سفير أوكرانيا في لندن: نواجه روسيا على 5 جبهات ونستعد للتصعيد

time reading iconدقائق القراءة - 11
السفير الأوكراني في لندن فاديم بريستايكو.
السفير الأوكراني في لندن فاديم بريستايكو.
لندن - نجلاء حبريري

قال السفير الأوكراني في لندن، فاديم بريستايكو، إن القوات الروسية تحيط ببلاده من 5 جبهات، وإن المناورات العسكرية واسعة النطاق التي أشرف عليها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، السبت، موجهة إلى الغرب.

واعتبر بريستايكو، في حوار مع "الشرق الأوسط"، أن روسيا تحاول اختلاق ذريعة لتبرير التدخل العسكري "بشكل منهجي" منذ سنوات، مذكراً بسيناريو ضم شبه جزيرة القرم عام 2014.

وأكد المسؤول الذي شغل منصب وزير الخارجية حتى عام 2020، أن بلاده تستعد لسيناريو التصعيد العسكري وأنها تعمل على تعزيز عدد جيشها ليبلغ 350 ألف جندي، فيما يعكف المواطنون على تجديد ملاجئ القنابل، وتخزين الغذاء، والتدرب على حمل السلاح.

ولفت السفير إلى أن بلاده محاطة في الواقع من 5 جبهات، فبالإضافة إلى تمركز قرابة 130 ألف جندي على الحدود الروسية - الأوكرانية، يقول بريستايكو: "في شرق أوكرانيا، حيث الأراضي محتلة، لدينا خط تماس بطول 400 كيلومتر يرسم حدوداً بيننا وبين الأراضي المحتلة بدعم من الروس، وفتحت روسيا جبهة جديدة في بيلاروسيا، حيث تجري تدريبات عسكرية، هذه جبهة حديثة وتمتد على قرابة 1100 كيلومتر إلى الجنوب، وقامت روسيا بتعزيز قواتها المتواجدة في شبه جزيرة القرم لتتجاوز 12 ألف عسكري، أما في مولدوفا غرباً، حيث جمهورية ترانسنيستريا غير المعترف بها، تحافظ روسيا على وحدات عسكرية تحت ما يسمى بالجيش الرابع عشر، وذلك بعد رفضها الانسحاب عقب انهيار الاتحاد السوفياتي".

سحب القوات.. وإعادتها

أعلنت روسيا هذا الأسبوع سحب بعض من قواتها، التي يبلغ قوامها وفق تقديرات غربية وأوكرانية 130 ألف جندي، من الحدود، وقال السفير: "لقد رأينا صوراً للدبابات تعبر جسراً بين البر الرئيسي لروسيا وشبه جزيرة القرم، لكن في الوقت نفسه، نرى توافد المزيد من القوات، كما يتم بناء جسور متنقلة جديدة، وإنشاء مستشفيات بالقرب من حدودنا، لذا، فإن الرسالة ليست واضحة".

وأشار بريستايكو إلى أن روسيا تحدثت عن إنهاء تدريباتها، الأحد، "لكن علينا أن نرى ما إذا كانت القوات ستعود بالفعل إلى سيبيريا، أم أنها ستبقى في مواقعها".

ذريعة الحرب

حذرت العواصم الغربية خلال الأيام الماضية من إعداد روسيا ذريعة في النزاع المستمر منذ قرابة 8 أعوام بين الجيش الأوكراني والانفصاليين الموالين لموسكو في شرق أوكرانيا، لتبرير تدخل عسكري، ونددت كييف وحلفاؤها قبل أيام بإصابة حضانة للأطفال بقذيفة في شرق أوكرانيا، وحاولت وسائل إعلام روسية تحميل أوكرانيا المسؤولية عنها قبل التراجع، ومن جهتهم، يتهم انفصاليو الشرق في لوجانسك ودونيتسك القوات الأوكرانية بتكثيف القصف بأسلحة ثقيلة.

وقال وزير الخارجية الأوكراني السابق في هذا الصدد، إن روسيا تحاول اختلاق ذريعة "بشكل منهجي" منذ سنوات، فعلى سبيل المثال، وفي سعيها لتبرير ضم شبه جزيرة القرم، زعمت موسكو بأنه يتعين عليها حماية 2 مليون شخص من محاولة أوكرانيين قادمين من كييف الاستيلاء على السلطة، وإن كانوا يريدون اختلاق ذريعة وعرضها على وسائل الإعلام الدولية، فإنهم سيفعلون ذلك، وإن كانوا بحاجة إلى صور (لتعزيز موقفهم)، فإنهم سيستخدمونها".

مناورات استراتيجية

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أشرف السبت، على مناورات عسكرية واسعة النطاق، تشمل إطلاق صواريخ باليستية وصواريخ كروز قادرة على حمل شحنات نووية.

ويرى بريستايكو أن "هذه الرسالة بالذات موجهة إلى الغرب، لأن بوتين يحاول تحقيق أهداف مختلفة في مسارح مختلفة، المسرح الأول وفق السفير هو أوكرانيا، وهذه محاولة فورية لإعادتنا إلى طاولة الحوار حول اتفاقيات مينسك بشروط موسكو".

وأضاف: "أما المسرح الثاني فيركز على الغرب، من خلال ابتزازنا، تحاول روسيا تهديد الغرب لقبول تنازلات معينة، بعض هذه التنازلات غير معقولة وغير مبررة وغير واقعية، مثل مطالبة حلف شمال الأطلسي (ناتو) بالعودة إلى شكله في عام 1997، وتجريد الأعضاء المنضمين حديثاً من سبل الدفاع عن أنفسهم، إنهم يطلبون الكثير على أمل الحصول على تنازل ما، وأعتقد أن المناورات الاستراتيجية المعلنة حديثا موجهة إلى (ناتو)".

سر الهدوء

أثارت بعض التصريحات الغربية حول التهديد الروسي المتفاقم استياء مسؤولين في كييف، وقال بريستايكو: "عندما يتساءل الناس عن سبب حفاظ أوكرانيا على هدوئها (رغم التوترات العسكرية المتصاعدة)، فالسبب ليس أننا ساذجون، بل إننا تأقلمنا مع هذا الوضع على مدى 7 سنوات ونصف السنة، حيث فقد 13 ألف و500 شخص حياتهم منذ 2014، وفقدنا 7% من أراضينا، بما في ذلك شبه جزيرة القرم التي يبلغ عدد سكانها 2 مليون نسمة، هذا هو سبب تقديرنا للموقف بشكل مختلف عن الأوروبيين".

وكان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي انتقد إثارة بعض التصريحات الغربية لـ"الهلع"، وأوضح السفير: "الناس خائفون، الرئيس زيلينسكي طلب من شركائنا في الغرب التحدث إلينا وإخبارنا بالمخاطر والتحديات وعدم إفصاحها للرأي العام، وصدقونا، نحن نتفهم المخاطر، لسنا عنيدين، لكننا نوازن الرسالة داخل مجتمعنا، نحن نستعد لأي تصعيد عسكري وجيشنا جاهز".

وأكد السفير الأوكراني أن بلاده تعمل على تعزيز الجيش، وأن قوات الاحتياط تشمل قرابة 2 مليون مشترك، ووحدات دفاع شعبية تضم 300 ألف شخص، إلا أنه أشار إلى افتقاد هذه القوات إلى العتاد العسكري اللازم.

وقال: "كان جيشنا يشمل 250 ألف جندي حتى وقت قريب، ونحن نعمل اليوم على تعزيزه بـ100 ألف جندي إضافيين، لدينا كذلك 300 ألف شخص منخرطون في ما يسمى بوحدات الدفاع الإقليمية، وهي تتألف من أشخاص يهدفون إلى الدفاع عن مناطقهم، وعلى الرغم من أنها ليست وحدات قتالية، إلا أنها قادرة على تحمل ضغط المخربين والدفاع عن المدن والبلدات الصغيرة، لدينا أيضاً احتياطي اشترك فيه ما بين 1.6 و 2 مليون شخص، فضلاً عن 500 ألف من المحاربين القدامى".

وتابع: "هذه قوة بشرية كبيرة، هؤلاء الناس يعرفون كيف يقاتلون،. إلا أنهم يفتقدون للمعدات، وهذا استثمار ضخم، ونعتمد فيه جزئياً على مساعدة شركائنا".

دعم غربي

ورداً على سؤال عما إذا كان الدعم الغربي الذي تتلقاه بلاده كافياً، قال السفير: "لن يكون الدعم كافياً ما دام شعبنا يعاني ويتعرض للقصف، لا يزال يمكن عمل الكثير".

واستدرك: "في الوقت نفسه، أنا سعيد للغاية لتواجدي في هذه العاصمة بالذات"، مشيراً إلى الدعم الكبير الذي تقدمه بريطانيا لبلاده، سواء كان مالياً أو سياسياً، أو "حتى عسكريا في بعض الأحيان".

واعتبر بريستايكو أن الرسالة السياسية التي ترسل المملكة المتحدة لدعمها الواضح لأوكرانيا تفتح الأبواب أمام دول أخرى لاتخاذ خطوات مماثلة.

وضرب، المثل بهولندا التي أعلنت، هذا الأسبوع، عزمها دعم أوكرانيا بمعدات ولوازم عسكرية، كما رحب بتصريحات ألمانيا بشأن طرح مشروع "نوردستريم 2" ضمن ترسانة العقوبات الاقتصادية المحتملة في حال أقدمت روسيا على اجتياح أوكرانيا، وقال: "إن تأكد هذا الموقف الألماني، فستكون تلك المرة الأولى التي تتخذ فيها برلين هذا الموقف".

وذكر السفير أن بلاده أعربت لألمانيا عن قلقها من مشروع "نوردستريم 2" عدة مرات، "فهو سياسي بحت، خط الأنابيب الأوكراني قادر على توفير ما يكفي من الغاز، كما كان الحال في السنوات الماضية، كما أننا حريصون على تحديثه إذا لزم الأمر"، محذرا من أن "نوردستريم 2" يهدد التضامن الأوروبي.

الانضمام إلى "ناتو"

طالب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الغرب بإنهاء توسع "ناتو" بشرق أوروبا، خاصةً في دول الاتحاد السوفيتي السابق، إلا أن هذه المطالب "غير المعقولة"، كما وصفها بريستايكو، قوبلت برفض واضح.

وعلى الرغم من أن أوكرانيا ليست عضواً في الحلف الدفاعي، فهي لا تخفي سعيها للانضمام له.

وقال ممثل كييف في لندن: "نحن نحاول الانضمام إلى هذا النادي، لكن لم يسمح لنا الأعضاء بذلك بعد، نحاول الهروب من النموذج الروسي ونفوذ موسكو، لا نريد أن نهدد بقية العالم، هذا النموذج ليس جذاباً بالنسبة لنا".

وتابع: "نحن أمة كبيرة، وأرضنا تقع في أوروبا ونريد أن نتجه نحو الغرب، نحن (قريبون من أوروبا) جغرافياً وتاريخياً، ودينياً كذلك. أمتنا متحدة إلى حد كبير في هذه التوجه".

وأكد بريستايكو: "لهذه الأسباب، نحاول بشكل منهجي المضي قدماً في الإصلاحات المطلوبة، والمشاركة في التدريبات مع (ناتو) نحن نعد أنفسنا للانضمام لكن ذلك سيعتمد على قرار جميع الأعضاء الثلاثين".

تدريب المدنيين

في تعليقه على صور وحدات تدريب المدنيين على حمل السلاح، قال السفير: "هذا ليس طبيعياً في مجتمع عادي، لكنه طبيعي جداً في أوكرانيا في الوقت الحالي، ما زلنا نريد الحفاظ على حياة طبيعية داخل المجتمع، بيد أن المجتمع يستعد للأسف لتحمل الضغط، نحن واقعيون، لن يتمكن الجميع من الدفاع عن أنفسهم".

وقال المسؤول إن الأوكرانيين يستعدون لسيناريو التصعيد العسكري بجدية، "فإن قمتم بزيارة محل متخصص في معدات الصيد، فستجدون الرفوف فارغة... لا خراطيش، ولا خيام، ولا أزياء موحدة، الناس يخزنون طعاماً غير قابل للتلف، ويتحققون من أقرب ملاجئ القنابل، ويجددونها لأنها لم تستخدم منذ سنوات الحرب الباردة".

في الوقت نفسه، يشير السفير إلى أن الأوكرانيين يتحلون بالهدوء والمرونة والحزم، على الرغم من القلق من تصاعد التوتر العسكري.

تكلفة التوتر

إلى جانب التداعيات الأمنية والسياسية والاجتماعية للتوتر العسكري الروسي - الأوكراني، تواجه كييف تكلفة اقتصادية كبيرة تعوق نموها، وتوقف السفير بريستايكو عند دراسة نشرها مركز بحثي في لندن، قدر فيها أن الخسائر الاقتصادية التي تكبدتها أوكرانيا بين 2014 و2020 تبلغ نحو 280 مليار دولار في شكل الناتج المحلي الإجمالي غير المنتج.

وذكر مركز الاقتصاد وأبحاث الأعمال البريطاني أن "العدوان الروسي، وفقاً للتقديرات، يكلف أوكرانيا سنوياً 19.9% من ناتجها المحلي الإجمالي قبل الصراع، ما يصل إلى 40 مليار دولار، مشيراً إلى أن ضم شبه جزيرة القرم وحده يكلف الجانب الأوكراني 8.3 مليار دولار سنوياً، فيما تحرم الحرب في دونباس أوكرانيا من 14.6 مليار دولار كل عام".

وقال بريستايكو: "ننفق حوالي 6% من إجمالي الناتج المحلي على أمننا في الوقت الحالي، نحن بحاجة إلى هذه المبالغ لتعزيز البنية التحتية والتعليم، مثل أي دولة عادية، لكن لسوء الحظ، يتعين علينا جذب المزيد من الموارد للدفاع عن أنفسنا".

هذا المحتوى من صحيفة "الشرق الأوسط"

اقرأ أيضاً:

تصنيفات