خرجت احتجاجات في العاصمة التركية أنقرة ومدينة إسطنبول، الثلاثاء، اعتراضاً على تدهور الليرة التي انخفضت إلى مستوى قياسي وغير مسبوق، بعدما فقدت أكثر من 65% من قيمتها منذ بداية العام أمام الدولار الأميركي، فيما دعا سياسيون بارزون إلى إجراء انتخابات مبكرة، متهمين الحكومة بـ"التمسك بالسلطة، مقابل إفلاس الدولة".
وبحسب وسائل إعلام تركية، خرج مئات المواطنين إلى الشوارع للتظاهر في قضاء "جنقايا" بالعاصمة، مرددين "ليستقِل حزب العدالة والتنمية" الحاكم، و"لترحل الحكومة الحالية"، ومطالبين بإجراء انتخابات مبكرة في أسرع وقت ممكن.
وفي إسطنبول، تظاهر العديد من الأتراك في منطقة شيشلي بالطرف الأوروبي من المدينة، لتتوسع رقعة الاحتجاج إلى منطقة قاضي كوي الواقعة في الشطر الآسيوي من المدينة.
وحمل المتظاهرون لافتات كتب عليها "ستحاسبون، لتستقِل الحكومة الحالية، لقد أفلستم البلاد"، و"حكمتم علينا بالجوع والفقر".
وبحسب موقع "دوفيز" التركي لتداول العملات، هبطت العملة في تداولات صباح الثلاثاء إلى أكثر من 12 ليرة مقابل الدولار.
ووصف كمال، وهو أحد المواطنين الأتراك، الوضع المعيشي في البلاد بـ"الصعب والمعقد"، وقال في حديث لـ"الشرق"، إن الأسعار أضحت "باهظة جداً مقارنة بالسابق، كلما ارتفعت العملات الأجنبية زادت أسعار جميع المنتجات الأساسية والغذائية ... الغلاء طال حتى لقمة الخبز التي تعد من حاجاتنا الأساسية، وأتوقع أن تصبح القطعة الواحدة بثلاث ليرات في الأيام المقبلة".
وأدى تدهور قيمة الليرة إلى ارتفاع طال أسعار معظم البضائع والمنتجات والسلع الغذائية الأساسية كالخبز والسكر والزيت، فضلاً عن زيادات في الإيجارات تراوحت في المدن الكبرى كإسطنبول وإزمير وأنقرة من 30% إلى 100% وأحياناً بلغت 200 %، تبعاً لاختلاف المنطقة، وذلك بحسب مختصين في مجال العقارات.
كما ارتفعت تكاليف خدمات الماء والكهرباء والغاز الطبيعي، فلم تثقل كاهل المواطن التركي فحسب، بل ألقت بظلالها أيضاً على التجار والمنتجين.
وقال بهتيار، وهو صاحب أحد محال بيع المواد الغذائية في مدينة إسطنبول، إنه "كلما فقدت الليرة التركية قيمتها ارتفعت أسعار المواد الأساسية"، مشيراً إلى أن الزيادة بلغت أكثر من 60% "لا يوجد ربح الآن، وبصعوبة بالغة نستطيع تأمين الاحتياجات الأساسية لتغطية تكاليف المخزن وإيجاره ودفع رواتب العمال. طالما أن أسعار المواد الأولية في تزايد، أتوقع استمراراً في زيادة أسعار السلع".
خفض الفائدة
بلغت نسبة ما فقدته الليرة التركية من قيمتها أكثر من 60% منذ بداية العام، بتراجع بلغ 17% منذ بداية الأسبوع الماضي فقط، وذلك عقب قرار البنك المركزي التركي، الخميس الماضي، خفض سعر الفائدة 100 نقطة أساس على عمليات إعادة الشراء، فيما بلغ معدل التضخم نحو 20% أكتوبر الماضي، على أساس سنوي، وهو معدل لم يسجل منذ 2019، وفق إحصاءات رسمية.
وجاء قرار المركزي بعد تصريحات للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، شدد فيها على عدم تراجع حكومته عن تقليل نسبة سعر الفائدة، وأكد تصميمه على إزالة "آفة الفائدة" المرتفعة وفق وصفه، معتبراً أن الفائدة المرتفعة هي سبب ارتفاع معدل التضخم.
وتعهد الرئيس أردوغان، الاثنين، عقب اجتماع للحكومة في أنقرة، أن تخرج تركيا منتصرة مما أطلق عليه "حرب الاستقلال الاقتصادي" التي تخوضها في الفترة الحالية، على حد تعبيره، مضيفاً أنه يفضل الاستثمار والنمو على سعر الفائدة المرتفع.
"انتخابات مبكرة"
وعقب تصريحات الرئيس أردوغان وهبوط الليرة الحاد، تصاعدت الانتقادات وردود أفعال سياسية وشعبية واسعة، وشهدت مواقع التواصل الاجتماعي تفاعلاً كبيراً تحت عدة وسوم، تنتقد الأوضاع الاقتصادية الراهنة.
ودعا سياسيون بارزون لإجراء انتخابات مبكرة، متهمين الحكومة بـ"التمسك بالسلطة مقابل إفلاس الدولة".
واعتبر أحمد داوود أوغلو، رئيس حزب "المستقبل" التركي المعارض، ورئيس الوزراء السابق المنشق عن حزب "العدالة والتنمية" الحاكم، أنه لا يمكن وصف محاولات أردوغان البقاء في السلطة رغم إفلاس الدولة بحرب "الاستقلال الاقتصادية".
وأضاف داوود أوغلو في سلسلة تغريدات على تويتر أن "كل تصريح يدلي به أردوغان يدمر من خلاله اقتصاد البلاد، ولوبي الجهل هذا أصبح مشكلة أمن قومي"، متابعاً: "تجاوزت الليرة التركية عتبة الـ12، وأنتم مازلتم تشاهدون".
واتهم داوود أوغلو الحكومة التركية بأنها السبب الرئيسي في الأزمة الاقتصادية، مطالباً بإجراء انتخابات مبكرة على الفور.
بدوره، قال رئيس حزب "الديمقراطية والتقدم" المعارض، علي باباجان، وهو وزير الاقتصاد الأسبق، والملقب بمهندس الاقتصاد التركي، في مقطع فيديو بثه الموقع الرسمي للحزب، إن تركيا "ليست مختبراً حيث يمكنكم تجربة كل ما يخطر ببالكم! إن المواطنين الأتراك ليسوا فئران تجارب... يكفي هذا... اقتصاد البلاد ليس لعبة".
وتابع باباجان "في الوقت الحالي لا توجد حرب الاستقلال الاقتصادية في بلادنا، بل توجد ليرة تركية فقدت قيمتها، ودولة تركية فقدت مصداقيتها بسبب الإدارة السيئة".
"خارج السيطرة"
ويرجع تدهور الليرة التركية، وفق محللين اقتصاديين، إلى التدخل السياسي في السياسة النقدية للبنك المركزي، في ظل دعوات الرئيس التركي أردوغان المتكررة لخفض أسعار الفائدة، والتغييرات المتتالية والسريعة في قيادات البنك، بقرارات رئاسية.
ووصف الكاتب والمحلل الاقتصادي مصطفى سونماز الوضع الاقتصادي بـ"الخارج عن السيطرة"، وقال في تصريحات لـ"الشرق"، إن تأرجح سعر الصرف "تسبب في زيادة الأسعار، فالحكومة فقدت السيطرة على الوضع والشعب فقد ثقته بها، والمخاوف من ارتفاع التضخم قائمة".
وعلّق سونماز على تصريحات الرئيس أردوغان الأخيرة، بخصوص ما وصفه بـ"حرب الاستقلال الاقتصادية"، قائلاً: "الذي يحدث مع أردوغان ليس محاولة الانتصار في حرب الاستقلال الاقتصادية، بل صراع في مستنقع وقع فيه ولا يستطيع الخروج منه". وأضاف أن المسؤولية الآن "تقع على عاتق المعارضة، يجب إجبار النظام الحاكم على إجراء انتخابات طارئة وعاجلة دون المزيد من الغرق في هذا المستنقع، فالوضع لم يعد يتحمل التأخير".
3 أساسيات للحكومة
اعتبر عضو حزب "العدالة والتنمية" الحاكم، والنائب السابق عن الحزب لمدينة إسطنبول، محمد متين آر، أن المعارضة "تريد أن تظهر أن الحكومة فاشلة في إدارتها للوضع الاقتصادي، إلا أن حكومتنا تفعل ما بوسعها".
وأشار إلى أن هناك ثلاثة أمور أساسية في السياسات الاقتصادية للحكومة "هي الاستثمارات والعمالة والصادرات".
وقال عضو حزب "العدالة والتنمية" الحاكم في حديث لـ"الشرق": "فتحنا أبوابنا لجميع المستثمرين، ونحاول جذبهم من خلال خلق البيئة المناسبة لهم. ومن جهة أخرى، تحاول الحكومة دعم العائلات التركية وبالأخص التي يكون أفرادها عاطلين عن العمل وتقدم مساعدات مالية لهم، والأهم من ذلك أن الحكومة تقدم خدمات صحية واجتماعية مجاناً، على عكس الدول الأوروبية وغيرها".
وأضاف آر : "تركيا بشكل عام من أكثر الدول التي لها أعداء، وتتعرّض دائماً لهجمات داخلياً وخارجياً، ورغم كل ذلك هي اليوم من ضمن أقوى الدول اقتصادياً"، مؤكداً أنه "بفضل خطة الإصلاحات الاقتصادية الجديدة، ستقوم الحكومة بخطوات هامة منها تخفيض التضخم، وزيادة العمالة".
وكانت وزارة التجارة أعلنت خلال الأشهر الماضية تشكيل لجان تفتيش للحد من رفع الأسعار، وفرض عقوبات مالية على أصحاب المحال الذين لا يتقيدون بتعليمات الوزارة الهادفة إلى تحقيق استقرار الأسعار في الأسواق التركية.
وبحسب أحدث بيانات نشرتها هيئة الإحصاء التركية، تراجع مؤشر ثقة المستهلك في اقتصاد البلاد في نوفمبر الجاري بنسبة 7.3 % مقارنة بالشهر السابق ليصبح عند 71.1 نقطة.
اقرأ أيضاً: