أصبحت باكستان "أفضل صديق جديد غير متوقّع بالنسبة إلى أوروبا"، بعدما طلبت مساعدة إسلام آباد في إجلاء مواطنيها من أفغانستان، ومنع موجة محتملة من اللاجئين على حدودها، وفق تقرير لمجلة "بوليتيكو" الأميركية.
وأشارت المجلة في نسختها الأوروبية إلى أن وزراء خارجية ألمانيا وهولندا والمملكة المتحدة زاروا باكستان خلال أسبوع واحد، بعدما اعتُبرت لفترة طويلة دولة منبوذة.
وتعهّد هؤلاء بتقديم أموال نقدية لإسلام آباد، لمساعدتها في مواجهة الأزمة الإنسانية التي تشهدها أفغانستان، وأثنوا على مساهمتها في إجلاء آلاف الدبلوماسيين والموظفين الأفغان من كابول.
وقال السفير الألماني لدى باكستان، بيرنهارد شلاغيك، إن إجلاء الموظفين الألمان والهولنديين لم يكن ممكناً من دون مساعدة إسلام آباد، التي تلقت أيضاً اتصالات ودية من رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال، ووزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، إضافة إلى النمسا وسلوفينيا، علماً أن الأخيرة تتولّى الآن الرئاسة الدورية لمجلس الاتحاد.
وتحدثت "بوليتيكو" عن "تحوّل مهم في المدّ الدبلوماسي"، مضيفة أن الاتحاد الأوروبي كان "يتطلّع فقط إلى الهند، العدو اللدود لباكستان". وذكّرت المجلة بأن الاتحاد التزم، في أبريل الماضي، باستراتيجية المحيطين، الهندي والهادئ، التي تستهدف زيادة التعاون الأوروبي مع الهند ضد الصين، حليفة باكستان. وفي مايو، بدأت بروكسل أيضاً محادثات للتجارة الحرة مع نيودلهي.
"إعادة نفسها إلى اللعبة"
المجلة اعتبرت أن سيطرة حركة "طالبان" على كابول مجدداً تمنح باكستان"، فرصة ممتازة لإعادة نفسها إلى اللعبة"، مضيفة أنها "تستخدم الاهتمام لمحاولة إعادة صوغ صورتها دولياً، والاستفادة من موقعها بوصفها وجهة أساسية للاجئين الأفغان، لنيل تنازلات تتصل بأولوياتها الخاصة، مثل المساعدات الاقتصادية، والحوافز التجارية، والسفر بحرية إلى أوروبا، والدعم الدبلوماسي بشأن إقليم كشمير المتنازع عليه" مع الهند.
لطالما كانت واشنطن أبرز مورّد للأسلحة والمساعدات لإسلام آباد، أثناء سعيها لنيل مساعدتها في أفغانستان، ولكن مع تدهور هذه العلاقات، خصوصاً بعدما ساعدت باكستان "طالبان"، حتى عندما استهدفت الحركة القوات الأميركية، تتطلّع إسلام آباد إلى الاستثمار في علاقات أخرى. أما أوروبا، التي تضرّرت من قرار الولايات المتحدة بالانسحاب من أفغانستان، فعليها الآن تأمين مصالحها في المنطقة، من دون مساعدة أميركية.
قبل اندلاع الأزمة الأفغانية، لم تكن باكستان تحظى بشعبية في بروكسل، إذ تعرّضت لهجمات روتينية، نتيجة سجلّها في ملف حقوق الإنسان، و"سلوكها المزدوج" في أفغانستان، إذ دعمت قوات حلف شمال الأطلسي (ناتو) و"طالبان" في الوقت ذاته. ويُعتبر الاتحاد الأوروبي شريكاً تجارياً أساسياً لباكستان، لكنها ليست من أولوياته، بحسب المجلة.
لكن كل ذلك تبدّل، منذ ما استولت "طالبان" على أفغانستان في الشهر الماضي، إذ ساعدت باكستان مسؤولين أوروبيين وأجانب على مغادرة كابول، بما في ذلك 294 هولندياً و201 من بلجيكا و216 إيطالياً و273 دنماركياً. إضافة إلى ذلك، تساعد إسلام آباد أيضاً في إجلاء أكثر من 4000 أفغاني عمِلوا مع الولايات المتحدة وقوات التحالف في كابول، نتيجة علاقاتها الوثيقة مع "طالبان".
"شريك حيوي للمملكة المتحدة"
وزيرة الخارجية الهولندية، سيغريد كاغ، قالت في إسلام آباد الأربعاء الماضي: "لدينا إعجاب واحترام كبيران لباكستان، ونودّ أن نكرّر امتناننا". أما وزير الخارجية البريطاني، دومينيك راب، الذي كان في العاصمة الباكستانية في اليوم التالي، فأعلن أن بلاده سترسل فرقاً إلى دول مجاورة لأفغانستان، بما في ذلك باكستان، للمساهمة في معالجة ملفات الوافدين من أفغانستان وإعادتهم إلى المملكة المتحدة. وأضاف أن لندن سترسل فوراً 30 مليون جنيه إسترليني الى تلك الدول، وفي مقدّمها باكستان، لمساعدتها في التعامل مع الأزمة الإنسانية. وشدد على أن "باكستان هي شريك حيوي للمملكة المتحدة".
ورأت "بوليتيكو" أن أوروبا تعتقد أن باكستان ستؤدي دوراً حاسماً، على المدى الطويل، في تجنّب موجة جديدة من اللاجئين، بعد أولئك الذين تدفقوا على القارة في عامَي 2015 و2016. وذكّرت المجلة بأن باكستان تستضيف ملايين اللاجئين الأفغان، مضيفة أن أوروبا تأمل أن تستضيف آخرين، مع منحها حوافز مناسبة.
عندما التقى وزيرا الخارجية، الألماني هايكو ماس والباكستاني شاه محمود قريشي، قبل أشهر، أشارت برلين إلى الوضع الاقتصادي المتردي في باكستان، وقوانين التجديف التي تطبّقها، وانعدام حمايتها للأقليات.
لكن لهجة ماس كانت مختلفة بشكل ملحوظ في نهاية الأسبوع الماضي، بقوله: "بصفتها جارة لأفغانستان، تشعر باكستان خصوصاً بتداعيات الأزمة. ألمانيا لن تتخلّى عن المنطقة. إضافة إلى التزامنا المالي، سنواصل مشاريع ملموسة، مثل إدارة الحدود".
أما سيغريد كاغ فقالت إن هولندا "ستستكشف السبل التي يمكننا من خلالها مساعدة باكستان في دورها كدولة مضيفة للاجئين، وترغب في الاستثمار والاستفادة من المناخ المحسّن لجذب الأعمال والاستثمار في باكستان".
امتيازات تجارية واقتصادية
في المقابل، تحاول إسلام آباد الضغط من أجل منحها امتيازات تجارية واقتصادية. وحضّ شاه محمود قريشي دومينيك راب على إخراج باكستان من "اللائحة الحمراء"، التي تحظّر السفر إلى المملكة المتحدة من دول يتفشّى فيها فيروس كورونا المستجد. كذلك طالب راب بدعم حذف اسم باكستان من "اللائحة الرمادية" لمبادرة دولية لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، تُعرف باسم "مجموعة العمل المالي".
وتحاول إسلام آباد أيضاً إقناع دول الاتحاد الأوروبي بمواصلة مخطط تجاري، يمكّن باكستان من تصدير سلع إلى أوروبا، برسوم جمركية منخفضة أو معدومة. كذلك تريد إسلام آباد أن ترفع أوروبا حظراً على تحليق "الخطوط الجوية الدولية الباكستانية" في أجواء دول التكتل، علماً أن الحظر فُرض منذ يونيو 2020، عندما تبيّن أن مئات الطيارين الذين يعملون في الشركة، ربما حصلوا على تراخيص مزيفة.
يُضاف إلى ذلك سعي باكستان إلى نيل مساعدات اقتصادية ضخمة، لاستضافة اللاجئين الوافدين، ودعمها دبلوماسياً بشأن كشمير.
منذ عام 1979، عندما غزا الاتحاد السوفيتي أفغانستان، أدت باكستان دوراً حاسماً في ضمان الروابط الدبلوماسية والتجارية واللوجستية، بين أفغانستان والعالم. وتأمل إسلام آباد باستمرار انخراط الغرب معها، وحذر قريشي من أن "لا أحد يستطيع التكهن بعواقب" الامتناع عن ذلك، بحسب "بوليتيكو".
اقرأ أيضاً: