"غزو أوكرانيا" يعيد ترتيب حسابات الغرب بشأن تكلفة الحرب

محطة بنزين في جين بولاية نيفادا - الولايات المتحدة - 27 فبراير 2022 - REUTERS
محطة بنزين في جين بولاية نيفادا - الولايات المتحدة - 27 فبراير 2022 - REUTERS
دبي- الشرق

بعد فترة وجيزة على انتهاء حرب استمرت 20 سنة في أفغانستان، وجد الرئيس الأميركي جو بايدن أن بلاده منغمسة في الغزو الروسي لأوكرانيا، ولو من دون إرسال قوات أميركية، في نزاع يمكن أن يكون تأثيره مديداً على شريحة واسعة من الأميركيين، أكثر من حربَي أفغانستان أو العراق.

وأسفر القتال في أفغانستان والعراق عن سقوط أكثر من 6900 جندي أميركي وأكثر من 7500 متعاقد أميركي، وكبّد الولايات المتحدة خسائر وصلت لـ2.3 تريليون دولار، لكن هاتين الحربين لم تؤثرا في الحياة اليومية لمعظم الأميركيين.

ووفق تقرير لوكالة "أسوشيتد برس"، فإنه بعد 5 أشهر على نهاية الحرب في أفغانستان، الأطول في تاريخ الولايات المتحدة، يواجه الأميركيون مسائل معقدة نتيجة الغزو الروسي لأوكرانيا.

ووعد بايدن بأنه لن يرسل قوات أميركية إلى كييف، لكنه أقرّ بأن الحرب قد تمسّ الوضع المالي لمواطنيه، وقال في خطابه عن "حالة الاتحاد"، الثلاثاء، إن "لغزو ديكتاتور روسي دولة أجنبية، ثمناً في كل أنحاء العالم".

وشهد الأسبوع الماضي، ارتفاع أسعار النفط الخام الأميركي بنحو 13٪ إلى حوالى 113 دولاراً للبرميل، ووصلت تكلفة الغاز الطبيعي إلى مستوى قياسي في أوروبا. وتكبدت سوق الأسهم الرئيسة، المتقلّبة منذ أسابيع، مزيداً من الخسائر، فيما حذر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من أن "الأسوأ لم يحل بعد"، بعد اتصال هاتفي مطوّل مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، الخميس.

استهداف قطاع الطاقة الروسي؟

وهناك ثمة دلائل في واشنطن وعواصم أوروبية، على عزم متزايد لمواجهة بوتين والاستعداد لتحمّل بعض التداعيات الاقتصادية لذلك، بحسب "أسوشيتد برس" التي أشارت إلى لهجة مختلفة بشكل ملحوظ عن الحقبة التي تلت هجمات 11 سبتمبر 2001. وخلال 20 سنة لحرب أفغانستان، سيتحمّل الجنود الأميركيون وعائلاتهم العبء إلى حد كبير، علماً بأن أكثر من 52 ألفاً جُرحوا أثناء القتال.

وحضّت الرئيسة الديمقراطية لمجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي، البيت الأبيض على فرض عقوبات تستهدف بشكل مباشر قطاع الطاقة في روسيا، الذي يشكّل شريان حياة لاقتصادها، علماً بأن الإدارة مترددة في استهداف النفط الروسي، خشية تعريض اقتصادات الولايات المتحدة والدول الحليفة للخطر.

وقدّم العضوان الديمقراطي جو مانشين والجمهورية ليزا موركوفسكي، مشروع قانون من الحزبين، يحظّر واردات النفط الروسية إلى الولايات المتحدة، من خلال إعلان حالة طوارئ وطنية، وهذا أمر يمكن أن يفعله بايدن أيضاً.

وقال مانشين: "إذا أُعدّ استطلاع رأي، ورد فيه (سؤال مفاده): جو، هل ستدعم (زيادة) 10 سنتات إضافية لجالون (البنزين) من أجل شعب أوكرانيا؟... فسأكون سعيداً" بفعل ذلك.

أما السيناتور الجمهوري ميت رومني، فلفت إلى أن العقوبات على روسيا قد ترفع أسعار الفائدة وتُبطئ الاقتصاد وتؤدي إلى ارتفاع التضخم وأسعار الغاز، معتبراً أن الأميركيين مستعدون للتضحية، وقال: "لهذا الأمر ثمن، ليس بمقدار تكلفة الدماء التي ستترتّب إذا تركنا (بوتين) يقتل الناس، لكن ذلك لا يخلو من تضحيات".

وتشير استطلاعات رأي إلى أن الأميركيين يعتقدون بشكل متزايد أن الولايات المتحدة قد تُضطر إلى فعل المزيد لمساعدة أوكرانيا.

وأفاد استطلاع أعدّه معهد "كوينيبياك"، الأسبوع الماضي، بأن 45% من الأميركيين اعتبروا في الأيام التي تلت غزو أوكرانيا، أن الولايات المتحدة لم تفعل سوى القليل لمساعدتها، وقال 37٪ آخرون إن واشنطن فعلت الأمر المطلوب، فيما اعتبر 7٪ أن جهودها كانت أكثر من اللازم.

تبدّل في المواقف الأوروبية

وأشارت "أسوشيتد برس" إلى تغيير جوهري أيضاً في المواقف الأوروبية، إذ سارع المستشار الألماني أولاف شولتز إلى تجميد تشغيل خط أنابيب "نورد ستريم 2" لنقل الغاز الروسي إلى ألمانيا، بقيمة 11 مليار دولار، بمجرد بدء غزو أوكرانيا.

وتراجعت الحكومة الألمانية عن سياسة تتبعها منذ فترة طويلة، تتمثل في الامتناع عن إرسال أسلحة إلى منطقة نزاع، وأعلنت أنها سترسل أسلحة إلى أوكرانيا، مشيرة إلى أنها ستزيد موازنتها الدفاعية 3 مرات في عام 2022، كما أن وزير الاقتصاد الألماني، روبرت هابيك، حضّ مواطنيه على "توفير الطاقة، إذا أرادوا إيذاء بوتين قليلاً".

حتى المجر، التي امتنع رئيسها الموالي لموسكو، فيكتور أوربان، عن التنديد بروسيا في الفترة التي سبقت الحرب، أدانت غزو أوكرانيا، وأعربت عن دعمها للعقوبات المفروضة على موسكو، ووافقت على منح حماية مؤقتة للاجئين الأوكرانيين الذين يدخلون أراضيها.

اختبار عتبة الألم

وذكر مسؤولون في البيت الأبيض أن تشديد الحلفاء الأوروبيين مواقفهم إزاء الحرب، جاء بعدما أظهر كثيرون منهم حذراً بشأن مواجهة الروس.

وأصدر مسؤولو الأمن القومي في الولايات المتحدة معلومات استخباراتية طيلة أكثر من شهرين قبل الحرب، أشارت إلى أن بوتين يعتزم تنفيذ غزو واسع، ولكن مع ذلك، بدا حلفاء أوروبيون مقتنعين، خلال محادثات مع فريق الأمن القومي لبايدن، بأن الرئيس الروسي لن ينفذ غزواً كاملاً لأوكرانيا، بحسب "أسوشيتد برس".

ومع ارتفاع التكاليف على الاقتصادات الغربية، سيختبر بايدن وقادة الدول الحليفة بشكل أكبر، عتبة الألم التي يواجهونها.

وسُئلت الناطقة باسم البيت الأبيض، جين ساكي، عن ثقة الإدارة بوحدة الغربيين، مع ارتفاع تكاليف الحرب، فأجابت: "نتخذ خطوات للدفاع عن الديمقراطية في مقابل الاستبداد، ومواجهة ممارسات ديكتاتور وحشي".

واعتبر المؤرخ في جامعة إنديانابوليس، إدوارد فرانتز، أن غزو أوكرانيا قد يمكّن بايدن من طيّ صفحة النهاية الفوضوية للحرب الأميركية في أفغانستان، قائلاً: "عدنا إلى الحرب الباردة. إذا كان هذا مشروعاً طويلاً، ويبدو بالتأكيد أنه سيكون كذلك، فسيواجه الرئيس الآن تحدي إقناع الأميركيين بأهمية استمرار بعض التأثير في اقتصادنا بسبب أوكرانيا، هذا لن يكون سهلاً".

اقرأ أيضاً:

تصنيفات