لبنان.. اصطفافات مُفاجئة تسبق الانتخابات النيابية

لافتات انتخابية في أحد شوارع العاصمة اللبنانية بيروت التي تعاني من انقطاعات مستمرة للكهرباء - 8 أبريل 2022 - REUTERS
لافتات انتخابية في أحد شوارع العاصمة اللبنانية بيروت التي تعاني من انقطاعات مستمرة للكهرباء - 8 أبريل 2022 - REUTERS
بيروت -عماد عاصي

جاءت التحالفات السياسية التي تسبق الانتخابات النيابية المرتقبة في لبنان والمقررة في 15 مايو المقبل، بمفاجآت جديدة، مقارنة مع تحالفات انتخابات 2018، رغم أن القانون الانتخابي لم يتغير.

ويتنافس 718 مرشحاً في الانتخابات النيابية المقبلة على 128 مقعداً برلمانياً عبر 103 لوائح موزعة على 15 دائرة انتخابية.

ويفرض قانون الانتخابات الذي يعتمد نظام الاقتراع النسبي، أن ينضوي المرشحون في قوائم مغلقة.

وقالت وزارة الداخلية اللبنانية، إنه سيتم إلغاء طلبات المرشحين الذين لم ينتظموا في قوائم، وفقاً لنص المادة 52 من قانون الانتخابات.

وبلغ عدد المرشحين 1044 مرشحاً مع إقفال باب الترشح، إلا أن هذا العدد انخفض إلى 718 بعد انسحاب 42 مرشحاً، وسقوط ترشيح 284 آخرين لعدم انضوائهم تحت أي قائمة، بحسب بيان وزارة الداخلية.

"الحاصل الانتخابي" يحدد التحالفات

 أستاذ الفكر السياسي في الجامعة اللبنانية جيرار ديب، قال في تصريحات لـ"الشرق"، إن "القانون الحالي يفرض على الأحزاب أن تتحالف مع أحزاب أخرى أو مع قوى أخرى مرشحة، ليس على أساس الحلف السياسي، بل بهدف تأمين الحاصل الانتخابي".

ويُقصد بالحاصل الانتخابي، عدد المقترعين في الدائرة الانتخابية مقسوم على عدد المقاعد النيابية.

وأوضح أن القانون الحالي "يفرض على المرشحين من الأحزاب أو الكتل من قوى تغييرية وغير تغييرية أن تكون على اللوائح نفسها مع أشخاص لا تشبهها في موقفها السياسي أو على خصومة معها أو حتى فرضت عليها أن تنافس حلفاء لها في السياسة".

وأوضح ديب أن "خير دليل على ذلك، التيار الوطني الحر وتحالفه مع حزب الطاشناق في دائرة المتن، إذ حصل الطلاق الانتخابي بين الطرفين في هذه الدورة الانتخابية، بعدما تحالفا منذ 2005 على القائمة نفسها"، مشيراً إلى أن "ما حدث هذه المرة، يتمثل في أن التيار الوطني الحر، شعر أن الطاشناق يمكن أن يأخذ منه (الحاصل الانتخابي) الثالث فقرر أن يضمن 3 حواصل وترك الأخير يتحالف مع غيره".

أما النموذج الثاني، بحسب ديب، فهو في "جبل لبنان-قضاء بعبدا"، قائلاً إنه "رغم عداوة التيار الوطني الحر مع حركة أمل التي يرأسها رئيس مجلس النواب نبيه بري، إلا أن تحالف التيار والحركة على اللائحة نفسها  لتأمين الحواصل الانتخابية لإقفال باب الفوز على الخصم المتمثل في القوات اللبنانية برئاسة سمير جعجع".

وهناك أيضاً "نموذج بعلبك-الهرمل، إذ يشن التيار الوطني الحر، حملة على النائب في حركة أمل، غازي زعيتر، لأنه يتهرّب من المثول أمام القضاء في قضية انفجار مرفأ بيروت، وإذ بالتيار يتحالف معه على اللائحة نفسها في دائرة بعلبك الهرمل"، بحسب الخبير.

وفي الشكل، اعتبر جيرار ديب أن "حزب الله يعمل على إعادة تجميع ما كان يُسمّى بقوى الثامن من آذار، لكي يضمن الغالبية النيابية خصوصاً وأن في حزب الله يحضر نفسه لفرض خياراته السياسية في الانتخابات الرئاسية المقبلة، بعدما استطاع أن يفرض واقعاً في اختيار رئيس الجمهورية ميشال عون، حين عطل البلد على مدى عامين ونصف العام لضمان وصوله الى موقع الرئاسة".

وأضاف ديب أن "حزب الله يعتبر أن المرحلة الحالية تعتبر تأسيسية لما بعد الاتفاق النووي بين إيران والمجتمع الدولي ولما بعد حرب أوكرانيا، ويعتقد أن فائض القوى العسكرية التي يمتلكها يجب أن يقترن بوجود قوي في البرلمان من خلال قوته التمثيلية وقوة حلفائه التي من شأنها أيضاً أن تحدّد خيارت لبنان الاقتصادية والسياسية في المرحلة المقبلة لناحية إعادة بناء القطاعات الاساسية في لبنان وكيفية التعامل مع صندوق النقد الدولي والإصلاحات المطلوبة من لبنان".

وعن شكل التحالفات الانتخابية، لفت ديب إلى أنها "بين طرفين من يؤيد مشروع إيران في لبنان ومن يحارب هذا المشروع محاولاً الحفاظ على مصالح لبنان مع عمقه العربي".

وقال ديب إن "الحملات الانتخابية للكثير من المرشحين تضمنت محاربة هذا المشروع، كمشروع القوات اللبنانية التي تؤكد أن كل من يتحالف مع حزب الله والتيار الوطني الحر فهو يتحالف مع طهران ويكون موافقاً على انغماس لبنان في التدخلات الخارجية بعيداً عن مصالح البلاد.. فيما خطاب حزب الله يرتكز على القول بأن كل من يتحالف مع القوات الللبنانية يتحالف مع القتلة".

وعن تأثير اعتكاف "تيار المستقبل" على هذه التحالفات، وما إذا ستكون له تأثيرات على النتائج، قال ديب: "يجب أن نرى كيف يتوجه ناخبو التيار المعتكف نحو المشاركة وهل سيعمل الشارع السني على إعادة هيكلة صفوفه الانتخابية في المناطق الأساسية".

تحالفات 2018

من جانبه، اعتبر الخبير الانتخابي ربيع الهبر أن "التحالفات في الانتخابات النيابية في عام 2018 سقطت الآن، فمثلاُ نرى أن القوات  اللبنانية والكتائب افترقا والمستقلين أيضاً مثل نعمة إفرام وميشال معوض وغيرهم".

وقال الهبر لـ"الشرق"، إن "النائب والوزير السابق ميشال فرعون خرج من المعركة كلها، وعلى سبيل المثال فإن حزب الجماعة الإسلامية افترقت عن التيار الوطني الحر والأحباش افترقوا عن حزب الله".

واعتبر ربيع الهبر أن التحالفات الانتخابية المرتقبة في مايو، "تفتيتاً للتحالفات السابقة كلها بشكل كامل"، مشيراً إلى أن "تيار المستقبل خرج من تحالفه مع القوات والتيار الوطني الحر".

وعما تغيّر عن الانتخابات السابقة، قال: "التحالفات سقطت نتيجة الخلافات السياسية بين الأحزاب"، لافتاً إلى أن "هناك لملمة لصفوف قوى (14 آذار) في (الشوف - عالية)".

وأوضح أنه "ليس هناك من تحالفات بين الكتائب والقوات والاشتراكيين"، مشيراً إلى أن هذا التحالف سقط بشكل نهائي، أما فريق "8 آذار" فاستجمع نفسه أكثر من خلال التيار الوطني الحر والحزب القومي وتيار المردة وحزب الله وحركة أمل".

وعن انسحاب تيار المستقبل من الانتخابات، قال: "إن خروج تيار المستقبل هو خروج مكوّن أساسي"، معتبراً أنه "دون تيار المستقبل لا وجود قوي للرابع عشر من  آذار على الساحة اللبنانية".

وبشأن وضع  قوى "ثورة 17 تشرين الأول"، والمجتمع المدني في هذه الانتخابات، قال الهبر: "هذه القوى تفكّكت إلى حد كبير وتشتّت فحين نرى أن هناك 11 قائمة، فإن ذلك يعني أن هذه القوى تشتت وعندما تتشتّت تضعف".

وأضاف: "أصبحنا نفكّر أن المعركة الآن هي بين التقليديين باختلاف أوجههم". وتابع: "سقطت كل الرهانات، كنا نتأمل أن يحصل المجتمع  المدني على 20 مقعداً أو 30 مقعداً، لكن أصبح شبه محسوم كل ما يتعلق بقوى التغيير".

وبالنسبة إلى الساحة السنية بعد اعتكاف "تيار المستقبل" قال الهبر: "مرجّح أن يأخذ حزب الله مقاعد أكبر على هذه الساحة، لأن هناك مكان خال في الساحة السنّية، وفي المحصلة التحالفات السياسية تغيرت وستتغيَّر كل النتائج المرتقبة نتيجة هذه التحالفات".

 قوى 8 آذار

وأفادت مصادر في "قوى 8 آذار" لـ"الشرق" بأنه نتيجة للجهود التي يقوم بها عراب هذه القوى "حزب الله"، فإنها استطاعت أن تحافظ على تحالفاتها قدر الإمكان.

وأشارت المصادر إلى  أن "المصالح الانتخابية وطبيعة قانون الانتخاب هي التي فرضت خريطة التحالفات بين الأفرقاء بغية الفوز بالأصوات التفضيلية".

وأشارت المصادر إلى أن "حزب الله"، "استطاع تخفيف التوتر قدر الإمكان بين حليفيه أي حركة أمل  والتيار الوطني الحر، وجمعهما معه في قوائم مشتركة في أكثر من دائرة مثل بيروت الثانية، بعبدا والبقاعين الغربي والشرقي. ولم يلتقيا في دائرة "صيدا- جزين".

وستقدم الحركة والتيار على منح الصوت التفضيلي لمرشح كل فريق. وعمل حزب الله على خط معالجة التصدع الحاصل في جناحي الحزب السوري القومي الاجتماعي ولم يقدر على حل معضلاتهما 100%.. لكن في المحصلة نجح حزب الله في جمع مكونات "8 آذار" بنسبة كبيرة حيث كانت له تدخلات كبيرة لدى مرشحين سنة ومسيحيين كما تمكَّن من جمع مرشحي التيار الوطني الحر والنائب طلال أرسلان والوزير السابق وئام وهاب في لائحة واحدة في دائرة "الشوف- عالية".

ولم تكن بصمات الحزب أيضاً بعيدة عن قوائم طرابلس وعكار وزحلة مع اطمئنانه الكبير على تحالفه مع أمل في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية.

ويراهن التيار الوطني الحر، وفق المصادر، على تعاونه المفتوح مع "حزب الله" الذي سيمده بكتل انتخابية شيعية لتصب في مصلحة مرشحي التيار في  أكثر من دائرة حيث لا يؤمن هؤلاء حواصل دون حصولهم على هذه المساعدة من حزب الله.

واعتبرت المصادر أن "القوات اللبنانية المنافس الأول للتيار الوطني الحر على الساحة المسيحية قد تخسر رصيداً كبيراً  لدى الناخبين السنة على عكس انتخابات 2018، عندما مدها تيار المستقبل آنذاك بعدد كبير من ناخبيه في عكار والشمال وبعلبك ودوائر أخرى ساهمت في رفع حواصل المرشحين القواتيين. 

وبسؤالها عن انعكاس اعتكاف "تيار المستقبل" على نتائج حزب القوات اللبنانية وما إن كان الرئيس فؤاد السنيورة سينجح في دفع الناخبين السنة في أكثر من دائرة إلى الاقتراع أو التعاون مع مرشحي القوات، أكدت المصادر وجود "حديث عن انشقاقات وسط المرشحين في قوى ثورة 17 تشرين الأول (أكتوبر) والمجتمع المدني الذين يخوضون الانتخابات بأكثر من قائمة معارضة".

اقرأ أيضاً:

تصنيفات