الجيش الأميركي يعدل طرق تدريباته بعد "دروس" غزو أوكرانيا

جنود أميركيون يصلون إلى أوروبا لدعم الجهة الشرقية لحلف الأطلسي - REUTERS
جنود أميركيون يصلون إلى أوروبا لدعم الجهة الشرقية لحلف الأطلسي - REUTERS
دبي-الشرق

في صحراء كاليفورنيا، يستغلّ مدرّبون في الجيش الأميركي دروساً مستفادة من الغزو الروسي لأوكرانيا، أثناء إعدادهم العسكريين لمعارك مستقبلية ضد خصم أساسي، مثل روسيا أو الصين.

لاعبو الأدوار في تمرين نُفذ هذا الشهر في "مركز التدريب الوطني"، يتحدثون الروسية. وتستخدم قوة معادية تسيطر على بلدة أوجين الخيالية، تدفقاً ثابتاً من منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، لتوجيه اتهامات كاذبة ضد لواء أميركي يستعد لشنّ هجوم.

وفي الأسابيع المقبلة، سيركّز سيناريو التدريب المخطّط للواء آخر، على كيفية محاربة عدوّ مستعد لتدمير مدينة، مستخدماً قذائف وصواريخ، كما أفادت وكالة "أسوشيتد برس".

واعتبرت الوكالة أن هذه الصور تبدو مألوفة، إذ تظهر الآن على شاشات التلفزة والمواقع الإلكترونية في كل أنحاء العالم، فيما تشنّ القوات الروسية غارات جوية على مدن أوكرانية، ممّا أسفر عن مصرع عشرات من المدنيين.

وأضافت أن حرب المعلومات على مواقع التواصل الاجتماعي أظهرت خطباً حماسية ليلية ألقاها الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، إضافة إلى جهود روسية لاتهام القوات الأوكرانية بتلفيق عمليات قتل جماعي في بلدات، مثل بوتشا القريبة من العاصمة كييف، في مجازر يتهم الغرب موسكو بتنفيذها.

"حرب عالمية"

وقالت وزيرة الجيش الأميركي كريستين ورموت: "أعتقد الآن بأن الجيش بأكمله ينظر إلى ما يحدث في أوكرانيا ويحاول تعلّم الدروس" المستقاة منها، وتتراوح بين مشكلات واجهتها روسيا في المعدات واللوجستيات، إلى قطاع الاتصالات واستخدام الإنترنت.

ورموت التي أمضت يومين في مركز التدريب، وهي تتابع كتيبة من الجيش تشنّ حرباً ضد قوات متخيّلة، أضافت: "تجربة روسيا وأوكرانيا هي توضيح قوي جداً بالنسبة إلى جيشنا، لمدى أهمية قطاع المعلومات. كنا نتحدث عن ذلك منذ نحو 5 سنوات. لكن متابعته، ورؤية الطريقة التي كان بها زيلينسكي قوياً بشكل لا يُصدّق... إنها حرب عالمية يمكن للعالم الحقيقي رؤيتها ومشاهدتها في الوقت الفعلي".

استخدام المسيّرات والتمويه

استفاد قائد "مركز التدريب الوطني"، الجنرال كورت تيلور، وضباطه، من الأساليب الحربية الروسية لضمان استعداد الجنود الأميركيين للقتال وتحقيق نصر ضد عدوّ متطوّر يمتلك قدرات متساوية تقريباً مع تلك للولايات المتحدة.

جنود من سرية
جنود من سرية "ألفا" بالجيش الأميركي ينفذون دوريات في قرية مع قوات أفغانية في "مركز التدريب الوطني" بكاليفورنيا - 13 أغسطس 2011 - REUTERS

وأشارت "أسوشيتد برس" إلى أن هذا الأمر شائع، مذكّرة بتحوّل "مركز التدريب الوطني"، و"مركز التدريب على الاستعداد المشترك" في لويزيانا، إلى التدريب على مكافحة حرب العصابات، خلال حربَي العراق وأفغانستان. وركّزت الوحدات العسكرية تدريبات أخرى على كيفية القتال في الطقس البارد، في محاكاة للظروف السائدة في روسيا أو كوريا الشمالية. لكن هذه التغييرات الأخيرة حدثت بسرعة، في الأشهر الأولى بعد الغزو الروسي لأوكرانيا.

وسيمضي حوالى 4500 جندي من اللواء الثاني، فرقة الفرسان الأولى، المتمركزة في فورت هود بولاية تكساس، أسبوعين في قتال فوج الفرسان المدرّع الحادي عشر، الذي يمثّل العدوّ، في منطقة تدريب صحراوية شاسعة بفورت إيروين. وينتشر جنود من الفوج في أوجين وحولها، مع أفراد يؤدون دور سكان محليين.

ومع شروق الشمس وقف قائد اللواء، العقيد إيان بالمر، على أطراف البلدة، لإعداد جنوده لشنّ هجوم، مستخدمين طوابير من الدبابات. لكن رياحاً عاتية في الليلة السابقة عرقلت تقدّم اللواء، وأخّرت الهجوم لفترة وجيزة.

وقال بالمر إن التدريبات تستخدم مزيداً من المسيّرات، من القوات الصديقة وتلك المعادية، سواء للمراقبة أو لشنّ هجمات. وتحاول قواته استخدام التمويه والالتفاف في المنطقة، لتحتجب عن الأنظار. وأضاف: "إذا كانت رؤيتك ممكنة، يمكن إطلاق النار عليك، أينما كنت".

كل العناصر القتالية

وفي وسط البلدة المؤقتة، تثق القوات المعادية بقدرتها على صدّ لواء بالمر، رغم التباين في الحجم. ولدى تلك القوات حوالى 1350 جندياً فقط، لكنهم يستخدمون كلّ ما يملكونه ضد اللواء، من التشويش والحرب الإلكترونية إلى حرب عصابات ودعاية، بحسب "أسوشيتد برس".

ولفت تيلور إلى أن القوات المعادية تريد إسباغ أسوأ صورة ممكنة على اللواء، وتحرّف باستمرار سردية المعركة على مواقع التواصل الاجتماعي، بحيث تدرك قوات بالمر أنها تخوض معركة من أجل الحقيقة.

واعتبر أن هذا الأمر يشكّل تحدياً، إذ "يصعب التفكير في أمر قاله شخص عني على تويتر، عندما أشهد ضحايا وتجاوزاً (عسكرياً) على جناحي الأيسر، وعدم بلوغ قطارات التوريد الخاصة بي، المكان الذي يجب أن تكون فيه، وعجزي عن العثور على جرافات".

وأشار تايلور إلى أن التدريب يستهدف تعليم الألوية، كيفية دمج كل عناصر قوتها القتالية في هجوم منسّق. وشدد على وجوب أن يكون ذلك "بشكل متزامن"، مستدركاً: "ما رأيته اليوم هو أن المدفعية والطيران ورجال المناورة كانوا يؤدون دورهم، لكن جزءاً من التأخير في هجومهم على البلدة تمثّل في أنهم لم يتمكّنوا من مزامنة الأمور الثلاثة".

تدريب لجنود أميركيين قرب دبابة من طراز
تدريب لجنود أميركيين قرب دبابة من طراز "أبرامز" في "مركز التدريب على الاستعداد المشترك" بلويزيانا - 13 نوفمبر 2002 - REUTERS

"خصم يدمّر البنية التحتية"

وذكرت "أسوشيتد برس" أن روسيا فشلت في فعل ذلك، في الأسابيع الأولى لغزوها أوكرانيا. وأضافت أن مسؤولين أميركيين كرّروا أن الهجوم الروسي الأولي متعدّد الجوانب في أوكرانيا، شهد فشل القادة العسكريين باستمرار في تـأمين ضربات جوية ودعم لازم لقواتهم البرية، بشكل يتيح التوجّه إلى مدن أساسية، مثل كييف.

هذا الفشل دفع القوات الروسية إلى قصف المدن من الأطراف، واستهداف مستشفيات ومبانٍ سكنية، وقتل مدنيين، بحسب الوكالة. لذلك عندما يصل اللواء التالي إلى مركز تدريب، سيواجه عدواً يفعل ذلك بالضبط. وقال تيلور: "سنركّز بشدة على كيفية محاربة خصم مستعدّ لتدمير البنية التحتية، لأنها الطريقة التي نعتقد بأن خصومنا سيعتمدونها. يجب أن نكون مستعدين للقتال في مناطق حضرية، حيث هناك خصم يطلق نيران المدفعية بشكل عشوائي".

وزيرة الجيش كريستين ورموت، قالت إن متابعة التدريب تؤكد أيضاً على دروس أخرى تستقيها الولايات المتحدة من حرب أوكرانيا. وتابعت: "فيما نراقب ما يحدث للروس الآن، من المفيد لنا أن نفكر في ما هو صائب، من وجهة نظر التحديث". وأشارت إلى أن بعض الدبابات الأميركية ثقيل جداً، مضيفة أن الأراضي في أوروبا موحلة أكثر، وليست مثل رمال الصحراء المتراصة.

ورأت أن على الجيش تحديد "ما هو التوازن الصحيح بين قدرة الدبابة على الحركة، وقدرتها على البقاء، وعلى أن تكون فتّاكة؟". وزادت: "إذا رغب المرء في جعلها أكثر قدرة على الحركة، يجعلها أخفّ وزناً، لكنها تتحوّل بذلك أقلّ قابلية للصمود. ولذلك على المرء أن يقرر أين سيجازف".

اقرأ أيضاً:

تصنيفات