انتخابات روسيا.. حزب بوتين يكرّس هيمنته وسط تشكيك غربي

أعضاء لجنة الانتخابات المحلية في موسكو خلال فرز أوراق الاقتراع في الانتخابات التشريعية - 19 سبتمبر 2021 - AFP
أعضاء لجنة الانتخابات المحلية في موسكو خلال فرز أوراق الاقتراع في الانتخابات التشريعية - 19 سبتمبر 2021 - AFP
موسكو -الشرق

مثَّلت الانتخابات التشريعية في روسيا تطابقاً بين النتائج والتوقعات، إذ لم تخرج الأرقام والنسب التي حصلت عليها الأحزاب الفائزة عن تنبؤات استطلاعات الرأي، وهو ما أدَّى إلى تكريس هيمنة الكرملين المتمثل في الرئيس بوتين وحزبه "روسيا الموحدة" من جانب، وتعزيز حملات التشكيك الغربية في نزاهة الانتخابات من جانب آخر. 

وعكست النتائج الأولية التي أعلنتها رئيسة لجنة الانتخابات إيلا بامفيلوفا، نجاح الحزب الحاكم "روسيا الموحدة" في المحافظة على هيمنة مطلقة في مجلس الدوما (النواب)، بحصوله على نحو 50% من أصوات الناخبين على اللوائح الحزبية.

كما اكتسح مرشحو "روسيا الموحدة"، اللوائح الفردية، ليضمنوا الفوز بـ 199 مقعداً من بين 225، علماً بأن أعضاء الهيئة التشريعية الروسية الذين يبلغ عددهم 450 نائباً، ينتخبون بالمناصفة بين اللوائح الحزبية والفردية.

هيمنة الحزب الحاكم

وضَمِنَ حزب "روسيا الموحدة" بذلك نحو 330 مقعداً نيابياً، ما يمنحه غالبية دستورية تمكنه من سن القوانين منفرداً، دون الحاجة إلى التحالف مع أحزاب أخرى.

يكتسب هذا التطور أهمية خاصة؛ نظراً لأن التعديلات الدستورية التي تم إقرارها العام الماضي، منحت البرلمان صلاحيات واسعة في مسائل تشكيل الحكومة وإقرار الموازنات وتعيين المسؤولين البارزين في الدولة، ما يعني أن أي اقتراح يقدمه بوتين في هذه المجالات سيحظى بموافقة كاملة في الهيئة التشريعية.

على مستوى الأقاليم نجح الحزب أيضاً، في تحقيق نجاح واسع، إذ اكتسح مرشحوه غالبية المجالس المحلية، وإن كانت النتائج النهائية لم تعلن بعد، انتظاراً للإعلان الرسمي عنها يوم الجمعة المقبل.

وحلَّ الحزب الشيوعي الروسي في المرتبة الثانية، حاصداً أقل بقليل من 19% من الأصوات، ما عزَّز بشكل ملحوظ من حضوره مستفيداً من آلية "التصويت الذكي" التي ابتكرتها المعارضة لمواجهة نفوذ الحزب الحاكم عبر منح الأصوات لأكثر المرشحين حظاً في لوائح الأحزاب المنافسة له. 

وجاء الحزب الليبرالي الديمقراطي ثالثاً، بحصيلة بلغت 7.5% من الأصوات، وهي النسبة نفسها تقريباً التي حصل عليها حزب "روسيا العادلة" الذي غدا الرابع في الترتيب.

فيما جاء خامساً، في ترتيب الفائزين في هذه الانتخابات، حزب جديد يشارك للمرة الأولى في انتخابات على المستوى الفيدرالي، هو حزب "الناس الجدد" الذي نجح في تجاوز نسبة الحسم للتمثيل في البرلمان، محققاً 5.3% من الأصوات.

ولم يشكل هذا النجاح مفاجأة لأحد، نظراً لكون استطلاعات الرأي، قد منحته تقريباً هذه النسبة نفسها، لكن الجديد أن هذا الفوز سيغير للمرة الأولى منذ أكثر من عقدين تركيبة البرلمان المقبل، بعدما ظلت الأحزاب الأربعة الكبرى مهيمنة عليه خلال العقدين الماضيين. 

نسب إقبال مريحة

وشكَّلت نسب الإقبال المرتفعة نسبياً على صناديق الاقتراع، أبرز النتائج المعلنة لهذه الانتخابات، على خلفية مخاوف سابقة من عزوف الناخبين عن الإقبال، خاصة بسبب حملات التشكيك من جانب المعارضة وبعض الأطراف الغربية.

وكانت التوقعات وفقاً لاستطلاعات الرأي تدور حول استعداد نحو 40 إلى 45%، للمشاركة في العملية الانتخابية، لكن رئيسة لجنة الانتخابات المركزية الروسية، إيلا بامفيلوفا، أعلنت أن نسبة المشاركة الحقيقية وصلت إلى نحو 51.7%.

وأشارت إلى أن هذه النسبة تعد الأكبر منذ سنوات طويلة، علماً بأن نسبة الإقبال في الانتخابات البرلمانية السابقة عام 2016 بلغت 47%. 

تشكيك غربي

وبرز الارتياح في الكرملين لنتائج الانتخابات، إذ اعتبر الرئيس فلاديمير بوتين أنها تعكس مزاج الروس، وشكر مواطنيه بشكل خاص على تلبيتهم الواجب الوطني وعلى الإقبال النشط على الصناديق.

في المقابل، برزت انتقادات واسعة لروسيا في أوروبا والولايات المتحدة، حيث ندد الاتحاد الأوروبي بما وصفه بـ"مناخ الترهيب" في الفترة التي سبقت الاستحقاق، وانتقد غياب مراقبين مستقلين. كما نددت واشنطن بظروف إجراء الانتخابات؛ معتبرة أن الروس "مُنعوا من ممارسة حقوقهم المدنية".

وحملت عبارات التنديد الغربي بوادر لشكل العلاقة المنتظرة مع الغرب، علماً بأن الاتحاد الأوروبي فضلاً عن تحفظه على "تغييب" المعارضة، فقد وضع مسألة التصويت في القرم ضمن أسباب التحفظ الأساسية على نتائج الانتخابات.

تصويت الانفصاليين الأوكرانيين

وفي تطور يتوقع أن يشكل مسألة خلافية أخرى، لم تكتفِ روسيا في هذه الانتخابات بإجراء عمليات الاقتراع في منطقة شبه جزيرة القرم التي لا يعترف المجتمع الدولي بضمها إلى روسيا، بل امتدت عمليات الاقتراع إلى أجزاء انفصالية في أوكرانيا في إقليمي لوجانسك ودونيتسك في شرق البلاد.

وكثفت موسكو  خلال العام الأخير، عمليات منح الجنسية الروسية للمواطنين الأوكرانيين في هاتين المنطقتين التي أعلنتا الانفصال من جانب واحد عن أوكرانيا بدعم من موسكو. وتشير إحصاءات إلى حصول نحو 650 ألف مواطن في المنطقتين على الجنسية الروسية، وشارك في الانتخابات أقل بقليل من نصفهم.

ورأت أوساط أوروبية أن قيام موسكو بإجراء "انتخاباتها" على الأراضي الأوكرانية المتمردة يشكل انتهاكاً واسعاً للقانون الدولي، ما يرشح هذا الملف ليتحول إلى عنصر سجالات متفاقمة لاحقاً.

تركيبة البرلمان الجديد

شكل دخول الحزب الجديد "الناس الجدد" إلى تركيبة البرلمان الروسي تطوراً مهما كونه كسر احتكار الأحزاب الأربعة التقليدية الكبرى للتمثيل في البرلمان. والحزب الجديد تم تأسيسه في أقاليم الشرق الروسي أصلاً، وأنصاره منتشرون بكثرة في الأقاليم وليس في المركز الفيدرالي، ما يمنحه تميزاً عن باقي الأحزاب.

وكان اللافت أن مصادر الحزب أعلنت حصوله على منصب نائب رئيس البرلمان في مجلس الدوما الجديد، وهذا يعكس ارتياح الكرملين لنجاح الحزب وكونه راضياً عن أدائه. 

لكن التغيير في تركيبة البرلمان المقبل لا يقتصر على ذلك، إذ دلت قوائم الفائزين على قائمة الحزب الحاكم، أن الحزب بث دماءً جديدة في صفوفه، وتبلغ نسبة التغيير نحو 50% من نواب البرلمان الروسي، ويعد ذلك مؤشراً مهماً على أن الكرملين استفاد من التجارب السابقة التي رافقت موجات الاحتجاج الشعبي العام الماضي، وخاصة في مسألة تأثير المعارضة على مزاج الشارع وتحديداً على فئات الشباب.

ويبدو أن الحزب بتركيبة نوابه الجديدة ومع دخول حزب "الناس الجدد" إلى البرلمان، يعمل بشكل نشط لسحب قاعدة شعبية مهمة من المعارضة غير النظامية. 

أيضاً عبرت تركيبة البرلمان الجديد على تحول في مستوى تمثيل "الحزب الليبرالي الديمقراطي" الذي بالكاد حصل على 7.5% من الأصوات، مسجلاً أسوأ تراجع له منذ سنوات.

الحزب الذي يقوده السياسي المثير للجدل فلاديمير جيرينوفسكي ذو النزعة القومية، حصل في الانتخابات السابقة على 13% وكانت كل التقديرات تشير إلى احتمال حصوله في هذه الانتخابات على 12%. ومع تراجع تمثيله في البرلمان الجديد يبدو وفقاً لمراقبين أن الحزب دفع ثمن المشاركة النشطة لناخبيه في مناطق أقصى الشرق الروسي في حملات احتجاجية ضد سياسات الرئيس فلاديمير بوتين نظمت العام الماضي. 

مستقبل لافروف وشويجو

على خلفية نتائج الانتخابات، بدأ النقاش في روسيا يغدو أكثر نشاطاً عن احتمالات إجراء تعديل حكومي واسع، خاصة أن وجود أبرز وزيرين في الحكومة الحالية على رأس لائحة الحزب الانتخابية دفع إلى طرح تساؤلات عن دوريهما المقبلين.

والحديث هنا عن وزير الخارجية سيرجي لافروف، ووزير الدفاع سيرجي شويجو اللذين شغلا أول اسمين على لائحة "روسيا الموحدة".

وتدور تكهنات في روسيا بشأن بقاء شويجو في منصبه، مع احتمال أن يغادر لافروف وزارة الخارجية، ليشغل منصب رئيس البرلمان المقبل؛ نظراً لحاجة الرئيس فلاديمير بوتين إلى شخصية قوية لها صفات قيادية بارزة في الهيئة التشريعية الجديدة.

وفي هذا الشأن، قال الناطق باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، إنه لا توجد حالياً قرارات بشأن تغييرات في مجلس الوزراء على ضوء نتائج الانتخابات التشريعية الروسية الحالية، موضحاً أنه في حال قرر الرئيس بوتين ذلك، فإنه وفقاً للتعديلات الدستورية التي أقرت العام الماضي، فإن تسمية رئيس الوزراء وأعضاء الحكومة تجري بالتنسيق مع مجلس الدوما (النواب) الجديد.

ويعني هذا أن المسؤول الروسي البارز ترك الباب موارباً أمام كل الاحتمالات بشأن التركيبة الحكومية المقبلة، ومستقبل لافروف السياسي.

اقرأ أيضاً: