انتخابات روسيا.. معارضة مغيبة وسلطة تواجه "التصويت الذكي"

time reading iconدقائق القراءة - 14
ملصق دعائي لحزب "يابلوكا" في موسكو وهو الحزب الوحيد من المعارضة الذي يخوض الانتخابات العامة الروسية، 6 سبتمبر 2021. - AFP
ملصق دعائي لحزب "يابلوكا" في موسكو وهو الحزب الوحيد من المعارضة الذي يخوض الانتخابات العامة الروسية، 6 سبتمبر 2021. - AFP
موسكو-الشرق

قد تكون الانتخابات العامة في روسيا التي تنطلق الجمعة، الأكثر إثارة للجدل في تاريخ الاستحقاقات المماثلة منذ نحو عقدين.

المؤشرات تدل إلى عدم توقع مفاجآت كبرى، بعدما ضمنت الأحزاب السياسية المهيمنة على المشهد السياسي في البلاد، مقاعدها في البرلمان المقبل، وفي غالبية المجالس المحلية والبلدية في المدن والأقاليم.

لكن الغياب شبه الكامل للمعارضة الروسية، ستكون له تداعيات، وفقاً لخبراء. على صعيدي المشهد الداخلي في البلاد، وعلاقة موسكو بالغرب الذي بات يشكك سلفاً بنتائج عمليات الاقتراع، حتى قبل إتمامها.  

من بين 14 حزباً تتنافس للفوز بمقاعد الهيئة التشريعية الاتحادية والمجالس المحلية في الأقاليم، يقف حزب "يابلوكا" (التفاحة) المعارض وحيداً في المنافسة، بعدما فشلت إدارة الانتخابات في إيجاد ثغرة قانونية تسمح بحظر نشاطه، علماً بأن الحزب الذي يمثل التيار الديمقراطي الليبرالي ويجاهر بمعارضة سياسات الكرملين.

وينتمي "يابلوكا" لحقبة تسعينات القرن الماضي، وكان له حضور سابق مهم في المشهد السياسي الروسي. لكن فرصه تبدو معدومة حالياً، في تجاوز نسبة الحسم والتمثيل في البرلمان المقبل.

وتمنحه استطلاعات الرأي في أحسن الأحوال 3% من أصوات الناخبين. وإن كان هذا لا يمنع احتمال نجاح الحزب في تمرير بعض ناشطيه في الدوائر الفردية في الأقاليم. 

أما أحزاب ومكونات المعارضة الحديثة التي كان لها تأثير مهم في حشد أنصارها، وتنظيم احتجاجات واسعة ضد سياسات الرئيس فلاديمير بوتين خلال العام الماضي، فهي إما فشلت في تلبية الشروط المطلوبة للتسجيل رسمياً لدى لجنة الانتخابات المركزية، أو دخلت في "قفص الاتهام" بصفتها موالية للغرب وتسعى إلى زعزعة الأوضاع الداخلية في البلاد. 

سيناريوهات مواجهة المعارضة

منذ تعرض المعارض الروسي البارز أليكسي نافالني لمحاولة تسميم في خريف العام الماضي، حتى احتجازه في مطلع 2021، بأحد مطارات العاصمة الروسية، عند عودته من رحلة علاج في ألمانيا، بدت قدرة أنصاره، مع القوى المعارضة التي انضمت إليه، على حشد مئات الألوف في أوسع احتجاجات امتدت لتشمل عملياً كل الأقاليم الروسية.

الاحتجاجات أقلقت السلطات الروسية، خصوصاً مع نجاح المعارضة في التأثير على قطاعات واسعة من فئات الشباب.

وفي وقت كان الاستحقاق الانتخابي المقبل يضع السلطات أمام اختيارات صعبة، بسبب تدهور مواقع الحزب الحاكم. كانت المقولة السائدة بين شرائح واسعة من الروس في تلك الفترة أن "دعم الحزب الحاكم لم يعد موضة".  

وفي مواجهة هذا الموقف، سعت السلطات إلى تشجيع تسجيل أحزاب شبابية جديدة وموالية، لسحب أصوات المعارضة، وبعضها يتنافس حالياً في الاستحقاق الانتخابي وإن كانت فرصه ضعيفة لتحقيق اختراقات. 

وفي الإطار ذاته، بدأت أوساط الباحثين المقربين من الكرملين، تبحث عن سيناريوهات للتعامل مع الوضع الناشئ. على هذه الخلفية برز أمام الكرملين احتمالان، إما توسيع مظلة الأحزاب التي يمكن أن تحظى بحضور قوي في المشهد السياسي بعد الانتخابات، وبشكل يفكك تأثير المعارضة "غير الممنهجة"، أو الاعتماد على القوى التقليدية "المجربة" التي حظيت بتمثيل في البرلمان خلال العقدين الماضيين. 

اتخذ الرئيس بوتين في أواسط العام قراره النهائي الذي استند إلى الخيار الثاني، عبر تأكيده على أن "القوى السياسية الرائدة لعبت على مدى سنوات طويلة، أدواراً وطنية مهمة وكانت سنداً وشريكاً في مواجهة التحديات الكثيرة".

وكانت تلك إشارة واضحة إلى أن الانتخابات المقبلة سوف تكرس المشهد السياسي التقليدي في البلاد، وأن قوى المعارضة "المدعومة من الخارج" لا مكان لها في هذا المشهد.

قانون العملاء الأجانب

 على هذه الخلفية صدر في يونيو الماضي، أثناء انطلاق الحملة الانتخابية في البلاد، قانون يقضي بحظر ترشح أي من الأشخاص "المتورطين في أنشطة المنظمات المتطرفة في كل الانتخابات على أي مستوى". 

هذا القانون حرم أي مكون سياسي أُدرج سابقاً، أو سيتم إدراجه لاحقاً، على لائحة المنظمات التي توصف بأنها متشددة أو متطرفة أو تتلقى أموالاً ومساعدات من الخارج من المشاركة في أي استحقاق سياسي بالبلاد.  

وأكثر من ذلك، فقد وضع القانون تحت طائلة العقوبات، أي نشاط داعم لهذه القوى عبر التمويل أو الترويج لنشاطاتها أو تقديم أي مساعدة تنظيمية او استشارية لها. بمعنى آخر بات محظوراً على الروس ليس فقط الانخراط في أحزاب ومكونات معارضة بل أي عمل قد يفسر بأنه داعم لنشاطها. 

بموجب هذا القانون، سرعان ما تم إدراج "صندوق مكافحة الفساد" الذي أسسه نافالني قبل سنوات على لائحة المنظمات المحظورة، ما أسفر عن تفكيك شبكة كاملة من المقار واللجان الشعبية المؤيدة لنشاط الصندوق.

وكانت هذه المؤسسة مارست ضغوطاً كبيرة على الكرملين خلال السنوات الأخيرة، عبر نشرها تحقيقات عن فساد النخبة السياسية ساهم بعضها في خروج المظاهرات الشعبية الواسعة إلى الشوارع.

وقال ليونيد فولكوف، المسؤول عن إدارة الصندوق، إن "الحفاظ على عمل شبكة مقرات نافالني في شكلها الحالي أمر مستحيل، كما أن استمرارها سيجعلها تحت طائلة قانون التطرف، وسيعرض من يعملون فيها ومساعديهم والمتعاونين معهم لأحكام جنائية". 

وقال المعارض الروسي الذي فر في وقت سابق من البلاد، بعد توجيه اتهامات قضائية ضده بالتحريض على النظام، إنه بموجب هذا القانون "جرى استبعاد الجميع من السباق، وجرى القيام بكل شيء من أجل حصول حزب روسيا الموحدة على غالبية ساحقة". 

قيود على المعارضة

لم يكد الجدل يهدأ بشأن تداعيات هذا القانون حتى برزت سلسلة من الخطوات الأخرى التي وضعت قيوداً على تحركات المعارضة. كان أبرزها توسيع لائحة "العملاء الأجانب". 

وظهر مفهوم "العميل الأجنبي" في التشريع الروسي خلال عام 2017، والمقصود هنا الكيانات أو الأفراد الذين يتلقون دعماً مالياً من الخارج للقيام بنشاط سياسي في البلاد.  

لكن خلال السنوات الماضية لم يلفت القانون الأنظار، لأنه ظل محصوراً بكيانات محدودة جداً، لم تلعب أدواراً مهمة في المشهد السياسي الداخلي، في حين شهدت الشهور الأخيرة توسيعاً كبيراً على اللائحة التي باتت تضم فضلاً عن منظمات وكيانات، وسائل إعلام روسية وناشطين في مجالات عدة.

يفرض القانون على "العملاء الأجانب" قيوداً مشددة، ما يجعل استمرار عملهم على الأراضي الروسية صعباً. لذلك أعلن عدد من وسائل الإعلام المدرجة على اللائحة إنهاء نشاطها الإعلامي، وبين هؤلاء قناة "دوجد" التلفزيونية وهي القناة المعارضة الوحيدة في البلاد، وعدد من المواقع الإلكترونية الكبرى بينها "ميدوزا" و"نيوز رو"  وراديو "ليبرتي". كما شملت اللائحة بعض مراكز دراسات الرأي العام المستقلة، فضلاً عن منظمات حقوقية .

وكان لافتاً، أن رؤساء التحرير والناشرين في أكثر من 20 مطبوعة روسية مستقلة وجهوا الشهر الماضي، رسالة مفتوحة إلى الكرملين تطالب باستثناء وسائل الإعلام من القانون. 

لكن السلطات الروسية دافعت عن موقفها بحزم، عبر تأكيد أن أي طرف يتلقى تمويلاً من الخارج يجب أن يكون مشمولاً بالقانون. 

مخاوف من انتهاكات 

في هذه الأجواء حذرت المعارضة من احتمال أن يشهد الاقتراع المقبل تزويراً واسعاً، لا سيما بسبب ما وصف بـ"العراقيل أمام مراقبة الانتخابات"، وغياب المراقبين الدوليين وخصوصاً من منظمة الأمن والتعاون في أوروبا .

وتقول المعارضة إن السلطات تخلت عن تقنية كاميرات الويب التي كانت تقوم منذ سنوات بتصوير العملية الانتخابية في كل مكتب اقتراع. ورأت أن ذلك سوف يسمح مع غياب المعارضة عن مراقبة الاستحقاق بوقوع انتهاكات جسيمة. 

لكن السلطات الروسية تبدو مطمئنة إلى إجراءات السلامة الانتخابية، وحضور مراقبين من بلدان ومنظمات إقليمية ودولية. 

وقال النائب بمجلس الدوما بيتر تولستي، إن الروس على ثقة بقادتهم، وزاد إن "ما يريدونه هو أن يكون لديهم تنمية اقتصادية وأن يشعروا بالأمان، وكل هذه الأمور تؤمنها اليوم السلطة الروسية". 

وزاد تولستي أن "هؤلاء الخصوم كان يجب وقفهم لأنهم يريدون الإطاحة بالسلطة القائمة عبر وسائل ثورية". وأضاف: "إنهم أشبه بطالبان الطبقة المثقفة الروسية". 

التصويت الذكي

تعتقد المعارضة الروسية أن ورقتها الرابحة الأخيرة في هذا الاستحقاق هي عمليات "التصويت الذكي" التي يروج لها بقوة  أنصار نافالني.

وتقوم هذه التقنية، على وضع لوائح بالمرشحين في كل منطقة أو مركز انتخابي، واختيار أكثرهم حظاً في منافسة مرشح الحزب الحاكم، مهما كان انتماؤه السياسي، وحث الناخبين على منحه أصواتهم.

بعبارة أخرى، فإن المهمة الأساسية التي يضعها المعارضون أمامهم، بعد غيابهم أو "تغييبهم"، كما يقولون، عن المشاركة في الاستحقاق، تتركز في تقليص فرص الحزب الحاكم إلى أقصى درجة ممكنة، بصرف النظر عن الحزب أو اللائحة الانتخابية التي سوف تستفيد من هذه الآلية.

هذه الآلية لاقت نجاحاً ملموساً، في انتخابات تكميلية بالمجالس البلدية العام الماضي، وسبق أن جرى استخدامها بشكل محدود في عدد من الاستحقاقات المحلية في الأقاليم. 

لكن يبدو أن الدروس المستفادة من الماضي، وضعت السلطات أمام تحدي مواجهة هذه الآلية، لذلك فقد جرت خلال الشهر الأخير ملاحقات نشطة لقنوات الترويج للتصويت الذكي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وأغلقت السلطات كثيراً منها. 

وفي مقابل نقل المعارضة نشاطها إلى تقنيات أكثر تعقيداً عبر تسجيل الناخبين المؤيدين للفكرة بشكل لا يسمح للسلطات المختصة بالكشف بشكل مسبق عن هوياتهم منعاً لممارسة ضغوط عليهم، فقد وسعت الجهات الأمنية الروسية عمليات التضييق ضد مزودي هذه التقنيات بخدمات الإنترنت وغيرها من التسهيلات.

اتهام واشنطن

وكان لافتاً في هذا الصدد، أن موسكو فتحت النار بشكل قوي على الولايات المتحدة مؤخراً، واتهمتها بمحاولة دعم "التصويت الذكي" بهدف التأثير على مسار الانتخابات الروسية، أو للتشكيك لاحقاً في شرعيتها. 

واستدعت الخارجية الروسية قبل أيام السفير الأميركي لدى موسكو جون سوليفان وسلمته مذكرة احتجاج بسبب ما وصفته بأنه "معطيات مؤكدة" بشأن دعم واشنطن هذه الآلية. 

وقالت الناطقة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا لاحقاً إن الشركات التي قامت بدور في وضع تطبيق "التصويت الذكي" على علاقة بالبنتاجون.

وأوضحت زاخاروفا أن "جميع الشركات الضالعة في وضع هذا المشروع مرتبطة بشكل أو بآخر بوزارة الدفاع الأميركية، كما أن معظم عناوين بروتوكولات الإنترنت والخوادم التي تدعم تطبيق (التصويت الذكي) على الهواتف النقالة توجد في الولايات المتحدة". 

اقرأ أيضاً: