تترقّب كييف رد موسكو على النسخة الجديدة من "خطة السلام" التي كشف عنها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، والتي أبدى فيها انفتاحه على سحب القوات الأوكرانية من شرق البلاد لإقامة منطقة منزوعة السلاح، شريطة اتخاذ روسيا خطوة مماثلة ضمن تسوية محتملة لإنهاء الحرب.
والمسودة المؤلفة من 20 نقطة، التي كشف عنها زيلينسكي، الأربعاء، لا تزال بعيدة عن كونها نهائية، خصوصاً وأن روسيا تعترض على عدة بنود رئيسية فيها، أبرزها السيطرة على منطقة دونباس بالكامل، في شرق أوكرانيا.
وأوضح زيلينسكي أن الخطة المحدّثة تقضي بتحويل منطقة دونباس، التي تُسيطر القوات الروسية على جزء كبير منها حالياً، إلى "منطقة اقتصادية حرة منزوعة السلاح، لا وجود فيها لا للقوات الأوكرانية ولا الروسية"، بحسب ما أوردت مجلة "بوليتيكو".
وإنشاء منطقة اقتصادية حرة سيحتاج إلى تحديد جهة إدارة الإقليم، وهو ما قد يشمل نشر قوات حفظ سلام أجنبية، وهو أمر عارضته موسكو سابقاً، كما أن الجانبين سيواجهان صعوبة في الاتفاق على الدول التي قد تساهم بقوات في مثل هذه المهمة.
وأكد زيلينسكي أن أوكرانيا تعارض الانسحاب الكامل من دونباس، وهو أحد أبرز مطالب موسكو، معتبراً أن :هناك خياران، إما استمرار الحرب، أو اتخاذ قرارات بشأن جميع المناطق الاقتصادية المحتملة".
وأشار الرئيس الأوكراني إلى أن النسخة الأحدث من الخطة، وهي تحديث لمقترح قدّمته إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، تبقي على الضمانات الأمنية المقترحة من الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي "الناتو" والشركاء الأوروبيين، بما يعادل المادة الخامسة من معاهدة الحلف.
وقال زيلينسكي: "إذا غزت روسيا أوكرانيا، فسيكون هناك رد عسكري منسق، وستُعاد جميع العقوبات على روسيا"، مضيفاً أن هذه الضمانات "تعتبر لاغية" إذا قامت كييف بأي عمل عسكري "غير مبرر" ضد موسكو.
كما أوضح أن واشنطن حذفت بنداً سابقاً كان يقضي بدفع تعويضات للولايات المتحدة مقابل تلك الضمانات.
"منطقة منزوعة السلاح"
وتقترح الخطة أيضاً أن تتبنى روسيا رسمياً سياسة "عدم الاعتداء" تجاه أوكرانيا وأوروبا، كما تقبل بانضمام أوكرانيا مستقبلاً إلى الاتحاد الأوروبي، وتقر بحق كييف في المطالبة بتعويضات من موسكو، وتدعم إنشاء أدوات استثمار مخصصة لإعادة إعمار البلاد.
وتنص المسودة المعدلة كذلك على إدارة مشتركة لمحطة زابوريجيا النووية بين السلطات الأوكرانية والروسية والأميركية.
ورغم رفض كييف منح موسكو أي دور في إدارة المنشأة، التي شهدت معارك عنيفة، فإنها مستعدة للتعاون مع إدارة ترمب في إدارة بنية تحتية تعتبرها واشنطن ضرورية لمشاريع التعدين المستقبلية في أوكرانيا.
وقال زيلينسكي إن مدينة إنيرهودار في مقاطعة زابوريزكا، الخاضعة حالياً لسيطرة روسيا، قد تكون مرشحة لإعلانها "منطقة منزوعة السلاح" إذا أصرت الولايات المتحدة على تحديد مناطق اقتصادية داخل أوكرانيا، لكنه شدد على أن هذه الخطوة تحتاج إلى استفتاء شعبي لإقرارها قانونياً.
وتدعو الخطة أيضاً كلاً من أوكرانيا وروسيا إلى إدخال مناهج تعليمية تُعزز "التسامح الثقافي"، فيما يُتوقع من كييف تطبيق لوائح الاتحاد الأوروبي الخاصة بحماية الأديان واللغات الأقليات.
ورغم أن هذه الإجراءات قد تتصادم مع جهود أوكرانيا المستمرة لـ"إزالة الطابع الروسي" وبناء هوية وطنية جديدة، قال زيلينسكي إن الامتثال لهذه القواعد "جزء من مسار الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي"، متحدياً موسكو لاتخاذ خطوات مماثلة.
وكانت خطة السلام الأصلية لإدارة ترمب قد صيغت هذا الشهر عبر مفاوضات بين المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف ومسؤولين روس.
وخضعت الوثيقة لتعديلات كبيرة، وكانت محور مباحثات ثلاثية في ميامي نهاية الأسبوع الماضي.
وفي تصريحاته للصحافيين، الأربعاء، أكد زيلينسكي أنه في حال التوصل لاتفاق، سيدخل وقف إطلاق نار شامل حيز التنفيذ فوراً. وستتطلب الموافقة النهائية على الوثيقة تصويت البرلمان الأوكراني وموافقة الشعب عبر استفتاء عام.
جيش أوكراني بـ800 ألف جندي
وذكر زيلينسكي أن المسودة الحالية تنص على جيش أوكراني قوامه 800 ألف جندي في أوقات السلم، بعد أن كانت النسخة الأولى تقترح تحديد العدد بـ600 ألف.
كما تتضمن المسودة إشارات إلى ضمانات أمنية تعادل من حيث المستوى المادة الخامسة من معاهدة "الناتو"، التي تعتبر أي هجوم على عضو بالحلف هجوماً على الجميع.
وكانت نسخة سابقة من الخطة قد منعت أوكرانيا من الانضمام إلى "الناتو"، وهو ما رفضته كييف بشدة، خصوصاً بعد إدراج هدف الانضمام للحلف في دستورها.
واعتبر زيلينسكي أنه لا يمكن النظر إلى أوكرانيا كعائق أمام عملية السلام، لكن أي خطة لا يمكن أن تحكم على الأجيال المقبلة بحرب دائمة مع روسيا.
وتسعى روسيا إلى إجراء "تغييرات جوهرية" على خطة السلام الأميركية لإنهاء الحرب مع أوكرانيا، بما في ذلك فرض المزيد من القيود على القدرات العسكرية لكييف، فيما عبّر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، عن رغبته في عقد اجتماع مع نظيره الأميركي دونالد ترمب لبحث أكثر القضايا حساسية مثل الأراضي، ولفت إلى "خلافات لا تزال قائمة".
ونقلت "بلومبرغ" عن مصدر مقرب من الكرملين قوله إن روسيا تعتبر الخطة المكونة من 20 بنداً التي تم وضعها بين أوكرانيا والولايات المتحدة نقطة انطلاق لمزيد من المفاوضات، حيث تفتقر إلى بنود تراها موسكو في غاية الأهمية، وعدم إجابتها عن العديد من التساؤلات.
وأضاف: "في حين أن روسيا تنظر إلى الوثيقة الحالية على أنها خطة أوكرانية إلى حد كبير، فإنها ستدرسها بهدوء".
وأشار إلى أن الخطة تفتقر أيضاً إلى قيود طلبتها روسيا على حجم القوات المسلحة الأوكرانية بعد الحرب وأنواع الأسلحة، ولا توفر ضمانات واضحة بشأن وضع اللغة الروسية في أوكرانيا.
وتشمل مخاوف روسيا الحصول على ضمانات بعدم التوسع شرقاً لحلف شمال الأطلسي، وضمان حياد أوكرانيا في حال انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، بحسب الشخص المقرّب من الكرملين.
ووفق صحيفة "واشنطن بوست"، جاءت ردود المعلقين الموالين للكرملين رافضة بشكل كبير للخطة، إذ وصف المدون العسكري ألكسندر كوتس المقترح بأنه "ميت منذ ولادته" وغير مقبول، منتقداً ما اعتبره تناقضاً بين جيش أوكراني قوامه 800 ألف جندي والهدف الروسي المعلن بتجريد أوكرانيا من السلاح، إضافة إلى غياب أي تسوية بشأن مناطق دونيتسك ولوجانسك وخيرسون وزابوريجيا التي تطالب بها روسيا.
كما سخرت مقدمة البرامج في التلفزيون الرسمي أولجا سكابييفا من البنود الرئيسية، ومن بينها القيود على الجيش الأوكراني، ومقترحات إدارة محطة زابوريجيا النووية، وانسحاب روسيا من عدة مناطق ووقف إطلاق نار لمدة 60 يوماً، معتبرة أنها "مطالب مجنونة لزيلينسكي".
وفي مقال بصحيفة "كومسومولسكايا برافدا" الموالية للكرملين، وصف المحلل الروسي ألكسندر جريشين الخطة بأنها "زائفة"، معتبراً أنها لا تتضمن أي إشارة إلى التفاهمات بين ترمب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال قمة ألاسكا هذا الصيف.









