رئيس الصين يلجأ إلى دبلوماسية "أكثر مرونة" في "أبيك"

الرئيس الصيني شي جين بينج يوقع في سجل الضيوف خلال منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ (أبيك) في بانكوك - 19 نوفمبر 2022 - AFP
الرئيس الصيني شي جين بينج يوقع في سجل الضيوف خلال منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ (أبيك) في بانكوك - 19 نوفمبر 2022 - AFP
دبي- الشرق

استغل الرئيس الصيني شي جين بينج أول اجتماعاته وجهاً لوجه مع حلفاء الولايات المتحدة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ منذ عام 2020، في محاولة التوصل إلى نجاحات دبلوماسية، في الوقت الذي تسعى فيه واشنطن للتصدي لنفوذ بكين في المنطقة.

وأشارت وكالة "أسوشيتدبرس" الأميركية إلى أن الرئيس الصيني لم يتراجع عن مطالب الصين القديمة في ما يتعلق بتايوان ومعظم بحر الصين الجنوبي، لكن تصريحاته لمختلف القادة في منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ (أبيك) في بانكوك، هذا الأسبوع، ركزت بشكل أكبر على دور بكين الاقتصادي المحوري لجيرانها.

ومع ارتفاع مكانة الصين، أصبحت دبلوماسيتها "أكثر مرونة من النهج الاستعلائي" الذي أثار استياء في بعض الأحيان في الماضي، وفقاً للتقرير. 

وفي كلمته أمام قادة منتدى (أبيك)، قال شي إن "الصين مستعدة لمتابعة التعايش السلمي والتنمية المشتركة مع جميع الدول على أساس الاحترام المتبادل والمساواة والمنفعة المتبادلة".

وأضاف شي، الذي اكتسب شهرة بوصفه قومياً متحمساً يضع المصالح الوطنية للصين فوق أي اعتبار ولن يتنازل أبداً عن "شبرٍ واحدٍ" من الأراضي الصينية، أن بلاده "ستواصل مشاركة فرصنا التنموية مع العالم، خاصة مع منطقة آسيا والمحيط الهادئ".

شركاء "وليس تهديداً"

وفي اجتماع، الخميس، مع رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا في بانكوك، شدد شي على أن البلدين يجب أن يكونا "شركاء وليس تهديداً (لبعضهما)".

وقال كيشيدا للصحافيين بعد الاجتماع الذي استمر 45 دقيقة إنه أجرى "مناقشة صريحة ومفصلة" مع شي.

وصرح بأنه أعرب عن "مخاوف جدية" بشأن نشاط الصين في بحر الصين الشرقي، بما في ذلك حول جزر "سينكاكو" المتنازع عليها، فضلاً عن النشاط العسكري لبكين مثل إطلاق الصواريخ الباليستية. لكنه أبلغ شي أيضاً أن هناك إمكانيات مختلفة للتعاون وأنه من المهم لليابان والصين تحقيق علاقات "بناءة ومستقرة".

وفي اجتماعه مع رئيس وزراء سنغافورة لي هسين لونج، تعهد شي بالعمل مع سنغافورة التي ينتمي معظم سكانها إلى العرق الصيني "بالحفاظ على الاتجاه الصحيح للتكامل الاقتصادي والإقليمي".

"تحقيق توازن"

وعلى الرغم من أن سنغافورة ليست حليفاً للولايات المتحدة مثل اليابان، إلا أنها تجسد إلى حد كبير رغبة المنطقة في "تحقيق توازن" بين علاقاتها مع واشنطن وبكين. ويلعب الأسطول السابع التابع للبحرية الأميركية دوراً نشطاً في بحر الصين الجنوبي ذي الأهمية الاستراتيجية، والذي تطالب به الصين بالكامل تقريباً، وتدعم سنغافورة الوجود العسكري الأميركي.

ويبدو أن الهدف هو الاستفادة من فرص التنمية والعلاقات الاقتصادية الوثيقة مع بكين مع مقاومة الهيمنة الصينية، بحسب الوكالة.

وفي اجتماع ثنائي آخر، أبلغ شي الرئيس الفلبيني فرديناند ماركوس جونيور، الذي تعد بلاده حليفاً وشريكاً أمنياً مهماً للولايات المتحدة، أن الصين مستعدة لتعزيز وارداتها من الأغذية، وغيرها من المنتجات والتعاون في مجالات الزراعة والبنية التحتية والطاقة، والتبادل الثقافي بين الشعبين.

ولطالما كانت الفلبين وفيتنام ودول أخرى في جنوب شرق آسيا تواجه نزاعات إقليمية مع الصين بشأن مطالباتها في بحر الصين الجنوبي.

"مشاورات ودية"

وفي الاجتماع مع ماركوس، بدا أن شي لم يقدم أي أساس، مكتفياً بالقول إنه "في بحر الصين الجنوبي، يجب على الجانبين الالتزام بالمشاورات الودية والتعامل مع الخلافات والنزاعات بشكل صحيح".

وبعد الاجتماع، أصدر مكتب ماركوس بياناً قصيراً قال فيه إنه "أعرب عن ابتهاجه" بعد التحدث مع شي وتطلعه إلى زيارة رسمية للصين في يناير.

وأضاف مكتب ماركوس، في وقت لاحق، أن الرئيسين اتفقا على أن قضاياهما البحرية "لا تحدد مجمل العلاقات الفلبينية الصينية".

وقال ماركوس: "سياستنا الخارجية ترفض الوقوع في فخ عقلية الحرب الباردة. سياستنا الخارجية هي سياسة خارجية مستقلة تسترشد بمصلحتنا الوطنية والتزامنا بالسلام".

محاولات "لإذابة الجليد"

ومنتدى "أبيك"، هو الثالث من 3 قمم رفيعة المستوى في آسيا، حيث سعت الولايات المتحدة لترويج رسالة مفادها أن واشنطن "شريك اقتصادي وأمني موثوق" به في الوقت الذي تسعى فيه للتصدي لنفوذ الصين المتنامي.

ومثّل الرئيس الأميركي جو بايدن بلاده في اجتماع رابطة دول جنوب شرق آسيا "آسيان" في كمبوديا، ثم قمة مجموعة العشرين في إندونيسيا، في حين مثّلت نائبته كامالا هاريس الولايات المتحدة في تايلاند.

وعلى هامش قمة "أبيك"، اجتمعت هاريس، السبت، لفترة وجيزة، مع بينج، في ثاني تواصل بين البلدين خلال أيام، بعد اجتماع سابق على هامش قمة العشرين في إندونيسيا، بين شي ونظيره الأميركي جو بايدن.

ولم يكن شي حاضراً في قمة (آسيان)، حيث مثّل الصين رئيس مجلس الدولة لي كه تشيانج.

وأكدت هاريس للقادة الآسيويين في كلمة على هامش القمة، الجمعة، أن "الولايات المتحدة جاءت لتبقى"، مضيفة: "لا يوجد شريك اقتصادي أفضل لهذه المنطقة من الولايات المتحدة".

ولم تكن هناك مؤشرات ملحوظة على "إذابة الجليد" بين بكين وواشنطن من ذلك اللقاء، وربما لم يكن ذلك مفاجئاً بالنظر إلى مجموعة القضايا الخلافية بينهما.

تايوان "خط أحمر"

ووفقاً للولايات المتحدة، كرر بايدن سياسة واشنطن طويلة الأمد في ما يتصل بمبدأ "الصين الواحدة"، التي تعترف بالحكومة في بكين، مع السماح بالعلاقات الأميركية غير الرسمية والعلاقات الدفاعية مع تايوان، التي تعتبرها الصين جزءاً من أراضيها.

وشدد شي على أن "مسألة تايوان هي في صميم المصالح الجوهرية للصين، وهي حجر الأساس السياسي للعلاقات بين الصين والولايات المتحدة والخط الأحمر الأول الذي يجب عدم تجاوزه في العلاقات بين البلدين"، وفقاً لما أوردته الحكومة الصينية عن الاجتماع.

وأجرت الصين تدريبات عسكرية كبيرة في المناطق المحيطة بتايوان في أغسطس، في رد غاضب على زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي إلى تايبيه، وأطلقت صواريخ باليستية على مياه قرب جزيرة أوكيناوا اليابانية، ما أثار غضب اليابان.

نهج "أكثر مرونة"

ونقلت الوكالة عن الباحث في كلية "لي كوان يو للسياسة العامة" في الجامعة  الوطنية بسنغافورة درو تومسون، قوله إن "المشاركات الدبلوماسية لشي جين بينج وسلسلة من الرسائل الدعائية المساندة سعت إلى تقديم واجهة مبتسمة أكثر مرونة، في ما يبدو أنه جهد للحد من الخلاف والتوتر، لا سيما مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية التي أصبحت أكثر انتقاداً وغاضبة، ومتمسكة بالتنافس مع الصين".

وأضاف تومسون أن عودة شي إلى الظهور على الساحة العالمية بعد بقائه في الصين لأكثر من عامين خلال جائحة كورونا "كانت مطمئنة للعديد من الدول التي سعت إلى إقامة اتصال مع القائد الأعلى وربما صانع القرار الوحيد في الصين".

وأوضح تومسون أنّه في حين أن شي ربما "تبنى نهجاً أكثر مرونة، إلا أنه لا يتنازل عن أي قضايا جوهرية".

وأضاف أن "نهج (شي) لم يسع إلى معالجة المصالح المتباينة الكامنة أو وصف نموذج بديل، حيث ربما تكون الصين مستعدة لتقديم تنازلات واستيعاب مصالح الدول الأخرى، بدلاً من السعي بلا هوادة لتحقيق مصالحها الخاصة على حساب دول أخرى".

اقرأ أيضاً:

تصنيفات