ما هي أهداف تركيا من التوغّل المحتمل في شمال سوريا؟

قوات مدعومة من تركيا تشارك في مناورة عسكرية في ريف مدينة منبج شمال سوريا - 2 يونيو 2022 - AFP
قوات مدعومة من تركيا تشارك في مناورة عسكرية في ريف مدينة منبج شمال سوريا - 2 يونيو 2022 - AFP
دبي -الشرق

مع تركيز اهتمام العالم على الحرب في أوكرانيا، يُلوّح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشن عملية عسكرية على بلدتين في شمال سوريا رغم ما تنطوي عليه من مخاطر، تستهدف مقاتلين أكراد تعتبرهم أنقرة "إرهابيين"، بهدف "إنشاء منطقة عازلة" على الحدود، وحشد الناخبين الأتراك في وقت يتدهور فيه اقتصاد البلاد، حسبما ذكرت وكالة "أسوشيتد برس".

وأشارت الوكالة الأميركية، إلى أنّ التوتّر على أشدّه في منطقة شمال سوريا، حيث يستعد السكان لخوض معركة جديدة. ولا يكاد يمر يوم دون تبادل إطلاق النار والقصف بين المقاتلين الأكراد السوريين المدعومين من الولايات المتحدة، والقوات التركية ومسلحي المعارضة السورية المدعومين من تركيا.

ويقول محللون إن الرئيس التركي "يستغل الحرب في أوكرانيا لتحقيق أهدافه الخاصة في سوريا المجاورة؛ حتى باستغلال قدرة تركيا باعتبارها عضو في حلف شمال الأطلسي "الناتو" لمعارضة انضمام فنلندا والسويد إلى التحالف.

وحذّرت الوكالة من أنّ حدوث عملية توغل كبير من أنقرة محفوفة بمخاطر وتعقيدات، وتهدد بإفساد علاقات تركيا مع كل من الولايات المتحدة وروسيا، كما أنها تهدد بخلق موجة نزوح جديدة في منطقة مزقتها الحرب، حيث لا يزال تنظيم "داعش" يتربص في الخفاء.

طموحات أردوغان

حدد أردوغان الشهر الماضي خططاً لاستئناف الجهود التركية لإنشاء منطقة عازلة بعمق 30 كيلومتراً في سوريا على طول حدودها الجنوبية من خلال توغل عبر الحدود ضد المقاتلين الأكراد السوريين المتحالفين مع الولايات المتحدة. وفي عام 2019، أراد أردوغان إنشاء تلك المنطقة لكن عملية عسكرية فشلت في تحقيق ذلك، بحسب الوكالة.

وفي وقت سابق، قال أردوغان: "سنهجم عليهم (القوات الكردية) فجأة ذات ليلة"، دون تحديد أي إطار زمني محدد.

منذ عام 2016، شنت تركيا ثلاث عمليات رئيسية داخل سوريا، مستهدفة الفصائل الكردية الرئيسية في سوريا، "وحدات حماية الشعب"، التي تعتبرها تركيا "منظمة إرهابية"، وامتداداً لـ"حزب العمال الكردستاني" لذي تصنّفه أنقرة وحلفاؤها الغربيون "تنظيماً إرهابياً".

ومع ذلك، فإن "وحدات حماية الشعب"، تشكل العمود الفقري للقوات التي تقودها الولايات المتحدة في القتال ضد تنظيم داعش، وأثبتت أنها حليف رئيسي لواشنطن في سوريا.

والعمليات العسكرية الثلاث السابقة في سوريا، أسفرت عن سيطرة تركيا بالفعل على جزء كبير من الأراضي السورية، تشمل بلدات عفرين وتل أبيض وجرابلس. وتخطط أنقرة لبناء آلاف الوحدات السكنية في تلك المناطق، لضمان ما تقول إنه سيكون "عودة طوعية" لمليون من أصل 3.7 مليون لاجئ سوري في تركيا حالياً.

والأربعاء، قال أردوغان إن القوات التركية تهدف الآن إلى السيطرة على مناطق جديدة، بما في ذلك بلدتي تل رفعت ومنبج، التي تقع على تقاطع طرق رئيسي على الطريق السريع بين الغرب والشرق في سوريا والمعروف باسم "إم4". وتقول تركيا إن المقاتلين الأكراد السوريين يستخدمون تل رفعت كقاعدة لشن هجمات على المناطق التي يسيطر عليها مسلحو المعارضة السورية المدعومون من تركيا.

كما تفيد تقارير أيضاً بأن القوات التركية قد تدخل بلدة كوباني الحدودية الاستراتيجية، حيث اتحد الجيش الأميركي والمقاتلون الأكراد لأول مرة لهزيمة داعش في عام 2015. وتحمل المدينة دلالة رمزية قوية للأكراد السوريين وطموحاتهم بالحكم الذاتي في هذا الجزء من سوريا.

"توقيت مناسب" للهجوم

يقول محللون إن أردوغان يرى على الأرجح أن "الظروف مواتية" على الصعيدين الدولي والمحلي، ما يجعل الوقت مناسباً لشن عملية في سوريا. فالروس منشغلون بالحرب في أوكرانيا، ويحتاج الأميركيون إلى أردوغان للتنازل عن اعتراضاته على توسع الناتو ليضم فنلندا والسويد.

في هذا السياق، قال رئيس الأبحاث في معهد أبحاث السياسة الخارجية في فيلادلفيا آرون شتاين: "إنهم (الأتراك) يشعرون أن ثمة فرصة لمحاولة الحصول على تنازلات من الغرب".

ووفقاً لـ"أسوشيتد برس" يمكن أيضاً استغلال الهجوم على سوريا لحشد الناخبين القوميين الأتراك في وقت يتدهور فيه اقتصاد البلاد، حيث بلغ معدل التضخم 73.5%. ومن المقرر أن تجري تركيا انتخابات رئاسية وبرلمانية العام المقبل، والتوغلات السابقة في سوريا لطرد "وحدات حماية الشعب" عززت دعم أردوغان في الانتخاب السابقة.

وعلى الرغم من أنه لا توجد مؤشرات حتى الآن على حشد عسكري تشير إلى غزو وشيك، لا ينفي هذا إمكانية استدعاء الجيش التركي بسرعة إلى حد كبير. لكن المقاتلين الأكراد السوريين يقولون إنهم يأخذون التهديد التركي الأخير على محمل الجد، ويستعدون لهجوم محتمل.

كما يحذّرون من أن التوغل سيؤثر على قتالهم المستمر ضد "داعش"، وقدرتهم على حماية السجون في شمال سوريا، حيث يُحتجز الآلاف من المتطرفين، وكثير منهم من الأجانب، منذ هزيمة تنظيم التنظيم قبل ثلاث سنوات.

توتر علاقات موسكو مع واشنطن

وكالة "أسوشيتد برس" لفتت إلى أن شن عملية عسكرية واسعة النطاق ينطوي على مخاطر كبيرة، ومن المرجح أن يثير غضب الولايات المتحدة وروسيا، اللتين لهما أيضاً وجود عسكري في شمال سوريا.

وتدعم تركيا وروسيا الأطراف المتنافسة في الصراع السوري المستمر منذ 11 عاماً، لكنهما كانا ينسقان عن كثب في الشمال السوري.

وفي حين لم تعلق روسيا رسمياً، فقد أرسلت في الأيام الأخيرة طائرات مقاتلة ومروحيات إلى قاعدة قريبة من الحدود مع تركيا، وفقاً لنشطاء في المعارضة السورية.

وباعتبارها واحدة من أقرب حلفاء دمشق، كان دور روسيا في سوريا بالغ الأهمية في قلب مسار الصراع في سوريا، الذي بدأ وسط "انتفاضات الربيع العربي" في عام 2011، لصالح الرئيس السوري بشار الأسد، ونجحت في إبعاد مقاتلي المعارضة السورية إلى جيب في الشمال الغربي ومنطقة نفوذ تركيا.

ولكن مع تركيز موسكو على أوكرانيا، استبعدت الوكالة أن يعترض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في طريق أردوغان، بسبب مجرد شريط من الأرض على طول الحدود الجنوبية لتركيا.

في غضون ذلك، أعربت واشنطن عن معارضتها للتوغل العسكري التركي، قائلة إنه سيعرض للخطر المكاسب التي تحققت بشق الأنفس في الحملة ضد تنظيم داعش.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس: "نحن ندرك مخاوف تركيا الأمنية المشروعة على حدودها. ولكن أؤكد مجدداً، أننا نشعر بالقلق من أن أي هجوم جديد من شأنه أن يقوض الاستقرار الإقليمي بشكل أكبر".

في هذا الصدد، قال المحلل شتاين إن أي عملية ستكون معقدة بسبب الوجود الروسي في كل من النقاط الساخنة المحتملة، كوباني وتل رفعت، مضيفاً أن احتمال شن عملية عسكرية يتلخص في مسألة "إلى أي مدى أردوغان مستعد التوغل في سوريا، لا سيما في منطقة كوباني وحولها، وما إذا كان سيواجه اعتراضات من موسكو وواشنطن"، وكذلك "قدر المخاطرة التي يريد تحملها".

اقرأ أيضاً:

تصنيفات