معركة "الخيار الأقل جاذبية" بانتخابات فرنسا.. هل تحقّق لوبان "نبوءة" ماكرون؟

صورة مركّبة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وزعيمة حزب "التجمّع الوطني" اليميني المتطرف مارين لوبان - 5 فبراير 2022 - REUTERS
صورة مركّبة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وزعيمة حزب "التجمّع الوطني" اليميني المتطرف مارين لوبان - 5 فبراير 2022 - REUTERS
دبي - إيلي هيدموس

يستعد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وزعيمة حزب "التجمّع الوطني" اليميني المتطرف مارين لوبان، لمنازلة ثانية في انتخابات الرئاسة في 24 أبريل.. فهل تحقق لوبان "نبوءة" ماكرون التي ذكرها في كتابه "في ثورة" الذي نشره قبل 6 أشهر من فوزه بانتخابات 2017؟ إذ توقع أن تتسلّم لوبان الحكم "في غضون 5 سنوات أو 10 سنوات، "إن لم يتّحد الفرنسيون".

ماكرون ولوبان سيكرّران معركة الرئاسة التي خاضاها في عام 2017، لكن المشهد سيكون مختلفاً تماماً هذه المرة.

وبينما كان فوز ماكرون محسوماً قبل 5 سنوات، مدفوعاً بما اصطُلح على تسميته "الجبهة الجمهورية" لكبح اليمين المتطرف، يُرجّح أن يواجه بعد أسبوعين اختباراً أكثر جدية، يصعب التكهّن بنتائجه، وإن كانت استطلاعات الرأي تتوقع نصراً بفارق ضئيل للرئيس المنتهية ولايته.

صحيح أن ماكرون، الذي نال 27.85% من أصوات الجولة الأولى التي نُظمت الأحد، حسّن بنحو 4 نقاط، الرقم الذي حققه في الجولة الأولى في انتخابات 2017، رغم تأثر عهده بأزمات محلية ودولية كثيرة، بما في ذلك الغزو الروسي لأوكرانيا، الذي طغى على الانتخابات ومنعه من التركيز على حملته، التي بدأها قبل أسبوع.

لكنه يدرك حجم التحدي الذي ينتظره، وخاطب أنصاره، مساء الأحد، متعهداً بـ"تنفيذ مشروع التقدّم، الانفتاح والاستقلال الفرنسيين والأوروبيين اللذين دافعنا عنهما". ونبّه إلى أن مرشحة اليمين المتطرف ستُقحم فرنسا في تحالف مع "شعبويين وكارهين للأجانب"، مضيفاً: "هذا ليس نحن".

ماكرون يفقد عنصر المفاجأة

في المقابل، وعدت لوبان بـ"استعادة النظام في فرنسا خلال 5 سنوات"، وناشدت جميع الفرنسيين الانضمام إليها في ما وصفته بـ"خيار حضاري"، يضمن "الغلبة المشروعة للغة والثقافة الفرنسيين"، إضافة إلى "استعادة السيادة في كل المجالات".

واعتبرت أن على الفرنسيين الاختيار بين "الانقسام والظلم والفوضى" من جهة، و"حشد الشعب الفرنسي حول العدالة الاجتماعية والحماية" من جهة أخرى.

وأشارت وكالة "أسوشيتد برس" إلى أن لوبان البالغة من العمر 53 عاماً "جدّدت برنامجها وأسلوبها"، إذ ركّزت حملتها الانتخابية على القوة الشرائية والتودّد إلى الفرنسيين، للنأي عن "الصورة اليمينية المتطرفة التي تطارد حزبها المناهض للهجرة". وأضافت الوكالة أنها بدأت حملتها الانتخابية منذ سبتمبر، أيّ قبل جميع المرشحين الآخرين.

رئيسة حزب
رئيسة حزب "التجمّع الوطني" اليميني المتطرف مارين لوبان تخاطب أنصارها في باريس بعد إعلان نتائج الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة - 10 أبريل 2022 - AFP

في المقابل، تأخر ماكرون البالغ من العمر 44 عاماً في إطلاق حملته، نتيجة انشغاله بشؤون تمسّ الدولة، بما في ذلك دوره النشط في محاولة وقف الحرب في أوكرانيا.

قد يكون ماكرون ارتكب خطأً تكتيكياً، بعد تأخيره حملته الانتخابية، وامتناعه عن المشاركة في مناظرة مع المرشحين الآخرين. لكنه هذه المرة فَقَدَ عنصر المفاجأة، الذي مكّنه من مباغتة خصومه في انتخابات 2017، وطرحه برنامجاً ينبذ اليمين واليسار في آنٍ، أتاح له الفوز في الدورة الثانية بنسبة 66% من الأصوات.

وإذ يكرس الاقتراع "غياب" اليمين واليسار التقليديين، مع نيل مرشحة حزب "الجمهوريين" فاليري بيكريس أقلّ من 5% من الأصوات، ومرشحة الاشتراكيين آن هيدالجو أقلّ من 2%، يبرز المرشح اليساري الراديكالي جان لوك ميلانشون، الذي نال نحو 22%، مقارنة بنحو 20% قبل 5 سنوات. وحرص ميلانشون على مطالبة أنصاره بالامتناع عن التصويت للوبان، لكنه لم يحضّهم على الاقتراع لماكرون.

"موقف دفاعي"

حين دخل ماكرون الحملة الانتخابية، كانت لوبان طرحت نفسها بوصفها مدافعة عن الناس العاديين، وغذّت التهمة الموجّهة إلى الرئيس الوسطي، بأنه "رئيس الأثرياء".

وقد تكون المناظرة بين المرشحَين، المرتقبة في 20 أبريل، حاسمة بشأن نتيجة الدورة الثانية، علماً أن أداء لوبان كان كارثياً خلال المناظرة مع ماكرون في عام 2017، وتعمل الآن مع مستشارين لضمان استعدادها بشكل أفضل هذه المرة.

لكن معسكر مرشحة اليمين المتطرف يبدو واثفاً من إمكان هزيمة الرئيس الوسطي، إذ قال جان بول جارو، وهو نائب في البرلمان الأوروبي وقاضٍ سيتولّى حقيبة العدل إذا فازت لوبان: "أنا مقتنع بأنها قادرة على الفوز. ماكرون الآن في موقف دفاعي".

في السياق ذاته نبّه كليمان بون، وزير الدولة للشؤون الأوروبية في حكومة ماكرون، إلى أن لدى "اليمين المتطرف دعماً كبيراً في بلدنا"، مضيفاً: "هناك معركة يجب كسبها".

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يخاطب أنصاره في باريس بعد الدورة الأولى من انتخابات الرئاسة - 10 أبريل 2022 - Bloomberg
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يخاطب أنصاره في باريس بعد الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة - 10 أبريل 2022 - Bloomberg

"الخيار الأقلّ جاذبية"

مجلة "ذي إيكونوميست" اعتبرت أن الدورة الأولى من الاقتراع كانت بمثابة تذكير بأن "التصويت الشعبوي لم يخسر أياً من جاذبيته" خلال عهد ماكرون، إذ أن 57% من الناخبين أيّدوا مرشحاً شعبوياً أو قومياً أو راديكالياً، سواء من اليسار أو اليمين، وهذا أعلى بكثير ممّا كان عليه في عام 2017، علماً أن نسبة الاقتراع تراجعت من 78% إلى 74%.

كذلك أكدت نتائج الدورة الأولى تفتّت حزبَي الاشتراكيين و"الجمهوريين"، اللذين تناوبا تقليدياً على حكم فرنسا خلال الجمهورية الخامسة، التي أسّسها الجنرال شارل ديجول في عام 1958. قبل 5 سنوات، نال الحزبان 26% من الأصوات، لكن هذه النسبة تراجعت إلى 7.1% الأحد.

ولفتت المجلة إلى أن التصويت في الدورة الأولى يُعتبر لحظة للتعبير عن "تفضيل حقيقي" بين المرشحين، ثم يتعامل الفرنسيون مع الدورة الثانية بوصفها مناسبة لإقصاء "الخيار الأقلّ جاذبية".

وإذا كان ثلثا الناخبين الفرنسيين اعتبروا أن لوبان هي "الخيار الأقلّ جاذبية"، في عام 2017، تشير استطلاعات للرأي إلى أن عدداً أقلّ من الناخبين سيتّبع هذا المسار بعد أسبوعين، بل أن ماكرون قد يكون المرشح الذي قد يرغب كثيرون من الناخبين في إقصائه.

ورجّحت المجلة أن تنال لوبان دعماً من ناخبي المرشح اليميني المتطرف الآخر، إريك زمور، ولكن أيضاً من ناخبين صوّتوا لميلانشون ومرشحة حزب "الجمهوريين" فاليري بيكريس، علماً أن الأخيرة حضّت أنصارها على الاقتراع لماكرون في الدورة الثانية، في مواجهة لوبان التي قادت "حملة شعبية ذكية، ووعدت الفرنسيين بخفض تكاليف المعيشة وسعر البنزين، وقدّمت نفسها بوصفها قائدة موحّدة لفرنسا، رغم برنامجها المناهض لحلف شمال الأطلسي (ناتو)، والمؤيّد لروسيا، والمشكّك بأوروبا".

مؤيّدة للمرشح اليساري المتطرف جان لوك ميلانشون تبكي بعد إعلان نتائج الدورة الأولى من انتخابات الرئاسة الفرنسية - 10 أبريل 2022 - AFP
مؤيّدة للمرشح اليساري جان لوك ميلانشون تبكي بعد إعلان نتائج الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة الفرنسية - 10 أبريل 2022 - AFP

حملة انتخابية "باهتة"

صحيفة "نيويورك تايمز" وصفت حملة ماكرون بأنها "باهتة"، مشيرة إلى أن الارتفاع في تكلفة المعيشة بات ملفاً أساسياً، بعدما أدت حرب أوكرانيا إلى ارتفاع أسعار الأغذية ومصادر الطاقة إلى مستويات قياسية. وأضافت أن استطلاعات الرأي قبل تصويت الأحد أظهرت أن التراجع المفاجئ في القوة الشرائية، كان إلى حد بعيد الملف الأول بالنسبة إلى الناخبين الفرنسيين، قبل الأمن والهجرة.

سجّل الاقتصاد الفرنسي نمواً بنسبة 7%، قبل حرب أوكرانيا، بعد ركود نجم من فيروس كورونا المستجد، فيما تراجعت البطالة إلى أدنى مستوى في خلال عقد، مسجّلة نسبة 7.4%. لكن ديناميّات الانتعاش كانت متفاوتة، على غرار فجوة الثروة التي أطلقت شرارة حركة "السترات الصفر" في عام 2018، احتجاجاً على سياسات ماكرون.

وشكّلت نتائج الدورة الأولى "هزة للمشهد السياسي الوطني" في فرنسا، بحسب صحيفة "لوموند" الفرنسية، التي اعتبرت أن تكرار التنافس بين ماكرون ولوبان هو "بالشكل فقط"، مختلفاً في المضمون.

وأشارت إلى أن معسكر ماكرون يخشى امتناع جزء كبير من ناخبي ميلانشون، عن التصويت بعد أسبوعين، معتبرة أن هؤلاء سيقررون إلى حد كبير مصير المعركة. ووصفت نيل بيكريس أقلّ من 5% من الأصوات، بأنه "كارثة حقيقية"، مقارنة بـ20% حصل عليها المرشح اليميني فرانسوا فيّون في عام 2017.

وحمّلت الصحيفة ماكرون مسؤولية انهيار "الجمهوريين"، إذ انتهج سياسات "منعت ظهور خصم موثوق"، بعدما "دمّر" اليسار التقليدي في عام 2017.

مرشحة حزب
مرشحة حزب "الجمهوريين" اليميني فاليري بيكريس بعد إعلان نتائج الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة الفرنسية - 10 أبريل 2022 - REUTERS

"اختراق نفسي"

ثمة مَن يتحدث عن "خريطة انتخابية" جديدة، تقسم الناخبين إلى 3 معسكرات واسعة، هي ماكرون واليمين المتطرف واليسار المتطرف. وفي هذا الصدد، قال المعلّق السياسي الفرنسي المخضرم آلان دوهاميل: "تتمتع الأحزاب المناهضة للنظام الآن، بولاء معظم الفرنسيين".

لكن جان بول جارو اعتبر أن "الأمر كله يتعلّق بالديناميّة، (وتصبّ) الآن (في مصلحة) مارين لوبان"، لافتاً إلى "اختراق نفسي في ذهن الجمهور، بأن لديها القدرة والشخصية لتكون رئيسة" لفرنسا.

رئيسة "معهد مونتين" للأبحاث، جورجينا رايت، أعربت عن شعورها "للمرة الأولى، بأن ماكرون يخوض حملته الانتخابية ليس كرئيس، بل كمرشح يسعى إلى ولاية ثانية"، مشيرة إلى أنه "سيحتاج إلى إقناع الناس بالتصويت في 24 أبريل".

وخلص تقرير أعدّته "مؤسّسة جان جوريس" اليسارية، إلى أن "الحجج المرتبطة بعدم كفاءة (لوبان) أو افتقارها إلى المعرفة، لم تعد قائمة في وقت تعتبر فيه شرائح بفرنسا أنها قادرة تماماً على تولّي الرئاسة وقريبة من الشعب".

في المقابل، لم يعُد ماكرون ذاك المرشح الديناميكي والوافد الجديد، كما في عام 2017، بل بات رئيساً يتماثل في أذهان كثيرين من الناخبين، مع النخب الباريسية وأغنى طبقات المجتمع الفرنسي.

"الجبهة الجمهورية"

حين بلغ جان ماري لوبان، والد مارين، الدورة الثانية في انتخابات الرئاسة عام 2002، نجح خصمه اليميني آنذاك، جاك شيراك، في حشد "الجبهة الجمهورية"، وهزمه بنسبة 82 إلى 18%. ونجح هذا الأمر مجدداً مع ماكرون في عام 2017، لكن ثمة تساؤلات جدية بشأن إمكان تكراره في 24 أبريل.

رجّح ماكرون، ضمن كتاب "في ثورة" الذي نشره قبل 6 أشهر من فوزه في انتخابات 2017، أن تتسلّم لوبان الحكم "في غضون 5 سنوات أو 10 سنوات،" إن لم يتّحد الفرنسيون.

قد يكون هذا الاحتمال غير مرجّح في انتخابات 2022، لكنه "يبدو الآن أقرب إلى أن يصبح حقيقة من أيّ وقت في تاريخ الجمهورية الخامسة"، بحسب صحيفة "فاينانشال تايمز".

اقرأ أيضاً:

تصنيفات