تقرير: الأقمار الاصطناعية التجارية "تطارد" الجيش الروسي في أوكرانيا

صور الأقمار الاصطناعية تظهر انسحاب القوات الروسية من مطار أنتونوف في هوستوميل بالقرب من العاصمة الأوكرانية كييف - 31 مارس 2022 - AFP
صور الأقمار الاصطناعية تظهر انسحاب القوات الروسية من مطار أنتونوف في هوستوميل بالقرب من العاصمة الأوكرانية كييف - 31 مارس 2022 - AFP
دبي- الشرق

ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية في تقرير الأحد، أن القوات الأوكرانية تطارد الدبابات الروسية، وتتبع حركة القوات، من خلال الصور التي يلتقطها عدد متزايد من أقمار التجسس التجارية، مما يمنح كييف قدرة الوصول إلى المعلومات الاستخباراتية التي لا تستطيع سوى بضع حكومات الوصول إليها.

وقالت الصحيفة إن هجوم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على كييف تزامن مع طفرة في عدد أقمار التجسس التجارية وتطورها، التي أصبحت بالمئات في الفضاء.

ولفتت بعض مسؤولي الشركات التي تقدم هذه الخدمات إلى أنهم "ينقلون البيانات إلى الولايات المتحدة والحكومات الحليفة، وأحياناً إلى سلطات كييف بشكل مباشر، وذلك لمساعدتهم في صد العدوان الروسي، وكذلك إلى المنظمات الإنسانية لمساعدتها على رسم خريطة للفوضى ولإجلاء المدنيين".

وأشارت الصحيفة إلى أنه حتى قبل وصول القوات الروسية إلى أوكرانيا، عرضت الأقمار الاصطناعية التجارية خطط الكرملين بالتفصيل. وعندما قال بوتين إن قواته المحتشدة على الحدود تتراجع، أظهرت هذه الأقمار عكس ذلك، إذ كشفت أن روسيا قامت ببناء جسر من بيلاروسيا للدبابات لعبور نهر إلى أوكرانيا.

ونقلت الصحيفة عن المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة " Planet Labs PBC"، التي توفر صوراً بالأقمار الاصطناعية، ويل مارشال، قوله إن شركته، التي تعمل مع وزارة الدفاع الأميركية (البنتاجون) وآخرين، كانت قادرة على تحديد الجسر لأن أسطوله المكون من حوالي 200 قمراً اصطناعياً يقوم بمسح جميع أنحاء أوكرانيا.

وتبلغ دقة أقمار "Planet Labs PBC" الاصطناعية حوالي 9 أقدام، وهو مقياس لمستوى التفاصيل التي يمكن لأجهزة الاستشعار تصويرها، كما يمكنها تحديد التغييرات التي تحدث على الأرض.

أحدث أقمار تجسس

وأوضحت الصحيفة أن الأمر يفوق مجرد جمع بعض الصور، إذ يقول المسؤولون في الصناعة إن بعض الأقمار يمكنها الرؤية من خلال السحب، وتتبع تحركات القوات الروسية في الليل، فيما تلتقط أقمار أخرى الإشارات الإلكترونية التي يمكن استخدامها لتتبع القوات الروسية.

ولفتت إلى أن البيانات التي تأتي من المركبات الفضائية التجارية عالية الجودة، وقد لا تكون مثل تلك التي يمكن أن تحصل عليها أحدث أقمار التجسس الأميركية، إلا أنه يمكن مشاركتها بسهولة من دون عبء القيود الأمنية.

وتابعت: "لقد أصبحت بيانات أقمار التجسس التجارية الآن جزءاً لا يتجزأ من الصراع، وإن كانت غير رسمية في كثير من الأحيان، ما يوفر لأوكرانيا معلومات استخباراتية قيمة يمكن استخدامها لمحاربة القوات الروسية، وكذلك تشكيل الرأي العام من خلال الكشف عن حجم الدمار المدني، وجرائم الحرب المحتملة".

ويقول كبار مسؤولي الأمن القومي الأميركي والمديرين التنفيذيين في الصناعة في الولايات المتحدة، إن استخدام الأقمار الاصطناعية التي تبدو تكلفتها معقولة، أدى لتغيير مسار الحرب، إذ جعل من الصعب على روسيا الاختباء أو إنكار أعمالها العسكرية، ونظراً لأن الكثير من المعلومات قد باتت معلنة بالفعل، فقد سهلت أيضاً على وكالات الاستخبارات الأميركية عمليات رفع السرية عن بعض معلوماتها الخاصة ومشاركتها، حسب الصحيفة.

تتبع اللاجئين

كما يقول مسؤولون في الصناعة للصحيفة، إنه الأقمار الاصطناعية تستخدم أيضاً لتتبع تدفق اللاجئين، واكتشاف ما وصفته بـ"المقابر الجماعية" في أوكرانيا، وهو ما تنفي روسيا حدوثه وتتهم الغرب بـ"فبركتها".

وأضافت الصحيفة أن شركة "Maxar"، التي تزود وسائل الإعلام بالصور منذ بداية الغزو الروسي، تستخدم كاميرات تلتقط صوراً بدقة تصل إلى 12 بوصة، كما يمكن للشركة تغيير مواقع الكاميرات لجمع صور لما يحدث على الأرض عبر منطقة أكبر، بما في ذلك المناطق الحدودية مع أوكرانيا.

وعلى الرغم من أنه لطالما نظرت وكالات الاستخبارات الحكومية إلى أقمار التجسس التجارية بريبة، فإنها أصبحت الآن أحد زبائنها، إذ تصل تكلفة أقمار التجسس التابعة للحكومة الأميركية لمليارات الدولارات، كما يمكن أن يستغرق بناؤها ونشرها سنوات، فيما تعد تكلفة أقمار التجسس التجارية رخيصة نسبياً ويمكنها سد الثغرات.

مشاركة تجارية

ويقول الجنرال روبرت شارب، مدير الوكالة الوطنية للاستخبارات الجغرافية المكانية التي تجمع وتحلل وتوزع البيانات من أقمار التجسس الصناعية الأميركية، إن حكومة الولايات المتحدة تشجع الشركات الخاصة على مشاركتها، مضيفاً في مؤتمر "GEOINT" السنوي للاستخبارات الفضائية، إن الأقمار الاصطناعية التجارية "كانت جانباً مهماً من قدرة حكومتنا على الحصول على المعلومات الصحيحة، واتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب".

ويقول الرئيس التنفيذي لشركة "MDA" مايك جرينلي، إن "أوكرانيا مكان صعب ولديها الكثير من السحب والعمليات الليلية"، ولكن الشركة تمتلك قمراً اصطناعياً واحداً، كما تمتلك الحكومة الكندية 3 أقمار، يمكنهم الكشف عن مكان تحرك المركبات، حتى في الأحوال الجوية السيئة، وكذلك رصد الدبابات المختبئة تحت الأشجار. وأضاف أن الشركة يمكنها تصوير أوكرانيا بشكل يومي، ويمكن أن تكون الصور جاهزة للعرض في بعض الحالات في أقل من 15 دقيقة فقط.

من جهته، يقول بريان أوتول، الرئيس التنفيذي لشركة "BlackSky Technology"، إنه بعد أيام من الغزو الروسي في 24 فبراير، قررت الشركة تغيير المدار المُخطَط لقمرين اصطناعيين كان سيتم إطلاقهما في 2 أبريل الماضي، حتى يتمكنا من عبور أوكرانيا بشكل متكرر، وهو ما تطلب إعادة تنظيم إطلاق الصاروخ والحصول على موافقة الحكومة الأميركية على تعديل رخصة الإطلاق الخاصة به، وقد تم تسليم صور أوكرانيا للعملاء في غضون 24 ساعة فقط من الإطلاق.

غموض في التفاصيل

كما تنشر شركة "HawkEye 360" مجموعة مختلفة من أجهزة الاستشعار، وتجمع أقمارها الاصطناعية وتحدد بدقة إشارات الترددات الراديوية من الفضاء، وذلك من سفن الصيد غير القانونية إلى منارات الطوارئ.

ومع اندفاع قوات بوتين إلى أوكرانيا من الشمال، ثم انسحابها بعد فشلها في الاستيلاء على كييف، تتبعتها أقمار الشركة من خلال تتبع تشويش القوات الروسية لإشارات نظام تحديد المواقع العالمي (GPS).

ومع ذلك، فإن عمليات التجسس التجارية هذه لا تخلو من المخاطر، ولذا فإن العديد من الشركات ترفض الكشف عن كيفية مساعدتها لأوكرانيا في جهودها لدرء الهجوم الروسي، إذ يقول أحد المديرين التنفيذيين إنه يخشى أن تصبح شركته هدفاً لهجمات إلكترونية مدعومة من موسكو، كما رفض البنتاجون تقديم تفاصيل حول خدمات صور الأقمار الاصطناعية التجارية التي تم تضمينها كجزء من حزمة المساعدات الأمنية لأوكرانيا التي تم الإعلان عنها في 14 أبريل الماضي.

وأشارت الصحيفة إلى أنه على الرغم من ذلك، فإن هناك بعض الشركات التي تروج علانية لما تفعله لأوكرانيا، إذ يقول توماس فانماتر نائب رئيس تطوير الأعمال العالمية في شركة "Satellogic"، وهي شركة لمراقبة الأرض بدأت في الأرجنتين، إن شركته تقدم صوراً إلى الحكومة الأوكرانية بشكل مباشر، بالإضافة إلى تقديمها بيانات مجانية للمؤسسات الإنسانية مثل "الصليب الأحمر" و"منظمة أطباء بلا حدود".

تصنيفات