أعلنت مجموعة السبع، الجمعة، أنها ستفرض بـ"صورة عاجلة" سقفاً على سعر النفط الروسي، لكن فرض هذا السقف على أرض الواقع يتطلب مجموعة من الإجراءات المعقدة وإجماعاً دولياً أوسع.
ويعمل البيت الأبيض منذ يونيو الماضي، على دفع دول مجموعة السبع إلى دعم آلية لتحديد حد أقصى لسعر النفط الروسي، والتي من شأنها أن تسمح لبعض الشحنات الروسية بالوصول إلى دولة ثالثة طالما وافقت على دفع سعر أقل من سعر السوق للشحنة.
وأشادت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين، بالقرار قائلة: "اليوم اجتازت مجموعة السبع محطة أساسية في تحقيق هدفنا المزدوج، وهو ممارسة ضغط تنازلي على أسعار الطاقة في العالم مع حرمان (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين من عائدات لتمويل حربه الوحشية في أوكرانيا".
واعتبرت "بلومبرغ" أن يلين حققت مرة أخرى نصراً غير متوقع على الساحة الدولية بحشد حلفاء الولايات المتحدة لكبح العوائد الروسية، لكنها أشارت إلى أنه "ليس من الواضح بعد كيف يمكنها ترجمة عرضها إلى واقع".
ورغم المعارضين والرافضين حتى بين مسؤولي إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن وحلفاء الولايات المتحدة الرئيسيين، أقنعت يلين الدول الاقتصادية المتقدمة بدعم اقتراحها بوضع حد أقصى لسعر النفط الروسي.
وأشارت "بلومبرغ" إلى أن عرضاً كهذا كان غير متوقعاً، تماماً كإنجازها العام الماضي بإقناع 140 دولة بدعم إصلاح تاريخي لقواعد ضرائب الشركات.
وقالت إنه تماماً كالمقترح السابق، يواجه الإنجاز الجديد "عقبات يمكنها أن تحول نجاحاً مفاجئاً إلى فشل مرير".
التأمين وسيلة
الآلية الرئيسية التي سيعتمد عليها الغرب في وضع سقف لسعر النفط الروسي، عبر إجبار شركات التأمين البحرية على رفض التأمين على الشحنات التي تتجاوز السقف السعري المعلن.
والتأمين على الشحنات أمر إلزامي حتى تبحر السفن وهي محملة بشحنات، وبذلك، يسمح للناقلات والسفن شحن النفط الخام الروسي، طالما يلتزم المشترون بالسعر المحدد للنفط.
وفي الوقت نفسه، سيحظر على المشترين التعامل مع شركات التأمين حال تخطى سعر شحنات النفط الروسي ما هو محدد.
ويأمل الغرب في تطبيق تلك الآلية، باعتبار أن 95% من ناقلات النفط في العالم تحصل على تغطيتها من قبل المجموعة الدولية لنوادي الحماية والتعويض في لندن، فضلاً عن بعض الشركات الموجودة في أوروبا.
لكن تطبيق ذلك السقف وتلك الآلية يترافق مع مجموعة كبيرة من التعقيدات، والكثير من الأجزاء المتحركة التي لا يملك الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة خيوطها بالكامل، ليس فقط فيما هو خارج عن الاتحاد والولايات المتحدة، إذ تأتي بعض تلك الصعوبات والمعارضات من داخل المعسكر الغربي نفسه.
إجماع أوروبي
بداية، تتطلب الخطة إجماعاً من دول الاتحاد الأوروبي الـ27 لتعديل حزمة العقوبات الأخيرة ضد روسيا، وهي معضلة في حد ذاتها. فالمجر، التي منعت التكتل من تبني جزء أساسي من خطة يلين للضريبة العالمية على الشركات، قالت إنها لن تدعم القرار.
وأتمت المجر صفقة مع شركة "غازبروم" الروسية لزيادة إمدادات الغاز الروسي في سبتمبر وأكتوبر، في خطوة تبدد مخاوف البلد خلال الشتاء. وإذا دعمت المجر قرار مجموعة السبع، فإن ذلك سيضع صفقتها مع "غازبروم" في خطر.
لا إجراءات واضحة
ثمة شكوك أيضاً بشأن الوضع خارج الاتحاد الأوروبي، وتحديداً في الصين والهند، فهما ضمن أكبر مشتري النفط الروسي، وليس متوقعاً أن يدعما الخطة، لكنهما ستسعيان وراء النفط الروسي الرخيص.
وتواجه الخطة معارضة في اليابان أيضاً، وخلافاً في أوروبا بشأن الحاجة إليها. وبينما تتخوف واشنطن من أن حظر الاتحاد الأوروبي سيوقف النفط الروسي، ويسبب ارتفاعاً في الأسعار، فإن عدداً من الأوروبيين يوافقون على هذا التحليل.
وقال فيكاس دويفيدي وهو محلل اقتصادي لشؤون الغاز والنفط بشركة "ماكجواير كابيتال": "لا أعتقد حقاً أن أحداً يعرف كيف ستتم هذه العملية، هناك الكثير من الأمور التي يجب حلها".
وأشارت شبكة "سي إن إن" الأميركية إلى أنه رغم فرض عقوبات كبيرة على صادرات الطاقة الروسية، واصلت موسكو جنى مليارات الدولارات شهرياً عبر تحويل صادراتها النفطية إلى الصين والهند.
خيارات روسيا
وقال وزراء مجموعة السبع إن الحد الأقصى للسعر مصمم لتقليص العوائد الروسية وقدرة موسكو على تمويل حربها فيما يحد أيضاً من تأثير الحرب الروسية على أسعار الطاقة العالمية.
لكن الإجراءات التي يجب اتخاذها لتحقيق هذا الهدف ستكون معقدة للغاية، فيجب مبدئياً الاتفاق على الحد السعري، وسيحتاج ذلك إلى دعم عالمي واسع كي يكون مؤثراً.
وإذا أجبر القرار روسيا على عقد صفقات أرخص مع شركائها التجاريين، بوضع سقف لبيع منتجاتها النفطية، فسيؤدي ذلك لتحقيق الهدف.
ويمكن لروسيا أن تعرض خيارات بديلة للتأمين على شحناتها النفطية، لكن الخزانة الأميركية أشارت إلى أن تكلفة ذلك ستكون باهظة، وهو ما يرفع الحوافز لدى المشترين للذهاب مع خيار السقف السعري.
موقف شركات التأمين
وبحسب صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية، يجب إقناع عدد كاف من الدول وشركات التأمين الكبرى بالخطة.
وأشارت هيليما كروفت، محللة النفط ورئيسة قطاع السلع الدولية بشركة "RBC Capital Market"، إلى أن المبادرة تقوم على افتراض أن دولاً مثل الهند ستوافق على شراء الخام الرخيص.
وشككت كروفت فيما إذا كان من الممكن وضع سعر منخفض كفاية لتقليل عوائد موسكو من النفط ومرتفعاً كفاية كي تشعر روسيا بأنه لا يزال من مصلحتها مواصلة التصدير.
وعبرت شركات التأمين في لندن المركز العالمي لشركات التأمين البحرية، سراً عن مخاوف من استخدام التأمين كآلية لتنفيذ القرار عبر حظر تغطية الشحنات التي تتعدى السقف السعري المعلن، إذ أن تلك الشركات عادة لا تعلم سعر الشحنة.
وقال مسؤولو الاتحاد الأوروبي إن مجموعة السبع وسلطات الاتحاد الأوروبي ستلعب دوراً في مراقبة أسعار شحنات النفط، خشية أن تحجم شركات التأمين عن تغطية شحنات النفط الروسية بالكامل خوفاً من الفشل في تطبيق السقف السعري المعلن.
وإذا قررت شركات التأمين تجنب أي مخاوف قانونية والبقاء بعيداً عن تغطية شحنات النفط الروسي بالكامل، فإن هذا قد يعزز من مخاوف واشنطن من ارتفاع أسعار النفط.
ويشكك بعض المسؤولين التنفيذيين بقطاع النفط في القرار، فالرئيس التنفيذي لشركة إكسون موبيل، دارين وود، قال لصحيفة "فاينانشيال تايمز"، إن محاولة وضع سعر ثابت للنفط سيكون "تحدياً معقداً".
وأضاف: "ليس من الواضح بالنسبة لي كيف ستعمل تلك الآلية، في النفط والغاز تعمل الأسواق بشكل فعال ومثير للغاية".
حرب طاقة
ويكمن الخطر الأكبر في أن ترفض روسيا المشاركة فتعمد إلى التصعيد ليصبح مصطلح "حرب الطاقة" واقعياً وعملياً، وأشارت "فاينانشيال تايمز" إلى أن عملاق الغاز الروسي "جازبروم" قطعت إمدادات الغاز بالفعل عن أوروبا.
لكن محللين يرون أنه قد يكون من الصعب على موسكو استعمال نفس التكتيكات مع النفط، والذي يشكل الجزء الأكبر من عائدات الموازنة الروسية، فوقف إنتاج النفط يحمل معه مخاطر كبيرة، تهدد بتدمير الحقول النفطية إذا ما توقف الإنتاج.
ومع ذلك، فإن وقف الإمدادات لرفع الأسعار وتضييق الخناق على الاقتصادات الغربية، قد يجدي نفعاً كخطوة على المدى القصير، بحسب هيليما كروفت.