قال مسؤولون إن الولايات المتحدة وحلفاءها ينسقون لفرض عقوبات جديدة على روسيا، بعد أن اعترفت موسكو باستقلال منطقتين في شرق أوكرانيا.
وبدأ ظهور التفاصيل في خطوات تتخذها أو تعتزم اتخاذها كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا وقوى غربية أخرى.
وذكر تقرير لوكالة "رويترز" أن حزمة العقوبات المنتظرة تشمل إجراءات مصرفية وتضييق على شركات الطاقة وأفراد مرتبطين بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وفيما يلي تفاصيل القيود المفروضة حتى الآن، والعقوبات الأخرى التي يمكن أن تستهدف روسيا:
البنوك والشركات المالية
أعلنت بريطانيا فرض عقوبات على 5 بنوك هي: بنك روسيا وبنك البحر الأسود وجينبنك وآي.إس بنك وبرومسفياز بنك، وكلها بنوك صغيرة الحجم باستثناء برومسفياز بنك، المدرج في قائمة البنك المركزي للبنوك المهمة.
ويخضع بنك روسيا بالفعل لعقوبات أميركية منذ عام 2014 بسبب صلاته الوثيقة بمسؤولي الكرملين.
وصيغت حزمة عقوبات للاتحاد الأوروبي، لتشمل فرض قيود على البنوك التي تشارك في تمويل أنشطة انفصالية في شرق أوكرانيا.
وذكر بيان لوزارة الخزانة الأميركية، أن الولايات المتحدة فرضت عقوبات على بنك "في إي بي" و"برومسفياز بنك" الروسيين الثلاثاء، بعد أن اعترفت روسيا رسمياً باستقلال منطقتين انفصاليتين في شرق أوكرانيا.
وقالت وزيرة الخزانة جانيت يلين في البيان إن "الإجراءات التي اتخذت اليوم بالتنسيق مع شركائنا وحلفائنا، تبدأ عملية تفكيك الشبكة المالية للكرملين وقدرته على تمويل النشاط المزعزع للاستقرار في أوكرانيا وحول العالم".
وأضافت وزارة الخزانة أن الولايات المتحدة فرضت عقوبات على "نخب" مقربة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، موضحة أن العقوبات تطال 3 أفراد ضمن حزمة عقوبات تستهدف روسيا، كما زادت القيود على المعاملات في الدين السيادي الروسي.
كما تقول مصادر إن إدارة الرئيس جو بايدن تجهز إجراءات شاملة للإضرار بالاقتصاد الروسي، ما قد يؤدي إلى قطع علاقات "المراسلة" المصرفية بين البنوك الروسية المستهدفة والبنوك الأميركية التي تتيح المدفوعات الدولية.
كما ستستخدم واشنطن أقوى أداة للعقوبات على بعض الأفراد الروس والشركات، من خلال إدراجهم في قائمة (المواطنين المعينين خصيصاً) التي تخرجهم فعلياً من النظام المصرفي الأميركي، وتحظر تجارتهم مع الأميركيين وتجمد أصولهم بالولايات المتحدة.
وقالت مصادر مطلعة على الإجراءات المخطط لها إن بنك "في.تي.بي" وبنك سبير وبنك جازبروم أهداف محتملة.
ومن غير الواضح ما إذا كانت البنوك الروسية ستُضاف لقائمة (المواطنين المعينين خصيصاً)، لكن كلا النوعين من العقوبات يمكن أن يلحق ضرراً بالغاً بروسيا، ويجعل من الصعب عليها التعامل بالدولار الأميركي.
والبنوك الكبيرة في روسيا مندمجة بعمق في النظام المالي العالمي، ما يعني أن ضرر العقوبات يمكن أن يتخطى حدودها.
وتُظهر بيانات بنك التسويات الدولية أن مقرضين أوروبيين يملكون نصيب الأسد في حوالي 30 مليار دولار لبنوك أجنبية منكشفة على روسيا.
وبحسب بيانات البنك المركزي الروسي، فإن إجمالي الأصول والالتزامات الأجنبية المصرفية لروسيا بلغت 200.6 مليار دولار و134.5 مليار على الترتيب. وتبلغ حصة الدولار الأميركي نحو 53% من كليهما، انخفاضاً من 76-81% قبل عشرين عاماً.
الديون السيادية
أفاد بيان للاتحاد الأوروبي أن حزمة الإجراءات التي يناقشها التكتل تستهدف "قدرة الدولة الروسية والحكومة على الوصول إلى الأسواق المالية وأسواق رأس المال والخدمات في الاتحاد الأوروبي لتقييد تمويل السياسات التصعيدية والعدوانية".
وهددت بريطانيا الأسبوع الماضي بمنع الشركات الروسية من جمع رؤوس أموال في لندن، المركز المالي الأوروبي لمثل هذه المعاملات، رغم أنها لم تفعل ذلك في إعلانها الثلاثاء.
وحتى قبل الأحداث الأخيرة، أصبح الوصول إلى السندات الروسية مقيداً بشكل متزايد.
وجعلت عقوبات أميركية فرضت في عام 2015 الديون المستقبلية بالدولار في روسيا غير مؤهلة للعديد من المستثمرين والمؤشرات الرئيسية.
وفي أبريل 2021، حظر الرئيس الأميركي على المستثمرين الأميركيين شراء سندات روسية جديدة بالروبل، بسبب اتهامات بتدخل روسي في الانتخابات الأميركية.
وخفضت تلك القيود الدين الخارجي لروسيا بنسبة 33% منذ أوائل عام 2014، من 733 مليار دولار إلى 489 مليار دولار في الربع الثالث من 2021.
ويحسن انخفاض الديون الميزانية العمومية للدولة ظاهرياً، لكنه يحرمها من مصادر التمويل التي يمكن أن تساهم في النمو الاقتصادي والتنمية.
عقوبات على الأفراد
معاقبة الأشخاص عن طريق تجميد الأصول وحظر السفر أداة شائعة الاستخدام، والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا لديهم بالفعل مثل هذه العقوبات على عدد من الأفراد الروس.
وفرض الاتحاد الأوروبي، الاثنين، عقوبات على 5 أشخاص لهم علاقة بالانتخابات البرلمانية الروسية في سبتمبر 2021 في شبه جزيرة القرم، التي ضمتها موسكو في عام 2014.
وقال مسؤول إن حزمة العقوبات التي يصوغها الاتحاد الأوروبي قد تتضمن قيوداً على الذين شاركوا في قرار الاعتراف بالمنطقتين الانفصاليتين في أوكرانيا، وهو ما قد يعني جميع أعضاء مجلس النواب بالبرلمان الروسي الذين صوتوا لصالح القرار.
في ذات الوقت، فرضت بريطانيا عقوبات على 3 رجال هم رجل الأعمال الروسي جينادي تيمتشينكو والمليارديرين إيجور وبوريس روتنبرج، وجميعهم من حلفاء الرئيس فلاديمير بوتين، ومن سان بطرسبرج، ونمت ثرواتهم الشخصية بشكل سريع بعد صعود بوتين إلى سدة الرئاسة. وتفرض الولايات المتحدة بالفعل عقوبات على الرجال الـ3.
وبينما استخدمت الولايات المتحدة تصنيف قائمة (المواطنين المعينين خصيصاً) في الماضي لمعاقبة قلة يُعتبرون "جهات فاعلة سيئة"، أصبحت أكثر حذراً في السنوات الأخيرة بعد أن تسبب فرض عقوبات في 2018 على مالك شركة روسال الروسية العملاقة للألومنيوم في ارتفاع حاد لأسعار الألومنيوم، وأجبر واشنطن على التراجع.
وكشف الديمقراطيون بمجلس الشيوخ الأميركي النقاب عن مشروع قانون في يناير، يستهدف فرض عقوبات شاملة على كبار المسؤولين الحكوميين والعسكريين الروس، بمن فيهم بوتين. وقال الرئيس بايدن إنه سيكون على استعداد للنظر في فرض عقوبات شخصية على الرئيس الروسي.
وتقول موسكو إن أي تحرك لفرض عقوبات على بوتين نفسه لن يضر بالرئيس الروسي شخصياً، لكنه سيكون "مدمراً سياسياً".
شركات الطاقة ونورد ستريم 2
تفرض الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بالفعل عقوبات على قطاعي الطاقة والدفاع في روسيا، إذ تواجه شركة الغاز المملوكة للدولة جازبروم وذراعها النفطي جازبروم نفت ومنتجي النفط لوك أويل وروسنفت وسورجوتنيفتجاز أنواعاً مختلفة من القيود على الصادرات والواردات وجمع الديون.
ويمكن توسيع العقوبات وتعميقها مع خيار محتمل يتمثل في منع الشركات من التسوية بالدولار الأميركي.
كما أن خط أنابيب نورد ستريم 2، الذي تم الانتهاء منه في الآونة الأخيرة بين روسيا وألمانيا، كان ينتظر موافقة الهيئة التنظيمية في الاتحاد الأوروبي والسلطات الألمانية، قبل أن تجمد برلين المصادقة عليه.
ويضعف اعتماد أوروبا على إمدادات الطاقة الروسية يد الغرب عند التفكير في فرض عقوبات في هذا القطاع.
كبح الرقائق
أبلغ البيت الأبيض صناع الرقائق الإلكترونية الأميركيون أن يكونوا جاهزين لقيود جديدة على الصادرات إلى روسيا إذا هاجمت موسكو أوكرانيا، بما في ذلك احتمال عرقلة وصول روسيا إلى الإمدادات الإلكترونية العالمية.
واتُخذت إجراءات مماثلة خلال الحرب الباردة، عندما أبقت العقوبات التكنولوجية الاتحاد السوفيتي متأخراً تقنياً وأعاقت النمو الاقتصادي.
وقف نظام التحويلات المالية
فصل النظام المالي الروسي عن نظام التحويل أو التراسل المالي الدولي (سويفت) سيكون أحد أقسى الإجراءات، فالنظام تستخدمه أكثر من 11 ألف مؤسسة مالية في أكثر من 200 دولة.
وفصل سويفت البنوك الإيرانية في عام 2012، مع تشديد العقوبات الدولية على طهران بسبب برنامجها النووي. ويقول مركز كارنيجي موسكو للأبحاث إن إيران خسرت نصف عائدات تصدير النفط و30% من تجارتها الخارجية.
وقالت ماريا شاجينا من مركز كارنيجي في موسكو إن الولايات المتحدة وألمانيا ستكونان من بين الدول الغربية التي ستمنى بأكبر خسارة جراء هذه الخطوة، لأن بنوكهما هي أكثر مستخدمي سويفت مع البنوك الروسية.
ودفعت دعوات لفصلها عن نظام سويفت في عام 2014، عندما ضمت روسيا شبه جزيرة القرم، موسكو لتطوير نظام بديل للتراسل هو "إس.بي.إف.إس".
وبلغ عدد الرسائل المرسلة عبر "إس.بي.إف.إس" نحو خُمس الحركة الداخلية الروسية في عام 2020، بحسب البنك المركزي الذي يستهدف زيادة هذه النسبة إلى 30% في 2023. لكن هذا النظام يجد صعوبة في ترسيخ نفسه في المعاملات الدولية.