أفادت وكالة "أسوشيتد برس" بأن قياديين وسطيين في الحزب الديمقراطي يعزّزون حضورهم في الحزب، وباتوا يسبّبون صداعاً للرئيس جو بايدن.
وأشارت إلى أن السيناتور الديمقراطي المعتدل جو مانتشين أصبح فجأة من الأشخاص الأكثر نفوذاً في واشنطن. وأضافت أنه أجرى مكالمات هاتفية عدة مع بايدن، ويستطيع إثارة فوضى في البيت الأبيض، من خلال مقابلة واحدة مدتها 5 دقائق، أو بيان من 3 عبارات.
مانتشين ليس الوحيد الذي يمارس تأثيراً ضخماً في أجندة بايدن. ففيما يترك الانقسام بالتساوي في مقاعد الجمهوريين والديمقراطيين في مجلس الشيوخ، مجالاً ضيقاً للمناورة في عمليات التصويت الصعبة، يحظى ديمقراطيون معتدلون آخرون، مثل السيناتورين كيرستن سينيما وجون تيستر، بنفوذ سياسي كبير في واشنطن، في أمر يتيح ثقلاً موازناً قوياً لـ"التقدميين" الذين يشكّلون قاعدة الحزب.
وقال جيم مانلي، وهو مساعد قديم للزعيم السابق للغالبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ هاري ريد: "إن كل فرد من هؤلاء الأعضاء قادر على أن يكون ملكاً، أو صانع ملوك في الكابيتول (مقرّ الكونغرس). يمكن أن يكون لديهم تأثير حقيقي، إذا بقوا موحّدين، وعرضوا عضلاتهم، لا سيّما نظراً إلى الهوامش الضيقة في مجلسَي النواب والشيوخ".
عرقلة ترشيحات للرئيس
وفيما طارد "التقدميون" بايدن خلال فترة طويلة من حملته الانتخابية، لامتناعه عن تبنّي مواقف يسارية، في ملفات مثل العدالة الجنائية والرعاية الصحية، أشاد به بعد مرور شهر على تنصيبه، بعض من أبرز خصومه السابقين في اليسار، مثل السيناتور بيرني ساندرز.
لكن المعتدلين في الحزب هم الذين يسبّبون صداعاً الآن للرئيس. ففي الأسبوع الماضي، عارض مانتشين ترشيح نيرا تاندن لمنصب مدير مكتب الإدارة والموازنة في إدارة بايدن، نتيجة تغريدات مثيرة للجدل، هاجمت فيها أعضاء من الحزبين، الديمقراطي والجمهوري. وبعد موقف مانتشين، تراجعت فوراً احتمالات تثبيت تعيين تاندين في المنصب.
كذلك ينتظر مراقبون سياسيون لمعرفة هل سيدعم مانتشين ترشيح فيفيك مورثي لمنصب الجرّاح العام، علماً بأنه عارضه في عام 2014. والجرّاح العام مكلّف بحماية الشعب الأميركي وتحسين صحته وسلامته.
انتقاد كامالا هاريس
قبل أسابيع، أثار مانتشين ضجة عندما انتقد علناً نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس، بعد إجرائها مقابلة مع شبكة تلفزة في ولايته فرجينيا الغربية، إذ اعتبرها محاولة للضغط عليه لدعم حزمة للإنقاذ من تداعيات فيروس كورونا المستجد، قيمتها 1.9 تريليون دولار. وبعد فترة وجيزة على شكواه، تلقى مانتشين اتصالاً من البيت الأبيض، لمحاولة تسوية الوضع.
مانتشين هو واحد من ديمقراطيين وسطيين أعربوا عن شكوكهم بشأن هذه الحزمة، ما يهدد بإخراج الأولوية القصوى لبايدن عن مسارها.
وطالب مانتشين وسينيما وتيستر بمزيد من المساعدات للأميركيين، ووقّعوا، مع 5 ديمقراطيين وسطيين آخرين و7 جمهوريين، تعديلاً يمنع "دافعي الضرائب ذوي الدخل المرتفع" من تلقي شيكات حزمة التحفيز. وقال تيستر: "التحدي هنا هو أنني لا أريد أن أفعل الكثير، ولا أن أفعل القليل. أريد أن أتأكد من أن الأمر مُستهدف ومُبرّر".
ويعارض مانتشين وسينيما أيضاً اقتراح بايدن بزيادة الحدّ الأدنى للأجور إلى 15 دولاراً في الساعة، في خطوة قد تؤدي إلى حذفه من مشروع القانون النهائي بشأن الحزمة. كذلك أغضب الاثنان "التقدميين"، لرفضهما دعم إلغاء عتبة الأصوات الـ60 لإقرار غالبية التشريعات.
ولايات جمهورية ومتأرجحة
وأشارت "أسوشيتد برس" إلى أن المعتدلين سيؤثرون أيضاً في الهدف التشريعي البارز المقبل لإدارة بايدن، وهو مشروع قانون أساسي للبنية التحتية والوظائف، يطاول ملف المناخ. يريد مانتشين وآخرون من الولايات الريفية، التزامات مالية للبنية التحتية الريفية والاستثمارات، لتعويض أي خسائر في الوظائف بصناعة النفط والغاز.
واعتبر كريس كوفينيس، وهو رئيس سابق للموظفين لدى مانتشين، أن لا الأخير ولا سينيما معرّضان لتحدٍّ انتخابي في ولايتيهما، فرجينيا الغربية وأريزونا، إذ إن الحقائق السياسية في الولايتين توجّه وسطيتهما الحادة. وتميل فرجينيا الغربية إلى الجمهوريين، فيما تُعتبر أريزونا ولاية متأرجحة.
وقال كوفينيس: "كل عضو في مجلس الشيوخ سيفكّر: ماذا يريد ناخبي؟ ما الذي يحتاجون إليه؟ وأعتقد بأن المعتدلين بشكل عام يميلون إلى أن يكونوا أكثر حساسية في هذا الصدد، نتيجة الطابع الفريد للسياسة في ولاياتهم، التي تكون عادة أكثر انقساماً".
وذكرت "أسوشيتد برس" أن البيت الأبيض يشارك تلك المخاوف السياسية. ويحتاج الديمقراطيون للدفاع عن غالبيتهم وتعزيزها، في مجلسَي النواب والشيوخ، في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، المرتقبة في عام 2022، إلى جذب ناخبين معتدلين في الضواحي بمناطق تميل للجمهوريين، وفي ولايات مثل بنسلفانيا وكارولاينا الشمالية وأوهايو، حيث يأملون بالفوز على مستوى الولاية. كذلك سيحتاج السيناتوران، مارك كيلي من أريزونا ورافاييل وارنوك من جورجيا، إلى الحفاظ على دعمهما لدى الناخبين المعتدلين، كي يأملا بالفوز مجدداً في ولايتيهما الصعبتين.
القرع على باب بايدن
ويحظى معتدلون باهتمام إضافي من البيت الأبيض، نتيجة أهميتهم بالنسبة إلى التصويت النهائي على مشروع قانون حزمة التحفيز. وقال مساعد لمانتشين إن بايدن تحدث معه مرات، بما في ذلك بعد تنصيب الرئيس مباشرة. ويتواصل مانتشين أحياناً مع بايدن، فيما يتواصل معه الرئيس في أحيان أخرى.
لكن المعتدلين لا يحصلون دوماً على اهتمام شخصي من بايدن، ولا يسعون إليه دائماً. ويتجنّب بعضهم، ممّن يأتون من ولايات موالية للجمهوريين، الإفصاح عن تواصلهم مع بايدن، إذ إن تقرّبهم من رئيس ديمقراطي سيثير لهم مشكلة سياسية.
ويقول بعضهم، مثل سينيما والسيناتور أنغوس كينغ، وهو مستقل يعمل مع الديمقراطيين، إن موظفيهم على اتصال يومي تقريباً بالبيت الأبيض. ولفت كينغ إلى أن الدينامية تختلف من عضو إلى آخر، وفق موقفه من حزمة الإغاثة.
أما تيستر فذكر أنه لا يسعى إلى مكالمات شخصية من الرئيس؛ لأن موظفيه منخرطون بعمق في تفاصيل المفاوضات، وهم على اتصال متكرر مع نظرائهم في البيت الأبيض. وتابع، في إشارة إلى بايدن: "لن أقرع على بابه في كل مرة أرغب بذلك. سأستخدم هذه القدرة في الاتصال به، عندما تكون ذات قيمة عالية".