بعد مفاوضات مكثفة بوساطة الولايات المتحدة طيلة عامين، أشاد الرئيس الأميركي جو بايدن، الثلاثاء، بالاتفاق حول ترسيم الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان، ووصفه بأنه "اختراق تاريخي"، وسط ترحيب من بيروت وتل أبيب، فيما توقع مسؤول أميركي "لحظات صعبة مع تقدم الاتفاق".
وقال بايدن إن رئيس وزراء إسرائيل يائير لبيد والرئيس اللبناني ميشال عون، أكدا استعداد الحكومتين للمضي في الاتفاق البحري، مشدداً في بيان على "ضرورة وفاء كل الأطراف بتعهّداتهم وعملهم على تطبيق الاتفاق".
وبحسب بيان للبيت الأبيض، أبلغ بايدن، رئيس وزراء إسرائيل أن الاتفاق مع لبنان "يحفظ أمن إسرائيل ومصالحها الاقتصادية"، مؤكداً "التزام واشنطن الراسخ بأمن إسرائيل"، فيما قال الرئيس الأميركي لنظيره اللبناني إن الاتفاقية "ستساهم في تحسين حياة الملايين في لبنان".
وكان الرئيس الأميركي أجرى اتصالين هاتفيين منفصلين مع لبيد وعون في أعقاب الإعلان عن التواصل إلى اتفاق بشأن ترسيم الحدود البحرية بين البلدين.
وقالت الرئاسة اللبنانية في بيان إنها "تعتبر الصيغة النهائية.. مُرضية للبنان لا سيما أنها تلبي مطالبه"، و"حافظت على حقوق لبنان في ثروته الطبيعية". ويأتي اتفاق ترسيم الحدود البحرية قبل انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في 31 أكتوبر"، مشيرة إلى أنها تريد مراجعة النسخة العربية للنص لإعلان موقفها الرسمي.
وأعلنت إسرائيل أنها توصلت مع لبنان، الثلاثاء، إلى اتفاق "تاريخي" لترسيم حدودهما البحرية وإزالة العقبات الرئيسية أمام استغلال حقول الغاز في شرق البحر المتوسط.
وأوضح لبيد أن مجلس الوزراء الأمني المصغر، سيجتمع، الأربعاء، ويعقب ذلك اجتماع الحكومة للموافقة على الاتفاق.
تفاصيل "الاتفاق التاريخي"
من جانبه، قال مسؤول كبير في الإدارة الأميركية للصحافيين، الثلاثاء، إن "إنجاز" التوصل إلى اتفاق بين إسرائيل ولبنان لترسيم الحدود البحرية حدث خلال اليومين الماضيين المكثفين للغاية.
وذكر أن "المفاوضات لم تكن سهلة، وهذا الاتفاق تاريخي لأسباب عدّة، بما في ذلك أنه أول ترسيم للحدود بالاتفاق المتبادل بين لبنان وإسرائيل، ويوفّر الأمن لتل أبيب"، متوقعاً أن "تكون هناك لحظات صعبة مع تقدم الاتفاق".
وقال المسؤول الأميركي إن واشنطن ستقدم مساعدتها في تسهيل المناقشات المستقبلية، حيثما تكون الجهود الدبلوماسية مفيدة.
وأوضح أن "إسرائيل ستحتفظ بجميع الآليات الأمنية والبنية التحتية التي تحتاجها للتأكد من حماية بلدها وخطها الساحلي، بحيث يضمن الاتفاق الجديد من خلال اتفاق آخر منفصل".
وأضاف المسؤول أنه سيتم تعويض إسرائيل عن أي حصة من الهيدروكربونات التي تم العثور عليها على جانبها من حدود البحر المتوسط.
وقال المسؤول الأميركي إن "المفاوضات لم تشمل حزب الله"، لافتاً إلى أن واشنطن لديها الضمانات بأن حكومتي لبنان وإسرائيل ستحافظان على الاتفاق، لكنه اعتبر أنه "لا أحد يستطيع أن يضمن ما يكمن في المستقبل".
مكاسب لبنان وإسرائيل
وأضاف المسؤول الكبير في الإدارة الأميركية أنه لا يرى أي تهديد لحقل "كاريش" الذي يجري تطويره. وتابع: "نحن سعداء لأن لبنان سيكون قادراً على تطوير الحقول في تلك المياه.. لدي كل التوقعات بأن يتم توقيع هذا الاتفاق ووضعه حيز التنفيذ، إنه فوز حاسم لكلا الجانبين".
وأضاف أن "كاريش ليس جزءاً من النزاع، وليس لدينا الكثير لنقوله بشأن ما تفعله إسرائيل هناك، وهذا ليس عاملاً في هذه المفاوضات. لا يحصل طرف على شيء أكثر من الآخر، بل يحصل كل منهما على أشياء مختلفة.. إسرائيل تحصل على مكاسب أمنية واقتصادية، ويحصل لبنان على تنمية اقتصادية وأمل في الانتعاش الاقتصادي".
وتابع: "لا أحد يريد الصراع، هذه أهمية الاتفاق.. إسرائيل عززت أمنها واستقرارها (من خلال الاتفاق) الذي سيوفر نوع الأمن الذي يحتاجه كلا البلدين".
وقال المسؤول الأميركي إنه بالنسبة للولايات المتحدة "الالتزام بأمن إسرائيل أمر لا يتزعزع ولا يزال صلباً، وهذا الاتفاق يتماشى مع التزام واشنطن بأمن تل أبيب، والذي يتضمن ضمان ازدهار المنطقة بأكملها واستقرارها".
وفي السياق، ذكر بيان البيت الأبيض أن بايدن أبلغ لبيد خلال الاتصال الهاتفي أن الاتفاق الجديد "يخلق أيضاً فرصاً جديدة لإسرائيل"، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة لا تزال مستعدة لتسهيل حل القضايا التي قد تنشأ بموجب الاتفاق، إذا دعت الأطراف إلى ذلك.
بايدن: "مجرد بداية"
وفي وقت سابق الثلاثاء، تلقّى الرئيس اللبناني ميشال عون اتصالاً من نظيره الأميركي لتهنئته بإتمام مفاوضات ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل بعد وساطة أميركية.
وبحسب بيان للبيت الأبيض، اعتبر بايدن أن هذه الاتفاقية بين لبنان وإسرائيل مجرد بداية، لافتاً إلى أن "المفاوضات كانت صعبة، وتطلبت الكثير من الشجاعة، ولذلك شكراً على ثقتكم التي تبرهن على علاقة الصداقة القوية التي تربط بلدينا".
وأشار بايدن خلال اتصاله مع نظيره اللبناني إلى أن الاتفاقية ستساهم في تحسين حياة الملايين من الأشخاص في لبنان، وسنتأكد من التزام إسرائيل بجميع التزاماتها بموجب هذه الاتفاقية".
وقال إن الولايات المتحدة لا تزال ملتزمة تجاه الشعب اللبناني ودعم الاستقرار والسيادة داخل لبنان، لافتاً إلى "أمله في أن تجري الانتخابات الرئاسية اللبنانية في موعدها بشكل يتوافق مع الدستور".
وفي مؤتمر صحافي، قالت السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا إن اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل سوف "يؤمّن تطوير حقول الطاقة لفائدة البلدين"، معتبرة أن لبنان "سيتمكن من الاستفادة من موارد طاقة جديدة، تُمهد الطريق أمامه للاستقرار والازدهار".
وأضافت: "الاتفاق يروج للاستثمارات الأجنبية في لبنان، وهي أساسية على خلفية الوضع الاقتصادي الصعب، حيث تسمح بالاستكشاف والتصدير من الحقول الهيدروكربونية المستكشفة في البحار بطريقة تروج وتعزز الاستقرار في المنطقة.
وشددت دوروثي على أنه "من المهم أن يلتزم الطرفان بموجبات الاتفاقية والعمل على إنجاحها".
"وحدة لبنانية"
بدوره، قال وزير الطاقة والمياه في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية وليد فياض، الثلاثاء، لـ"الشرق"، إن اتفاق ترسيم الحدود "لقي دعم كافة ممثلي الدولة في لبنان، في موقف موحد يُعبر عن ضرورة أن يضمن الاتفاق حق لبنان الجغرافي في الحدود والموارد المائية"، مضيفاً أن أعمال التنقيب عن الغاز ستبدأ قريباً من خلال شركة "توتال" الفرنسية.
وأوضح أن الاتفاق يضمن أيضاً "حق التنقيب واستخراج النفط والغاز الموجود في هذه المياه، وتحديداً في حقل قانا، بحيث يحصل على كامل حصته العائدة دون أن يتنازل عن أي شيء من عائدات الشركات المنقبة"، مشيراً إلى أن ذلك هو "جوهر الاتفاق".
وقال فياض إن "الاتفاق يعود بالنفع على لبنان، ويحرز تقدماً استراتيجياً في هذا الموضوع الحساس الذي ظل زمناً طويلاً قيد النقاش والمفاوضات، وسنحت الفرصة عالمياً وفي المنطقة أن يتم هذا التقدم".
ولفت الوزير اللبناني إلى إن مسألة اتفاق ترسيم الحدود البحرية "خلقت وحدة وطنية في لبنان، إذ توحدت الصفوف وأسهمت في تأمين الوصول إلى الخواتيم المفيدة للشعب اللبناني".
موعد التنقيب
ورداً على سؤال بشأن التأكد من أن هناك غازاً بالفعل في حقل قانا قابلاً للاستثمار التجاري، أوضح وزير الطاقة اللبناني أن "المسوحات ثلاثية وثنائية الأبعاد التي قامت بها في المرحلة الأولى الهيئة اللبنانية الناظمة للبترول، وكذلك الشركات المنقبة بقيادة (شركة) توتال (الفرنسية) وبمشاركة (شركة) إيني (الإيطالية)، كشفت وجود الغاز في حفل قانا، إضافة إلى عدد من الحقول الأخرى في البلوك (رقم) 9".
لكن فياض أشار إلى أن هذا "لا يعني أننا ما إن نحفر حتى يخرج الغاز. لا أستطيع أن أجزم بذلك 100%، لكن هناك احتمالاً كبيراً بأن يكون هناك غاز".
وأشار إلى أن وفداً من شركة "توتال" زار لبنان، وقال إن الشركة جاهزة لبدء التنقيب بأسرع وقت، مضيفاً أن "هذا يتطلب استعدادات لوجستية ترتبط بالمعدات التي ستحتاجها الشركة والمنصة التي يجب أن توضع على البحر، لكننا نتحدث عن أشهر قليلة لبداية الأعمال وليس سنوات، والمفترض أن توفر الشركة جدولاً زمنياً مفصلاً أكثر".
وتابع فياض: "التنقيب سيبدأ حالاً مع المضي بالاتفاقية وإنهائها الذي سيتم خلال أيام، وبعدها التخطيط الجدي والمفصل، وبمدد زمنية محدودة وليست بعيدة الأمد".
وأوضح وزير الطاقة اللبناني لـ"الشرق" أن حجم الغاز الموجود يُقدر بتريليونات الأقدام المكعبة، ما "يُمثل كمية كبيرة لبلد مثل لبنان، وربما تكفي حاجة لبنان من الغاز عشرين عاماً، هذه تقديرات موضوعية، لأنها نابعة عن دراسة".
وبشأن إمكانية احترام الاتفاق من الأطراف المشاركة فيه، قال فياض "في ظل وحدة الصف اللبناني وموقع القوة الذي يفاوض من خلاله نحن متفائلون"، مضيفاً أن "وضع المنطقة والعالم لا يحتمل عدم الاستقرار، ولذلك فالموضوع بالمبدأ والمنطق إيجابي وبإمكاننا التفاؤل حياله، وعلى كل طرف أن يتحمل مسؤولية أفعاله ومواقفه".
وتابع "نحن مرتاحون لأننا وضعنا خطوطاً لاتفاقية عادلة تحفظ حقوق لبنان، وهي اتفاقية منطقية وجاهزة للدفاع عنها وقبولها من كافة الأطراف".
صيغة "مُرضية"
واعتبرت الرئاسة اللبنانية أن الصيغة النهائية للعرض الأميركي "مُرضية للبنان.. وحافظت على حقوق لبنان في ثروته الطبيعية".
وكان رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أعلن، الثلاثاء، موافقة لبنان على نسخة العرض الأميركي لترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، على أن يعلن رئيس الجمهورية ميشال عون، الأربعاء، الموقف النهائي.
وتوجه ميقاتي بالشكر إلى الأطراف التي ساهمت بالتوصل إلى الاتفاق، بما في ذلك "الإدارة الأميركية والرئيس الفرنسي (إيمانويل ماكرون) بالذات"، وذلك "لما قاموا به مع شركة توتال التي حصل معها اجتماع صباح (الثلاثاء) وتم الاتفاق على البدء بمراحل التنقيب فور الاتفاق النهائي".
وستحصل شركة توتال الفرنسية على ترخيص للتنقيب عن الغاز في حقل قانا، على أن تحصل إسرائيل على حصة من الإيرادات المستقبلية.
وتُعول السلطات اللبنانية على وجود احتياطيات نفطية من شأنها أن تساعد البلاد على تخطي التداعيات الكارثية للانهيار الاقتصادي المتمادي منذ نحو 3 أعوام.
من جانبه، أثنى وزير الدفاع الإسرائيلي بيني جانتس على موقف الرئاسة اللبنانية لتأييدها النص الذي وصفه بأنه "إيجابي للجانبين".
وبموجب الاتفاق الجديد، يصبح حقل "كاريش" بالكامل في الجانب الإسرائيلي، فيما يضمن الاتفاق للبنان حقل "قانا" الذي يتجاوز خط الترسيم الفاصل بين الطرفين.
ومنذ بداية يونيو، تسارعت التطورات المرتبطة بالملف بعد توقف لأشهر جراء خلافات حول المنطقة المتنازع عليها. وبعد لقاءات واتصاوليد لات مكوكية بين الطرفين، قدم الوسيط الأميركي آموس هوكستين خلال الأيام الماضية عرضه الأخير.
اقرأ أيضاً: