حذّر وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي الأميركي السابق هنري كيسنجر، من أن الوضع الجيوسياسي سيخضع لتغييرات كبيرة بعد انتهاء حرب روسيا في أوكرانيا، معرباً عن اعتقاده بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "أخطأ في تقدير الموقف" الذي واجهه دولياً.
وقال في مقابلة مع صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية في واشنطن، إن "الوضع الجيوسياسي على الصعيد العالمي سيخضع لتغييرات كبيرة بعد انتهاء حرب أوكرانيا. وليس من الطبيعي أن يكون للصين وروسيا مصالح متطابقة بشأن جميع المشكلات المتوقعة. لا أعتقد أنه يمكننا إثارة خلافات محتملة، لكنني أعتقد أن الظروف ستتكفل بهذا".
وتابع: "بعد حرب أوكرانيا، سيتعين على روسيا إعادة تقييم علاقتها بأوروبا على أقل تقدير وموقفها العام تجاه الناتو. أعتقد أنه ليس من الحكمة اتخاذ موقف عدائي تجاه خصمين بطريقة تجمعهما معاً، وبمجرد أن نراعي هذا المبدأ في علاقاتنا مع أوروبا وفي مناقشاتنا الداخلية، أعتقد أن التاريخ سيوفر فرصاً يمكننا من خلالها النهج المختلف".
واستدرك بالقول: "هذا لا يعني أن أياً منهما (الصين وروسيا) سيصبح صديقاً مقرباً للغرب، بل يعني فقط أنه في قضايا محددة عند ظهورها، نترك الخيار مفتوحاً لوجود نهج مختلف. في الفترة المقبلة، يجب ألا نجمع روسيا والصين معاً بوصفهما جزءاً لا يتجزأ".
"حرب باردة جديدة"
ورداً على سؤال بشأن دخول واشنطن في "حرب باردة جديدة" مع الصين؛ لا سيما في ظل التحالف الصيني الروسي، قال كيسنجر "في الوقت الذي انفتحنا فيه على الصين، كانت روسيا هي العدو الرئيسي. لكن علاقاتنا مع الصين كانت على وشك أن تكون سيئة بقدر ما يمكن. كانت وجهة نظرنا في الانفتاح على الصين أنه ليس من الحكمة، عندما يكون لديك عدوان، أن تعاملهما بالطريقة ذاتها".
وأوضح أن "التوترات التي نشأت بشكل مستقل بين روسيا والصين، هي ما أفضى إلى الانفتاح. و(رئيس الاتحاد السوفيتي السابق ليونيد) بريجنيف لم يكن في وسعه تصور أن الصين والولايات المتحدة يمكنهما أن يجتمعا. لكن ماو (الرئيس الصيني ماو تسي تونج)، على الرغم من كل عدائه الأيديولوجي، كان مستعداً لبدء المحادثات".
وتابع: "نظرياً، التحالف (الصيني الروسي) ضد المصالح المكتسبة، لقد أصبح قائماً الآن. لكنه لا يبدو بالنسبة لي كما لو كانت علاقة دائمة بطبيعتها".
ومضى قائلاً: "لا بد أن ندرك أوجه الاختلافات القائمة في الأيديولوجيا والتفسير. ينبغي أن نستخدم هذا الإدراك لتطبيقه في تحليلنا لأهمية المسائل بمجرد ظهورها، بدلاً من جعلها مسألة المواجهة الرئيسية، إذا لم نكن مستعدين لجعل تغيير النظام الهدف الرئيسي لسياستنا. أعتقد أنه نظراً لتطور التكنولوجيا، والقدرة التدميرية الهائلة للأسلحة الموجودة الآن، فإن (السعي لتغيير النظام) قد يفرض علينا بسبب عداء الآخرين، ولكن يجب علينا تجنب إحداثه بمواقفنا الخاصة".
التهديدات النووية
ورداً على سؤال بشأن تلويح فلاديمير بوتين بالتهديد النووي، قال كيسنجر: "نحن الآن (في مواجهة) تقنيات يمكن أن تؤدي فيها حيث سرعة التبادل ودقة الاختراعات إلى مستويات من الكارثة لم يكن حتى من الممكن تخيلها. والغريب في الوضع الحالي هو أن الأسلحة تتكدس في الجانبين وتطورها يتزايد كل عام.
ولفت إلى أنه "لا توجد مناقشة على الصعيد الدولي تقريباً بشأن ما يمكن أن يحدث إذا استخدمت الأسلحة في الواقع".
وناشد وزير الخارجية الأميركي السابق، القوى العالمية، بأن "تتفهم أننا نعيش الآن في عصر جديد تماماً، وأننا أصبحنا بعيدين عن إغفال هذا الجانب. ولكن مع انتشار التكنولوجيا في جميع أنحاء العالم، كما هو الحال بحكم طبيعتها، ستحتاج الدبلوماسية والحرب إلى محتوى مختلف وسيشكل ذلك تحدياً".
وتطرق إلى معرفته السابقة بالرئيس بوتين، عندما كان طالباً يدرس الشؤون الدولية ويجري مناقشات استراتيجية أكاديمية طيلة 15 عاماً، قائلاً إنه اعتقد آنذاك أن "قناعاته الرئيسية كانت نوعاً من الإيمان الروحاني بالتاريخ الروسي. وأنه شعر بالإهانة، من هذا المنطلق، ليس بسبب أي شيء فعلناه لا سيما البداية، ولكن بسبب هذه الفجوة الهائلة التي انفتحت مع أوروبا والشرق".
وزاد: "لقد شعر (بوتين) بالإهانة والتهديد لأن روسيا كانت مهددة باستيعاب هذه المنطقة بأسرها في حلف شمال الأطلسي (الناتو). هذا ليس مبرراً، ولم أكن لأتوقع هجوماً بحجم الاستيلاء على دولة معترف بها".
بوتين "أخطأ" تقدير الموقف
وأعرب كيسنجر عن اعتقاده بأن بوتين "أخطأ في تقدير الموقف الذي واجهه على الصعيد الدولي، ومن الواضح أنه أخطأ في تقدير قدرات روسيا على مواصلة مثل هذا المشروع الكبير وعندما يحين وقت التوصل إلى تسوية، يتعين على الجميع أخذ ذلك في الاعتبار، أننا لن نعود إلى العلاقة السابقة، ولكن إلى وضع سيكون مختلفاً بالنسبة لروسيا بسبب هذا، وليس لأننا نطالب به، ولكن لأنهم صنعوه".
واعتبر أنه يتعين على بوتين أن يقرر إلى "متى سيستمر هذا التصعيد، وما هو المجال المتاح لمزيد من التصعيد، أم أنه وصل إلى الحد الأقصى لقدرته، وعليه أن يقرر في أي مرحلة سيؤدي تصعيد الحرب إلى إرهاق مجتمعه إلى درجة ستحد من صلاحيته لتنفيذ السياسة الدولية كقوة عظمى في المستقبل".
وتابع: "ليس لدي أي تقديرات متى يصل إلى هذه المرحلة. وعندما يصل إليها، هل سيصعد بالانتقال إلى فئة من الأسلحة التي لم تستخدم مطلقاً خلال 70 عاماً من وجودها؟ إذا تجاوز هذا الخط، فسيكون ذلك حدثاً بالغ الأهمية".
وفيما يتعلق بالدروس التي تستخلصها الصين من هذه الأزمة، اختتم كيسنجر بالقول: "أظن أن أي زعيم صيني سيفكر الآن في كيفية تجنب الوقوع في الموقف الذي وضع فيه بوتين نفسه، وكيف يكون في موقف، حين تنشأ أي أزمة، لن ينقلب جزء كبير من العالم عليهم".
وتصف موسكو تحركاتها منذ 24 فبراير بأنها "عملية عسكرية خاصة" لنزع سلاح أوكرانيا وتخليصها ممن تصفهم بـ"النازيين، ومن القومية المعادية لروسيا التي ترى أن الغرب يغذيها"، فيما تقول أوكرانيا والغرب إن روسيا شنّت غزواً غير مبرر.
اقرأ أيضاً: