"أديس أبابا" على وقع الحرب.. خوف وملاحقات وحشد للسلاح

مشهد عام للعاصمة الإثيوبية أديس أبابا- 3 نوفمبر 2021 - REUTERS
مشهد عام للعاصمة الإثيوبية أديس أبابا- 3 نوفمبر 2021 - REUTERS
أديس أبابا-الشرق

وسط أنباء عن اقتراب "جبهة تحرير تيجراي" من العاصمة الإثيوبية، تسيطر حالة من الخوف والترقب على سكان أديس أبابا، في حين تشير التحليلات إلى "حمام دم" مرتقب إذا ما استمرت التصعيدات العسكرية بوتيرتها الحالية. 

وازدحمت شوارع ومتاجر العاصمة أديس أبابا التي يبلغ عدد سكانها حوالي 5 ملايين نسمة، مع اندفاع بعض المقيمين لشراء المواد الاستهلاكية مثل الدقيق والحبوب الغذائية والوقود خوفاً من إغلاق المتاجر في حال حدوث اضطرابات بسبب الأنباء عن اقتراب مقاتلي تيجراي من المدينة.

ولكن الإقبال على المتاجر وتخزين المواد الأولية ليس السمة الوحيدة للوضع في العاصمة، إذ تجنح نحو التحول إلى "ثكنة عسكرية"، للقتال ضد مسلحي "جبهة تحرير تيجراي" والقوات المتحالفة معها، الذين سيطروا على بلدة كميسي في إقليم أمهرا، والتي تبعد نحو 320 كيلومتراً من العاصمة.

قنابل وأسلحة ثقيلة

وفي مؤشر على استمرار حالة التأهب في العاصمة، دعا الجيش الإثيوبي الجمعة جنوده السابقين "اللائقين بدنياً" للتسجيل للمشاركة في العمليات العسكرية، من 10 إلى 24 نوفمبر الجاري، وهو ما يعد بمثابة طلب لدعم الجيش الإثيوبي، في وقت أعلنت شرطة أديس أبابا، تمديد تسجيل الأسلحة النارية لسكان المدينة حتى السادس من نوفمبر، وسط تخوف من وجود عناصر "داعمة" للجبهة.

ودعت الشرطة كل من لم يسجل ويوجد في حوزته سلاح ناري، إلى التوجه لأقرب مركز شرطة، وانتهاز الفرصة للتسجيل خلال هذه الفترة. ووفقاً لشرطة أديس أبابا، فإن الأفراد الذين لا يبادرون في تسجيل الأسلحة سيخضعون للمساءلة بموجب إعلان الطوارئ، وسيتم تسليم الأسلحة إلى الحكومة.

وأكد المتحدث باسم الشرطة استمرار الإقبال على التسجيل، مشيراً إلى أن "بعض المواطنين يأتون بقنابل وأسلحة ثقيلة ونحن نسجلها أيضاً".

ونشرت وسائل إعلام حكومية، الجمعة، صوراً لمواطنين قالت إنهم يعملون بالتنسيق مع القوات الأمنية في مختلف مناطق العاصمة للحفاظ على السلام في المدينة، مشيرة إلى أوامر حكومية لسكان أديس أبابا للقيام بدورهم في ضمان السلام وتعزيز حماية المدينة من خلال "تحديد المتآمرين والمتسللين والإبلاغ عنهم".

وفي وقت سابق الاثنين، دعا رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، مواطنيه في جميع أنحاء البلاد، للانضمام إلى القتال ضد مقاتلي "جبهة تحرير تيجراي"، بعدما أعلنت الأخيرة سيطرتها على بلدتين استراتيجيتين في شمال شرق البلاد.

من ناحيته، ذكر المتحدث باسم "جبهة تحرير تيجراي" جيتاتشو رضا، أن الحركة لا تنوي "إطلاق النار على المدنيين أو إراقة الدماء"، لافتاً إلى أنهم "يرغبون في أن تكون العملية سلمية"، في تصريحات اعتبرها مراقبون تأكيداً على أن القوات باتت قاب قوسين من العاصمة أديس أبابا.

صورة نشرتها وسائل إعلام حكومية لمواطنبن قالت إنهم يعملون مع القوات الأمنية الإثيوبية لحفظ السلام في العاصمة أديس أبابا 5 نوفمبر 2021 - Fana Broadcasting Corporate
صورة نشرتها وسائل إعلام حكومية لمواطنين قالت إنهم يعملون مع القوات الأمنية الإثيوبية لحفظ السلام في العاصمة أديس أبابا- 5 نوفمبر 2021 - Fana Broadcasting Corporate

اتهامات باستهداف التيجراي

ووفقاً للأنباء المتوافرة، فإن هناك حملة اعتقالات تجري في العاصمة الإثيوبية، في وقت تشير بعضها إلى استهداف قومية التيجراي، بينما لم تنكر السلطات عمليات الاعتقال، إنما اعتبرت أنها تستهدف من يدعمون "الجماعات الإرهابية".

وقال بعض من التقتهم "الشرق" في العاصمة أديس أبابا، إن هناك عمليات اعتقال كبيرة لأشخاص من قومية تيجراي في المدينة، وهو ما نفاه المتحدث باسم الشرطة الإثيوبية فاسيكا فانتا الذي صرح بأن الاعتقالات "لم تكن على أساس العرق".

وأضاف فانتا في تصريحات للإعلام المحلي: "نحن نعتقل فقط أولئك الذين يدعمون بشكل مباشر أو غير مباشر الجماعة الإرهابية غير الشرعية، وهذا يشمل الدعم المعنوي والمالي والدعائي".

لكن صحافياً إثيوبياً أكد تعرض صحافيين من قومية التيجراي للاعتقال أو لإنهاء خدماتهم من دون مبرر، فيما شكا صحافيون في مؤسسة الإذاعة والتلفزيون الرسمية من تعرضهم للتمييز بسبب انتمائهم لقومية تيجراي، وهو ما لم تنفه أو تؤكده الجهات الرسمية حتى اللحظة.

"اعتقالات بالآلاف"

من جهتها، نقلت وكالة "أسوشييتد برس" عن سكان من عرقية تيجراي في العاصمة قولهم إنهم يختبئون في منازلهم، وذلك مع تنفيذ السلطات عمليات تفتيش داخل المنازل، وإيقافها الناس في الشوارع للتحقق من بطاقات الهوية، التي يجب على الجميع الآن حملها.

وقدَّر أحد المحامين، الذي تحدَّث شريطة عدم الكشف عن هويته خوفاً من الانتقام، أنه تم اعتقال الآلاف هذا الأسبوع، مستشهداً بمحادثات مع "العديد من الأشخاص من جميع أنحاء المدينة"، ومشيراً إلى أن المحامين من التيجراي أمثاله كانوا عاجزين عن المساعدة بسبب عرقهم.

وقالت راحيل التي اعتقل زوجها الثلاثاء أثناء ذهابه للعمل كتاجر، لكن لم توجه إليه أي تهمة: "أملنا الوحيد الآن هو (قوات تيجراي). ولنكن صادقين، فهم أيضاً قد لا ينقذوننا أنا وزوجي. لكن إذا كان من الممكن إنقاذ عائلاتنا، أعتقد أن هذا كافٍ".

وقال يارد وهو مواطن آخر من عرقية تيجراي، إن شقيقه وهو رجل أعمال اعتقل الاثنين، لافتاً إلى أنه عندما ذهب إلى مركز الشرطة، رأى العشرات من سكان تيجراي هناك.

إجراءات صارمة

وكان فريق العمل المشترك الذي تم تشكيله للحفاظ على السلام والأمن في أديس أبابا، أعلن الاثنين الماضي، تكثيف الإجراءات القانونية الصارمة ضد من وصفهم بـ"مؤيدي جبهة تحرير تيجراي، وأولئك الذين يحنون إلى عهدها الماضي".

مواطنون إثيوبيون يؤدون التحية خلال إحياء ذكرى ضحايا حرب تيجراي في العاصمة أديس أبابا 3 نوفمبر 2021 - AFP
مواطنون إثيوبيون يؤدون التحية خلال إحياء ذكرى ضحايا حرب تيجراي في العاصمة أديس أبابا 3 نوفمبر 2021 - AFP

وأشار الفريق المكون من جهاز الأمن الوطني والمخابرات الفيدرالية وشرطة أديس أبابا وشرطة أوروميا، في بيان، إلى أن مؤيدين للجبهة "يستأجرون منزلاً ويعملون معاً، ويختارون مكاناً سرياً".

ودعا الفريق الحكومي الأفراد والمنظمات إلى "التحقق الفوري من هوية المستأجرين وإبلاغ الشرطة بالمعلومات في حالة الشك".

مغادرة العاصمة

ومع تزايد نذر المواجهة المرتقبة، وإعلان تشكيل تحالف من 9 حركات للإطاحة بحكومة رئيس الوزراء آبي أحمد "طوعاً أو كرهاً"، دعت العديد من الدول مواطنيها إلى مغادرة البلاد، بما في ذلك الولايات المتحدة التي وجهت عبر سفارتها في أديس أبابا نداءً للمواطنين الأميركيين بالمغادرة فوراً.

كما أشارت تقارير صحافية إلى مغادرة عدد من الدبلوماسيين والمواطنين للعاصمة أديس أبابا خوفاً من مواجهات محتملة في محيط المدينة بين القوات الحكومية، والجبهات المعارضة.  

ورداً على دعوات المغادرة، قال مكتب الاتصال الحكومي الإثيوبي، في بيان إن "بعض السفارات الأجنبية تدعو رعاياها لمغادرة البلاد على خلفية شائعات غير صحيحة عن محاصرة جبهة تحرير تيجراي للعاصمة"، مضيفاً: "يجب أن تتوقف عن هذا الأمر غير الدقيق، وإلا فستضطر الحكومة لاتخاذ إجراءات صارمة حول هذا الموضوع".

واتهمت الحكومة وسائل إعلام ووكالات أجنبية بـ"نشر معلومات مضللة عن سقوط بعض المدن في أيدي جبهة تحرير تيجراي".

كما اتهمت عاملين في منظمات أجنبية "بنشر معلومات كاذبة عن طلب مسؤولين حكوميين تأشيرات بهدف إثارة الشكوك في أوساط الشعب والجيش الوطني".

التاريخ يعيد نفسه

أحد المحللين قال لـ"الشرق"، شريطة عدم الكشف عن هويته، إن "جبهة تحرير تيجراي" ستمتنع على الأرجح عن أي تقدم نحو العاصمة أديس أبابا، قبل أن تؤمن الطريق السريع الممتد من جيبوتي المجاورة إلى العاصمة.

ويعتبر هذا الطريق بمنزلة الشريان الاقتصادي لإثيوبيا التي لا تمتلك موانئ مطلة على البحر الأحمر، وتعتمد بشكل أساسي على موانئ جيبوتي المجاورة.

ويعد السيناريو القائم حالياً أشبه بما حدث في تسعينيات القرن الماضي، عندما سقطت العاصمة الإثيوبية في أيدي قوات الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية بقيادة مليس زيناوي.

وكانت ثمانينيات القرن الماضي قد شهدت سلسلة من المجاعات التي ضربت إثيوبيا، وأثرت على 8 ملايين نسمة، وتوفي على إثرها مليون شخص.

وأدت هذه التطورات إلى قيام حركات معارضة للحكم الشيوعي، خاصة في المناطق الشمالية بإقليم تيجراي.

وحاولت الحكومة الإثيوبية وقتها بقيادة منغستو هيلا مريام القضاء على المعارضة عبر حملات عسكرية من أهمها عمليات شيرارو، ولاش، والنجم الأحمر، لكنها لم تحقق غايتها.

وفي عام 1991 تمت الإطاحة بحكومة منغستو على يد قوات الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية، إلى جانب القوات الإريترية التي كانت متحالفة مع "جبهة تحرير تيجراي" آنذاك، وسقطت في أيديهم العاصمة أديس أبابا، بعد قتال ضار وفرَّ مغنستو طالباً حق اللجوء السياسي إلى زيمبابوي.

وبحلول عام 1991، تحولت "جبهة تحرير تيجراي"، إلى جيش ضخم يزيد قوامه على أكثر من 100 ألف مقاتل، وضمَّت فرقاً خاصة تمتلك آليات ومعدات عسكرية.

"الزهرة الجديدة"

وتعتبر أديس أبابا إحدى أقدم مدن القارة الإفريقية، فقد تأسست عام 1887، ويطلق عليها لقب "العاصمة الإفريقية" نظراً إلى أهميتها الدبلوماسية والسياسية، خصوصاً أنها تحتضن مقر الاتحاد الإفريقي ومن قبل ذلك مقر منظمة الوحدة الإفريقية.

وتبلغ مساحة أديس أبابا 554 كيلومتراً مربعاً، وحصلت المدينة على اسمها من زوجة الإمبراطور الثاني منيليك الثاني، الإمبراطورة "طايتو".

وتقول الروايات إن الإمبراطورة توقفت في العام 1887 في منطقة تسمى "فل فوها" وسط أديس أبابا، حيث لفتت نظرها زهرة رائعة لم ترها من قبل، ونتيجة لذلك أطلقت على المكان اسم أديس أبابا، أي "الزهرة الجديدة".

وتقع أديس أبابا على ارتفاع يبلغ 7 آلاف و726 قدماً فوق مستوى سطح البحر، وهو ما يجعلها واحدة من أعلى مدن العالم والأعلى في إفريقيا.

ولكونها عاصمة البلاد، تعتبر جميع المجموعات العرقية الإثيوبية تقريباً ممثلة فيها إلى حد ما. واستناداً إلى إحصاءات موقع "Population Stat"، فإن أكبر المجموعات التي تقطن العاصمة هي قومية الأمهرة التي تشكل نصف سكان العاصمة بنسبة 47%، يليها شعب الأورومو بنسبة 19% ثم شعب الغوراغي بنسبة 16% من السكان، فيما تقتسم باقي المدينة، قوميات التيجراي والسيلتي والجامو.

اقرأ أيضاً: