قالت صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية، الأربعاء، إن الغزو الروسي لأوكرانيا، والتهديدات التي تواجهها دول البلطيق أثارت نقاشات داخلية في حلف شمال الأطلسي "الناتو" بشأن الحاجة لدفاعات دائمة على جبهته الشرقية الأقرب لروسيا، توفر دعماً فورياً لتلك الدول دون انتظار قدوم قوات من الغرب.
ونقلت الصحيفة عن وزير الدفاع البريطاني بين والاس، قوله الأسبوع الماضي، في حديث على هامش قمة وزراء دفاع الناتو، "صراحة ليس لديك 60 يوماً لتنقل دباباتك إلى إستونيا، لأنه في هذا الوقت لن يكون هناك إستونيا قياساً على ما فعله الروس في أوكرانيا".
واعتبرت الصحيفة أن تصريحات والاس "لم تكن سطحية"، إذ أن دول البلطيق (إستونيا ولاتفيا، وليتوانيا) والتي تمثل الطرف الشمالي الشرقي من أراضي الناتو، لطالما حذرت من وقوع هجوم روسي محتمل قبل اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا في 24 فبراير.
وقالت إنه ومع تفاقم التهديدات الروسية لدول البلطيق، وقبيل أيام من انعقاد القمة السنوية للحلف في مدريد، احتدم الجدل مجدداً بشأن "نوع الدعم الذي يجب أن يقدمه الحلفاء في الناتو لهذه الدول".
مقاربة ألمانية
وأشارت الصحيفة في هذا الصدد إلى إعلان ألمانيا التزامها بتخصيص 3500 جندي إضافي للدفاع عن ليتوانيا، لكنها ستبقي أغلبهم في ألمانيا.
ووفق "فاينانشال تايمز" فقد حظيت "مقاربة برلين" بدعم الحلفاء الغربيين الآخرين، إذ أكدوا، بدافع القلق من تكلفة الانتشار العسكري طويل الأمد واحتمالية استفزاز موسكو، أن "التمركز المسبق لبعض المعدات ونقل القوات في فترة قصيرة يمثلان الإجراء الأكثر ذكاءً".
لكن الحلفاء المعرضين للخطر، مثل ليتوانيا، قالوا إنهم بحاجة إلى الآلاف من جنود الناتو المسلحين والمجهزين بالكامل، للرد الفوري على أي هجوم روسي.
ليتوانيا ليست أوكرانيا
ووصفت مارجريتا شيشيلجيتي، مديرة معهد العلاقات الدولية والعلوم السياسية بجامعة فيلنيوس، المقاربة الألمانية بأنها "ليست رسالة جيدة لنا".
وأضافت: "فيما يتعلق بأمننا فإن الحاجة إلى قوات الدفاع المتمركزة مسبقاً، أمر لا بد منه، لأننا نفتقر إلى العمق الاستراتيجي".
وأوضحت: "أوكرانيا كانت ولا تزال قادرة على الدفاع عن نفسها بسبب ذلك.. أما دول البلطيق بوجه عام فيمكن للقوات الروسية أن تجتاحها في غضون أسبوع".
في هذا السياق، قالت "فاينانشال تايمز" إن القواعد العسكرية الدائمة، كتلك التي أنشأتها الولايات المتحدة في ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، "باهظة الثمن"، كما أن "الجنود يسافرون رفقة أسرهم، ما يتطلب مجمعات مترامية الأطراف تضم منازل ومدارس.
وبدلاً من ذلك، فإن الوجود العسكري للناتو على الجبهة الأمامية شرقاً والذي يتكون من مجموعات قتالية يقودها أجانب منذ 2017، وتم توسيع نطاقه في ربيع هذا العام، يعتمد بالأساس على جنود دون ذويهم، وفي حالة تناوب مؤقت، وبعبارة أخرى يعيشون أحياناً في خيام، كما هو الحال في التدريبات العسكرية الموسعة.
ورأت وزيرة الدفاع الهولندية كاجسا أولونجرين "أن هذا هو الطريق من الآن فصاعداً"، مضيفة: "نحن نتفق على المقاربة الألمانية التي أعتقد أنها ملائمة كاستراتيجية في الجناح الشرقي بأكمله من حلف الناتو، وهو ما يعني موقفاً أقوى، ولكن مرن أيضاً".
ووصفت المقاربة الألمانية بأنها أيضاً "أكثر استدامة"، معللة ذلك بأنه "ليس ضرورياً أن يكون كل شيء وكل شخص في مكانه، ولكن عليك أن تكون سريع الاستجابة، وأن تكون القوات جاهزة".
وتساهم هولندا بقوات في مجموعة الناتو القتالية التي تقودها ألمانيا في ليتوانيا، فيما تقود المملكة المتحدة المجموعة القتالية التابعة للحلف في إستونيا، وكندا في لاتفيا، والولايات المتحدة في بولندا.
قدرة على الانتشار السريع
وتؤكد العديد من دول الناتو، أن المقاربة الأكثر ذكاء، "هي تلك التي تنطوي على القدرة على الانتشار السريع في حالة الضرورة"، معتبرين أنها "تمثل رادعاً أفضل من الدفاعات الثابتة التي يمكن لأي عدو محتمل أن يخطط لتجنبها".
لكن الصحيفة البريطانية قالت إن هذا يعتمد على ثقة الدول الحدودية الضعيفة في انتشار حلفائها بالسرعة الكافية، وبالقوة اللازمة لصد أي هجوم مركز ضدها.
وفيما تفاخر الوحدة الـ82 الأميركية المحمولة جواً بقدرتها على الانتشار في أي مكان على سطح الأرض في غضون 18 ساعة، إلا أن قلة من الوحدات القتالية الأخرى، بنفس الحجم والكفاءة، يمكنها أن تضاهي ذلك.
وقبل الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير، تحدث الناتو عن استراتيجية "سلك التعثر"، حيث يقوم بضعة آلاف من الجنود في الدول الشرقية بدور "الرادع الأولي" ضد الهجوم، قبل وصول التعزيزات الأساسية.
لكن "فاينانشال تايمز" اعتبرت أن هذا الأمر "لم يعد قابلاً للاستمرار"، ففي الساعات الأولى من هجوم بوتين على أوكرانيا في فبراير، حذر مسؤولو الاستخبارات الغربية من أن كييف ستسقط على الأرجح في غضون 3 أيام، بالنظر إلى حجم الهجوم.
ولكن فقط "مزيجاً من الأخطاء الاستراتيجية الروسية والهجمات المضادة الأوكرانية الناجحة أوقف هذا الهجوم الأولي".
وتشعر دول البلطيق بالقلق من أنه إذا تعلم بوتين من أخطائه في أوكرانيا، "فإن فرسان الناتو سيصلون متأخرين للغاية، ومن ثم لن يحولوا دون سقوط عواصمهم".
"لقد انتصر (الحلفاء الشرقيون) في النقاش من حيث أن استراتيجية سلك التعثر لا ترقى فعلياً لما رأيناه يحدث في أوكرانيا"، وفقا لما قاله والاس، مضيفا أن "المعركة الأولى هي المعركة الأكثر أهمية".
اقرأ أيضاً: