوريجيا وخيرسون، وشبه جزيرة القرم الاستراتيجية على البحر الأسود.
ويطالب بوتين بتبعية شبه جزيرة القرم وجميع المناطق الأربع لروسيا. ووفقاً لمصدرين مطلعين، يضغط ترمب على كييف لسحب قواتها من الجزء الصغير من دونيتسك الذي تسيطر عليه قواتها ضمن اتفاق سلام مقترح، وهو مطلب يرفضه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.
وقال مسؤول في البيت الأبيض دون التطرق إلى تقارير المخابرات: "أحرز فريق الرئيس تقدماً هائلاً فيما يتعلق بإنهاء الحرب"، فيما ذكر ترمب أن "اتفاق السلام بات أقرب من أي وقت مضى".
تقدم بشأن الضمانات الأمنية
ويتفاوض مبعوثا ترمب، وهما صهره جاريد كوشنر والمطور العقاري الملياردير ستيف ويتكوف، منذ أسابيع على خطة السلام المكونة من 20 نقطة مع المسؤولين الأوكرانيين والروس والأوروبيين.
وبينما يقول المسؤولون الأميركيون أنهم أحرزوا تقدماً، لا تزال هناك خلافات كبيرة حول القضايا المتعلقة بالأراضي.
وتوصل المفاوضون الأميركيون والأوكرانيون والأوروبيون إلى توافق واسع النطاق، الاثنين، في محادثات في برلين بشأن ما قال 4 دبلوماسيين أوروبيين ومصدران مطلعان إنه ضمانات قوية مدعومة من الولايات المتحدة لأمن أوكرانيا في مواجهة أي عدوان روسي في المستقبل.
وأوضح أحد المصادر ودبلوماسي أن تلك الضمانات مشروطة بموافقة زيلينسكي على التنازل عن أراض لروسيا، لكن دبلوماسيين آخرين قالوا إن الأمر ليس كذلك، وإن البدائل لا تزال قيد الدراسة لأن زيلينسكي استبعد التنازل عن الأراضي.
وأشار دبلوماسيون إلى أن الضمانات، التي ستدخل حيز التنفيذ بعد توقيع اتفاق سلام، تدعو إلى نشر قوة أمنية معظمها أوروبية في الدول المجاورة وفي أوكرانيا بعيداً عن خطوط المواجهة للمساعدة في صد أي هجوم روسي في المستقبل.
ولفت المصدر إلى أن الجيش الأوكراني سيكون محكوماً بحد أقصى يبلغ 800 ألف جندي، لكن عدداً من الدبلوماسيين قالوا إن روسيا تسعى إلى خفض هذا السقف، وهو أمر يبدي الأميركيون استعداداً لقبوله.
وأضافوا أن الولايات المتحدة ستقدم الدعم المخابراتي وغيره من أشكال الدعم، وأن مجلس الشيوخ سيوافق على تلك الحزمة.
ووفقاً لمصدرين مطلعين على المحادثات، فإن خطة واشنطن تشمل أيضاً دوريات حراسة جوية مدعومة من الولايات المتحدة فوق أوكرانيا.
وقال الرئيس الأوكراني، السبت، إن بلاده ستدعم اقتراحاً أميركياً لإجراء "محادثات ثلاثية" تشمل الولايات المتحدة وروسيا إذا ساهمت في تسهيل المزيد من عمليات تبادل الأسرى، ومهدت الطريق لعقد اجتماعات بين قادة هذه البلدان.
وأشار إلى أنه "ما يهمنا هو سلام عادل ومستدام، لا يمكن انتهاكه بسبب نزوة أخرى من بوتين أو أي شخصية شبيهة به"، مصيفاً: "بالنسبة لي، الاتفاقية ليست مجرد توقيع وثيقة. يجب معرفة التفاصيل: ماذا سيحدث إذا جاء الروس بالعدوان وشنوا حرباً أخرى؟ كيف سيرد الأميركيون والأوروبيون؟ كيف سيرد شركاؤنا؟".
ومن غير المؤكد بشكل كبير ما إذا كان بوتين سيوافق على مثل هذه الضمانات لأنه رفض مراراً نشر قوات أجنبية في أوكرانيا.
ولم يعرض الرئيس الروسي، الجمعة، أي تنازلات، على الرغم من أنه قال في مؤتمر صحافي سنوي إنه مستعد لمناقشة السلام، مشدداً على وجوب تلبية شروطه، حيث تقدمت قواته 6000 كيلومتر مربع هذا العام.










