استقال رئيس وزراء سريلانكا، ماهيندا راجاباكسا، الاثنين بعدما هاجم أنصاره متظاهرين يطالبون باستقالته، وشقيقه الأصغر الرئيس جوتابايا راجاباكسا، فيما تواجه البلاد أسوأ أزمة اقتصادية منذ استقلالها، في حين أقدم أحد نواب الحزب الحاكم في البرلمان على الانتحار بعدما أطلق النار على شخصين فقتل أحدهما وأصاب الثاني بجروح خطرة، فيما كانا يعترضان سيارته خارج العاصمة.
وأضافت الشرطة المحلية أن النائب فرّ من مكان الحادث ولجأ إلى مبنى قريب، ثم انتحر مستخدماً مسدسه، بعدما أحاط آلاف الأشخاص بالمبنى.
وقال ناطق باسم رئيس الوزراء إن الأخير سلّم شقيقه جوتابايا راجاباكسا كتاب استقالته، ممهّداً لتشكيل "حكومة وحدة جديدة"، كما أفادت وكالة "فرانس برس".
الاستقالة تيح للرئيس تعيين شخصيات معارضة في مناصب حكومية أساسية، وهذا أحد الحلول التي اقترحها لإنهاء الأزمة. ولكن ليس واضحاً ما إذا كانت استقالة رئيس الوزراء سترضي المحتجين الغاضبين، بحسب "بلومبرغ".
وستؤدي الاستقالة أيضاً إلى حلّ مجلس الوزراء الفيدرالي، ما يثير تساؤلات بشأن مَن سيقود محادثات سريلانكا مع صندوق النقد الدولي، للحصول على تمويل طارئ، يتيح شراء طعام ووقود.
حظر تجوّل في العاصمة
الاستقالة تأتي بعدما فرض جوتابايا راجاباكسا حظر تجوّل في العاصمة كولومبو، الاثنين، إثر جرح 78 شخصاً، بعدما هاجم أنصار للحكومة المتظاهرين المناهضين للأخوين راجاباكسا.
وأعلنت الشرطة أن النائب عن الحزب الحاكم، أماراكيرثي أتوكورالا، أطلق النار على شخصين فقتل أحدهما وأصاب الثاني بجروح خطرة، فيما كانا يعترضان سيارته خارج العاصمة. وأضافت أن النائب فرّ من مكان الحادث ولجأ إلى مبنى قريب، ثم انتحر مستخدماً مسدسه، بعدما أحاط آلاف الأشخاص بالمبنى.
ويحتلّ المحتجون مدخل مكتب الرئيس، لليوم الحادي والثلاثين، حيث نصبوا مخيّماً بات نقطة محورية للتظاهرات، إضافة إلى مخيّمات في مدن أخرى بكل أنحاء البلاد، علماً بأنهم يطالبون أيضاً باستقالة أفراد آخرين من عائلة راجاباكسا، التي سيطرت على كل جوانب الحياة في سريلانكا تقريباً، منذ نحو عقدين، كما أفادت وكالة "أسوشيتد برس". وأضافت أن ثلاثة من خمسة أعضاء في عائلة راجاباكسا، كانوا نواباً، استقالوا من مناصبهم الوزارية في أبريل الماضي.
إعلان "الطوارئ" للمرة الثانية
وبدأت الاحتجاجات في مارس الماضي، إذ يحمّل المتظاهرون عائلة راجاباكسا المسؤولية عن الأزمة التي تشهدها البلاد، وسوء إدارة الاقتصاد.
وأعلن جوتابايا راجاباكسا، الجمعة، حالة الطوارئ للمرة الثانية خلال 5 أسابيع، ومنح سلطات واسعة لقوات الأمن، بما في ذلك اعتقال مشبوهين واحتجازهم لفترات طويلة، من دون إشراف قضائي. كما أذِن بنشر جنود، لحفظ النظام ومساندة الشرطة، بحسب "فرانس برس".
وأعرب دبلوماسيون ومنظمات مدافعة عن حقوق الانسان، عن قلق بشأن هذه الخطوة، التي تتيح أيضاً مصادرة ممتلكات وتفتيش أيّ مبنى. ويمكن للرئيس أيضاً، بموجب حالة الطوارئ، تبديل أو تجميد أيّ قانون، لمصلحة الأمن العام وصيانة الإمدادات الأساسية، وفق "أسوشيتد برس".
مهاجمة مخيّم المحتجين
وأوردت وسائل إعلام محلية قبل أيام، أن جوتابايا راجاباكسا طلب من شقيقه، خلال جلسة خاصة للحكومة الجمعة الماضي، التفكير في التنحّي كرئيس للوزراء، من أجل إفساح المجال أمام تشكيل حكومة مؤقتة.
وأبلغ رئيس الوزراء مؤيّديه الاثنين، بأنه مستعدّ لتقديم "أيّ تضحيات" مطلوبة من أجل البلاد، كما أفادت "بلومبرغ".
جاء ذلك خلال احتشاد أنصاره داخل مكتبه، حيث حضّوه على تجاهل مطالبة المحتجين بتنحّيه. وبعد الاجتماع، توجّهوا إلى مخيّم المتظاهرين، وهاجموهم مستخدمين هراوات، وهدموا خيامهم قبل حرقها، بحسب "أسوشيتد برس".
وأعلنت السلطات جرح 78 شخصاً، فيما أطلقت الشرطة غازاً مسيّلاً للدموع واستخدمت خراطيم مياه في مواجهة أنصار الحكومة، الذين اخترقوا خطوط الشرطة لتحطيم خيام المتظاهرين.
ونقلت "رويترز" عن متظاهر قوله: "هذا احتجاج سلمي. هاجموا (المخيّم) وأحرقوا خيامنا. نحن عاجزون الآن، ونستجدي المساعدة".
وأعلن ناطق باسم الشرطة نشر عشرات من أفراد قوات شبه عسكرية، مزوّدين بدروع لمكافحة الشغب وخوذات، للفصل بين الجانبين. كذلك فرضت حظر تجوّل في المقاطعة الغربية لسريلانكا، وتشمل العاصمة كولومبو.
دعوة إلى "ضبط النفس"
وحضّ رئيس الوزراء "السكان على ضبط النفس وتذكّر أن العنف لا يؤدي سوى إلى العنف"، مشدداً على أن "الأزمة الاقتصادية التي نشهدها تتطلّب حلاً اقتصادياً، التزمت هذه الحكومة بإيجاده"، كما كتب على موقع "تويتر".
أما زعيم المعارضة، ساجيث بريماداسا، فاستخدم الموقع ذاته للتنديد بالعنف، محذراً من "تداعيات خطرة إذا مُسّ بأيّ متظاهرين سلميين أو وسائل إعلام".
وعزّزت الشرطة تدابير الأمن حول جميع نواب الحزب الحاكم، فيما اتهمت وزارة الدفاع المتظاهرين بالتصرّف بطريقة "استفزازية وتنطوي على تهديد"، وتعطيل الخدمات الأساسية، بحسب "فرانس برس".
تحرّكات نقابية
يأتي ذلك فيما أعلنت النقابات أنها ستنظّم احتجاجات يومية بدءاً من الاثنين، لإرغام الحكومة على التراجع عن حالة الطوارئ.
وحذر الزعيم النقابي رافي كوموديش، من أنه سيحشد عمال القطاعين العام والخاص لاقتحام مقرّ البرلمان، عندما يفتتح جلسته المقبلة في 17 مايو. وأضاف: "ما نريده هو أن يرحل الرئيس وعائلته".
وانضمّت أكثر من ألف نقابة، تمثل هيئات الصحة والموانئ والتعليم وقطاعات خدمية أساسية أخرى، إلى حركة "أسبوع الاحتجاجات". ونقلت "أسوشيتد برس" عن الناشط النقابي، سامان راثنابريا، قوله إن العمال سينظمون خلال هذا الأسبوع تظاهرات في أماكن عملهم بكل أنحاء البلاد. وفي نهاية الأسبوع، سيطلقون مسيرة ضخمة إلى البرلمان، للمطالبة بإقالة الرئيس جوتابايا راجاباكسا وتشكيل حكومة جديدة.
"نحن دولة مفلسة"
وأعلنت شركتا الطاقة في سريلانكا، الاثنين، بدء نفاد مخزونهما من غاز البترول المسال، المُستخدم أساساً في الطهي. وتحوّلت غالباً طوابير طويلة لشراء غاز الطهي، إلى احتجاجات مرتجلة في الأيام الأخيرة، إذ يغلق مستهلكون محبطون الطرق.
وقال رئيس شركة الطاقة Laugfs Gas، دبليو إتش كي ويجابيتيا: "نحن دولة مفلسة. المصارف ليس لديها ما يكفي من الدولارات لفتح خطوط ائتمان، ولا يمكننا اللجوء إلى السوق السوداء. نكافح من أجل الحفاظ على أعمالنا".
جاء ذلك بعدما قال وزير المال السريلانكي، علي صبري، الأسبوع الماضي، إن لدى بلاده 50 مليون دولار من الاحتياطات الأجنبية الصالحة للاستخدام، علماً بأن كولومبو أعلنت، في 12 أبريل الماضي، تخلّفها عن سداد ديونها الخارجية، البالغة 51 مليار دولار، وباشرت محادثات مع صندوق النقد الدولي، من أجل مساعدتها.
ومنذ أشهر، يشكّل السريلانكيون طوابير طويلة، لشراء الوقود وغاز الطهي والأغذية والأدوية، ومعظمها يأتي من الخارج. كما أن نقص العملة الصعبة عرقل استيراد المواد الخام للتصنيع، وفاقم التضخم، الذي قفز إلى 18.7% في مارس الماضي.
اقرأ أيضاً: